الرسالة لا تكون إلا من البشر
nindex.php?page=treesubj&link=30549_31791_28988nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=94وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=95قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنـزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=96قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=97ومن يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=98ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا
إن المشركين لم يكونوا يطلبون حجة غير القرآن لنقص في الحجة إنما لنقص في إدراكهم وعمى في قلوبهم، إنما يعنتون بما يطلبون، ولقد قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=7ولو نـزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين ولقد قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=14ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=15لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون [ ص: 4458 ] ولقد رأينا منهم من يقول: لو جاء ما نطلب ما ظننا أننا نؤمن. إنما الداء الذي أمرض نفوسهم هو استبعادهم أن يبعث الله تعالى رسوله من البشر، ولذا قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=94وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا
كان الوحي قد غاب عن
العرب أمدا طويلا بعد
إبراهيم وإسماعيل ولوط وصالح وهود، فكانوا يجهلون النبوات ولا يعلمون الرسالات السماوية إلا ما بقي لهم من ملة
إبراهيم أبيهم، وقد كانت العصبية الجاهلية مسيطرة عليهم، وقد جعلتهم أوزاعا متفرقين، وقد جاء
محمد صلى الله عليه وسلم من أوسطهم نبيا بشيرا ونذيرا، فاستغل الذين ينافسون
بني هاشم الشرف وينافسون
بني عبد مناف الشرف ذلك الاستغراب أن يكون من البشر رسول وأثاروها به عليهم.
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=94وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا
أي ما منع الناس الإيمان أن يدخل قلوبهم، فـ (أن) وفعلها ينسبك منهما مصدر هو المفعول الثاني، و (الناس) المفعول الأول، والفاعل (أن) التي بعد (إلا) وفعلها هو قولهم، ومعنى الكلام: وما منع الناس الإيمان إلا قولهم أبعث الله بشرا رسولا، والاستفهام إنكاري بمعنى النفي، أي ما منع الناس الإيمان إلا قولهم لم يبعث الله بشرا رسولا، وجاء النفي على صورة الاستفهام لبيان معنى الاستغراب والتساؤل الذي أدى إلى النفي، ويلاحظ هنا أمران:
الأمر الأول: قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=94إذ جاءهم الهدى هذه إشارة إلى أنهم لا يؤمنون بالرسالة مع أنها تحمل في نفسها دليلها؛ لأنها هادية مرشدة مقنعة مع ما تقتضيه أحكام العقول ومكارم الأخلاق.
[ ص: 4459 ] الأمر الثاني: أن نفيهم لأن يكون البشر رسولا إنما هو قولهم لا حقيقة أمرهم، فهم لا يؤمنون بألا يكون البشر رسولا ولكنهم يقولونه قولا من غير برهان ولا إيمان.
وإذا كانوا مستبعدين أو مستغربين أن يكون البشر رسولا فهلا تكون رسالة أو يكون الرسول من الملائكة، لا جائز أن يترك الإنسان من غير رسالة، وإذن فعلى زعمهم يكون من الملائكة، ولكن الملائكة لا يتجانسون مع البشر فلا يهدوهم، ولذا قال تعالى:
الرِّسَالَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنَ الْبَشَرِ
nindex.php?page=treesubj&link=30549_31791_28988nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=94وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=95قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَـزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=96قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=97وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=98ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا
إِنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يَكُونُوا يَطْلُبُونَ حُجَّةً غَيْرَ الْقُرْآنِ لِنَقْصٍ فِي الْحُجَّةِ إِنَّمَا لِنَقْصٍ فِي إِدْرَاكِهِمْ وَعَمًى فِي قُلُوبِهِمْ، إِنَّمَا يُعْنِتُونَ بِمَا يَطْلُبُونَ، وَلَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=7وَلَوْ نَـزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ وَلَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=14وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=15لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ [ ص: 4458 ] وَلَقَدْ رَأَيْنَا مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: لَوْ جَاءَ مَا نَطْلُبُ مَا ظَنَنَّا أَنَّنَا نُؤْمِنُ. إِنَّمَا الدَّاءُ الَّذِي أَمْرَضَ نُفُوسَهُمْ هُوَ اسْتِبْعَادُهُمْ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ مِنَ الْبَشَرِ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=94وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولا
كَانَ الْوَحْيُ قَدْ غَابَ عَنِ
الْعَرَبِ أَمَدًا طَوِيلًا بَعْدَ
إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَلُوطٍ وَصَالِحٍ وَهُودٍ، فَكَانُوا يَجْهَلُونَ النُّبُوَّاتِ وَلَا يَعْلَمُونَ الرِّسَالَاتِ السَّمَاوِيَّةَ إِلَّا مَا بَقِيَ لَهُمْ مِنْ مِلَّةِ
إِبْرَاهِيمَ أَبِيهِمْ، وَقَدْ كَانَتِ الْعَصَبِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةُ مُسَيْطِرَةً عَلَيْهِمْ، وَقَدْ جَعَلَتْهُمْ أَوْزَاعًا مُتَفَرِّقِينَ، وَقَدْ جَاءَ
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَوْسَطِهِمْ نَبِيًّا بَشِيرًا وَنَذِيرًا، فَاسْتَغَلَّ الَّذِينَ يُنَافِسُونَ
بَنِي هَاشِمٍ الشَّرَفَ وَيُنَافِسُونَ
بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ الشَّرَفَ ذَلِكَ الِاسْتِغْرَابَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْبَشَرِ رَسُولٌ وَأَثَارُوهَا بِهِ عَلَيْهِمْ.
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=94وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولا
أَيْ مَا مَنَعَ النَّاسَ الْإِيمَانَ أَنْ يَدْخُلَ قُلُوبَهُمْ، فَـ (أَنْ) وَفِعْلُهَا يَنْسَبِكُ مِنْهُمَا مَصْدَرٌ هُوَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي، وَ (النَّاسَ) الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ، وَالْفَاعِلُ (أَنِ) الَّتِي بَعْدَ (إِلَّا) وَفِعْلُهَا هُوَ قَوْلُهُمْ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَمَا مَنَعَ النَّاسَ الْإِيمَانَ إِلَّا قَوْلُهُمْ أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا، وَالِاسْتِفْهَامَ إِنْكَارِيٌّ بِمَعْنَى النَّفْيِ، أَيْ مَا مَنَعَ النَّاسَ الْإِيمَانَ إِلَّا قَوْلُهُمْ لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا، وَجَاءَ النَّفْيُ عَلَى صُورَةِ الِاسْتِفْهَامِ لِبَيَانِ مَعْنَى الِاسْتِغْرَابِ وَالتَّسَاؤُلِ الَّذِي أَدَّى إِلَى النَّفْيِ، وَيُلَاحَظُ هُنَا أَمْرَانِ:
الْأَمْرُ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=94إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى هَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِالرِّسَالَةِ مَعَ أَنَّهَا تَحْمِلُ فِي نَفْسِهَا دَلِيلَهَا؛ لِأَنَّهَا هَادِيَةٌ مُرْشِدَةٌ مُقْنِعَةٌ مَعَ مَا تَقْتَضِيهِ أَحْكَامُ الْعُقُولِ وَمَكَارِمُ الْأَخْلَاقِ.
[ ص: 4459 ] الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّ نَفْيَهُمْ لِأَنْ يَكُونُ الْبَشَرُ رَسُولًا إِنَّمَا هُوَ قَوْلُهُمْ لَا حَقِيقَةُ أَمْرِهِمْ، فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِأَلَّا يَكُونَ الْبَشَرُ رَسُولًا وَلَكِنَّهُمْ يَقُولُونَهُ قَوْلًا مِنْ غَيْرِ بُرْهَانٍ وَلَا إِيمَانٍ.
وَإِذَا كَانُوا مُسْتَبْعِدِينَ أَوْ مُسْتَغْرِبِينَ أَنْ يَكُونَ الْبَشَرُ رَسُولًا فَهَلَّا تَكُونُ رِسَالَةٌ أَوْ يَكُونُ الرَّسُولُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، لَا جَائِزَ أَنْ يُتْرَكَ الْإِنْسَانُ مِنْ غَيْرِ رِسَالَةٍ، وَإِذَنْ فَعَلَى زَعْمِهِمْ يَكُونُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَلَكِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا يَتَجَانَسُونَ مَعَ الْبَشَرِ فَلَا يَهْدُوهُمْ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: