الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        1250 حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا عمرو بن مرة قال سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى قال كان سهل بن حنيف وقيس بن سعد قاعدين بالقادسية فمروا عليهما بجنازة فقاما فقيل لهما إنها من أهل الأرض أي من أهل الذمة فقالا إن النبي صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام فقيل له إنها جنازة يهودي فقال أليست نفسا وقال أبو حمزة عن الأعمش عن عمرو عن ابن أبي ليلى قال كنت مع قيس وسهل رضي الله عنهما فقالا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وقال زكرياء عن الشعبي عن ابن أبي ليلى كان أبو مسعود وقيس يقومان للجنازة

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فمروا عليهما ) في رواية المستملي ، والحموي : " عليهم " أي على قيس ، وهو ابن سعد بن عبادة ، وسهل ، وهو ابن حنيف ، ومن كان حينئذ معهما .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( من أهل الأرض ، أي من أهل الذمة ) كذا فيه بلفظ : ( أي ) التي يفسر بها ، وهي رواية الصحيحين وغيرهما ، وحكى ابن التين ، عن الداودي أنه شرحه بلفظ : ( أو ) التي للشك ، وقال : لم أره لغيره ، وقيل لأهل الذمة : أهل الأرض ، لأن المسلمين لما فتحوا البلاد أقروهم على عمل الأرض وحمل الخراج .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أليست نفسا ) هذا لا يعارض التعليل المتقدم حيث قال : إن للموت فزعا . على ما تقدم ، وكذا ما أخرجه الحاكم من طريق قتادة ، عن أنس مرفوعا ، فقال : " إنما قمنا للملائكة " . ونحوه لأحمد من حديث أبي موسى ، ولأحمد ، وابن حبان ، والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا : إنما تقومون إعظاما للذي يقبض النفوس . ولفظ ابن حبان : إعظاما لله الذي يقبض الأرواح . فإن ذلك أيضا لا ينافي التعليل السابق ، لأن القيام للفزع من الموت فيه تعظيم لأمر الله ، وتعظيم للقائمين بأمره في ذلك وهم الملائكة ، وأما ما أخرجه أحمد من حديث الحسن بن علي قال : إنما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم تأذيا بريح اليهودي . زاد الطبراني من حديث عبد الله بن عياش بالتحتانية والمعجمة : " فآذاه ريح بخورها " . وللطبراني ، والبيهقي من وجه آخر عن الحسن : " كراهية أن تعلو رأسه " . فإن ذلك لا يعارض الأخبار الأولى الصحيحة ، [ ص: 216 ] أما أولا ، فلأن أسانيدها لا تقاوم تلك في الصحة ، وأما ثانيا ، فلأن التعليل بذلك راجع إلى ما فهمه الراوي ، والتعليل الماضي صريح من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم ، فكأن الراوي لم يسمع التصريح بالتعليل منه فعلل باجتهاده . وقد روى ابن أبي شيبة من طريق خارجة بن زيد بن ثابت عن عمه يزيد بن ثابت ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلعت جنازة ، فلما رآها قام ، وقام أصحابه حتى بعدت ، والله ما أدري من شأنها أو من تضايق المكان ، وما سألناه عن قيامه . ومقتضى التعليل بقوله : " أليست نفسا " . أن ذلك يستحب لكل جنازة ، وإنما اقتصر في الترجمة على اليهودي وقوفا مع لفظ الحديث ، وقد اختلف أهل العلم في أصل المسألة ، فذهب الشافعي إلى أنه غير واجب ، فقال : هذا إما أن يكون منسوخا أو يكون قام لعلة ، وأيهما كان ، فقد ثبت أنه تركه بعد فعله ، والحجة في الآخر من أمره ، والقعود أحب إلي . انتهى . وأشار بالترك إلى حديث علي : أنه صلى الله عليه وسلم قام للجنازة ، ثم قعد . أخرجه مسلم ، قال البيضاوي : يحتمل قول علي : " ثم قعد " . أي بعد أن جاوزته وبعدت عنه ، ويحتمل أن يريد كان يقوم في وقت ، ثم ترك القيام أصلا ، وعلى هذا يكون فعله الأخير قرينة في أن المراد بالأمر الوارد في ذلك الندب ، ويحتمل أن يكون نسخا للوجوب المستفاد من ظاهر الأمر ، والأول أرجح لأن احتمال المجاز - يعني في الأمر - أولى من دعوى النسخ . انتهى . والاحتمال الأول يدفعه ما رواه البيهقي من حديث علي ، أنه أشار إلى قوم قاموا : أن يجلسوا ، ثم حدثهم الحديث . ومن ثم قال بكراهة القيام جماعة ، منهم سليم الرازي وغيره من الشافعية . وقال ابن حزم : قعوده صلى الله عليه وسلم بعد أمره بالقيام يدل على أن الأمر للندب ، ولا يجوز أن يكون نسخا ، لأن النسخ لا يكون إلا بنهي أو بترك معه نهي . انتهى . وقد ورد معنى النهي من حديث عبادة قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم للجنازة ، فمر به حبر من اليهود ، فقال : هكذا نفعل ، فقال : اجلسوا وخالفوهم . أخرجه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي ، فلو لم يكن إسناده ضعيفا لكان حجة في النسخ . وقال عياض : ذهب جمع من السلف إلى أن الأمر بالقيام منسوخ بحديث علي ، وتعقبه النووي بأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع ، وهو هنا ممكن . قال : والمختار أنه مستحب ، وبه قال المتولي . انتهى . وقول صاحب المهذب : هو على التخيير ، كأنه مأخوذ من قول الشافعي المتقدم لما تقتضيه صيغة أفعل من الاشتراك ، ولكن القعود عنده أولى ، وعكسه قول ابن حبيب ، وابن الماجشون من المالكية : كان قعوده صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز ، فمن جلس فهو في سعة ، ومن قام فله أجر . واستدل بحديث الباب على جواز إخراج جنائز أهل الذمة نهارا غير متميزة عن جنائز المسلمين ، أشار إلى ذلك الزين بن المنير ، قال : وإلزامهم بمخالفة رسوم المسلمين وقع اجتهادا من الأئمة . ويمكن أن يقال : إذا ثبت النسخ للقيام تبعه ما عداه ، فيحمل على أن ذلك كان عند مشروعية القيام ، فلما ترك القيام منع من الإظهار .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال أبو حمزة ) هو السكري ، وعمرو هو ابن مرة المذكور في الإسناد الذي قبله ، وقد وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق عبدان ، عن أبي حمزة ، ولفظه نحو حديث شعبة ، إلا أنه قال في روايته : فمرت عليهما جنازة فقاما ، ولم يقل فيه بالقادسية . وأراد المصنف بهذا التعليق بيان سماع عبد الرحمن بن أبي ليلى لهذا الحديث من سهل وقيس . قوله : ( وقال زكرياء ) هو ابن أبي زائدة ، وطريقه هذه موصولة عند سعيد بن منصور ، عن سفيان [ ص: 217 ] بن عيينة عنه . وأبو مسعود المذكور فيها هو البدري ، ويجمع بين ما وقع فيه من الاختلاف بأن عبد الرحمن بن أبي ليلى ذكر قيسا ، وسهلا مفردين لكونهما رفعا له الحديث ، وذكره مرة أخرى عن قيس ، وأبي مسعود لكون أبي مسعود لم يرفعه . والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية