الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب . هدى وذكرى لأولي الألباب . فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار . إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير . لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون . وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلا ما تتذكرون . إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون . وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين . الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون . ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو [ ص: 232 ] فأنى تؤفكون . كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون . الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين . هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين . قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين . هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون . هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون .

                                                                                                                                                                                                                                      ولقد آتينا موسى الهدى من الضلالة، يعني التوراة وأورثنا بني إسرائيل الكتاب بعد موسى، وهو التوراة أيضا في قول الأكثرين; وقال ابن السائب: التوراة والإنجيل والزبور . والذكرى بمعنى التذكير .

                                                                                                                                                                                                                                      فاصبر على أذاهم إن وعد الله حق في نصرك، وهذه الآية في هذه السورة في موضعين [غافر: 55، 77]، وقد ذكروا أنها منسوخة بآية السيف . ومعنى "سبح": صل .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي المراد بصلاة العشي والإبكار ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنها الصلوات الخمس، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 233 ] والثاني: صلاة الغداة وصلاة العصر، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أنها صلاة كانت قبل أن تفرض الصلوات، ركعتان غدوة، وركعتان عشية، قاله الحسن .

                                                                                                                                                                                                                                      وما بعد هذا قد تقدم آنفا [المؤمن: 4] إلى قوله: إن في صدورهم إلا كبر . . . الآية نزلت في قريش; والمعنى: ما يحملهم على تكذيبك إلا ما في صدورهم من التكبر عليك، وما هم ببالغي مقتضى ذلك الكبر، لأن الله تعالى مذلهم، فاستعذ بالله من شرهم; ثم نبه على قدرته بقوله: لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس أي: من إعادتهم، [ ص: 234 ] وذلك لكثرة أجزائها وعظم جرمها، فنبههم على قدرته على إعادة الخلق ولكن أكثر الناس لا يعلمون يعني الكفار حين لا يستدلون بذلك على التوحيد . وقال مقاتل: عظمت اليهود الدجال وقالوا: إن صاحبنا يبعث في آخر الزمان وله سلطان، فقال الله: إن الذين يجادلون في آيات الله لأن الدجال من آياته، بغير سلطان أي: [بغير] حجة، فاستعذ بالله من فتنة الدجال، قال: والمراد بـ "خلق الناس": الدجال; وإلى نحو هذا ذهب أبو العالية، والأول أصح .

                                                                                                                                                                                                                                      وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: ادعوني أستجب لكم فيه قولان . أحدهما: وحدوني واعبدوني أثبكم، قاله ابن عباس . والثاني: سلوني أعطكم، قاله السدي .

                                                                                                                                                                                                                                      إن الذين يستكبرون عن عبادتي فيه قولان . أحدهما: عن توحيدي، والثاني: عن دعائي ومسألتي سيدخلون جهنم قرأ ابن كثير . وأبو بكر [ ص: 235 ] عن عاصم، وعباس بن الفضل عن أبي عمرو: "سيدخلون" [بضم الياء]، والباقون بفتحها . والداخر: الصاغر .

                                                                                                                                                                                                                                      وما بعد هذا قد سبق في مواضع متقرقة [يونس: 67، القصص: 73، الأنعام: 95، النمل: 61، الأعراف: 54، 29، الحج: 5] إلى قوله: ولتبلغوا أجلا مسمى وهو أجل الحياة إلى الموت ولعلكم تعقلون توحيد الله وقدرته .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية