الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: فإذا بلغن أجلهن أي: قاربن انقضاء العدة "فأمسكوهن بمعروف" وهذا مبين في [البقرة: 231] "وأشهدوا ذوي عدل منكم" قال المفسرون: أشهدوا على الطلاق، أو المراجعة . واختلف العلماء: هل الإشهاد على المراجعة واجب، أم مستحب؟ وفيه عن أحمد روايتان، وعن الشافعي قولان ثم قال للشهداء: "وأقيموا الشهادة لله" أي: اشهدوا بالحق، وأدوها على الصحة، طلبا لمرضاة الله، وقياما بوصيته . وما بعده قد سبق بيانه [البقرة: 232] إلى قوله تعالى: ومن يتق الله يجعل له مخرجا فذكر أكثر [ ص: 291 ] المفسرين أنها نزلت في عوف بن مالك الأشجعي، أسر العدو ابنا له، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، وشكا إليه الفاقة، فقال: اتق الله، واصبر، وأكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، ففعل الرجل ذلك، فغفل العدو عن ابنه، فساق غنمهم، وجاء بها إلى أبيه، وهي أربعة آلاف شاة، فنزلت هذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي معناها للمفسرين خمسة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: ومن يتق الله ينجه من كل كرب في الدنيا والآخرة، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: بأن مخرجه: علمه بأن ما أصابه من عطاء أو منع، من قبل الله، وهو معنى قول ابن مسعود .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: ومن يتق الله، فيطلق للسنة، ويراجع للسنة، يجعل له مخرجا، قاله السدي .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع: ومن يتق الله بالصبر عند المصيبة، يجعل له مخرجا من النار إلى الجنة، قاله ابن السائب .

                                                                                                                                                                                                                                      والخامس: يجعل له مخرجا من الحرام إلى الحلال، قاله الزجاج . والصحيح أن هذا عام، فإن الله تعالى يجعل للتقي مخرجا من كل ما يضيق عليه . ومن لا يتقي، يقع في كل شدة . قال الربيع بن خثيم: يجعل له مخرجا من كل ما يضيق [ ص: 292 ] على الناس "ويرزقه من حيث لا يحتسب" أي: من حيث لا يأمل، ولا يرجو . قال الزجاج: ويجوز أن يكون: إذا اتقى الله في طلاقه، وجرى في ذلك على السنة، رزقه الله أهلا بدل أهله "ومن يتوكل على الله فهو حسبه" أي: من وثق به فيما نابه، كفاه الله ما أهمه "إن الله بالغ أمره " وروى حفص، والمفضل عن عاصم بالغ أمره مضاف . والمعنى: يقضي ما يريد "قد جعل الله لكل شيء قدرا" أي: أجلا ومنتهى ينتهي إليه، قدر الله ذلك كله فلا يقدم ولا يؤخر . قال مقاتل: قد جعل الله لكل شيء من الشدة والرخاء قدرا، فقدر متى يكون هذا الغني فقيرا، وهذا الفقير غنيا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية