[ ص: 261 ] قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون .
nindex.php?page=treesubj&link=28999قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32اسلك يدك في جيبك الآية . تقدم القول فيه .
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32واضمم إليك جناحك من الرهب ( من ) متعلقة ب ( ولى ) أي
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=31ولى مدبرا من الرهب . وقرأ
حفص والسلمي وعيسى بن عمرو وابن أبي إسحاق :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32من الرهب بفتح الراء وإسكان الهاء وقرأ
ابن عامر والكوفيون إلا
حفصا بضم الراء وجزم الهاء . الباقون بفتح الراء والهاء ، واختاره
أبو عبيد وأبو حاتم ، لقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=90ويدعوننا رغبا ورهبا وكلها لغات وهو بمعنى الخوف . والمعنى إذا هالك أمر يدك وشعاعها فأدخلها في جيبك وارددها إليه تعد كما كانت . وقيل : أمره الله أن يضم يده إلى صدره فيذهب عنه خوف الحية ، عن
مجاهد وغيره ورواه
الضحاك عن
ابن عباس ; قال : فقال
ابن عباس : ليس من أحد يدخله رعب بعد
موسى عليه السلام ، ثم يدخل يده فيضعها على صدره إلا ذهب عنه الرعب . ويحكى عن
عمر بن عبد العزيز رحمه الله : أن كاتبا كان يكتب بين يديه فانفلتت منه فلتة ريح فخجل وانكسر ، فقام وضرب بقلمه الأرض فقال له
عمر : خذ قلمك واضمم إليك جناحك ، وليفرخ روعك فإني ما سمعتها من أحد أكثر مما سمعتها من نفسي ، وقيل : المعنى اضمم يدك إلى صدرك ليذهب الله ما في صدرك من الخوف وكان
موسى يرتعد خوفا إما من
آل فرعون وإما من الثعبان . وضم الجناح هو السكون ; كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=24واخفض لهما جناح الذل من الرحمة يريد الرفق ، وكذلك قوله : ( واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين ) أي ارفق بهم وقال
الفراء : أراد بالجناح عصاه وقال بعض أهل المعاني : الرهب : الكم بلغة
حمير وبني حنيفة قال
مقاتل : سألتني أعرابية شيئا وأنا آكل فملأت الكف وأومأت إليها فقالت : هاهنا في رهبي . تريد : في كمي وقال
الأصمعي : سمعت أعرابيا يقول لآخر : أعطني رهبك ، فسألته عن الرهب فقال : الكم ; فعلى هذا يكون معناه اضمم إليك يدك وأخرجها من الكم ; لأنه تناول العصا ويده في
[ ص: 262 ] كمه وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32اسلك يدك في جيبك يدل على أنها اليد اليمنى ، لأن الجيب على اليسار ، ذكره
القشيري .
قلت : وما فسروه من ضم اليد إلى الصدر يدل على أن الجيب موضعه الصدر وقد مضى في سورة ( النور ) بيانه
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ومن بدع التفاسير أن الرهب : الكم . بلغة حمير وأنهم يقولون أعطني مما في رهبك ، وليت شعري كيف صحته في اللغة ! وهل سمع من الأثبات الثقات الذين ترتضى عربيتهم ؟ ثم ليت شعري كيف موقعه في الآية ، وكيف تطبيقه المفصل كسائر كلمات التنزيل ، على أن
موسى صلوات الله عليه ما كان عليه ليلة المناجاة إلا زرمانقة من صوف لا كمين لها . قال
القشيري : وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32واضمم إليك جناحك يريد اليدين إن قلنا أراد الأمن من فزع الثعبان ، وقيل :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32واضمم إليك جناحك أي شمر واستعد لتحمل أعباء الرسالة .
قلت : فعلى هذا قيل : ( إنك من الآمنين ) أي من المرسلين ; لقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=10إني لا يخاف لدي المرسلون قال
ابن بحر : فصار على هذا التأويل رسولا بهذا القول وقيل : إنما صار رسولا بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه والبرهانان اليد والعصا . وقرأ
ابن كثير بتشديد النون وخففها الباقون وروى
أبو عمارة عن
أبي الفضل عن
أبي بكر عن
ابن كثير ، ( فذانيك ) بالتشديد والياء وعن
أبي عمرو أيضا قال لغة
هذيل : ( فذانيك ) بالتخفيف والياء ، ولغة
قريش ( فذانك ) كما قرأ
أبو عمرو وابن كثير وفي تعليله خمسة أقوال : قيل : شدد النون عوضا من الألف الساقطة في ( ذانك ) الذي هو تثنية ( ذا ) المرفوع ، وهو رفع بالابتداء ، وألف ( ذا ) محذوفة لدخول ألف التثنية عليها ، ولم يلتفت إلى التقاء الساكنين ; لأن أصله ( فذانك ) فحذف الألف الأولى عوضا من النون الشديدة وقيل : التشديد للتأكيد كما أدخلوا اللام في ذلك .
مكي : وقيل إن من شدد إنما بناه على لغة من قال في الواحد ( ذلك ) فلما بنى أثبت اللام بعد نون التثنية ، ثم أدغم اللام في النون على حكم إدغام الثاني في الأول ، والأصل أن يدغم الأول أبدا في الثاني ، إلا أن يمنع من ذلك علة فيدغم الثاني في الأول ، والعلة التي منعت في هذا أن يدغم الأول في الثاني أنه لو فعل ذلك لصار في موضع النون التي تدل على التثنية لام مشددة فيتغير لفظ التثنية فأدغم الثاني في الأول لذلك ; فصار نونا مشددة وقد قيل : إنه لما تنافى ذلك أثبت اللام قبل النون ثم أدغم الأول في الثاني على
[ ص: 263 ] أصول الإدغام فصار نونا مشددة وقيل : شددت فرقا بينها وبين الظاهر التي تسقط الإضافة نونه ، لأن ( ذان ) لا يضاف ، وقيل : للفرق بين الاسم المتمكن وبينها وكذلك العلة في تشديد النون في ( اللذان ) و ( هذان ) قال
أبو عمرو : إنما اختص
أبو عمرو هذا الحرف بالتشديد دون كل تثنية من جنسه لقلة حروفه فقرأ بالتثقيل ومن قرأ : ( فذانيك ) بياء مع تخفيف النون فالأصل عنده فذانك بالتشديد فأبدل من النون الثانية ياء كراهية التضعيف ، كما قالوا : لا أملاه . في : لا أمله . فأبدلوا اللام الثانية ألفا . ومن قرأ بياء بعد النون الشديدة فوجهه أنه أشبع كسرة النون فتولدت عنها الياء .
nindex.php?page=treesubj&link=28999قوله تعالى : فأرسله معي ردءا يصدقني يعني معينا . مشتق من : أردأته أي أعنته . والردء العون . قال الشاعر :
ألم تر أن أصرم كان ردئي وخير الناس في قل ومال
النحاس : وقد أردأه ورداه أي أعانه ; وترك همزه تخفيفا وبه قرأ
نافع . وهو بمعنى المهموز . قال
المهدوي : ويجوز أن يكون ترك الهمز من قولهم : أردى على المائة ، أي زاد عليها ، وكأن المعنى أرسله معي زيادة في تصديقي . قاله
مسلم بن جندب وأنشد قول الشاعر :
وأسمر خطيا كأن كعوبه نوى القسب قد أردى ذراعا على العشر
كذا أنشد
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي هذا البيت : ( قد أردى ) وأنشده
الغزنوي والجوهري في الصحاح : قد أرمى . قال : والقسب الصلب ، والقسب تمر يابس يتفتت في الفم صلب النواة . قال يصف رمحا : وأسمر . . . البيت قال
الجوهري : ردؤ الشيء يردؤ رداءة فهو رديء ، أي : فاسد ، وأردأته : أفسدته ، وأردأته أيضا بمعنى أعنته ; تقول : أردأته بنفسي أي كنت له ردءا وهو العون . قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=34فأرسله معي ردءا يصدقني . قال
النحاس : وقد حكى : ردأته ردءا وجمع ردء أرداء ، وقرأ
عاصم وحمزة : ( يصدقني ) بالرفع وجزم الباقون ; وهو اختيار
أبي حاتم على جواب الدعاء واختار الرفع
أبو عبيد على الحال من الهاء في ( أرسله ) أي أرسله ردءا مصدقا حالة التصديق ; كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=114أنزل علينا مائدة من السماء تكون أي كائنة ; حال صرف إلى الاستقبال ويجوز أن يكون صفة لقوله : ردءا .
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=34إني أخاف أن يكذبون إذا لم يكن لي وزير ولا معين ; لأنهم لا يكادون يفقهون عني ، ف ( قال ) الله عز وجل
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=35سنشد عضدك بأخيك أي نقويك به ; وهذا تمثيل ; لأن قوة اليد بالعضد . قال
طرفة :
[ ص: 264 ] بني لبينى لستم بيد إلا يدا ليست لها عضد
ويقال في دعاء الخير : شد الله عضدك . وفي ضده : فت الله في عضدك ( ونجعل لكما سلطانا ) أي حجة وبرهانا فلا يصلون إليكما بالأذى بآياتنا أي تمتنعان منهم بآياتنا فيجوز أن يوقف على ( إليكما ) ويكون في الكلام تقديم وتأخير . وقيل : التقدير أنتما ومن اتبعكما الغالبون بآياتنا . قال
الأخفش nindex.php?page=showalam&ids=16935والطبري قال
المهدوي : وفي هذا تقديم الصلة على الموصول ، إلا أن يقدر : أنتما غالبان بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون . وعنى بالآيات سائر معجزاته .
[ ص: 261 ] قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ .
nindex.php?page=treesubj&link=28999قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ الْآيَةَ . تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ( مِنْ ) مُتَعَلِّقَةٌ بِ ( وَلَّى ) أَيْ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=31وَلَّى مُدْبِرًا مِنَ الرَّهْبِ . وَقَرَأَ
حَفْصٌ وَالسُّلَمِيُّ وَعِيسَى بْنُ عَمْرٍو وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32مِنَ الرَّهْبِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَقَرَأَ
ابْنُ عَامِرٍ وَالْكُوفِيُّونَ إِلَّا
حَفْصًا بِضَمِّ الرَّاءِ وَجَزْمِ الْهَاءِ . الْبَاقُونَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْهَاءِ ، وَاخْتَارَهُ
أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=90وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكُلُّهَا لُغَاتٌ وَهُوَ بِمَعْنَى الْخَوْفِ . وَالْمَعْنَى إِذَا هَالَكَ أَمْرُ يَدِكَ وَشُعَاعُهَا فَأَدْخِلْهَا فِي جَيْبِكَ وَارْدُدْهَا إِلَيْهِ تَعُدْ كَمَا كَانَتْ . وَقِيلَ : أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَضُمَّ يَدَهُ إِلَى صَدْرِهِ فَيَذْهَبُ عَنْهُ خَوْفُ الْحَيَّةِ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ وَرَوَاهُ
الضَّحَّاكُ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ; قَالَ : فَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُهُ رُعْبٌ بَعْدَ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ فَيَضَعُهَا عَلَى صَدْرِهِ إِلَّا ذَهَبَ عَنْهُ الرُّعْبُ . وَيُحْكَى عَنْ
عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ : أَنَّ كَاتِبًا كَانَ يَكْتُبُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ فَلْتَةُ رِيحٍ فَخَجِلَ وَانْكَسَرَ ، فَقَامَ وَضَرَبَ بِقَلَمِهِ الْأَرْضَ فَقَالَ لَهُ
عُمَرُ : خُذْ قَلَمَكَ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ ، وَلْيُفْرِخْ رَوْعُكَ فَإِنِّي مَا سَمِعْتُهَا مِنْ أَحَدٍ أَكْثَرَ مِمَّا سَمِعْتُهَا مِنْ نَفْسِي ، وَقِيلَ : الْمَعْنَى اضْمُمْ يَدَكَ إِلَى صَدْرِكَ لِيُذْهِبَ اللَّهُ مَا فِي صَدْرِكَ مِنَ الْخَوْفِ وَكَانَ
مُوسَى يَرْتَعِدُ خَوْفًا إِمَّا مِنْ
آلِ فِرْعَوْنَ وَإِمَّا مِنَ الثُّعْبَانِ . وَضَمُّ الْجَنَاحِ هُوَ السُّكُونُ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=24وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ يُرِيدُ الرِّفْقَ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : ( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) أَيِ ارْفُقْ بِهِمْ وَقَالَ
الْفَرَّاءُ : أَرَادَ بِالْجَنَاحِ عَصَاهُ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعَانِي : الرَّهْبُ : الْكُمُّ بِلُغَةِ
حِمْيَرَ وَبَنِي حَنِيفَةَ قَالَ
مُقَاتِلٌ : سَأَلَتْنِي أَعْرَابِيَّةٌ شَيْئًا وَأَنَا آكُلُ فَمَلَأْتُ الْكَفَّ وَأَوْمَأْتُ إِلَيْهَا فَقَالَتْ : هَاهُنَا فِي رَهْبِي . تُرِيدُ : فِي كُمِّي وَقَالَ
الْأَصْمَعِيُّ : سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا يَقُولُ لِآخَرَ : أَعْطِنِي رَهْبَكَ ، فَسَأَلْتُهُ عَنِ الرَّهْبِ فَقَالَ : الْكُمُّ ; فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَاهُ اضْمُمْ إِلَيْكَ يَدَكَ وَأَخْرِجْهَا مِنَ الْكُمِّ ; لِأَنَّهُ تَنَاوَلَ الْعَصَا وَيَدُهُ فِي
[ ص: 262 ] كُمِّهِ وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا الْيَدُ الْيُمْنَى ، لِأَنَّ الْجَيْبَ عَلَى الْيَسَارِ ، ذَكَرَهُ
الْقُشَيْرِيُّ .
قُلْتُ : وَمَا فَسَّرُوهُ مِنْ ضَمِّ الْيَدِ إِلَى الصَّدْرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَيْبَ مَوْضِعُهُ الصَّدْرُ وَقَدْ مَضَى فِي سُورَةِ ( النُّورِ ) بَيَانُهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَمِنْ بِدَعِ التَّفَاسِيرِ أَنَّ الرَّهْبَ : الْكُمُّ . بِلُغَةِ حِمْيَرَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ أَعْطِنِي مِمَّا فِي رَهْبِكَ ، وَلَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ صِحَّتُهُ فِي اللُّغَةِ ! وَهَلْ سُمِعَ مِنَ الْأَثْبَاتِ الثِّقَاتِ الَّذِينَ تُرْتَضَى عَرَبِيَّتُهُمْ ؟ ثُمَّ لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ مَوْقِعُهُ فِي الْآيَةِ ، وَكَيْفَ تَطْبِيقُهُ الْمُفَصَّلُ كَسَائِرِ كَلِمَاتِ التَّنْزِيلِ ، عَلَى أَنَّ
مُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ لَيْلَةَ الْمُنَاجَاةِ إِلَّا زُرْمَانِقَةً مِنْ صُوفٍ لَا كُمَّيْنِ لَهَا . قَالَ
الْقُشَيْرِيُّ : وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ يُرِيدُ الْيَدَيْنِ إِنْ قُلْنَا أَرَادَ الْأَمْنَ مِنْ فَزَعِ الثُّعْبَانِ ، وَقِيلَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ أَيْ شَمِّرْ وَاسْتَعِدَّ لِتَحَمُّلِ أَعْبَاءِ الرِّسَالَةِ .
قُلْتُ : فَعَلَى هَذَا قِيلَ : ( إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ ) أَيْ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=10إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ قَالَ
ابْنُ بَحْرٍ : فَصَارَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ رَسُولًا بِهَذَا الْقَوْلِ وَقِيلَ : إِنَّمَا صَارَ رَسُولًا بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ وَالْبُرْهَانَانِ الْيَدُ وَالْعَصَا . وَقَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَخَفَّفَهَا الْبَاقُونَ وَرَوَى
أَبُو عُمَارَةَ عَنْ
أَبِي الْفَضْلِ عَنْ
أَبِي بَكْرٍ عَنِ
ابْنِ كَثِيرٍ ، ( فَذَانِّيكَ ) بِالتَّشْدِيدِ وَالْيَاءِ وَعَنْ
أَبِي عَمْرٍو أَيْضًا قَالَ لُغَةُ
هُذَيْلٍ : ( فَذَانِيكَ ) بِالتَّخْفِيفِ وَالْيَاءِ ، وَلُغَةُ
قُرَيْشٍ ( فَذَانِكَ ) كَمَا قَرَأَ
أَبُو عَمْرٍو وَابْنُ كَثِيرٍ وَفِي تَعْلِيلِهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ : قِيلَ : شَدَّدَ النُّونَ عِوَضًا مِنَ الْأَلِفِ السَّاقِطَةِ فِي ( ذَانِكَ ) الَّذِي هُوَ تَثْنِيَةُ ( ذَا ) الْمَرْفُوعِ ، وَهُوَ رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ ، وَأَلِفُ ( ذَا ) مَحْذُوفَةٌ لِدُخُولِ أَلِفِ التَّثْنِيَةِ عَلَيْهَا ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ ; لِأَنَّ أَصْلَهُ ( فَذَانِكَ ) فَحُذِفَ الْأَلِفُ الْأُولَى عِوَضًا مِنَ النُّونِ الشَّدِيدَةِ وَقِيلَ : التَّشْدِيدُ لِلتَّأْكِيدِ كَمَا أَدْخَلُوا اللَّامَ فِي ذَلِكَ .
مَكِّيٌّ : وَقِيلَ إِنَّ مَنْ شَدَّدَ إِنَّمَا بَنَاهُ عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ فِي الْوَاحِدِ ( ذَلِكَ ) فَلَمَّا بَنَى أَثْبَتَ اللَّامَ بَعْدَ نُونِ التَّثْنِيَةِ ، ثُمَّ أَدْغَمَ اللَّامَ فِي النُّونِ عَلَى حُكْمِ إِدْغَامِ الثَّانِي فِي الْأَوَّلِ ، وَالْأَصْلُ أَنْ يُدْغَمَ الْأَوَّلُ أَبَدًا فِي الثَّانِي ، إِلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ عِلَّةٌ فَيُدْغَمُ الثَّانِي فِي الْأَوَّلِ ، وَالْعِلَّةُ الَّتِي مَنَعَتْ فِي هَذَا أَنْ يُدْغَمَ الْأَوَّلُ فِي الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ فُعِلَ ذَلِكَ لَصَارَ فِي مَوْضِعِ النُّونِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى التَّثْنِيَةِ لَامٌ مُشَدَّدَةٌ فَيَتَغَيَّرُ لَفْظُ التَّثْنِيَةِ فَأُدْغِمَ الثَّانِي فِي الْأَوَّلِ لِذَلِكَ ; فَصَارَ نُونًا مُشَدَّدَةً وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهُ لَمَّا تَنَافَى ذَلِكَ أُثْبِتَ اللَّامُ قَبْلَ النُّونِ ثُمَّ أُدْغِمَ الْأَوَّلُ فِي الثَّانِي عَلَى
[ ص: 263 ] أُصُولُ الْإِدْغَامِ فَصَارَ نُونًا مُشَدَّدَةً وَقِيلَ : شُدِّدَتْ فَرْقًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الظَّاهِرِ الَّتِي تُسْقِطُ الْإِضَافَةُ نُونَهُ ، لِأَنَّ ( ذَانِ ) لَا يُضَافُ ، وَقِيلَ : لِلْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْمِ الْمُتَمَكِّنِ وَبَيْنَهَا وَكَذَلِكَ الْعِلَّةُ فِي تَشْدِيدِ النُّونِ فِي ( اللَّذَانِّ ) وَ ( هَذَانِّ ) قَالَ
أَبُو عَمْرٍو : إِنَّمَا اخْتَصَّ
أَبُو عَمْرٍو هَذَا الْحَرْفَ بِالتَّشْدِيدِ دُونَ كُلِّ تَثْنِيَةٍ مِنْ جِنْسِهِ لِقِلَّةِ حُرُوفِهِ فَقَرَأَ بِالتَّثْقِيلِ وَمَنْ قَرَأَ : ( فَذَانِيكَ ) بِيَاءٍ مَعَ تَخْفِيفِ النُّونِ فَالْأَصْلُ عِنْدَهُ فَذَانِّكَ بِالتَّشْدِيدِ فَأَبْدَلَ مِنَ النُّونِ الثَّانِيَةِ يَاءً كَرَاهِيَةَ التَّضْعِيفِ ، كَمَا قَالُوا : لَا أَمْلَاهُ . فِي : لَا أَمَلُّهُ . فَأَبْدَلُوا اللَّامَ الثَّانِيَةَ أَلِفًا . وَمَنْ قَرَأَ بِيَاءٍ بَعْدَ النُّونِ الشَّدِيدَةِ فَوَجْهُهُ أَنَّهُ أَشْبَعَ كَسْرَةَ النُّونِ فَتَوَلَّدَتْ عَنْهَا الْيَاءُ .
nindex.php?page=treesubj&link=28999قَوْلُهُ تَعَالَى : فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي يَعْنِي مُعِينًا . مُشْتَقٌّ مِنْ : أَرْدَأْتُهُ أَيْ أَعَنْتُهُ . وَالرِّدْءُ الْعَوْنُ . قَالَ الشَّاعِرُ :
أَلَمْ تَرَ أَنَّ أَصْرَمَ كَانَ رِدْئِي وَخَيْرُ النَّاسِ فِي قُلٍّ وَمَالِ
النَّحَّاسُ : وَقَدْ أَرْدَأَهُ وَرَدَّاهُ أَيْ أَعَانَهُ ; وَتَرَكَ هَمْزَهُ تَخْفِيفًا وَبِهِ قَرَأَ
نَافِعٌ . وَهُوَ بِمَعْنَى الْمَهْمُوزِ . قَالَ
الْمَهْدَوِيُّ : وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَرْكُ الْهَمْزِ مِنْ قَوْلِهِمْ : أَرْدَى عَلَى الْمِائَةِ ، أَيْ زَادَ عَلَيْهَا ، وَكَأَنَّ الْمَعْنَى أَرْسِلْهُ مَعِيَ زِيَادَةً فِي تَصْدِيقِي . قَالَهُ
مُسْلِمُ بْنُ جُنْدُبٍ وَأَنْشَدَ قَوْلَ الشَّاعِرِ :
وَأَسْمَرُ خَطِّيًّا كَأَنَّ كُعُوبَهُ نَوَى الْقَسْبِ قَدْ أَرْدَى ذِرَاعًا عَلَى الْعَشْرِ
كَذَا أَنْشَدَ
nindex.php?page=showalam&ids=15151الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا الْبَيْتَ : ( قَدْ أَرْدَى ) وَأَنْشَدَهُ
الْغَزْنَوِيُّ وَالْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ : قَدْ أَرْمَى . قَالَ : وَالْقَسْبُ الصُّلْبُ ، وَالْقَسْبُ تَمْرٌ يَابِسٌ يَتَفَتَّتُ فِي الْفَمِ صُلْبُ النَّوَاةِ . قَالَ يَصِفُ رُمْحًا : وَأَسْمَرُ . . . الْبَيْتُ قَالَ
الْجَوْهَرِيُّ : رَدُؤَ الشَّيْءِ يَرْدُؤُ رَدَاءَةً فَهُوَ رَدِيءٌ ، أَيْ : فَاسِدٌ ، وَأَرْدَأْتُهُ : أَفْسَدْتُهُ ، وَأَرْدَأْتُهُ أَيْضًا بِمَعْنَى أَعَنْتُهُ ; تَقُولُ : أَرْدَأْتُهُ بِنَفْسِي أَيْ كُنْتُ لَهُ رِدْءًا وَهُوَ الْعَوْنُ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=34فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي . قَالَ
النَّحَّاسُ : وَقَدْ حَكَى : رَدَأْتُهُ رِدْءًا وَجَمْعُ رِدْءٍ أَرْدَاءُ ، وَقَرَأَ
عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ : ( يُصَدِّقُنِي ) بِالرَّفْعِ وَجَزَمَ الْبَاقُونَ ; وَهُوَ اخْتِيَارُ
أَبِي حَاتِمٍ عَلَى جَوَابِ الدُّعَاءِ وَاخْتَارَ الرَّفْعَ
أَبُو عُبَيْدٍ عَلَى الْحَالِ مِنَ الْهَاءِ فِي ( أَرْسِلْهُ ) أَيْ أَرْسِلْهُ رِدْءًا مُصَدِّقًا حَالَةَ التَّصْدِيقِ ; كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=114أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ أَيْ كَائِنَةً ; حَالٌ صُرِفَ إِلَى الِاسْتِقْبَالِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِقَوْلِهِ : رِدْءًا .
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=34إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِي وَزِيرٌ وَلَا مُعِينٌ ; لِأَنَّهُمْ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ عَنِّي ، فَ ( قَالَ ) اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=35سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ أَيْ نُقَوِّيكَ بِهِ ; وَهَذَا تَمْثِيلٌ ; لِأَنَّ قُوَّةَ الْيَدِ بِالْعَضُدِ . قَالَ
طَرَفَةُ :
[ ص: 264 ] بَنِي لُبَيْنَى لَسْتُمُ بِيَدٍ إِلَّا يَدًا لَيْسَتْ لَهَا عَضُدُ
وَيُقَالُ فِي دُعَاءِ الْخَيْرِ : شَدَّ اللَّهُ عَضُدَكَ . وَفِي ضِدِّهِ : فَتَّ اللَّهُ فِي عَضُدِكَ ( وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا ) أَيْ حُجَّةً وَبُرْهَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِالْأَذَى بِآيَاتِنَا أَيْ تَمْتَنِعَانِ مِنْهُمْ بِآيَاتِنَا فَيَجُوزُ أَنْ يُوقَفَ عَلَى ( إِلَيْكُمَا ) وَيَكُونُ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ . وَقِيلَ : التَّقْدِيرُ أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ بِآيَاتِنَا . قَالَ
الْأَخْفَشُ nindex.php?page=showalam&ids=16935وَالطَّبَرِيُّ قَالَ
الْمَهْدَوِيُّ : وَفِي هَذَا تَقْدِيمُ الصِّلَةِ عَلَى الْمَوْصُولِ ، إِلَّا أَنْ يُقَدَّرَ : أَنْتُمَا غَالِبَانِ بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ . وَعَنَى بِالْآيَاتِ سَائِرَ مُعْجِزَاتِهِ .