الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون

                                                                                                                                                                                                والذين تبوءوا معطوف على المهاجرين، وهم الأنصار فإن قلت: ما معنى عطف الإيمان على الدار، ولا يقال: تبوءا الإيمان؟ قلت: معناه تبوءا الدار وأخلصوا الإيمان، كقوله: [من الرجز]:


                                                                                                                                                                                                علفتها تينا وماء باردا



                                                                                                                                                                                                أو: وجعلوا الإيمان مستقرا ومتوطنا لهم لتمكنهم منه واستقامتهم عليه، كما جعلوا المدينة كذلك. أو: أراد دار الهجرة ودار الإيمان، فأقام لام التعريف في الدار مقام المضاف إليه، وحذف المضاف من دار الإيمان ووضع المضاف إليه مقامه. أو سمى المدينة لأنها دار الهجرة ومكان ظهور الإيمان بالإيمان "من قبلهم" من قبل المهاجرين; لأنهم سبقوهم في تبوء دار الهجرة والإيمان. وقيل: من قبل هجرتهم ولا يجدون ولا يعلمون في أنفسهم حاجة مما أوتوا أي: طلب محتاج إليه مما أوتي المهاجرون من الفيء وغيره، والمحتاج إليه يسمى حاجة; يقال: خذ منه حاجتك، وأعطاه من ماله حاجته، يعني: أن نفوسهم لم تتبع ما أعطوا ولم تطمح إلى شيء منه يحتاج إليه ولو كان بهم خصاصة أي: خلة، وأصلها: خصاص البيت، وهي فروجه; والجملة في موضع الحال، أي: مفروضة خصاصتهم: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني النضير [ ص: 81 ] على المهاجرين ولم يعط الأنصار إلا ثلاثة نفر محتاجين: أبا دجانة سماك بن خرشة ، وسهل بن حنيف ، والحرث بن الصمة . وقال لهم: "إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم وشاركتموهم في هذه الغنيمة، وإن شئتم كانت لكم دياركم وأموالكم ولم يقسم لكم شيء من الغنيمة، فقالت الأنصار : بل نقسم لهم من أموالنا وديارنا ونؤثرهم بالغنيمة ولا نشاركهم فيها فنزلت. "الشح - بالضم والكسر، وقد قرئ بهما -: اللؤم، وأن تكون نفس الرجل كزة حريصة على المنع، كما قال: [من الطويل]:


                                                                                                                                                                                                يمارس نفسا بين جنبيه كزة     إذا هم بالمعروف قالت له: مهلا

                                                                                                                                                                                                وقد أضيف إلى النفس; لأنه غريزة فيها. وأما البخل فهو المنع نفسه. ومنه قوله [ ص: 82 ] تعالى: وأحضرت الأنفس الشح [النساء: 128]. ومن يوق شح نفسه ومن غلب ما أمرته به منه وخالف هواها بمعونة الله وتوفيقه فأولئك هم المفلحون الظافرون بما أرادوا. وقرئ: "ومن يوق".

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية