محمد يحاول هدايتهم وهم يريدون تحويله
قال الله تعالى:
nindex.php?page=treesubj&link=29706_31788_32024_34330_28988nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=73وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=74ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=75إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=76وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=77سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا [ ص: 4430 ] كان
محمد صلى الله عليه وسلم محبوبا في قومه يألفونه، ويكبرونه ويعدونه فيهم خيرهم أمانة وصدقا وقوة خلق، حتى إذا بعث رسولا، فرق شعور بعضهم بينه وبينهم بسبب الحق الذي جاء به، وما هم عليه من باطل يستمسكون به،
ومحمد صلى الله عليه وسلم كان يحب هدايتهم، لأنهم قومه ولأنه داعية الحق يريد أن يؤمن الناس به فهو يحاول أن يستدنيهم ويتمنون بجدع الأنف أن يترك هداية الله إلى ضلالهم، ولذا قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=73وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا
الكلام موصول لما قبله بالواو، وإن هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن، واللام هي اللام الفارقة وهي مؤكدة، يفتنونك معناها يزيلونك عما أنت عليه أو يصرفونك، وقال
الراغب الأصفهاني: إن معناها يوقعونك في الفتنة، بالنزول على ما يريدون.
وأوضح المعاني أن تكون بمعنى يصرفونك عن الذي أوحينا إليك وهو القرآن الكريم، بأن تنصرف عن أحكامه وعن شريعته وعن المبادئ المقررة فيها التي تسوي بين الغني والفقير،
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=73لتفتري علينا أي لتكذب على الله وتدعي أنه نزل عليك غيره، وفي هذه الحال تكون خليلهم وحبيبهم كما كنت، ولذا قال سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=73وإذا لاتخذوك خليلا أي إذا كان ذلك منك وتحولت عن الله تعالى إليهم يتخذونك وليا وخليلا، و (اللام) هي الواقعة في جواب (إذا) .
ويذكر المفسرون روايات تدل على هذه المحاولة منهم، فيقولون إن
ثقيفا حاولوا أن يستنزلوا من أحكام الإسلام ما يهوون فأرادوا أن يكون الربا حلالا لهم إذا كانوا دائنين وأن يكون حراما إذا كانوا مدينين، وأن يستمتعوا بعبادة اللات إلى آخر ما ذكروا، ونقول: إن وفد
ثقيف الذي طلب ما طلب كان بعد الهجرة بسنين فهو كلام يحمل في نفسه دليل بطلانه.
[ ص: 4431 ] وقيل: إنهم منعوه من استلام
الحجر الأسود إلا إذا كان معهم فلان، وهذا أيضا كلام يحمل في نفسه دليل بطلانه ولا يوجد من الصحاح ما يؤيده أو يشير إليه.
ولعل أقرب الروايات في أسباب نزول هذه الآية هو ما ذكر
أن قريشا خلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة يكلمونه ويفخمونه ويسودونه ويقاربونه، فقالوا: إنك تأتي بشيء لا يأتي به أحد من الناس، وأنت سيدنا، وما زالوا به حتى يقاربهم في بعض ما يريدون فعصمه الله، وخير من هذا هو قول أكابر قريش للنبي صلى الله عليه وسلم -: اطرد عنا هؤلاء السقاط والموالي حتى نجلس معك ونستمع منك فهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، هذه أصح الروايات في محاولاتهم، ولها شاهد من القرآن الكريم فقد قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=52ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=73وإن كادوا ذكر محاولتهم ولم يذكر استجابة النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذ الله أن يستجيب خاتم النبيين، ولكن رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في أن يجذبهم إلى الإسلام ربما كانت سببا في أن يقارب بما دون الاستجابة، ولذا قال تعالى:
مُحَمَّدٌ يُحَاوِلُ هِدَايَتَهُمْ وَهُمْ يُرِيدُونَ تَحْوِيلَهُ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=treesubj&link=29706_31788_32024_34330_28988nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=73وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=74وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=75إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=76وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلا قَلِيلا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=77سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلا [ ص: 4430 ] كَانَ
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحْبُوبًا فِي قَوْمِهِ يَأْلَفُونَهُ، وَيُكْبِرُونَهُ وَيَعُدُّونَهُ فِيهِمْ خَيْرَهُمْ أَمَانَةً وَصِدْقًا وَقُوَّةَ خَلْقٍ، حَتَّى إِذَا بُعِثَ رَسُولًا، فَرَقَ شُعُورُ بَعْضِهِمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ بِسَبَبِ الْحَقِّ الَّذِي جَاءَ بِهِ، وَمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ بَاطِلٍ يَسْتَمْسِكُونَ بِهِ،
وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحِبُّ هِدَايَتَهُمْ، لِأَنَّهُمْ قَوْمُهُ وَلِأَنَّهُ دَاعِيَةُ الْحَقِّ يُرِيدُ أَنْ يُؤْمِنَ النَّاسُ بِهِ فَهُوَ يُحَاوِلُ أَنْ يَسْتَدْنِيهِمْ وَيَتَمَنَّوْنَ بِجَدْعِ الْأَنْفِ أَنْ يَتْرُكَ هِدَايَةَ اللَّهِ إِلَى ضَلَالِهِمْ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=73وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلا
الْكَلَامُ مَوْصُولٌ لِمَا قَبْلَهُ بِالْوَاوِ، وَإِنْ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَاسْمُهَا ضَمِيرُ الشَّأْنِ، وَاللَّامُ هِيَ اللَّامُ الْفَارِقَةُ وَهِيَ مُؤَكِّدَةٌ، يَفْتِنُونَكَ مَعْنَاهَا يُزِيلُونَكَ عَمَّا أَنْتَ عَلَيْهِ أَوْ يَصْرِفُونَكَ، وَقَالَ
الرَّاغِبُ الْأَصْفَهَانِيُّ: إِنَّ مَعْنَاهَا يُوقِعُونَكَ فِي الْفِتْنَةِ، بِالنُّزُولِ عَلَى مَا يُرِيدُونَ.
وَأَوْضَحُ الْمَعَانِي أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى يَصْرِفُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُوَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ، بِأَنْ تَنْصَرِفَ عَنْ أَحْكَامِهِ وَعَنْ شَرِيعَتِهِ وَعَنِ الْمَبَادِئِ الْمُقَرَّرَةِ فِيهَا الَّتِي تُسَوِّي بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ،
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=73لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا أَيْ لِتَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ وَتَدَّعِيَ أَنَّهُ نَزَّلَ عَلَيْكَ غَيْرَهُ، وَفِي هَذِهِ الْحَالِ تَكُونُ خَلِيلَهُمْ وَحَبِيبَهُمْ كَمَا كُنْتَ، وَلِذَا قَالَ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=73وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلا أَيْ إِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْكَ وَتَحَوَّلْتَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَيْهِمْ يَتَّخِذُونَكَ وَلِيًّا وَخَلِيلًا، وَ (اللَّامُ) هِيَ الْوَاقِعَةُ فِي جَوَابِ (إِذًا) .
وَيَذْكُرُ الْمُفَسِّرُونَ رِوَايَاتٍ تَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الْمُحَاوَلَةِ مِنْهُمْ، فَيَقُولُونَ إِنْ
ثَقِيفًا حَاوَلُوا أَنْ يَسْتَنْزِلُوا مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ مَا يَهْوَوْنَ فَأَرَادُوا أَنْ يَكُونَ الرِّبَا حَلَالًا لَهُمْ إِذَا كَانُوا دَائِنِينَ وَأَنْ يَكُونَ حَرَامًا إِذَا كَانُوا مَدِينِينَ، وَأَنْ يَسْتَمْتِعُوا بِعِبَادَةِ اللَّاتِ إِلَى آخِرِ مَا ذَكَرُوا، وَنَقُولُ: إِنَّ وَفْدَ
ثَقِيفٍ الَّذِي طَلَبَ مَا طَلَبَ كَانَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِسِنِينَ فَهُوَ كَلَامٌ يَحْمِلُ فِي نَفْسِهِ دَلِيلَ بُطْلَانِهِ.
[ ص: 4431 ] وَقِيلَ: إِنَّهُمْ مَنَعُوهُ مِنَ اسْتِلَامِ
الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إِلَّا إِذَا كَانَ مَعَهُمْ فُلَانٌ، وَهَذَا أَيْضًا كَلَامٌ يَحْمِلُ فِي نَفْسِهِ دَلِيلَ بُطْلَانِهِ وَلَا يُوجَدُ مِنَ الصِّحَاحِ مَا يُؤَيِّدُهُ أَوْ يُشِيرُ إِلَيْهِ.
وَلَعَلَّ أَقْرَبَ الرِّوَايَاتِ فِي أَسْبَابِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ مَا ذُكِرَ
أَنَّ قُرَيْشًا خَلَوْا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ يُكَلِّمُونَهُ وَيُفَخِّمُونَهُ وَيُسَوِّدُونَهُ وَيُقَارِبُونَهُ، فَقَالُوا: إِنَّكَ تَأْتِي بِشَيْءٍ لَا يَأْتِي بِهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، وَأَنْتَ سَيِّدُنَا، وَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى يُقَارِبَهُمْ فِي بَعْضِ مَا يُرِيدُونَ فَعَصَمَهُ اللَّهُ، وَخَيْرٌ مِنْ هَذَا هُوَ قَوْلُ أَكَابِرِ قُرَيْشٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اطْرُدْ عَنَّا هَؤُلَاءِ السِّقَاطَ وَالْمَوَالِيَ حَتَّى نَجْلِسَ مَعَكَ وَنَسْتَمِعَ مِنْكَ فَهَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ ، هَذِهِ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ فِي مُحَاوَلَاتِهِمْ، وَلَهَا شَاهِدٌ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=52وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=73وَإِنْ كَادُوا ذَكَرَ مُحَاوَلَتَهُمْ وَلَمْ يَذْكُرِ اسْتِجَابَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَسْتَجِيبَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَلَكِنَّ رَغْبَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَنْ يَجْذِبَهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ رُبَّمَا كَانَتْ سَبَبًا فِي أَنْ يُقَارِبَ بِمَا دُونَ الِاسْتِجَابَةِ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: