الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
135 حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق قال أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر عن nindex.php?page=showalam&ids=17257همام بن منبه أنه سمع nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة يقول nindex.php?page=hadith&LINKID=650132قال رسول الله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=treesubj&link=237_80_92_1335لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ قال رجل من حضرموت ما الحدث يا nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة قال فساء أو ضراط
[ ص: 280 ]
[ ص: 280 ] قوله : ( بسم الله الرحمن الرحيم . كتاب الوضوء . باب nindex.php?page=treesubj&link=7_8ما جاء في قول الله عز وجل : nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6إذا قمتم إلى الصلاة الآية ) وفي رواية الأصيلي : " ما جاء في قول الله " دون ما قبله ، ولكريمة " باب في الوضوء وقول الله عز وجل . . . إلخ " . والمراد بالوضوء ذكر أحكامه وشرائطه وصفته ومقدماته . والوضوء بالضم هو الفعل ، وبالفتح الماء الذي يتوضأ به على المشهور فيهما ، وحكي في كل منهما الأمران . وهو مشتق من الوضاءة ، وسمي بذلك لأن المصلي يتنظف به فيصير وضيئا : وأشار بقوله : " ما جاء " إلى اختلاف السلف في معنى الآية فقال الأكثرون : التقدير إذا قمتم إلى الصلاة محدثين . وقال آخرون : بل الأمر على عمومه من غير تقدير حذف ، إلا أنه في حق المحدث على الإيجاب ، وفي حق غيره على الندب . وقال بعضهم : كان على الإيجاب ثم نسخ فصار مندوبا .
ويدل لهذا ما رواه أحمد وأبو داود من طريق عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أن أسماء بنت زيد بن الخطاب حدثت أباه عبد الله بن عمر عن nindex.php?page=showalam&ids=4755عبد الله بن حنظلة الأنصاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر ، فلما شق عليه وضع عنه الوضوء إلا من حدث . ولمسلم من حديث بريدة : nindex.php?page=hadith&LINKID=883614كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ عند كل صلاة ، فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد ، فقال له عمر : إنك فعلت شيئا لم تكن تفعله . فقال : عمدا فعلته أي : لبيان الجواز . وسيأتي حديث أنس في ذلك في باب الوضوء من غير حدث .
واختلف العلماء أيضا في nindex.php?page=treesubj&link=8موجب الوضوء فقيل : يجب بالحدث وجوبا موسعا ، وقيل به وبالقيام إلى الصلاة معا ورجحه جماعة من الشافعية ، وقيل بالقيام إلى الصلاة حسب ، ويدل له ما رواه أصحاب السنن من حديث ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=883615إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة واستنبط بعض العلماء من قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6إذا قمتم إلى الصلاة nindex.php?page=treesubj&link=32إيجاب النية في الوضوء ; لأن التقدير إذا أردتم القيام إلى الصلاة فتوضئوا لأجلها ، [ ص: 281 ] ومثله قولهم : إذا رأيت الأمير فقم ، أي لأجله . وتمسك بهذه الآية من قال : إن الوضوء أول ما فرض بالمدينة ، فأما ما قبل ذلك فنقل nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر اتفاق أهل السير على أن غسل الجنابة إنما فرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بمكة كما فرضت الصلاة ، وأنه لم يصل قط إلا بوضوء . قال : وهذا مما لا يجهله عالم .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في المستدرك : وأهل السنة بهم حاجة إلى دليل الرد على من زعم أن الوضوء لم يكن قبل نزول آية المائدة . ثم ساق حديث ابن عباس : nindex.php?page=hadith&LINKID=883616 " دخلت فاطمة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي تبكي قالت : هؤلاء الملأ من قريش قد تعاهدوا ليقتلوك . فقال : ائتوني بوضوء . فتوضأ . . " الحديث . قلت : وهذا يصلح ردا على من أنكر nindex.php?page=treesubj&link=32577وجود الوضوء قبل الهجرة ، لا على من أنكر وجوبه حينئذ . وقد جزم ابن الجهم [1] بأنه كان قبل الهجرة مندوبا وجزم nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم بأنه لم يشرع إلا بالمدينة ، ورد عليهما بما أخرجه ابن لهيعة في المغازي التي يرويها عن أبي الأسود يتيم عروة عنه nindex.php?page=hadith&LINKID=883617أن جبريل علم النبي - صلى الله عليه وسلم - الوضوء عند نزوله عليه بالوحي ، وهو مرسل ، ووصله أحمد من طريق ابن لهيعة أيضا لكن قال : عن الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد عن أبيه . وأخرجه ابن ماجه من رواية nindex.php?page=showalam&ids=13172رشدين بن سعد عن عقيل عن الزهري نحوه ، لكن لم يذكر nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة في السند . وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الأوسط من طريق الليث عن عقيل موصولا ، ولو ثبت لكان على شرط الصحيح ، لكن المعروف رواية ابن لهيعة .
قوله : ( وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن فرض nindex.php?page=treesubj&link=9_22627الوضوء مرة مرة ) كذا في روايتنا بالرفع على الخبرية ، ويجوز النصب على أنه مفعول مطلق ، أي : فرض الوضوء غسل الأعضاء غسلا مرة مرة ، أو على الحال السادة مسد الخبر ، أي يفعل مرة ، أو على لغة من ينصب الجزأين بأن . وأعاد لفظ مرة لإرادة التفصيل أي : الوجه مرة واليد مرة . . . إلخ .
والبيان المذكور يحتمل أن يشير به إلى ما رواه بعد من حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرة مرة ، وهو بيان بالفعل لمجمل الآية ، إذ الأمر يفيد طلب إيجاد الحقيقة ولا يتعين بعدد ، فبين الشارع أن المرة الواحدة للإيجاب وما زاد عليها للاستحباب ، وستأتي الأحاديث على ذلك فيما بعد . وأما حديث أبي بن كعب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا بماء فتوضأ مرة مرة وقال . nindex.php?page=hadith&LINKID=883618هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به ففيه بيان الفعل والقول معا ; لكنه حديث ضعيف أخرجه ابن ماجه ، وله طرق أخرى كلها ضعيفة .
قوله : ( وتوضأ أيضا مرتين مرتين ) كذا في رواية أبي ذر ، ولغيره " مرتين " بغير تكرار ، وسيأتي هذا التعليق موصولا في باب مفرد مع الكلام عليه .
قوله : ( وثلاثا ) أي : وتوضأ أيضا ثلاثا ، زاد الأصيلي ثلاثا على نسق ما قبله ، وسيأتي موصولا أيضا في باب مفرد .
قوله : ( ولم يزد على ثلاث ) أي : لم يأت في شيء من الأحاديث المرفوعة في nindex.php?page=treesubj&link=9_22627صفة وضوئه - صلى الله عليه وسلم - أنه زاد على ثلاث ، بل ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - ذم من زاد عليها ، وذلك فيما رواه أبو داود وغيره من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ ثلاثا ثلاثا ثم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=883619من زاد على [ ص: 282 ] هذا أو نقص فقد أساء وظلم إسناده جيد ، لكن عده مسلم في جملة ما أنكر على عمرو بن شعيب لأن ظاهره ذم النقص من الثلاث ، وأجيب بأنه أمر سيئ والإساءة تتعلق بالنقص ، والظلم بالزيادة . وقيل : فيه حذف تقديره : من نقص من واحدة . ويؤيده ما رواه نعيم بن حماد من طريق المطلب بن حنطب مرفوعا nindex.php?page=hadith&LINKID=883620 " الوضوء مرة ومرتين وثلاثا ، فإن نقص من واحدة أو زاد على ثلاث فقد أخطأ " وهو مرسل رجاله ثقات .
وأجيب عن الحديث أيضا بأن الرواة لم يتفقوا على ذكر النقص فيه ، بل أكثرهم مقتصر على قوله : " فمن زاد " فقط ، كذا رواه nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة في صحيحه وغيره . ومن الغرائب ما حكاه الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد الإسفراييني عن بعض العلماء أنه لا يجوز النقص من الثلاث ، وكأنه تمسك بظاهر الحديث المذكور ، وهو محجوج بالإجماع . وأما قول مالك في المدونة : لا أحب الواحدة إلا من العالم ، فليس فيه إيجاب زيادة عليها . والله أعلم .
قوله : ( وكره أهل العلم الإسراف فيه ) يشير بذلك إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق هلال بن يساف أحد التابعين قال : كان يقال : " من الوضوء إسراف ولو كنت على شاطئ نهر " . وأخرج نحوه عن nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ، وروي في معناه حديث مرفوع أخرجه أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه بإسناد لين من حديث nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص .
قوله : ( وأن يجاوزوا . . . إلخ ) يشير إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة أيضا عن ابن مسعود قال : ليس بعد الثلاث شيء . وقال أحمد وإسحاق وغيرهما : لا تجوز الزيادة على الثلاث . وقال ابن المبارك : لا آمن أن يأثم . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا أحب أن يزيد المتوضئ على ثلاث ، فإن زاد لم أكرهه . أي : لم أحرمه ; لأن قوله لا أحب يقتضي الكراهة . وهذا الأصح عند الشافعية أنه مكروه كراهة تنزيه .
وحكى الدارمي منهم عن قوم أن nindex.php?page=treesubj&link=22627الزيادة على الثلاث تبطل الوضوء كالزيادة في الصلاة ، وهو قياس فاسد ، ويلزم من القول بتحريم الزيادة على الثلاث أو كراهتها أنه لا يندب تجديد الوضوء على الإطلاق . واختلف عند الشافعية في القيد الذي يمتنع منه حكم الزيادة على الثلاث ، فالأصح إن صلى به فرضا أو نفلا ، وقيل الفرض فقط ، وقيل مثله حتى سجدة التلاوة والشكر ومس المصحف ، وقيل ما يقصد له الوضوء وهو أعم ، وقيل إذا وقع الفصل بزمن يحتمل في مثله نقض الوضوء عادة ، وعند بعض الحنفية أنه راجع إلى الاعتقاد فإن اعتقد أن الزيادة على الثلاث سنة أخطأ ودخل في الوعيد ، وإلا فلا يشترط للتحديد شيء بل لو زاد الرابعة وغيرها لا لوم ، ولا سيما إذا قصد به القربة للحديث الوارد nindex.php?page=hadith&LINKID=883621الوضوء على الوضوء نور . قلت : وهو حديث ضعيف ، ولعل المصنف أشار إلى هذه الرواية ، وسيأتي بسط ذلك في أول تفسير المائدة إن شاء الله تعالى .
ويستثنى من ذلك ما لو علم أنه nindex.php?page=treesubj&link=62بقي من العضو شيء لم يصبه الماء في المرات أو بعضها فإنه يغسل موضعه فقط ، وأما مع الشك الطارئ بعد الفراغ فلا ، لئلا يئول به الحال إلى الوسواس المذموم .
[ ص: 283 ] قوله : ( باب لا تقبل صلاة بغير طهور ) هو بضم الطاء المهملة ، والمراد به ما هو أعم من الوضوء والغسل . وهذه الترجمة لفظ حديث رواه مسلم وغيره من حديث ابن عمر ، وأبو داود وغيره من طريق nindex.php?page=showalam&ids=11915أبي المليح بن أسامة عن أبيه ، وله طرق كثيرة لكن ليس فيها شيء على شرط nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، فلهذا اقتصر على ذكره في الترجمة وأورد في الباب ما يقوم مقامه .
قوله : ( لا تقبل ) كذا في روايتنا بالضم على البناء لما لم يسم فاعله ، وأخرجه المصنف في ترك الحيل عن إسحاق بن نصر ، وأبو داود عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل كلاهما عن عبد الرزاق بلفظ " لا يقبل الله " والمراد بالقبول هنا ما يرادف الصحة وهو الإجزاء ، nindex.php?page=treesubj&link=20649وحقيقة القبول ثمرة وقوع الطاعة مجزئة رافعة لما في الذمة . ولما كان الإتيان بشروطها مظنة الإجزاء الذي القبول ثمرته عبر عنه بالقبول مجازا ، وأما القبول المنفي في مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=883622من أتى عرافا لم تقبل له صلاة فهو الحقيقي ; لأنه قد يصح العمل ويتخلف القبول لمانع ، ولهذا كان بعض السلف يقول : لأن تقبل لي صلاة واحدة أحب إلي من جميع الدنيا ، قاله ابن عمر . قال : لأن الله تعالى قال : nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=27إنما يتقبل الله من المتقين .
قوله : ( أحدث ) أي : وجد منه الحدث ، والمراد به الخارج من أحد السبيلين ، وإنما فسره nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة بأخص من ذلك تنبيها بالأخف على الأغلظ ; ولأنهما قد يقعان في أثناء الصلاة أكثر من غيرهما ، وأما باقي الأحداث المختلف فيها بين العلماء - كمس الذكر ، ولمس المرأة ، والقيء ملء الفم والحجامة - فلعل nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة كان لا يرى النقض بشيء منها . وعليه مشى المصنف كما سيأتي في باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين . وقيل : إن nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة اقتصر في الجواب على ما ذكر لعلمه أن السائل كان يعلم ما عدا ذلك ، وفيه بعد .
واستدل بالحديث على nindex.php?page=treesubj&link=1590بطلان الصلاة بالحدث سواء كان خروجه اختياريا أم اضطراريا ، وعلى أن nindex.php?page=treesubj&link=26670_32604الوضوء لا يجب لكل صلاة لأن القبول انتفى إلى غاية الوضوء ، وما بعدها مخالف لما قبلها فاقتضى ذلك قبول الصلاة بعد الوضوء مطلقا .
قوله : ( يتوضأ ) أي : بالماء أو ما يقوم مقامه ، وقد روى nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي بإسناد قوي عن أبي ذر مرفوعا nindex.php?page=hadith&LINKID=883623الصعيد الطيب وضوء المسلم فأطلق الشارع على التيمم أنه وضوء لكونه قام مقامه ، ولا يخفى أن المراد بقبول صلاة من كان محدثا فتوضأ أي : مع باقي شروط الصلاة . والله أعلم .