العبرة في الماضين
قال الله تعالى:
nindex.php?page=treesubj&link=30451_30452_30525_31749_28988nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=58وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=59وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=60وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا [ ص: 4407 ] nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=58وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا
(إن) هنا نافية، و(من) لاستغراق النفي، والقرية: المدينة العظيمة التي يبعث فيها الأنبياء، والحصر في الهلاك قبل يوم القيامة، أو العذاب في يوم القيامة، إنما هو في القرية الظالم أهلها الذين يكفرون بالنبيين، والهلاك هو اجتثاثهم في الدنيا بخسوف تجعل عاليها سافلها كما فعل بقوم
لوط، أو بريح صرصر عاتية، كما فعل
بعاد وثمود، أو بالغرق كما فعل بقوم
فرعون وملئه، وغير هؤلاء، هذه هي الحال التي يكون فيها الاستئصال وقطع الدابر، وذلك يكون قبل يوم القيامة. الحالة الثانية أن يتركوا في الدنيا يعصون ويفسدون ويرتكبون المآثم، وأولئك لا يهلكون في الدنيا، ولكن يعذبون في الآخرة عذابا شديدا،
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=58كان ذلك في الكتاب مسطورا والكتاب هو اللوح المحفوظ الذي يسجل فيه ما يقضى به بين عباده.
وإن هذا التنويع لحكمة الله تعالى وتقديره، فإنه إذا كانت الدعوة خالدة باقية، وهي دعوة نبينا صلى الله عليه وسلم استأنى بهم لأن فيهم الطائعين، وليسوا قليلين، وفيهم من طغى وبغى، وفي ذرية الذين عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم من كانوا مجاهدين
nindex.php?page=showalam&ids=28كعكرمة ابن أبي جهل، nindex.php?page=showalam&ids=22وكخالد بن الوليد، وغيرهم ممن كان لهم في الجهاد باع مشهور، وقوله: " إلا نحن مهلكوها أو معذبوها " فيها تنوع حالهم،
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=58أو معذبوها و (أو) مانعة خلو، لا مانعة جميع، فكان منهم من أهلكوا قبل يوم القيامة ومن عذبوا بعدها، وأمة النبي
محمد صلى الله عليه وسلم لم يهلكها الله بعاصف يقتلعها من الأرض، ولكن أهلك العصاة لينالوا عذاب الآخرة.
[ ص: 4408 ] روى الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=683062سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا، فأوحي إليه قد سمعت الذي قالوا، فإن شئت أن نفعل الذي قالوا، فإن لم يؤمنوا نزل العذاب، فإنه ليس بعد نزول الآية مناظرة، وإن شئت أن تستأني بقومك استأنيت بهم، قال: " يا رب استأن بهم " .
وقد ختم الله سبحانه الآية بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=58كان ذلك في الكتاب مسطورا أي أنه مسجل في اللوح المحفوظ كما أشرنا من قبل، لقد تبين من هذا أن المشركين كانوا يطلبون آيات حسية كآيات النبيين السابقين كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص
لعيسى، وكإخراج الموتى من القبور أيضا، وقد أجابهم الله تعالى بأنه أنزل هذه الآيات، ومع ذلك لم يؤمنوا، وإن هذه الآيات لا تبقى بقاء المعجزة الكبرى، وهي القرآن الكريم التي ما زالت تغالب كل باطل، وتؤيد كل حق، ولذا قال تعالى:
الْعِبْرَةُ فِي الْمَاضِينَ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=treesubj&link=30451_30452_30525_31749_28988nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=58وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=59وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=60وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلا طُغْيَانًا كَبِيرًا [ ص: 4407 ] nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=58وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا
(إِنْ) هُنَا نَافِيَةٌ، وَ(مِنْ) لِاسْتِغْرَاقِ النَّفْيِ، وَالْقَرْيَةُ: الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي يُبْعَثُ فِيهَا الْأَنْبِيَاءُ، وَالْحَصْرُ فِي الْهَلَاكِ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَوِ الْعَذَابِ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إِنَّمَا هُوَ فِي الْقَرْيَةِ الظَّالِمُ أَهْلُهَا الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِالنَّبِيِّينَ، وَالْهَلَاكُ هُوَ اجْتَثَاثُهُمْ فِي الدُّنْيَا بِخُسُوفٍ تَجْعَلُ عَالِيَهَا سَافِلَهَا كَمَا فُعِلَ بِقَوْمِ
لُوطٍ، أَوْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ، كَمَا فُعِلَ
بِعَادٍ وَثَمُودَ، أَوْ بِالْغَرَقِ كَمَا فُعِلَ بِقَوْمِ
فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ، وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ، هَذِهِ هِيَ الْحَالُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الِاسْتِئْصَالُ وَقَطْعُ الدَّابِرِ، وَذَلِكَ يَكُونُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يُتْرَكُوا فِي الدُّنْيَا يَعْصُونَ وَيُفْسِدُونَ وَيَرْتَكِبُونَ الْمَآثِمَ، وَأُولَئِكَ لَا يَهْلِكُونَ فِي الدُّنْيَا، وَلَكِنْ يُعَذَّبُونَ فِي الْآخِرَةِ عَذَابًا شَدِيدًا،
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=58كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا وَالْكِتَابُ هُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ الَّذِي يُسَجَّلُ فِيهِ مَا يُقْضَى بِهِ بَيْنَ عِبَادِهِ.
وَإِنَّ هَذَا التَّنْوِيعَ لِحِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَقْدِيرِهِ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَتِ الدَّعْوَةُ خَالِدَةً بَاقِيَةً، وَهِيَ دَعْوَةُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَأْنَى بِهِمْ لِأَنَّ فِيهِمُ الطَّائِعِينَ، وَلَيْسُوا قَلِيلِينَ، وَفِيهِمْ مَنْ طَغَى وَبَغَى، وَفِي ذُرِّيَّةِ الَّذِينَ عَاصَرُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانُوا مُجَاهِدِينَ
nindex.php?page=showalam&ids=28كَعِكْرِمَةَ ابْنِ أَبِي جَهْلٍ، nindex.php?page=showalam&ids=22وَكَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ كَانَ لَهُمْ فِي الْجِهَادِ بَاعٌ مَشْهُورٌ، وَقَوْلُهُ: " إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا أَوْ مُعَذِّبُوهَا " فِيهَا تَنَوُّعُ حَالِهِمْ،
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=58أَوْ مُعَذِّبُوهَا وَ (أَوْ) مَانِعَةُ خُلُوٍّ، لَا مَانِعَةُ جَمِيعٍ، فَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ أُهْلِكُوا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ عُذِّبُوا بَعْدَهَا، وَأُمَّةُ النَّبِيِّ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُهْلِكْهَا اللَّهُ بِعَاصِفٍ يَقْتَلِعُهَا مِنَ الْأَرْضِ، وَلَكِنْ أَهْلَكَ الْعُصَاةَ لِيَنَالُوا عَذَابَ الْآخِرَةِ.
[ ص: 4408 ] رَوَى الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=683062سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا، فَأُوحِيَ إِلَيْهِ قَدْ سَمِعْتَ الَّذِي قَالُوا، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ نَفْعَلَ الَّذِي قَالُوا، فَإِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا نَزَلَ الْعَذَابُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ مُنَاظَرَةٌ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَسْتَأْنِيَ بِقَوْمِكَ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ، قَالَ: " يَا رَبِّ اسْتَأْنِ بِهِمْ " .
وَقَدْ خَتَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=58كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا أَيْ أَنَّهُ مُسَجَّلٌ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ كَمَا أَشَرْنَا مِنْ قَبْلُ، لَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ آيَاتٍ حِسِّيَّةً كَآيَاتِ النَّبِيِّينَ السَّابِقِينَ كَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ
لِعِيسَى، وَكَإِخْرَاجِ الْمَوْتَى مِنَ الْقُبُورِ أَيْضًا، وَقَدْ أَجَابَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَاتِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا، وَإِنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ لَا تَبْقَى بَقَاءَ الْمُعْجِزَةِ الْكُبْرَى، وَهِيَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ الَّتِي مَا زَالَتْ تُغَالِبُ كُلَّ بَاطِلٍ، وَتُؤَيِّدُ كُلَّ حَقٍّ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: