الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب المرأة تهب يومها لضرتها أو تصالح الزوج على إسقاطه 2839 - ( عن عائشة أن { سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة } . متفق عليه ) .

                                                                                                                                            2840 - ( وعن عائشة في قوله تعالى: { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا } قالت : هي المرأة تكون عند الرجل لا يستكثر منها فيريد طلاقها ويتزوج غيرها تقول له : أمسكني ولا تطلقني ثم تزوج غيري وأنت في حل من النفقة علي والقسم لي ، فذلك قوله تعالى: { فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير } . وفي رواية قالت : هو الرجل يرى من امرأته ما لا يعجبه كبرا أو غيره فيريد فراقها ، فتقول : أمسكني واقسم لي ما شئت ، قال : فلا بأس إذا تراضيا . متفق عليهما ) .

                                                                                                                                            2841 - ( وعن عطاء عن ابن عباس قال : { كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع ، وكان يقسم لثمان ولا يقسم لواحدة ، قال عطاء : التي لا يقسم لها صفية بنت حيي بن أخطب } . رواه أحمد ومسلم والتي ترك القسم لها يحتمل أن يكون عن صلح ورضا منها ، ويحتمل أنه كان مخصوصا بعدم وجوبه عليه لقوله تعالى: { ترجي من تشاء منهن } الآية ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            قوله : ( إن سودة ) قال في الفتح : هي زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان تزوجها وهو بمكة بعد موت خديجة ودخل عليها به وهاجرت معه . ووقع لمسلم من طريق شريك عن هشام في آخر حديث الباب قالت عائشة : " وكانت امرأة تزوجها بعدي " ومعناه : عقد عليها بعد أن عقد على عائشة . وأما دخوله بعائشة فكان بعد سودة بالاتفاق ، وقد نبه على ذلك ابن الجوزي .

                                                                                                                                            قوله : ( وهبت يومها ) في لفظ للبخاري في الهبة : " يومها وليلتها " وزاد في آخره " تبتغي بذلك رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم " ولفظ أبي داود : { ولقد قالت سودة بنت زمعة [ ص: 260 ] حين أسنت وخافت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله يومي لعائشة ، فقبل ذلك منها ففيها وأشباهها نزلت { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا } الآية } . ورواه أيضا ابن سعد وسعيد بن منصور والترمذي وعبد الرزاق . قال الحافظ في الفتح : فتواردت هذه الروايات على أنها خشيت الطلاق فوهبت . قال : وأخرج ابن سعد بسند رجاله ثقات من رواية ابن القاسم بن أبي بزة مرسلا { أن النبي صلى الله عليه وسلم طلقها فقعدت له على طريقه ، فقالت : والذي بعثك بالحق ما لي في الرجال حاجة ، ولكن أحب أن أبعث مع نسائك يوم القيامة ، فأنشدك الذي أنزل عليك الكتاب هل طلقتني لموجدة وجدتها علي ؟ قال : لا ، قالت : فأنشدك لما راجعتني ، فراجعها ، قالت : فإني قد جعلت يومي وليلتي لعائشة حبة رسول الله صلى الله عليه وسلم }

                                                                                                                                            قوله : ( يومها ويوم سودة ) لا نزاع أنه يجوز إذا كان يوم الواهبة واليا ليوم الموهوب لها بلا فصل أن يوالي الزوج بين اليومين للموهوب لها ; وأما إذا كان بينهما نوبة زوجة أخرى أو زوجات فقال العلماء : إنه لا يقدمه عن رتبته في القسم إلا برضا من بقي ، وهل يجوز للموهوب لها أن تمتنع عن قبول النوبة الموهوبة ؟ فإن كان قد قبل الزوج لم يجز لها الامتناع ، وإن لم يكن قد قبل لم يكره على ذلك ، حكي ذلك في الفتح عن العلماء . قال : وإن وهبت يومها لزوجها ولم تتعرض للضرة فهل له أن يخص واحدة إن كان عنده أكثر من اثنتين أو يوزعه بين من بقي ؟ قال : وللواهبة في جميع الأحوال الرجوع عن ذلك متى أحبت ، لكن فيما يستقبل لا فيما مضى .

                                                                                                                                            قال في البحر : وللواهبة الرجوع متى شاءت فيقضيها ما فوت بعد العلم برجوعها لا قبله . وحديث عائشة يدل على أنه يجوز للمرأة أن تهب يومها لضرتها وهو مجمع عليه كما في البحر . والآية المذكورة تدل على أنه يجوز للمرأة أن تصالح زوجها إذا خافت منه أن يطلقها بما تراضيا عليه من إسقاط نفقة أو إسقاط قسمها أو هبة نوبتها أو غير ذلك مما يدخل تحت عموم الآية . قوله : ( قال عطاء : التي لا يقسم لها صفية ) قد ذكر ابن القيم في أول الهدي عند الكلام على هديه صلى الله عليه وسلم في النكاح والقسم أن هذا غلط ، وأن صفية إنما سقطت نوبتها من القسمة مرة واحدة وقالت : " هل لك أن تطيب نفسك عني وأجعل يومي لعائشة " أي ذلك اليوم بعينه في تلك المرة ، هذا معنى كلامه فليراجع فإنه لم يحضرني وقت الرقم




                                                                                                                                            الخدمات العلمية