الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم . فيه دليل على أن العبد لا يمكنه أن يحرم على نفسه ما أحله الله تعالى له بعقده وقصده. وروى ابن عباس أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني إذا أكلت اللحم انتشرت فحرمته على نفسي، فأنزل الله تعالى: لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم .

وروى قتادة أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا هموا بترك اللحم والنساء والإخصاء، فأنزل الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم . وفيه دليل على أن ذلك منه لغو، وأبو حنيفة رأى أن ذلك صار محرما عليه، وأنه إذا تناوله لزمته الكفارة، وهو بعيد. [ ص: 88 ] وعند عامة العلماء: إذا حرم جارية على نفسه لزمته الكفارة بمجرد التحريم عند الشافعي ، من غير حاجة إلى وطئها، وليس ذلك لأنه تناول محرما، فباين ذلك ما نحن فيه، فاعلمه . ولو قدرنا تحريم الشيء عليه فتناول المحرم لا يقتضي وجوب شيء عليه في الدنيا، مثل تناول الميتة والدم ولحم الخنزير. قالوا: اليمين تعلقت الكفارة بها، لأنها تحرم المحلوف عليه، فوجبت الكفارة عند الحنث بتناول المحرم باليمين، ولا وجوب لها من قبل، ولكن هذا لا وجه له على تفصيل أصلهم، فإنهم قالوا: لو حرم الطعام على نفسه حنث بأكل جزء منه. ولو قال: والله لا آكل هذا الرغيف، لم يحنث بأكل بعضه، وقدروا فيه الشرط والجزاء وارتباط أحدهما بالآخر، مثل قوله: إن أكلت هذا الرغيف فعبدي حر، فلا يحنث بأكل البعض منه، وذلك يدل على أن الحنث ليس متعلقا بتناول المحرم، وإنما هو باعتبار مخالفة الشرط والجزاء، وهذا لا ريب فيه.

التالي السابق


الخدمات العلمية