ولقد بين سبحانه بعد ذلك أن الله يعلم من في السماوات ومن في الأرض، وأنه هو الذي يعلم حيث يجعل رسالته فقال:
nindex.php?page=treesubj&link=31955_32109_34091_34171_34185_34513_28988nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=55وربك أعلم بمن في السماوات والأرض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا .
صدر الكلام بـ (ربك) للإشارة إلى أنه الخالق والقائم على خلقه، وهو الذي يعلم ما خلق، وقلنا: إن أفعل بالنسبة لله تعالى لا يكون على بابه؛ لأنه لا مفاضلة بين الذات العلية وغيرها، وذكر سبحانه علمه بمن في السماوات ومن في الأرض، وذكر العقلاء في السماوات إشارة إلى الملائكة، وعقلاء الأرض هم بنو الإنس والجن.
[ ص: 4403 ] يعلم الله تعالى طبيعة من في السماوات، وهم الملائكة أرواح طاهرة مطهرة لا تنزل إلى الأرض بطبعهم وحالهم، بل لو كان ملك في الأرض لجعله الله تعالى في صورة إنسان، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=9ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون ويعلم سبحانه وتعالى من في الأرض، ويجعل الأنبياء من جنسهم، ليكونوا أقرب إلى إرشادهم، ويتعذر على من في السماء بمقتضى طبعهم أن ينزلوا، وليس في طاقة أهل الأرض أن يتلقوا الإرشاد من الملائكة، فالنبي
محمد صلى الله عليه وسلم كان يتصبب عرقا، عندما يخاطبه
جبريل الأمين، وعند أول لقاء به رجع إلى
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة يرجف فؤاده.
الله يعلم من في السماوات ومن في الأرض، ولذلك كان اختيار الرسل من أهل الأرض، وبيان الله لعلمه من في السماوات ومن يشير إلى اختياره الأنبياء منهم، ولذا قال بعد ذلك:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=55ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض nindex.php?page=treesubj&link=30173_29638_31804ففضل الله تعالى أولي العزم من الرسل وهم
نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم وقد ذكرهم بأسمائهم في القرآن، فقال تعالى في سورة الأحزاب:
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=7وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وقال تعالى في سورة الشورى:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب
وإن أولئك الأنبياء أمروا بشرائع إلا ما كان من أمر
عيسى، فإنه أحيا شريعة التوراة، وزاد عليها، وإن ثمة كتبا ثلاثة كانت قبل النبي
محمد صلى الله عليه وسلم -، وهي التوراة والإنجيل، وقد ذكرهما القرآن في عدة مواضع، وذكر التحريف فيهما، وقال سبحانه وتعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=13يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به [ ص: 4404 ] ولقد ذكر سبحانه كتاب
داود فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=55وآتينا داود زبورا وهو لم يكن فيه أحكام غير التوراة، ولكن كانت فيه أدعية لله تعالى أوحى بها.
وإن
داود كان حاكما كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق وكان له مع شرف الحكم الخلافة من الله في الأرض، قد أنزل عليه الزبور، وهو بهذا شرف أعظم وأكرم.
وفي ذكر الزبور إشارة إلى التوراة والإنجيل، وكان بعد التوراة وقبل الإنجيل.
في ذكر هذا وذكر تفضيل بعض النبيين، وذكر
محمد خاتم النبيين إشارة إلى كمال الرسالة الإلهية إلى أهل الأرض برسالة
محمد خاتم النبيين، وأنه لا نبي بعده، والله أعلم.
وَلَقَدْ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ فَقَالَ:
nindex.php?page=treesubj&link=31955_32109_34091_34171_34185_34513_28988nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=55وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا .
صَدَّرَ الْكَلَامَ بِـ (رَبُّكَ) لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ الْخَالِقُ وَالْقَائِمُ عَلَى خَلْقِهِ، وَهُوَ الَّذِي يَعْلَمُ مَا خَلَقَ، وَقُلْنَا: إِنَّ أَفْعَلَ بِالنِّسْبَةِ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَكُونُ عَلَى بَابِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُفَاضَلَةَ بَيْنَ الذَّاتِ الْعَلِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَذَكَرَ سُبْحَانَهُ عِلْمَهُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، وَذَكَرَ الْعُقَلَاءَ فِي السَّمَاوَاتِ إِشَارَةً إِلَى الْمَلَائِكَةِ، وَعُقَلَاءُ الْأَرْضِ هُمْ بَنُو الْإِنْسِ وَالْجِنِّ.
[ ص: 4403 ] يَعْلَمُ اللَّهُ تَعَالَى طَبِيعَةَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ، وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَرْوَاحٌ طَاهِرَةٌ مُطَهَّرَةٌ لَا تَنْزِلُ إِلَى الْأَرْضِ بِطَبْعِهِمْ وَحَالِهِمْ، بَلْ لَوْ كَانَ مَلَكٌ فِي الْأَرْضِ لَجَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي صُورَةِ إِنْسَانٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=9وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ وَيَعْلَمُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَنْ فِي الْأَرْضِ، وَيَجْعَلُ الْأَنْبِيَاءَ مِنْ جِنْسِهِمْ، لِيَكُونُوا أَقْرَبَ إِلَى إِرْشَادِهِمْ، وَيَتَعَذَّرُ عَلَى مَنْ فِي السَّمَاءِ بِمُقْتَضَى طَبْعِهِمْ أَنْ يَنْزِلُوا، وَلَيْسَ فِي طَاقَةِ أَهْلِ الْأَرْضِ أَنْ يَتَلَقَّوُا الْإِرْشَادَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَالنَّبِيُّ
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَصَبَّبُ عَرَقًا، عِنْدَمَا يُخَاطِبُهُ
جِبْرِيلُ الْأَمِينُ، وَعِنْدَ أَوَّلِ لِقَاءٍ بِهِ رَجَعَ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=10640خَدِيجَةَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ.
اللَّهُ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، وَلِذَلِكَ كَانَ اخْتِيَارُ الرُّسُلِ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَبَيَانُ اللَّهِ لِعِلْمِهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ يُشِيرُ إِلَى اخْتِيَارِهِ الْأَنْبِيَاءَ مِنْهُمْ، وَلِذَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=55وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ nindex.php?page=treesubj&link=30173_29638_31804فَفَضَّلَ اللَّهُ تَعَالَى أُولِي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَهُمْ
نُوحٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ وَقَدْ ذَكَرَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فِي الْقُرْآنِ، فَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=7وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الشُّورَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ
وَإِنَّ أُولَئِكَ الْأَنْبِيَاءَ أُمِرُوا بِشَرَائِعَ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ
عِيسَى، فَإِنَّهُ أَحْيَا شَرِيعَةَ التَّوْرَاةِ، وَزَادَ عَلَيْهَا، وَإِنَّ ثَمَّةَ كُتُبًا ثَلَاثَةً كَانَتْ قَبْلَ النَّبِيِّ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهِيَ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ، وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْقُرْآنُ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ، وَذَكَرَ التَّحْرِيفَ فِيهِمَا، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=13يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ [ ص: 4404 ] وَلَقَدْ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ كِتَابَ
دَاوُدَ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=55وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا وَهُوَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحْكَامٌ غَيْرَ التَّوْرَاةِ، وَلَكِنْ كَانَتْ فِيهِ أَدْعِيَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْحَى بِهَا.
وَإِنَّ
دَاوُدَ كَانَ حَاكِمًا كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَكَانَ لَهُ مَعَ شَرَفِ الْحُكْمِ الْخِلَافَةُ مِنَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ، قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الزَّبُورُ، وَهُوَ بِهَذَا شَرَفٌ أَعْظَمُ وَأَكْرَمُ.
وَفِي ذِكْرِ الزَّبُورِ إِشَارَةٌ إِلَى التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَكَانَ بَعْدَ التَّوْرَاةِ وَقَبْلَ الْإِنْجِيلِ.
فِي ذِكْرِ هَذَا وَذِكْرِ تَفْضِيلِ بَعْضِ النَّبِيِّينَ، وَذِكْرِ
مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ إِشَارَةٌ إِلَى كَمَالِ الرِّسَالَةِ الْإِلَهِيَّةِ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ بِرِسَالَةِ
مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، وَأَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.