nindex.php?page=treesubj&link=29024قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=33أفرأيت الذي تولى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=34وأعطى قليلا وأكدى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=35أعنده علم الغيب فهو يرى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=36أم لم ينبأ بما في صحف موسى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=37وإبراهيم الذي وفى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=38ألا تزر وازرة وزر أخرى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=39وأن ليس للإنسان إلا ما سعى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=40وأن سعيه سوف يرى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=41ثم يجزاه الجزاء الأوفى .
قوله : تولى : أي رجع وأدبر عن الحق ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=34وأعطى قليلا ، قال بعضهم : قليلا من المال ، وقال بعضهم : أعطى قليلا من الكلام الطيب ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=34وأكدى أي قطع ذلك العطاء ولم يتمه ، وأصله من أكدى صاحب الحفر إذا انتهى في حفره إلى
[ ص: 468 ] صخرة لا يقدر على الحفر فيها ، وأصله من الكدية وهي الحجارة تعترض حافر البئر ونحوه فتمنعه الحفر ، وهذا الذي أعطى قليلا وأكدى اختلف فيه العلماء ، فقيل : هو
الوليد بن المغيرة قارب أن يؤمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فعيره بعض المشركين ، فقال : أتركت دين الأشياخ وضللتهم ؟ قال : إني خشيت عذاب الله ، فضمن له الذي عاتبه إن هو أعطاه كذا من ماله ورجع إلى شركه أن يتحمل عنه عذاب الله ، فرجع
الوليد إلى الشرك وأعطى الذي عيره بعض ذلك المال الذي ضمن ومنعه تمامه . فأنزل الله عز وجل الآية .
وعلى هذا فقوله : تولى : أي
الوليد عن الإسلام بعد أن قارب ،
nindex.php?page=treesubj&link=30530وأعطى قليلا من المال للذي ضمن له أن يتحمل عنه ذنوبه .
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=34وأكدى : أي بخل عليه بالباقي ، وقيل : أعطى قليلا من الكلام الطيب كمدحه للقرآن ، واعترافه بصدق النبي - صلى الله عليه وسلم - ، " وأكدى " أي انقطع عن ذلك ورجع عنه . وقيل : هو
العاص بن وائل السهمي ، كان ربما وافق النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض الأمور ، وذلك هو معنى إعطائه القليل ثم انقطع عن ذلك ، وهو معنى إكدائه ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ولم ينسجم مع قوله بعده :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=35أعنده علم الغيب الآية [ 53 \ 35 ]
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي أنه
أبو جهل ، قال : والله ما يأمرنا
محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا بمكارم الأخلاق ، وذلك معنى إعطائه قليلا ، وقطعه لذلك معروف .
واقتصر
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري على أنه
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان رضي الله عنه ، قال : روي أن
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان كان يعطي ماله في الخير ، فقال له
nindex.php?page=showalam&ids=16436عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وهو أخوه من الرضاعة : يوشك ألا يبقى لك شيء . فقال
عثمان : إن لي ذنوبا وخطايا ، وإني أطلب بما أصنع رضا الله تعالى ، وأرجو عفوه ، فقال
عبد الله : أعطني ناقتك برحلها ، وأنا أتحمل عنك ذنوبك كلها ، فأعطاه وأشهد عليه ، وأمسك عن العطاء فنزلت الآية .
ومعنى " تولى " ترك المركز يوم
أحد ، فعاد
عثمان إلى أحسن من ذلك وأجمل . انتهى منه .
ولا يخفى سقوط هذا القول وبطلانه ، وأنه غير لائق بمنصب أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان رضي الله عنه .
وقد تضمنت هذه الآيات الكريمة سبعة أمور :
[ ص: 469 ] الأول : إنكار علم الغيب المدلول عليه بالهمزة في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=35أعنده علم الغيب والمراد نفي علمه للغيب .
الثاني : أن لكل من
إبراهيم وموسى صحفا لم ينبأ بما فيها هذا الكافر .
الثالث : أن
إبراهيم وفى ، أي أتم القيام بالتكاليف التي كلفه ربه بها .
الرابع : أن في تلك الصحف أنه
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=38ألا تزر وازرة وزر أخرى .
الخامس : أن فيها أيضا أنه
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=39ليس للإنسان إلا ما سعى .
السادس :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=40وأن سعيه سوف يرى .
السابع : أنه
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=41يجزاه الجزاء الأوفى ، أي الأكمل الأتم .
وهذه الأمور السبعة قد جاءت كلها موضحة في غير هذا الموضع .
أما الأول منها ، وهو عدم علمهم الغيب ، فقد ذكره تعالى في مواضع كثيرة كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=47أم عندهم الغيب فهم يكتبون [ 68 \ 47 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=78أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا [ 19 \ 78 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179وما كان الله ليطلعكم على الغيب [ 3 \ 179 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=26عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=27إلا من ارتضى من رسول الآية [ 72 \ 26 ] وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=65قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله [ 27 \ 65 ] ، والآيات بمثل هذا كثيرة معلومة ، وقد قدمناها مرارا .
والثاني : الذي هو أن
لإبراهيم وموسى صحفا لم يكن هذا المتولي المعطي قليلا المكدي عالما بها ، ذكره تعالى في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=18إن هذا لفي الصحف الأولى nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=19صحف إبراهيم وموسى [ 87 \ 18 - 19 ] .
والثالث منها : وهو
إبراهيم وفى تكاليفه ، فقد ذكره تعالى في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=124وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن [ 2 \ 124 ] ، وقد قدمنا أن الأصح في الكلمات التي ابتلي بها أنها التكاليف .
وأما الرابع منها : وهو أنه
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=38ألا تزر وازرة وزر أخرى ، فقد ذكره تعالى في آيات من كتابه كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=12وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون [ 29 \ 12 ] ،
[ ص: 470 ] وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=18ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى [ 35 \ 18 ] .
وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا ، والجواب عما يرد عليها من الإشكال في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=15ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا [ 17 \ 15 ] ، وذكرنا وجه الجمع بين الآيات الواردة في ذلك في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=25ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون [ 16 \ 25 ] .
وأما الخامس منها : وهو أنه
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=39ليس للإنسان إلا ما سعى ، فقد جاء موضحا في آيات من كتاب الله ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها الآية [ 17 \ 7 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=15من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها [ 45 \ 15 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=44ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون [ 30 \ 44 ] ، والآيات بمثل هذا كثيرة معلومة .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=39وأن ليس للإنسان إلا ما سعى يدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=30531_30525الإنسان لا يستحق أجرا إلا على سعيه بنفسه ، ولم تتعرض هذه الآية لانتفاعه بسعي غيره بنفي ولا إثبات ، لأن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=39وأن ليس للإنسان إلا ما سعى قد دلت اللام فيه على أنه لا يستحق ولا يملك شيئا إلا بسعيه ، ولم تتعرض لنفي الانتفاع بما ليس ملكا له ولا مستحقا له .
وقد جاءت آية من كتاب الله تدل على أن الإنسان قد ينتفع بسعي غيره وهي قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=21والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء [ 52 \ 21 ] .
وقد أوضحنا وجه الجمع بين قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=39وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وبين قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=21والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان الآية في كتابنا " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " في سورة النجم ، وقلنا فيه ما نصه : والجواب من ثلاثة أوجه :
الأول : أن الآية إنما دلت على
nindex.php?page=treesubj&link=30525_30531_29468نفي ملك الإنسان لغير سعيه ، ولم تدل على نفي انتفاعه بسعي غيره ، لأنه لم يقل : وأن لن ينتفع الإنسان إلا بما سعى ، وإنما قال :
[ ص: 471 ] nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=39وأن ليس للإنسان ، وبين الأمرين فرق ظاهر ، لأن سعي الغير ملك لساعيه إن شاء بذله لغيره فانتفع به ذلك الغير ، وإن شاء أبقاه لنفسه .
وقد أجمع العلماء على
nindex.php?page=treesubj&link=27022_27020_29468انتفاع الميت بالصلاة عليه والدعاء له والحج عنه ونحو ذلك مما ثبت الانتفاع بعمل الغير فيه .
الثاني : أن إيمان الذرية هو السبب الأكبر في رفع درجاتهم ، إذ لو كانوا كفارا لما حصل لهم ذلك . فإيمان العبد وطاعته سعي منه في انتفاعه بعمل غيره من المسلمين ، كما وقع في الصلاة في الجماعة ، فإن صلاة بعضهم مع بعض يتضاعف بها الأجر زيادة على صلاته منفردا ، وتلك المضاعفة انتفاع بعمل الغير ، سعى فيه المصلي بإيمانه وصلاته في الجماعة ، وهذا الوجه يشير إليه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=21واتبعتهم ذريتهم بإيمان .
الثالث : أن السعي الذي حصل به رفع درجات الأولاد ليس للأولاد كما هو نص قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=39وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ولكن من سعي الآباء فهو سعي للآباء أقر الله عيونهم بسببه ، بأن رفع إليهم أولادهم ليتمتعوا في الجنة برؤيتهم .
فالآية تصدق الأخرى ولا تنافيها ، لأن المقصود بالرفع إكرام الآباء لا الأولاد ، فانتفاع الأولاد تبع فهو بالنسبة إليهم تفضل من الله عليهم بما ليس لهم ، كما تفضل بذلك على الولدان والحور العين والخلق الذين ينشؤهم للجنة . والعلم عند الله تعالى . ا هـ منه .
والأمر السادس والسابع : وهما أن عمله سوف يرى ، ثم يجزاه الجزاء الأوفى ، فقد جاءا موضحين في آيات كثيرة كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=8والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=9ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم الآية [ 7 \ 8 - 9 ] .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=7فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=8ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره [ 99 \ 7 - 8 ] .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين [ 21 \ 47 ] .
[ ص: 472 ] وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=13ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=14اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا [ 17 \ 13 - 14 ] ، والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=35فهو يرى أي يعلم ذلك الغيب ، والآية تدل على أن سبب النزول لا يخلو من
nindex.php?page=treesubj&link=29468_30530إعطاء شيء في مقابلة تحمل الذنوب عمن أعطى لأن فاعل ذلك ليس عنده علم الغيب فيعلم به أن الذي ضمن له تحمل ذنوبه بفعل ذلك ، ولم ينبأ بما في الصحف الأولى ، من أنه "
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=38ألا تزر وازرة وزر أخرى " أي لا تتحمل نفس ذنب نفس أخرى .
وقد قدمنا تفسيره موضحا في سورة بني إسرائيل ، وأنه لا يملك الإنسان ولا يستحق إلا سعي نفسه ، وقد اتضح بذلك أنه لا يمكن أن يتحمل إنسان ذنوب غيره ، وقد دلت على ذلك آيات كثيرة معلومة .
وقال
أبو حيان في البحر : أفرأيت بمعنى أخبرني ، والمفعول الأول هو الموصول وصلته . والمفعول الثاني هو جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=35أعنده علم الغيب فهو يرى .
nindex.php?page=treesubj&link=29024قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=33أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=34وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=35أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=36أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=37وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=38أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=39وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=40وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=41ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى .
قَوْلُهُ : تَوَلَّى : أَيْ رَجَعَ وَأَدْبَرَ عَنِ الْحَقِّ ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=34وَأَعْطَى قَلِيلًا ، قَالَ بَعْضُهُمْ : قَلِيلًا مِنَ الْمَالِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَعْطَى قَلِيلًا مِنَ الْكَلَامِ الطَّيِّبِ ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=34وَأَكْدَى أَيْ قَطَعَ ذَلِكَ الْعَطَاءَ وَلَمْ يُتِمَّهُ ، وَأَصْلُهُ مَنْ أَكْدَى صَاحِبُ الْحَفْرِ إِذَا انْتَهَى فِي حَفْرِهِ إِلَى
[ ص: 468 ] صَخْرَةٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْحَفْرِ فِيهَا ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْكُدْيَةِ وَهِيَ الْحِجَارَةُ تَعْتَرِضُ حَافِرَ الْبِئْرِ وَنَحْوَهُ فَتَمْنَعُهُ الْحَفْرَ ، وَهَذَا الَّذِي أَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ ، فَقِيلَ : هُوَ
الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ قَارَبَ أَنْ يُؤْمِنَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَيَّرَهُ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ ، فَقَالَ : أَتَرَكْتَ دِينَ الْأَشْيَاخِ وَضَلَّلْتَهُمْ ؟ قَالَ : إِنِّي خَشِيتُ عَذَابَ اللَّهِ ، فَضَمِنَ لَهُ الَّذِي عَاتَبَهُ إِنْ هُوَ أَعْطَاهُ كَذَا مِنْ مَالِهِ وَرَجَعَ إِلَى شِرْكِهِ أَنْ يَتَحَمَّلَ عَنْهُ عَذَابَ اللَّهِ ، فَرَجَعَ
الْوَلِيدُ إِلَى الشِّرْكِ وَأَعْطَى الَّذِي عَيَّرَهُ بَعْضَ ذَلِكَ الْمَالِ الَّذِي ضَمِنَ وَمَنَعَهُ تَمَامَهُ . فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْآيَةَ .
وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ : تَوَلَّى : أَيِ
الْوَلِيدُ عَنِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ أَنْ قَارَبَ ،
nindex.php?page=treesubj&link=30530وَأَعْطَى قَلِيلًا مِنَ الْمَالِ لِلَّذِي ضَمِنَ لَهُ أَنْ يَتَحَمَّلَ عَنْهُ ذُنُوبَهُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=34وَأَكْدَى : أَيْ بَخِلَ عَلَيْهِ بِالْبَاقِي ، وَقِيلَ : أَعْطَى قَلِيلًا مِنَ الْكَلَامِ الطَّيِّبِ كَمَدْحِهِ لِلْقُرْآنِ ، وَاعْتِرَافِهِ بِصِدْقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، " وَأَكْدَى " أَيِ انْقَطَعَ عَنْ ذَلِكَ وَرَجَعَ عَنْهُ . وَقِيلَ : هُوَ
الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ ، كَانَ رُبَّمَا وَافَقَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ الْأُمُورِ ، وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى إِعْطَائِهِ الْقَلِيلَ ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْ ذَلِكَ ، وَهُوَ مَعْنَى إِكْدَائِهِ ، وَهَذَا قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ وَلَمْ يَنْسَجِمْ مَعَ قَوْلِهِ بَعْدَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=35أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ الْآيَةَ [ 53 \ 35 ]
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=14980مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ أَنَّهُ
أَبُو جَهْلٍ ، قَالَ : وَاللَّهِ مَا يَأْمُرُنَا
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ، وَذَلِكَ مَعْنَى إِعْطَائِهِ قَلِيلًا ، وَقَطْعُهُ لِذَلِكَ مَعْرُوفٌ .
وَاقْتَصَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ عَلَى أَنَّهُ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : رُوِيَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يُعْطِي مَالَهُ فِي الْخَيْرِ ، فَقَالَ لَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16436عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ ، وَهُوَ أَخُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ : يُوشِكُ أَلَّا يَبْقَى لَكَ شَيْءٌ . فَقَالَ
عُثْمَانُ : إِنَّ لِي ذُنُوبًا وَخَطَايَا ، وَإِنِّي أَطْلُبُ بِمَا أَصْنَعُ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى ، وَأَرْجُو عَفْوَهُ ، فَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ : أَعْطِنِي نَاقَتَكَ بِرَحْلِهَا ، وَأَنَا أَتَحَمَّلُ عَنْكَ ذُنُوبَكَ كُلَّهَا ، فَأَعْطَاهُ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ ، وَأَمْسَكَ عَنِ الْعَطَاءِ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ .
وَمَعْنَى " تَوَلَّى " تَرَكَ الْمَرْكَزَ يَوْمَ
أُحُدٍ ، فَعَادَ
عُثْمَانُ إِلَى أَحْسَنَ مِنْ ذَلِكَ وَأَجْمَلَ . انْتَهَى مِنْهُ .
وَلَا يَخْفَى سُقُوطُ هَذَا الْقَوْلِ وَبُطْلَانُهُ ، وَأَنَّهُ غَيْرُ لَائِقٍ بِمَنْصِبِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ الْكَرِيمَةُ سَبْعَةَ أُمُورٍ :
[ ص: 469 ] الْأَوَّلُ : إِنْكَارُ عِلْمِ الْغَيْبِ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِالْهَمْزَةِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=35أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ وَالْمُرَادُ نَفْيُ عِلْمِهِ لِلْغَيْبِ .
الثَّانِي : أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ
إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى صُحُفًا لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِيهَا هَذَا الْكَافِرُ .
الثَّالِثُ : أَنَّ
إِبْرَاهِيمَ وَفَّى ، أَيْ أَتَمَّ الْقِيَامَ بِالتَّكَالِيفِ الَّتِي كَلَّفَهُ رَبُّهُ بِهَا .
الرَّابِعُ : أَنَّ فِي تِلْكَ الصُّحُفِ أَنَّهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=38أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى .
الْخَامِسُ : أَنَّ فِيهَا أَيْضًا أَنَّهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=39لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى .
السَّادِسُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=40وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى .
السَّابِعُ : أَنَّهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=41يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى ، أَيِ الْأَكْمَلَ الْأَتَمَّ .
وَهَذِهِ الْأُمُورُ السَّبْعَةُ قَدْ جَاءَتْ كُلُّهَا مُوَضَّحَةً فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .
أَمَّا الْأَوَّلُ مِنْهَا ، وَهُوَ عَدَمُ عِلْمِهِمُ الْغَيْبَ ، فَقَدْ ذَكَرَهُ تَعَالَى فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=47أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ [ 68 \ 47 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=78أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا [ 19 \ 78 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ [ 3 \ 179 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=26عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=27إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ الْآيَةَ [ 72 \ 26 ] وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=65قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [ 27 \ 65 ] ، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهَا مِرَارًا .
وَالثَّانِي : الَّذِي هُوَ أَنَّ
لِإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى صُحُفًا لَمْ يَكُنْ هَذَا الْمُتَوَلِّي الْمُعْطِي قَلِيلًا الْمُكْدِي عَالِمًا بِهَا ، ذَكَرَهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=18إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=19صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى [ 87 \ 18 - 19 ] .
وَالثَّالِثُ مِنْهَا : وَهُوَ
إِبْرَاهِيمُ وَفَّى تَكَالِيفَهُ ، فَقَدْ ذَكَرَهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=124وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ [ 2 \ 124 ] ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ فِي الْكَلِمَاتِ الَّتِي ابْتُلِيَ بِهَا أَنَّهَا التَّكَالِيفُ .
وَأَمَّا الرَّابِعُ مِنْهَا : وَهُوَ أَنَّهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=38أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ، فَقَدْ ذَكَرَهُ تَعَالَى فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=12وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [ 29 \ 12 ] ،
[ ص: 470 ] وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=18وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى [ 35 \ 18 ] .
وَقَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لِهَذَا ، وَالْجَوَابُ عَمَّا يَرِدُ عَلَيْهَا مِنَ الْإِشْكَالِ فِي سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=15وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [ 17 \ 15 ] ، وَذَكَرْنَا وَجْهَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=25وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [ 16 \ 25 ] .
وَأَمَّا الْخَامِسُ مِنْهَا : وَهُوَ أَنَّهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=39لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ، فَقَدْ جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا الْآيَةَ [ 17 \ 7 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=15مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا [ 45 \ 15 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=44وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ [ 30 \ 44 ] ، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=39وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30531_30525الْإِنْسَانَ لَا يَسْتَحِقُّ أَجْرًا إِلَّا عَلَى سَعْيِهِ بِنَفْسِهِ ، وَلَمْ تَتَعَرَّضْ هَذِهِ الْآيَةُ لِانْتِفَاعِهِ بِسَعْيِ غَيْرِهِ بِنَفْيٍ وَلَا إِثْبَاتٍ ، لِأَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=39وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى قَدْ دَلَّتِ اللَّامُ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ وَلَا يَمْلِكُ شَيْئًا إِلَّا بِسَعْيِهِ ، وَلَمْ تَتَعَرَّضْ لِنَفْيِ الِانْتِفَاعِ بِمَا لَيْسَ مِلْكًا لَهُ وَلَا مُسْتَحَقًّا لَهُ .
وَقَدْ جَاءَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَنْتَفِعُ بِسَعْيِ غَيْرِهِ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=21وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ [ 52 \ 21 ] .
وَقَدْ أَوْضَحْنَا وَجْهَ الْجَمْعِ بَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=39وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَبَيْنَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=21وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ الْآيَةَ فِي كِتَابِنَا " دَفْعُ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ عَنْ آيَاتِ الْكِتَابِ " فِي سُورَةِ النَّجْمِ ، وَقُلْنَا فِيهِ مَا نَصُّهُ : وَالْجَوَابُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا دَلَّتْ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=30525_30531_29468نَفْيِ مِلْكِ الْإِنْسَانِ لِغَيْرِ سَعْيِهِ ، وَلَمْ تَدُلَّ عَلَى نَفْيِ انْتِفَاعِهِ بِسَعْيِ غَيْرِهِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ : وَأَنْ لَنْ يَنْتَفِعَ الْإِنْسَانُ إِلَّا بِمَا سَعَى ، وَإِنَّمَا قَالَ :
[ ص: 471 ] nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=39وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ ، وَبَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَرْقٌ ظَاهِرٌ ، لِأَنَّ سَعْيَ الْغَيْرِ مِلْكٌ لِسَاعِيهِ إِنْ شَاءَ بَذَلَهُ لِغَيْرِهِ فَانْتَفَعَ بِهِ ذَلِكَ الْغَيْرُ ، وَإِنْ شَاءَ أَبْقَاهُ لِنَفْسِهِ .
وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=27022_27020_29468انْتِفَاعِ الْمَيِّتِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالدُّعَاءِ لَهُ وَالْحَجِّ عَنْهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا ثَبَتَ الِانْتِفَاعُ بِعَمَلِ الْغَيْرِ فِيهِ .
الثَّانِي : أَنَّ إِيمَانَ الذُّرِّيَّةِ هُوَ السَّبَبُ الْأَكْبَرُ فِي رَفْعِ دَرَجَاتِهِمْ ، إِذْ لَوْ كَانُوا كُفَّارًا لَمَا حَصَلَ لَهُمْ ذَلِكَ . فَإِيمَانُ الْعَبْدِ وَطَاعَتُهُ سَعْيٌ مِنْهُ فِي انْتِفَاعِهِ بِعَمَلِ غَيْرِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، كَمَا وَقَعَ فِي الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ ، فَإِنَّ صَلَاةَ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ يَتَضَاعَفُ بِهَا الْأَجْرُ زِيَادَةً عَلَى صَلَاتِهِ مُنْفَرِدًا ، وَتِلْكَ الْمُضَاعَفَةُ انْتِفَاعٌ بِعَمَلِ الْغَيْرِ ، سَعَى فِيهِ الْمُصَلِّي بِإِيمَانِهِ وَصَلَاتِهِ فِي الْجَمَاعَةِ ، وَهَذَا الْوَجْهُ يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=21وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ .
الثَّالِثُ : أَنَّ السَّعْيَ الَّذِي حَصَلَ بِهِ رَفْعُ دَرَجَاتِ الْأَوْلَادِ لَيْسَ لِلْأَوْلَادِ كَمَا هُوَ نَصُّ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=39وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَلَكِنَّ مِنْ سَعْيِ الْآبَاءِ فَهُوَ سَعْيٌ لِلْآبَاءِ أَقَرَّ اللَّهُ عُيُونَهُمْ بِسَبَبِهِ ، بِأَنْ رَفَعَ إِلَيْهِمْ أَوْلَادَهُمْ لِيَتَمَتَّعُوا فِي الْجَنَّةِ بِرُؤْيَتِهِمْ .
فَالْآيَةُ تُصَدِّقُ الْأُخْرَى وَلَا تُنَافِيهَا ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالرَّفْعِ إِكْرَامُ الْآبَاءِ لَا الْأَوْلَادُ ، فَانْتِفَاعُ الْأَوْلَادِ تَبَعٌ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ تَفَضَّلٌ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِمَا لَيْسَ لَهُمْ ، كَمَا تَفَضَّلَ بِذَلِكَ عَلَى الْوِلْدَانِ وَالْحُورِ الْعِينِ وَالْخَلْقِ الَّذِينَ يُنْشُؤُهُمْ لِلْجَنَّةِ . وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى . ا هـ مِنْهُ .
وَالْأَمْرُ السَّادِسُ وَالسَّابِعُ : وَهُمَا أَنَّ عَمَلَهُ سَوْفَ يُرَى ، ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى ، فَقَدْ جَاءَا مُوَضَّحَيْنِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=8وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=9وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ الْآيَةَ [ 7 \ 8 - 9 ] .
وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=7فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=8وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [ 99 \ 7 - 8 ] .
وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [ 21 \ 47 ] .
[ ص: 472 ] وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=13وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=14اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [ 17 \ 13 - 14 ] ، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=35فَهُوَ يَرَى أَيْ يَعْلَمُ ذَلِكَ الْغَيْبَ ، وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَبَبَ النُّزُولِ لَا يَخْلُو مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=29468_30530إِعْطَاءِ شَيْءٍ فِي مُقَابَلَةِ تَحَمُّلِ الذُّنُوبِ عَمَّنْ أَعْطَى لِأَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ لَيْسَ عِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَيَعْلَمُ بِهِ أَنَّ الَّذِي ضَمِنَ لَهُ تَحَمُّلَ ذُنُوبِهِ بِفِعْلِ ذَلِكَ ، وَلَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى ، مِنْ أَنَّهُ "
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=38أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى " أَيْ لَا تَتَحَمَّلُ نَفْسٌ ذَنْبَ نَفْسٍ أُخْرَى .
وَقَدْ قَدَّمْنَا تَفْسِيرَهُ مُوَضَّحًا فِي سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِنْسَانُ وَلَا يَسْتَحِقُّ إِلَّا سَعْيَ نَفْسِهِ ، وَقَدِ اتَّضَحَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَحَمَّلَ إِنْسَانٌ ذُنُوبَ غَيْرِهِ ، وَقَدْ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ .
وَقَالَ
أَبُو حَيَّانَ فِي الْبَحْرِ : أَفَرَأَيْتَ بِمَعْنَى أَخْبِرْنِي ، وَالْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمَوْصُولُ وَصِلَتُهُ . وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي هُوَ جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=35أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى .