الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : يوم لا ينفع مال ولا بنون ( يوم ) بدل من ( يوم ) الأول . أي يوم لا ينفع مال ولا بنون أحدا . والمراد بقوله : " ولا بنون " الأعوان ; لأن الابن إذا لم ينفع فغيره متى ينفع ؟ وقيل : ذكر البنين لأنه جرى ذكر والد إبراهيم ، أي لم ينفعه إبراهيم . إلا من أتى الله بقلب سليم هو استثناء من الكافرين ; أي لا ينفعه ماله ولا بنوه . وقيل : هو استثناء من غير الجنس ، أي لكن من أتى الله بقلب سليم ينفعه لسلامة قلبه . وخص القلب بالذكر ; لأنه الذي إذا سلم سلمت الجوارح ، وإذا فسد فسدت سائر الجوارح . وقد تقدم في أول ( البقرة ) . واختلف في القلب السليم فقيل : من الشك والشرك ، فأما الذنوب فليس يسلم منها أحد ; قاله قتادة وابن زيد وأكثر المفسرين . وقال سعيد بن المسيب : القلب السليم الصحيح هو قلب المؤمن ; لأن قلب الكافر والمنافق مريض ; قال الله تعالى : في قلوبهم مرض وقال أبو عثمان السياري : هو القلب الخالي عن البدعة المطمئن إلى السنة . وقال الحسن : سليم من آفة المال والبنين . وقال الجنيد : السليم - في اللغة - اللديغ ; فمعناه أنه قلب كاللديغ من خوف الله . وقال الضحاك : السليم : الخالص .

قلت : وهذا القول يجمع شتات الأقوال بعمومه وهو حسن ، أي الخالص من الأوصاف الذميمة ، والمتصف بالأوصاف الجميلة ; والله أعلم . وقد روي عن عروة أنه قال : يا بني لا [ ص: 108 ] تكونوا لعانين فإن إبراهيم لم يلعن شيئا قط ، قال الله تعالى : إذ جاء ربه بقلب سليم . وقال محمد بن سيرين : القلب السليم أن يعلم أن الله حق ، وأن الساعة قائمة ، وأن الله يبعث من في القبور . وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير يريد - والله أعلم - أنها مثلها في أنها خالية من كل ذنب ، سليمة من كل عيب ، لا خبرة لهم بأمور الدنيا ; كما روى أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكثر أهل الجنة البله وهو حديث صحيح . أي البله عن معاصي الله . قال الأزهري : الأبله هنا هو الذي طبع على الخير وهو غافل عن الشر لا يعرفه . وقال القتبي : البله هم الذين غلبت عليهم سلامة الصدور وحسن الظن بالناس .

التالي السابق


الخدمات العلمية