أبو عثمان الحيري
الشيخ الإمام المحدث الواعظ القدوة ، شيخ الإسلام الأستاذ أبو
[ ص: 63 ] عثمان ، سعيد بن إسماعيل بن سعيد بن منصور النيسابوري الحيري الصوفي .
مولده سنة ثلاثين ومائتين
بالري ، فسمع بها من
محمد بن مقاتل الرازي ،
وموسى بن نصر .
وبالعراق من
حميد بن الربيع ، ومحمد بن إسماعيل الأحمسي وعدة ، ولم يزل يطلب الحديث ويكتبه إلى آخر شيء .
حدث عنه الرئيس
أبو عمرو أحمد بن نصر ، وابناه :
أبو بكر وأبو الحسن ،
وأبو عمرو بن مطر ،
وإسماعيل بن نجيد ، وعدة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم : قدم
نيسابور لصحبة الأستاذ
أبي حفص النيسابوري ، ولم يختلف مشايخنا أن
أبا عثمان كان مجاب الدعوة ، وكان مجمع العباد والزهاد ، ولم يزل يسمع ويجل العلماء ويعظمهم . سمع من
أبي جعفر بن حمدان " صحيحه " المخرج على مسلم بلفظه ، وكان إذا بلغ سنة لم يستعملها ، وقف عندها حتى يستعملها .
قلت : هو
للخراسانيين نظير
الجنيد للعراقيين .
ومن كلامه : سرورك بالدنيا أذهب سرورك بالله [ عن قلبك ] .
قال
ابن نجيد : سمعته يقول : لا تثقن بمودة من لا يحبك إلا معصوما .
قال
أبو عمرو بن حمدان : سمعته يقول : من أمر السنة على نفسه قولا
[ ص: 64 ] وفعلا نطق بالحكمة ، ومن أمر الهوى على نفسه نطق بالبدعة ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=54وإن تطيعوه تهتدوا .
قلت : وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله .
وعن
أبي عثمان الحيري قال : لا يكمل الرجل حتى يستوي قلبه في المنع و العطاء ، وفي العز والذل .
وعن
أبي عثمان أنه قال
لأبي جعفر بن حمدان : ألستم ترون أن عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة ؟ . قال : بلى . قال : فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- سيد الصالحين .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم : أخبرني
سعيد بن عثمان السمرقندي العابد : سمع
أبا عثمان يقول -يعني عن الله- : من طلب جواري ولم يوطن نفسه على ثلاث ، أولها : إلقاء العز ، وحمل الذل . الثاني : سكون قلبه على جوع ثلاثة أيام . الثالث : لا يغتم ولا يهتم إلا لدينه أو طلب إصلاح دينه .
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم : سمعت
محمد بن صالح بن هانئ يقول : لما قتل
يحيى بن الذهلي ، منع الناس من حضور مجالس الحديث من جهة
أحمد الخجستاني فلم يجسر أحد يحمل محبرة إلى أن ورد
السري بن [ ص: 65 ] خزيمة ، فقام الزاهد
أبو عثمان الحيري ، وجمع المحدثين في مسجده ، وعلق بيده محبرة وتقدمهم ، إلى أن جاء إلى خان محمش ، فأخرج
السري وأجلس المستملي ، فحزرنا مجلسه زيادة على ألف محبرة ، فلما فرغ قاموا وقبلوا رأس
أبي عثمان ، ونثر الناس عليهم الدراهم والسكر سنة ثلاث وسبعين ومائتين .
قلت : ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم أخبار
أبي عثمان في خمس وعشرين ورقة ، وفي غضون ذلك من كلامه في التوكل واليقين والرضى .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم : وسمعت أبي يقول : لما قتل
أحمد بن عبد الله الخجستاني -الذي استولى على البلاد- الإمام
حيكان بن الذهلي ، أخذ في الظلم والعسف ، وأمر بحربة ركزت على رأس المربعة وجمع الأعيان ، وحلف : إن لم يصبوا الدراهم حتى يغيب رأس الحربة ، فقد أحلوا دماءهم ، فكانوا يقتسمون الغرامة بينهم ، فخص تاجر بثلاثين ألف درهم ، فلم يكن يقدر إلا على ثلاثة آلاف درهم ، فحملها إلى
أبي عثمان ، وقال : أيها الشيخ ، قد حلف هذا كما بلغك ، ووالله لا أهتدي إلا إلي هذه ، قال : تأذن لي أن أفعل فيها ما ينفعك ؟ قال : نعم ، ففرقها أبو عثمان ، وقال للتاجر : امكث عندي وما زال أبو عثمان يتردد بين السكة والمسجد ليلته حتى أصبح ، وأذن المؤذن ثم قال : لخادمه اذهب إلي السوق وانظر ماذا تسمع فذهب ، ورجع فقال : لم أر شيئا . ، قال اذهب مرة أخرى ، وهو في مناجاته يقول : وحقك لا أقمت ما لم تفرج عن المكروبين . قال : فأتى خادمه
الفرغاني يقول : وكفى الله
[ ص: 66 ] المؤمنين القتال ، شق بطن
أحمد بن عبد الله . فأخذ
أبو عثمان في الإقامة .
قلت : بمثل هذا يعظم مشايخ الوقت .
قال
أبو الحسين أحمد بن أبي عثمان : توفي أبي لعشر بقين من ربيع الآخر ، سنة ثمان وتسعين ومائتين وصلى عليه الأمير
أبو صالح .
وفيها في شوالها مات الأستاذ العارف
أبو القاسم :
أَبُو عُثْمَانَ الْحِيرِيُّ
الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْمُحَدِّثُ الْوَاعِظُ الْقُدْوَةُ ، شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْأُسْتَاذُ أَبُو
[ ص: 63 ] عُثْمَانَ ، سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ النَّيْسَابُورِيُّ الْحِيرِيُّ الصُّوفِيُّ .
مَوْلِدُهُ سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ
بِالرَّيِّ ، فَسَمِعَ بِهَا مِنْ
مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ الرَّازِيِّ ،
وَمُوسَى بْنِ نَصْرٍ .
وَبِالْعِرَاقِ مِنْ
حُمَيْدِ بْنِ الرَّبِيعِ ، وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيِّ وَعِدَّةٍ ، وَلَمْ يَزَلْ يَطْلُبُ الْحَدِيثَ وَيَكْتُبُهُ إِلَى آخَرِ شَيْءٍ .
حَدَّثَ عَنْهُ الرَّئِيسُ
أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ ، وَابْنَاهُ :
أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو الْحَسَنِ ،
وَأَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ ،
وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ نُجَيْدٍ ، وَعِدَّةٌ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14070الْحَاكِمُ : قَدِمَ
نَيْسَابُورَ لِصُحْبَةِ الْأُسْتَاذِ
أَبِي حَفْصٍ النَّيْسَابُورِيِّ ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ مَشَايِخُنَا أَنَّ
أَبَا عُثْمَانَ كَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ ، وَكَانَ مَجْمَعَ الْعُبَّادِ وَالزُّهَّادِ ، وَلَمْ يَزَلْ يَسْمَعُ وَيُجِلُّ الْعُلَمَاءَ وَيُعَظِّمُهُمْ . سَمِعَ مِنْ
أَبِي جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ " صَحِيحَهُ " الْمُخَرَّجَ عَلَى مُسْلِمٍ بِلَفْظِهِ ، وَكَانَ إِذَا بَلَغَ سُنَّةً لَمْ يَسْتَعْمِلْهَا ، وَقَفَ عِنْدَهَا حَتَّى يَسْتَعْمِلَهَا .
قُلْتُ : هُوَ
لِلْخُرَاسَانِيِّينَ نَظِيرُ
الْجُنَيْدِ لِلْعِرَاقِيِّينَ .
وَمِنْ كَلَامِهِ : سُرُورُكَ بِالدُّنْيَا أَذْهَبَ سُرُورَكَ بِاللَّهِ [ عَنْ قَلْبِكَ ] .
قَالَ
ابْنُ نُجَيْدٍ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : لَا تَثِقَنَّ بِمَوَدَّةِ مَنْ لَا يُحِبُّكَ إِلَّا مَعْصُومًا .
قَالَ
أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : مَنْ أَمَّرَ السُّنَّةَ عَلَى نَفْسِهِ قَوْلًا
[ ص: 64 ] وَفِعْلًا نَطَقَ بِالْحِكْمَةِ ، وَمَنْ أَمَّرَ الْهَوَى عَلَى نَفْسِهِ نَطَقَ بِالْبِدْعَةِ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=54وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا .
قُلْتُ : وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ .
وَعَنْ
أَبِي عُثْمَانَ الْحِيرِيِّ قَالَ : لَا يَكْمُلُ الرَّجُلُ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَلْبُهُ فِي الْمَنْعِ وَ الْعَطَاءِ ، وَفِي الْعِزِّ وَالذُّلِّ .
وَعَنْ
أَبِي عُثْمَانَ أَنَّهُ قَالَ
لِأَبِي جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ : أَلَسْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّ عِنْدَ ذِكْرِ الصَّالِحِينَ تَنْزِلُ الرَّحْمَةُ ؟ . قَالَ : بَلَى . قَالَ : فَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَيِّدُ الصَّالِحِينَ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14070الْحَاكِمُ : أَخْبَرَنِي
سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ السَّمَرْقَنْدِيُّ الْعَابِدُ : سَمِعَ
أَبَا عُثْمَانَ يَقُولُ -يَعْنِي عَنِ اللَّهِ- : مَنْ طَلَبَ جِوَارِي وَلَمْ يُوَطِّنْ نَفْسَهُ عَلَى ثَلَاثٍ ، أَوَّلُهَا : إِلْقَاءُ الْعِزِّ ، وَحَمْلُ الذُّلِّ . الثَّانِي : سُكُونُ قَلْبِهِ عَلَى جُوعِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ . الثَّالِثُ : لَا يَغْتَمُّ وَلَا يَهْتَمُّ إِلَّا لِدِينِهِ أَوْ طَلَبِ إِصْلَاحِ دِينِهِ .
nindex.php?page=showalam&ids=14070الْحَاكِمُ : سَمِعْتُ
مُحَمَّدَ بْنَ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ يَقُولُ : لَمَّا قُتِلَ
يَحْيَى بْنُ الذُّهْلِيِّ ، مُنِعَ الْنَّاسُ مِنْ حُضُورِ مَجَالِسِ الْحَدِيثِ مِنْ جِهَةِ
أَحْمَدَ الْخُجُسْتَانِيِّ فَلَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ يَحْمِلُ مَحْبَرَةً إِلَى أَنْ وَرَدَ
السَّرِيُّ بْنُ [ ص: 65 ] خُزَيْمَةَ ، فَقَامَ الزَّاهِدُ
أَبُو عُثْمَانَ الْحِيرِيُّ ، وَجَمَعَ الْمُحَدِّثِينَ فِي مَسْجِدِهِ ، وَعَلَّقَ بِيَدِهِ مِحْبَرَةً وَتَقَدَّمَهُمْ ، إِلَى أَنْ جَاءَ إِلَى خَانِ مَحْمَشٍ ، فَأَخْرَجَ
السَّرِيَّ وَأَجْلَسَ الْمُسْتَمْلِيَّ ، فَحَزَرْنَا مَجْلِسَهُ زِيَادَةً عَلَى أَلْفِ مِحْبَرَةٍ ، فَلَمَّا فَرَغَ قَامُوا وَقَبَّلُوا رَأْسَ
أَبِي عُثْمَانَ ، وَنَثَرَ النَّاسُ عَلَيْهِمُ الدَّرَاهِمَ وَالسُّكَّرَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ .
قُلْتُ : ذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=14070الْحَاكِمُ أَخْبَارَ
أَبِي عُثْمَانَ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَرَقَةً ، وَفِي غُضُونِ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ فِي التَّوَكُّلِ وَالْيَقِينِ وَالرِّضَى .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14070الْحَاكِمُ : وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : لَمَّا قَتَلَ
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُجُسْتَانِيُّ -الَّذِي اسْتَوْلَى عَلَى الْبِلَادِ- الْإِمَامَ
حَيْكَانَ بْنَ الذُّهْلِيِّ ، أَخَذَ فِي الظُّلْمِ وَالْعَسَفِ ، وَأَمَرَ بِحَرْبَةٍ رُكِّزَتْ عَلَى رَأْسِ الْمُرَبَّعَةِ وَجَمَعَ الْأَعْيَانَ ، وَحَلَفَ : إِنْ لَمْ يَصُبُّوا الدَّرَاهِمَ حَتَّى يَغِيبَ رَأْسُ الْحَرْبَةِ ، فَقَدْ أَحَلُّوا دِمَاءَهُمْ ، فَكَانُوا يَقْتَسِمُونَ الْغَرَامَةَ بَيْنَهُمْ ، فَخُصَّ تَاجِرٌ بِثَلَاثِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَلَمْ يَكُنْ يَقْدِرُ إِلَّا عَلَى ثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ ، فَحَمَلَهَا إِلَى
أَبِي عُثْمَانَ ، وَقَالَ : أَيُّهَا الْشَّيْخُ ، قَدْ حَلَفَ هَذَا كَمَا بَلَغَكَ ، وَوَاللَّهِ لَا أَهْتَدِي إِلَّا إِلَي هَذِهِ ، قَالَ : تَأْذَنُ لِي أَنْ أَفْعَلَ فِيهَا مَا يَنْفَعُكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَفَرَّقَهَا أَبُو عُثْمَانَ ، وَقَالَ لِلتَّاجِرِ : امْكُثْ عِنْدِي وَمَا زَالَ أَبُو عُثْمَانَ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْسِّكَّةِ وَالْمَسْجِدِ لَيْلَتَهُ حَتَّى أَصْبَحَ ، وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ ثُمَّ قَالَ : لِخَادِمِهِ اذْهَبْ إِلَي السُّوقَ وَانْظُرْ مَاذَا تَسْمَعُ فَذَهَبَ ، وَرَجَعَ فَقَالَ : لَمْ أَرَ شَيْئًا . ، قَالَ اذْهَبْ مَرَّةً أُخْرَى ، وَهُوَ فِي مُنَاجَاتِهِ يَقُولُ : وَحَقِّكَ لَا أَقَمْتُ مَا لَمْ تُفَرِّجْ عَنِ الْمَكْرُوبِينَ . قَالَ : فَأَتَى خَادِمُهُ
الْفَرْغَانِيُّ يَقُولُ : وَكَفَى اللَّهُ
[ ص: 66 ] الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ، شُقَّ بَطْنُ
أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ . فَأَخَذَ
أَبُو عُثْمَانَ فِي الْإِقَامَةِ .
قُلْتُ : بِمِثْلِ هَذَا يَعْظُمُ مَشَايِخُ الْوَقْتِ .
قَالَ
أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ : تُوُفِّيَ أَبِي لِعَشْرٍ بَقِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخَرِ ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَصَلَّى عَلَيْهِ الْأَمِيرُ
أَبُو صَالِحٍ .
وَفِيهَا فِي شَوَّالِهَا مَاتَ الْأُسْتَاذُ الْعَارِفُ
أَبُو الْقَاسِمِ :