الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 12 ] ذكر الوقت الذي ابتدئ فيه بعمل التاريخ في الإسلام

قيل : لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة أمر بعمل التاريخ .

والصحيح المشهور أن عمر بن الخطاب أمر بوضع التاريخ .

وسبب ذلك أن أبا موسى الأشعري كتب إلى عمر : إنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ . فجمع الناس للمشورة ، فقال بعضهم : أرخ لمبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - . وقال بعضهم : أرخ لمهاجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال عمر : بل نؤرخ لمهاجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن مهاجرته فرق بين الحق والباطل ، قاله الشعبي .

وقال ميمون بن مهران : رفع إلى عمر صك محله شعبان ، فقال : أي شعبان ؟ أشعبان الذي هو آت أم شعبان الذي نحن فيه ؟ ثم قال لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ضعوا للناس شيئا يعرفونه . فقال بعضهم : اكتبوا على تاريخ الروم فإنهم يؤرخون من عهد ذي القرنين . فقال : هذا يطول . فقال اكتبوا على تاريخ الفرس . فقيل : إن الفرس كلما قام ملك طرح تاريخ من كان قبله . فاجتمع رأيهم على أن ينظروا كم أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 13 ] بالمدينة ، فوجدوه عشر سنين ، فكتبوا من هجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وقال محمد بن سيرين : قام رجل إلى عمر فقال : أرخوا . فقال عمر : ما أرخوا ؟ فقال : شيء تفعله الأعاجم في شهر كذا من سنة كذا . فقال عمر : حسن ، فأرخوا . فاتفقوا على الهجرة ، ثم قالوا : من أي الشهور ؟ فقالوا : من رمضان ، ثم قالوا : فالمحرم هو منصرف الناس من حجهم ، وهو شهر حرام ، فأجمعوا عليه .

وقال سعيد بن المسيب : جمع عمر الناس فقال : من أي يوم نكتب التاريخ ؟ فقال علي : من مهاجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفراقه أرض الشرك . ففعله عمر .

وقال عمرو بن دينار : أول من أرخ يعلى بن أمية وهو باليمن .

وأما قبل الإسلام فقد كان بنو إبراهيم يؤرخون من نار إبراهيم إلى بنيان البيت حتى بناه إبراهيم ، وإسماعيل - عليهما السلام - ثم أرخ بنو إسماعيل من بنيان البيت حتى تفرقوا ، فكان كلما خرج قوم من تهامة أرخوا بمخرجهم ، ومن بقي بتهامة من بني إسماعيل يؤرخون من خروج سعد ، ونهد ، وجهينة بني زيد من تهامة حتى مات كعب بن لؤي ، وأرخوا من موته إلى الفيل ، ثم كان التاريخ من الفيل حتى أرخ عمر بن الخطاب من الهجرة ، وذلك سنة سبع عشرة أو ثماني عشرة .

[ ص: 14 ] وقد كان كل طائفة من العرب تؤرخ بالحادثات المشهورة فيها ، ولم يكن لهم تاريخ يجمعهم ، فمن ذلك قول بعضهم :


ها أنا ذا آمل الخلود وقد أدرك عقلي ومولدي حجرا



وقال الجعدي :


فمن يك سائلا عني فإني     من الشبان أيام الخنان



وقال آخر :


وما هي إلا في إزار وعقلة     بغار ابن همام على حي خثعما



وكل واحد أرخ بحادث مشهور عندهم ، فلو كان لهم تاريخ يجمعهم لم يختلفوا في التاريخ . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية