قوله عز وجل:
nindex.php?page=treesubj&link=28723_30364_34296_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=115وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين nindex.php?page=treesubj&link=30311_30351_30443_30539_34100_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=116إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون nindex.php?page=treesubj&link=25987_28902_30364_30515_30551_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=117مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون
قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير nindex.php?page=showalam&ids=17192ونافع nindex.php?page=showalam&ids=16273وعاصم في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=11948أبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر: "تفعلوا" و"تكفروه" بالتاء، على مخاطبة هذه الأمة، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي وحفص عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم بالياء فيهما على مشابهة ما تقدم من: "يتلون" و"يؤمنون"، وما بعدهما، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبو عمرو يقرأ بالوجهين.
و"تكفروه" معناه: يغطى دونكم فلا تثابون عليه، ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم:
"ومن أزلت إليه نعمة فليذكرها فإن ذكرها فقد شكرها، فإن لم يفعل فقد كفرها"، ومنه قول الشاعر:
[ ص: 328 ] . . . . . .. . . . . . . . . . . . . . . .. . والكفر مخبثة لنفس المنعم
وفي قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=115والله عليم بالمتقين وعد ووعيد. ثم عقب تعالى ذكر هذا الصنف الصالح بذكر حال الكفار ليبين الفرق، وخص الله تعالى الأموال والأولاد بالذكر لوجوه:. منها أنها زينة الحياة الدنيا وعظم ما تجري إليه الآمال، ومنها أنها ألصق النصرة بالإنسان وأيسرها، ومنها أن الكفار المكذبين بالآخرة لا همة لهم إلا فيها وهي عندهم غاية المرء وبها كانوا يفخرون على المؤمنين، فذكر الله أن هذين اللذين هما بهذه الأوصاف; لا غناء فيهما من عقاب الله في الآخرة، فإذا لم تغن هذه فغيرها من الأمور البعيدة أحرى ألا يغني.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=116أصحاب النار إضافة تخصيص ما تقتضي ثبوت ذلك لهم ودوامه.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=117مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا ....
الآية، معناه: المثال القائم في النفوس من إنفاقهم الذي يعدونه قربة وحسبة وتحنثا، ومن حبطه يوم القيامة وكونه هباء منثورا، وذهابه كالمثال القائم في النفوس من زرع قوم نبت واخضر وقوي الأمل فيه فهبت عليه ريح فيها صر
محرق فأهلكته، فوقع التشبيه بين شيئين وشيئين، ذكر الله عز وجل أحد الشيئين المشبهين وترك الآخر، ثم ذكر أحد الشيئين المشبه بهما، وليس الذي يوازي المذكور الأول، وترك ذكر الآخر، ودل المذكوران على المتروكين، وهذه غاية البلاغة والإيجاز، ومثل ذلك قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=171ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء .
وقرأ
عبد الرحمن بن هرمز الأعرج "تنفقون" بالتاء على معنى قل لهم يا
محمد، و"مثل" رفع بالابتداء، وخبره في محذوف به تتعلق الكاف من قوله: "كمثل"، و"ما"، بمعنى الذي، وجمهور المفسرين على أن "ينفقون" يراد به
[ ص: 329 ] الأموال التي كانوا ينفقونها في التحنث وفي عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك عندهم قربة، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي: "ينفقون" معناه: من أقوالهم التي يبطنون ضدها.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا ضعيف، لأنه يقتضي أن الآية في المنافقين، والآية إنما هي في كفار يعلنون مثل ما يبطنون، وذهب بعض المفسرين إلى أن "ينفقون" يراد به أعمالهم من الكفر ونحوه، أي هي كالريح التي فيها صر ، فتبطل كل ما لهم من صلة رحم وتحنث بعتق ونحوه، كما تبطل الريح الزرع، وهذا قول حسن لولا بعد الاستعارة في الإنفاق.
والصر: البرد الشديد المحرق لكل ما يهب عليه، وهو معروف، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وجمهور المفسرين: الصر البرد، وتسميه
العرب : الضريب، وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج وغيره إلى أن اللفظة من التصويت، من قولهم: صر الشيء، ومنه الريح الصرصر، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: فالصر صوت النار التي في الريح.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
الصر: هو نفس جهنم الذي في الزمهرير يحرق نحوا مما تحرق النار.
والحرث: شامل للزرع والثمار، لأن الجميع مما يصدر عن إثارة الأرض وهي حقيقة الحرث، ومنه الحديث:
"لا زكاة إلا في عين أو حرث أو ماشية".
وقال عز وجل: "ظلموا أنفسهم" فما بال هذا التخصيص والمثل صحيح، وإن كان الحرث لمن لم يظلم نفسه؟ فالجواب أن ظلم النفس في هذه الآية تأوله جمهور المفسرين بأنه ظلم بمعاصي الله، فعلى هذا وقع التشبيه بحرث من هذه صفته، إذ عقوبته أرجى، وأخذة الله له أشد، والنقمة إليه أسرع وفيه أقوى، كما روي: "في جوف العير" وغيره. وأيضا فمن أهل العلم من يرى أن كل مصائب الدنيا فإنما هي
[ ص: 330 ] بمعاصي العبيد، وينتزع ذلك من غير ما آية في القرآن، فيستقيم على قوله: إن كل حرث تحرقه ريح فإنما هو لمن قد ظلم نفسه. وذهب بعض الناس ونحا إليه
المهدوي إلى أن قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=117حرث قوم ظلموا أنفسهم معناه: زرعوا في غير أوان الزراعة.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
وينبغي أن يقال في هذا: ظلموا أنفسهم بأن وضعوا أفعال الفلاحة غير موضعها من وقت أو هيئة عمل، ويخص هؤلاء بالذكر لأن الحرق فيما جرى هذا المجرى أوعب وأشد تمكنا، وهذا المنزع يشبهه من جهة ما قول
امرئ القيس: وسالفة كسحوق الليا ن أضرم فيها الغوي السعر
فخصص الغوي لأنه يلقي النار في النخلة الخضراء الحسنة التي لا ينبغي أن تحرق، فتطفئ النار عن نفسها رطوبتها بعد أن تتشذب وتسود، فيجيء الشبه حسنا. والرشيد لا يضرم النار إلا فيما يبس واستحق فهو يذهب ولا يبقى منه ما يشبه به.
والضمير في "ظلمهم" للكفار الذين تقدم ضميرهم في: "ينفقون"، وليس هو للقوم ذوي الحرث لأنهم لم يذكروا ليرد عليهم ولا ليبين ظلمهم، وأيضا فقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=117ولكن أنفسهم يظلمون يدل على فعل الحال في حاضرين.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
nindex.php?page=treesubj&link=28723_30364_34296_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=115وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ nindex.php?page=treesubj&link=30311_30351_30443_30539_34100_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=116إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ nindex.php?page=treesubj&link=25987_28902_30364_30515_30551_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=117مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
قَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابْنُ كَثِيرٍ nindex.php?page=showalam&ids=17192وَنَافِعٌ nindex.php?page=showalam&ids=16273وَعَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=11948أَبِي بَكْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=16447وَابْنِ عَامِرٍ: "تَفْعَلُوا" وَ"تُكْفَرُوهُ" بِالتَّاءِ، عَلَى مُخَاطَبَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=15760حَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16273عَاصِمٍ بِالْيَاءِ فِيهِمَا عَلَى مُشَابَهَةِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ: "يَتْلُونَ" وَ"يُؤْمِنُونَ"، وَمَا بَعْدَهُمَا، وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=12114أَبُو عَمْرٍو يَقْرَأُ بِالْوَجْهَيْنِ.
وَ"تُكْفَرُوهُ" مَعْنَاهُ: يُغَطَّى دُونَكُمْ فَلَا تُثَابُونَ عَلَيْهِ، وَمِنْ هَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"وَمَنْ أَزَلْتُ إِلَيْهِ نِعْمَةً فَلْيَذْكُرْهَا فَإِنْ ذَكَرَهَا فَقَدْ شَكَرَهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ كَفَرَهَا"، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[ ص: 328 ] . . . . . .. . . . . . . . . . . . . . . .. . وَالْكُفْرُ مَخْبَثَةٌ لِنَفْسِ الْمُنْعِمِ
وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=115وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ وَعْدٌ وَوَعِيدٌ. ثُمَّ عَقَّبَ تَعَالَى ذِكْرَ هَذَا الصِّنْفِ الصَّالِحِ بِذِكْرِ حَالِ الْكُفَّارِ لِيُبَيِّنَ الْفَرْقَ، وَخَصَّ اللَّهُ تَعَالَى الْأَمْوَالَ وَالْأَوْلَادَ بِالذِّكْرِ لِوُجُوهٍ:. مِنْهَا أَنَّهَا زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَعُظْمُ مَا تَجْرِي إِلَيْهِ الْآمَالُ، وَمِنْهَا أَنَّهَا أَلْصَقُ النُّصْرَةِ بِالْإِنْسَانِ وَأَيْسَرُهَا، وَمِنْهَا أَنَّ الْكُفَّارَ الْمُكَذِّبِينَ بِالْآخِرَةِ لَا هِمَّةَ لَهُمْ إِلَّا فِيهَا وَهِيَ عِنْدَهُمْ غَايَةُ الْمَرْءِ وَبِهَا كَانُوا يَفْخَرُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، فَذَكَرَ اللَّهُ أَنَّ هَذَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ; لَا غَنَاءَ فِيهِمَا مِنْ عِقَابِ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ، فَإِذَا لَمْ تُغْنِ هَذِهِ فَغَيْرُهَا مِنَ الْأُمُورِ الْبَعِيدَةِ أَحْرَى أَلَّا يُغْنِيَ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=116أَصْحَابُ النَّارِ إِضَافَةُ تَخْصِيصٍ مَا تَقْتَضِي ثُبُوتَ ذَلِكَ لَهُمْ وَدَوَامَهُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=117مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ....
الْآيَةُ، مَعْنَاهُ: الْمِثَالُ الْقَائِمُ فِي النُّفُوسِ مِنْ إِنْفَاقِهِمُ الَّذِي يَعُدُّونَهُ قُرْبَةً وَحِسْبَةً وَتَحَنُّثًا، وَمِنْ حَبْطِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَكَوْنِهِ هَبَاءً مَنْثُورًا، وَذَهَابِهِ كَالْمِثَالِ الْقَائِمِ فِي النُّفُوسِ مِنْ زَرْعِ قَوْمٍ نَبَتَ وَاخْضَرَّ وَقَوِيَ الْأَمَلُ فِيهِ فَهَبَّتْ عَلَيْهِ رِيحٌ فِيهَا صِرٌّ
مُحْرِقٌ فَأَهْلَكَتْهُ، فَوَقَعَ التَّشْبِيهُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ وَشَيْئَيْنِ، ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَحَدَ الشَّيْئَيْنِ الْمُشَبَّهَيْنِ وَتَرَكَ الْآخَرَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَحَدَ الشَّيْئَيْنِ الْمُشَبَّهِ بِهِمَا، وَلَيْسَ الَّذِي يُوَازِي الْمَذْكُورَ الْأَوَّلَ، وَتَرَكَ ذِكْرَ الْآخَرِ، وَدَلَّ الْمَذْكُورَانِ عَلَى الْمَتْرُوكَيْنِ، وَهَذِهِ غَايَةُ الْبَلَاغَةِ وَالْإِيجَازِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=171وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلا دُعَاءً .
وَقَرَأَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ الْأَعْرَجُ "تُنْفِقُونَ" بِالتَّاءِ عَلَى مَعْنَى قُلْ لَهُمْ يَا
مُحَمَّدُ، وَ"مَثَلُ" رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ، وَخَبَرُهُ فِي مَحْذُوفٍ بِهِ تَتَعَلَّقُ الْكَافُ مِنْ قَوْلِهِ: "كَمَثَلِ"، وَ"مَا"، بِمَعْنَى الَّذِي، وَجُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ "يُنْفِقُونَ" يُرَادُ بِهِ
[ ص: 329 ] الْأَمْوَالُ الَّتِي كَانُوا يُنْفِقُونَهَا فِي التَّحَنُّثِ وَفِي عَدَاوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ قُرْبَةً، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ: "يُنْفِقُونَ" مَعْنَاهُ: مِنْ أَقْوَالِهِمُ الَّتِي يُبْطِنُونَ ضِدَّهَا.
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ:
وَهَذَا ضَعِيفٌ، لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْآيَةَ فِي الْمُنَافِقِينَ، وَالْآيَةُ إِنَّمَا هِيَ فِي كُفَّارٍ يُعْلِنُونَ مِثْلَ مَا يُبْطِنُونَ، وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ "يُنْفِقُونَ" يُرَادُ بِهِ أَعْمَالُهُمْ مِنَ الْكُفْرِ وَنَحْوِهِ، أَيْ هِيَ كَالرِّيحِ الَّتِي فِيهَا صِرٌّ ، فَتُبْطِلُ كُلَّ مَا لَهُمْ مِنْ صِلَةِ رَحِمٍ وَتَحَنُّثٍ بِعِتْقٍ وَنَحْوِهِ، كَمَا تُبْطِلُ الرِّيحُ الزَّرْعَ، وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ لَوْلَا بُعْدُ الِاسْتِعَارَةِ فِي الْإِنْفَاقِ.
وَالصِّرُّ: الْبَرْدُ الشَّدِيدُ الْمُحْرِقُ لِكُلِّ مَا يَهُبُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَجُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ: الصِّرُّ الْبَرْدُ، وَتُسَمِّيهِ
الْعَرَبُ : الضَّرِيبَ، وَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُ إِلَى أَنَّ اللَّفْظَةَ مِنَ التَّصْوِيتِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: صَرَّ الشَّيْءُ، وَمِنْهُ الرِّيحُ الصَّرْصَرُ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ: فَالصِّرُّ صَوْتُ النَّارِ الَّتِي فِي الرِّيحِ.
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ:
الصِّرُّ: هُوَ نَفَسُ جَهَنَّمَ الَّذِي فِي الزَّمْهَرِيرِ يُحْرِقُ نَحْوًا مِمَّا تُحْرِقُ النَّارُ.
وَالْحَرْثُ: شَامِلٌ لِلزَّرْعِ وَالثِّمَارِ، لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِمَّا يَصْدُرُ عَنْ إِثَارَةِ الْأَرْضِ وَهِيَ حَقِيقَةُ الْحَرْثِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
"لَا زَكَاةَ إِلَّا فِي عَيْنٍ أَوْ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ".
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: "ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ" فَمَا بَالُ هَذَا التَّخْصِيصِ وَالْمَثَلُ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَ الْحَرْثُ لِمَنْ لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ ظُلْمَ النَّفْسِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ تَأَوَّلَهُ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ بِأَنَّهُ ظُلْمٌ بِمَعَاصِي اللَّهِ، فَعَلَى هَذَا وَقَعَ التَّشْبِيهُ بِحَرْثِ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، إِذْ عُقُوبَتُهُ أَرْجَى، وَأَخْذَةُ اللَّهِ لَهُ أَشَدُّ، وَالنِّقْمَةُ إِلَيْهِ أَسْرَعُ وَفِيهِ أَقْوَى، كَمَا رُوِيَ: "فِي جَوْفِ الْعِيرِ" وَغَيْرُهُ. وَأَيْضًا فَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ يَرَى أَنَّ كُلَّ مَصَائِبِ الدُّنْيَا فَإِنَّمَا هِيَ
[ ص: 330 ] بِمَعَاصِي الْعَبِيدِ، وَيَنْتَزِعُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مَا آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ، فَيَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِهِ: إِنَّ كُلَّ حَرْثٍ تُحْرِقُهُ رِيحٌ فَإِنَّمَا هُوَ لِمَنْ قَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ. وَذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ وَنَحَا إِلَيْهِ
الْمَهْدَوِيُّ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=117حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ مَعْنَاهُ: زَرَعُوا فِي غَيْرِ أَوَانِ الزِّرَاعَةِ.
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ:
وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي هَذَا: ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَنْ وَضَعُوا أَفْعَالَ الْفِلَاحَةِ غَيْرَ مَوْضِعِهَا مِنْ وَقْتٍ أَوْ هَيْئَةِ عَمَلٍ، وَيَخُصُّ هَؤُلَاءِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْحَرْقَ فِيمَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى أَوْعَبُ وَأَشَدُّ تَمَكُّنًا، وَهَذَا الْمَنْزَعُ يُشْبِهُهُ مِنْ جِهَةٍ مَا قَوْلُ
امْرِئِ الْقَيْسِ: وَسَالِفَةٍ كَسَحُوقِ اللِّيَا نِ أَضْرَمَ فِيهَا الْغَوِيُّ السَّعَرْ
فَخَصَّصَ الْغَوِيَّ لِأَنَّهُ يُلْقِي النَّارَ فِي النَّخْلَةِ الْخَضْرَاءِ الْحَسَنَةِ الَّتِي لَا يَنْبَغِي أَنْ تُحْرَقَ، فَتُطْفِئُ النَّارُ عَنْ نَفْسِهَا رُطُوبَتَهَا بَعْدَ أَنْ تَتَشَذَّبَ وَتَسْوَدَّ، فَيَجِيءُ الشَّبَهُ حَسَنًا. وَالرَّشِيدُ لَا يُضْرِمُ النَّارَ إِلَّا فِيمَا يَبِسَ وَاسْتَحَقَّ فَهُوَ يَذْهَبُ وَلَا يَبْقَى مِنْهُ مَا يُشَبَّهُ بِهِ.
وَالضَّمِيرُ فِي "ظَلَمَهُمُ" لِلْكُفَّارِ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ضَمِيرُهُمْ فِي: "يُنْفِقُونَ"، وَلَيْسَ هُوَ لِلْقَوْمِ ذَوِي الْحَرْثِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُذْكَرُوا لِيَرُدَّ عَلَيْهِمْ وَلَا لِيُبَيِّنَ ظُلْمَهُمْ، وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=117وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ يَدُلُّ عَلَى فِعْلِ الْحَالِ فِي حَاضِرِينَ.