المسألة الرابعة :
nindex.php?page=treesubj&link=28979_30239_30458_28779قوله تعالى :( nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=24واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ) يختلف تفسيره بحسب اختلاف [ ص: 119 ] الناس في الجبر والقدر . أما القائلون بالجبر ، فقال
الواحدي حكاية عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس والضحاك : يحول بين المرء الكافر وطاعته ، ويحول بين المرء المطيع ومعصيته ، فالسعيد من أسعده الله ، والشقي من أضله الله ، والقلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء ، فإذا أراد الكافر أن يؤمن والله تعالى لا يريد إيمانه يحول بينه وبين قلبه ، وإذا أراد المؤمن أن يكفر والله لا يريد كفره حال بينه وبين قلبه .
قلت : وقد دللنا بالبراهين العقلية على صحة أن الأمر كذلك وذلك لأن الأحوال القلبية إما العقائد وإما الإرادات والدواعي . أما العقائد : فهي إما العلم ، وإما الجهل . أما العلم فيمتنع أن يقصد الفاعل إلى تحصيله إلا إذا علم كونه علما ، ولا يعلم ذلك إلا إذا علم كون ذلك الاعتقاد مطابقا للمعلوم ، ولا يعلم ذلك إلا إذا سبق علمه بالمعلوم ، وذلك يوجب توقف الشيء على نفسه ، وأما الجهل فالإنسان البتة لا يختاره ولا يريده إلا إذا ظن أن ذلك الاعتقاد علم ، ولا يحصل له هذا الظن إلا بسبق جهل آخر ، وذلك أيضا يوجب توقف الشيء على نفسه
وأما الدواعي والإرادات فحصولها إن لم يكن بفاعل يلزم الحدوث لا عن محدث ، وإن كان بفاعل فذلك الفاعل إما العبد وإما الله تعالى ، والأول باطل ، وإلا لزم توقف ذلك القصد على قصد آخر وهو محال ، فتعين أن يكون فاعل الاعتقادات والإرادات والدواعي هو الله تعالى ، فنص القرآن دل على أن أحوال القلوب من الله ، والدلائل العقلية دلت على ذلك ، فثبت أن الحق ما ذكرناه . أما
nindex.php?page=treesubj&link=30239_29658القائلون بالقدر فقالوا : لا يجوز أن يكون المراد من هذه الآية ما ذكرتم ، وبيانه من وجوه :
الوجه الأول : قال
الجبائي : إن من حال الله بينه وبين الإيمان فهو عاجز ، وأمر العاجز سفه ، ولو جاز ذلك لجاز أن يأمرنا الله بصعود السماء ، وقد أجمعوا على أن
nindex.php?page=treesubj&link=1526_1763الزمن لا يؤمر بالصلاة قائما ، فكيف يجوز ذلك على الله تعالى ؟ وقد قال تعالى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) [البقرة : 286] وقال في المظاهر :(
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=4فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ) [المجادلة : 4] فأسقط فرض الصوم عمن لا يستطيعه .
الوجه الثاني : أن الله تعالى أمر بالاستجابة لله وللرسول ، وذكر هذا الكلام في معرض الذكر والتحذير عن ترك الإجابة ، ولو كان المراد ما ذكرتم لكان ذلك عذرا قويا في ترك الإجابة ، ولا يكون زجرا عن ترك الإجابة .
الوجه الثالث : أنه تعالى أنزل القرآن ليكون حجة للرسول على الكفار ، لا ليكون حجة للكفار على الرسول ، ولو كان المعنى ما ذكرتم لصارت هذه الآية من أقوى الدلائل للكفار على الرسول ، ولقالوا إنه تعالى لما منعنا من الإيمان فكيف يأمرنا به ؟ فثبت بهذه الوجوه أنه لا يمكن حمل الآية على ما قاله أهل الجبر .
قالوا ونحن نذكر في الآية وجوها :
الأول : أن
nindex.php?page=treesubj&link=30239الله تعالى يحول بين المرء وبين الانتفاع بقلبه بسبب الموت ، يعني بذلك أن تبادروا في الاستجابة فيما ألزمتكم من الجهاد وغيره قبل أن يأتيكم الموت الذي لا بد منه ويحول بينكم وبين الطاعة والتوبة . قال القاضي : ولذلك قال تعالى عقيبه ما يدل عليه وهو قوله :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=24وأنه إليه تحشرون ) والمقصود من هذه الآية الحث على الطاعة قبل نزول الموت الذي يمنع منها .
الثاني : أن المراد أنه تعالى يحول بين المرء وبين ما يتمناه ويريده بقلبه ، فإن الأجل يحول دون الأمل ، فكأنه قال : بادروا إلى الأعمال الصالحة ولا تعتمدوا على ما يقع في قلوبكم من توقع طول البقاء ، فإن ذلك غير موثوق به ، وإنما حسن إطلاق لفظ القلب على الأماني الحاصلة في القلب لأن تسمية الشيء باسم ظرفه جائزة كقولهم : سال
[ ص: 120 ] الوادي .
الثالث : أن المؤمنين كانوا خائفين من القتال يوم
بدر ، فكأنه قيل لهم : سارعوا إلى الطاعة ولا تتمنعوا عنها بسبب ما تجدون في قلوبكم من الضعف والجبن ، فإن الله تعالى يغير تلك الأحوال فيبدل الضعف بالقوة ، والجبن بالشجاعة ، لأنه تعالى مقلب القلوب .
الرابع : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : المراد من القلب ههنا العقل ، فكان المعنى أنه يحول بين المرء وقلبه ، والمعنى فبادروا إلى الأعمال وأنتم تعقلون ، فإنكم لا تأمنون زوال العقول التي عند ارتفاعها يبطل التكليف . وجعل القلب كناية عن العقل جائز ، كما قال تعالى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=37إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب ) [ق : 37] أي لمن كان له عقل .
الخامس : قال
الحسن : معناه أن الله حائل بين المرء وقلبه ، والمعنى أن قربه تعالى من عبده أشد من قرب قلب العبد منه ، والمقصود منه التنبيه على أنه تعالى لا يخفى عليه شيء مما في باطن العبد ومما في ضميره ، ونظيره قوله تعالى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=16ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) [ق : 16] فهذه جملة الوجوه المذكورة في هذا الباب لأصحاب الجبر والقدر .
ثم قال تعالى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=24وأنه إليه تحشرون ) أي واعلموا أنكم إليه تحشرون أي إلى الله ولا تتركون مهملين معطلين ، وفيه ترغيب شديد في العمل وتحذير عن الكسل والغفلة .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28979_30239_30458_28779قَوْلُهُ تَعَالَى :( nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=24وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ) يَخْتَلِفُ تَفْسِيرُهُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ [ ص: 119 ] النَّاسِ فِي الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ . أَمَّا الْقَائِلُونَ بِالْجَبْرِ ، فَقَالَ
الْوَاحِدِيُّ حِكَايَةً عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكِ : يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ الْكَافِرِ وَطَاعَتِهِ ، وَيَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ الْمُطِيعِ وَمَعْصِيَتِهِ ، فَالسَّعِيدُ مَنْ أَسْعَدَهُ اللَّهُ ، وَالشَّقِيُّ مَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ ، وَالْقُلُوبُ بِيَدِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ ، فَإِذَا أَرَادَ الْكَافِرُ أَنْ يُؤْمِنَ وَاللَّهُ تَعَالَى لَا يُرِيدُ إِيمَانَهُ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَلْبِهِ ، وَإِذَا أَرَادَ الْمُؤْمِنُ أَنْ يَكْفُرَ وَاللَّهُ لَا يُرِيدُ كُفْرَهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَلْبِهِ .
قُلْتُ : وَقَدْ دَلَّلْنَا بِالْبَرَاهِينِ الْعَقْلِيَّةِ عَلَى صِحَّةِ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَحْوَالَ الْقَلْبِيَّةَ إِمَّا الْعَقَائِدَ وَإِمَّا الْإِرَادَاتِ وَالدَّوَاعِيَ . أَمَّا الْعَقَائِدُ : فَهِيَ إِمَّا الْعِلْمُ ، وَإِمَّا الْجَهْلُ . أَمَّا الْعِلْمُ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَقْصِدَ الْفَاعِلُ إِلَى تَحْصِيلِهِ إِلَّا إِذَا عَلِمَ كَوْنَهُ عِلْمًا ، وَلَا يَعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا إِذَا عَلِمَ كَوْنَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ مُطَابِقًا لِلْمَعْلُومِ ، وَلَا يَعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا إِذَا سَبَقَ عِلْمُهُ بِالْمَعْلُومِ ، وَذَلِكَ يُوجِبُ تَوَقُّفَ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ ، وَأَمَّا الْجَهْلُ فَالْإِنْسَانُ الْبَتَّةَ لَا يَخْتَارُهُ وَلَا يُرِيدُهُ إِلَّا إِذَا ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ الِاعْتِقَادَ عِلْمٌ ، وَلَا يَحْصُلُ لَهُ هَذَا الظَّنُّ إِلَّا بِسَبْقِ جَهْلٍ آخَرَ ، وَذَلِكَ أَيْضًا يُوجِبُ تَوَقُّفَ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ
وَأَمَّا الدَّوَاعِي وَالْإِرَادَاتُ فَحُصُولُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ بِفَاعِلٍ يَلْزَمُ الْحُدُوثُ لَا عَنْ مُحْدِثٍ ، وَإِنْ كَانَ بِفَاعِلٍ فَذَلِكَ الْفَاعِلُ إِمَّا الْعَبْدُ وَإِمَّا اللَّهُ تَعَالَى ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ ، وَإِلَّا لَزِمَ تَوَقُّفُ ذَلِكَ الْقَصْدِ عَلَى قَصْدٍ آخَرَ وَهُوَ مُحَالٌ ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ الِاعْتِقَادَاتِ وَالْإِرَادَاتِ وَالدَّوَاعِي هُوَ اللَّهُ تَعَالَى ، فَنَصُّ الْقُرْآنِ دَلَّ عَلَى أَنَّ أَحْوَالَ الْقُلُوبِ مِنَ اللَّهِ ، وَالدَّلَائِلُ الْعَقْلِيَّةُ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ ، فَثَبَتَ أَنَّ الْحَقَّ مَا ذَكَرْنَاهُ . أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=30239_29658الْقَائِلُونَ بِالْقَدَرِ فَقَالُوا : لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ مَا ذَكَرْتُمْ ، وَبَيَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ :
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ : قَالَ
الْجُبَّائِيُّ : إِنَّ مَنْ حَالَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ فَهُوَ عَاجِزٌ ، وَأَمْرُ الْعَاجِزِ سَفَهٌ ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ أَنْ يَأْمُرَنَا اللَّهُ بِصُعُودِ السَّمَاءِ ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=1526_1763الزَّمِنَ لَا يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ قَائِمًا ، فَكَيْفَ يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ؟ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ) [الْبَقَرَةِ : 286] وَقَالَ فِي الْمُظَاهِرِ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=4فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ) [الْمُجَادَلَةِ : 4] فَأَسْقَطَ فَرْضَ الصَّوْمِ عَمَّنْ لَا يَسْتَطِيعُهُ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالِاسْتِجَابَةِ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ، وَذَكَرَ هَذَا الْكَلَامَ فِي مَعْرِضِ الذِّكْرِ وَالتَّحْذِيرِ عَنْ تَرْكِ الْإِجَابَةِ ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَا ذَكَرْتُمْ لَكَانَ ذَلِكَ عُذْرًا قَوِيًّا فِي تَرْكِ الْإِجَابَةِ ، وَلَا يَكُونُ زَجْرًا عَنْ تَرْكِ الْإِجَابَةِ .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنَّهُ تَعَالَى أَنْزَلَ الْقُرْآنَ لِيَكُونَ حُجَّةً لِلرَّسُولِ عَلَى الْكُفَّارِ ، لَا لِيَكُونَ حُجَّةً لِلْكُفَّارِ عَلَى الرَّسُولِ ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى مَا ذَكَرْتُمْ لَصَارَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَقْوَى الدَّلَائِلِ لِلْكُفَّارِ عَلَى الرَّسُولِ ، وَلَقَالُوا إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا مَنَعَنَا مِنَ الْإِيمَانِ فَكَيْفَ يَأْمُرُنَا بِهِ ؟ فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى مَا قَالَهُ أَهْلُ الْجَبْرِ .
قَالُوا وَنَحْنُ نَذْكُرُ فِي الْآيَةِ وُجُوهًا :
الْأَوَّلُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30239اللَّهَ تَعَالَى يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ الِانْتِفَاعِ بِقَلْبِهِ بِسَبَبِ الْمَوْتِ ، يَعْنِي بِذَلِكَ أَنْ تُبَادِرُوا فِي الِاسْتِجَابَةِ فِيمَا أَلْزَمْتُكُمْ مِنَ الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْمَوْتُ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ وَيَحُولَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الطَّاعَةِ وَالتَّوْبَةِ . قَالَ الْقَاضِي : وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى عَقِيبَهُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=24وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْحَثُّ عَلَى الطَّاعَةِ قَبْلَ نُزُولِ الْمَوْتِ الَّذِي يَمْنَعُ مِنْهَا .
الثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ تَعَالَى يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ مَا يَتَمَنَّاهُ وَيُرِيدُهُ بِقَلْبِهِ ، فَإِنَّ الْأَجَلَ يَحُولُ دُونَ الْأَمَلِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : بَادِرُوا إِلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَلَا تَعْتَمِدُوا عَلَى مَا يَقَعُ فِي قُلُوبِكُمْ مِنْ تَوَقُّعِ طُولِ الْبَقَاءِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِهِ ، وَإِنَّمَا حَسُنَ إِطْلَاقُ لَفْظِ الْقَلْبِ عَلَى الْأَمَانِي الْحَاصِلَةِ فِي الْقَلْبِ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ الشَّيْءِ بِاسْمِ ظَرْفِهِ جَائِزَةٌ كَقَوْلِهِمْ : سَالَ
[ ص: 120 ] الْوَادِي .
الثَّالِثُ : أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا خَائِفِينَ مِنَ الْقِتَالِ يَوْمَ
بَدْرٍ ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ : سَارِعُوا إِلَى الطَّاعَةِ وَلَا تَتَمَنَّعُوا عَنْهَا بِسَبَبِ مَا تَجِدُونَ فِي قُلُوبِكُمْ مِنَ الضَّعْفِ وَالْجُبْنِ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُغَيِّرُ تِلْكَ الْأَحْوَالَ فَيُبَدِّلُ الضَّعْفَ بِالْقُوَّةِ ، وَالْجُبْنَ بِالشَّجَاعَةِ ، لِأَنَّهُ تَعَالَى مُقَلِّبُ الْقُلُوبِ .
الرَّابِعُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ : الْمُرَادُ مِنَ الْقَلْبِ هَهُنَا الْعَقْلُ ، فَكَانَ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ، وَالْمَعْنَى فَبَادِرُوا إِلَى الْأَعْمَالِ وَأَنْتُمْ تَعْقِلُونَ ، فَإِنَّكُمْ لَا تَأْمَنُونَ زَوَالَ الْعُقُولِ الَّتِي عِنْدَ ارْتِفَاعِهَا يَبْطُلُ التَّكْلِيفُ . وَجَعْلُ الْقَلْبِ كِنَايَةً عَنِ الْعَقْلِ جَائِزٌ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=37إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ ) [ق : 37] أَيْ لِمَنْ كَانَ لَهُ عَقْلٌ .
الْخَامِسُ : قَالَ
الْحَسَنُ : مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ حَائِلٌ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ، وَالْمَعْنَى أَنَّ قُرْبَهُ تَعَالَى مِنْ عَبْدِهِ أَشَدُّ مِنْ قُرْبِ قَلْبِ الْعَبْدِ مِنْهُ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا فِي بَاطِنِ الْعَبْدِ وَمِمَّا فِي ضَمِيرِهِ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=16وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) [ق : 16] فَهَذِهِ جُمْلَةُ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَصْحَابِ الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=24وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) أَيْ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ أَيْ إِلَى اللَّهِ وَلَا تُتْرَكُونَ مُهْمَلِينَ مُعَطَّلِينَ ، وَفِيهِ تَرْغِيبٌ شَدِيدٌ فِي الْعَمَلِ وَتَحْذِيرٌ عَنِ الْكَسَلِ وَالْغَفْلَةِ .