قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=26nindex.php?page=treesubj&link=29042_31831وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=27إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا [ ص: 313 ] في هذا نص على أن نبي الله
نوحا طلب من الله إهلاك من على الأرض جميعا ، مع أن عادة الرسل الصبر على أممهم ، وفيه إخبار نبي الله
نوح عمن سيولد من بعد ، وأنهم لم يلدوا إلا فاجرا كفارا ، فكيف دعا على قومه هذا الدعاء ، وكيف حكم على المواليد فيما بعد ؟
والقرآن الكريم بين هذين الأمرين :
أما الأول : فإنه لم يدع عليهم هذا الدعاء إلا بعد أن تحدوه ويئس منهم ، أما تحديهم ففي قولهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=32يانوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا [ 11 \ 32 ] .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=9كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=10فدعا ربه أني مغلوب فانتصر [ 54 \ 9 - 10 ] .
وأما يأسه منهم ; فلقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=36وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن [ 11 \ 36 ] .
وأما إخباره عمن سيولد : بأنه لن يولد لهم إلا فاجر كفار ، فهو من مفهوم الآية المذكورة آنفا ; لأنه إذا لم يؤمن من قومه إلا من قد آمن ، فسواء في الحاضر أو المستقبل .
وكذلك بدليل الاستقراء ، وهو دليل معتبر شرعا وعقلا ، وهو أنه مكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما وما آمن معه إلا قليل ، كانوا هم ومن معهم غيرهم حمل سفينة فقط ، فكان دليلا على قومه أنهم فتنوا بالمال ولم يؤمنوا له ، وهو دليل نبي الله
موسى - عليه السلام - أيضا على قومه .
كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=88ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم [ 10 \ 88 ] .
فأخبر نبي الله
موسى عن قومه : أنهم لن يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ، وذلك من استقراء حالهم في
مصر لما أراهم الآية الكبرى :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=21فكذب وعصى nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=22ثم أدبر يسعى nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=23فحشر فنادى nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=24فقال أنا ربكم الأعلى [ 79 \ 21 - 24 ] .
وبعد أن ابتلاهم الله بما قص علينا في قوله :
[ ص: 314 ] nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=133فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين [ 7 \ 133 ] .
وقوله تعالى بعدها : ولما
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=134وقع عليهم الرجز قالوا ياموسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=135فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون [ 7 \ 134 - 135 ] .
فمن كانت هذه حالته
وموسى يعاين ذلك منهم ، لا شك أنه يحكم عليهم أنهم لن يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم .
وكذلك كان دليل الاستقراء لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قومه ، استدل به على عكس الأقوام الآخرين ، حينما رجع من
الطائف ، وفعلت معه
ثقيف ما فعلت فأدموا قدميه ، وجاءه
جبريل ومعه ملك الجبال ، واستأذنه في أن يطبق عليهم الأخشبين ، فقال : " لا ، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ، إني لأرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يقول : لا إله إلا الله " وذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - علم باستقراء حالهم ; أنهم لا يعلمون فهم يمتنعون عن الإيمان لقلة تعلمهم ، وأنهم في حاجة إلى التعليم .
فإذا علموا تعلموا ، وأن طبيعتهم قابلة للتعليم لا أنهم كغيرهم في إصرارهم ; لأنه شاهد من كبارهم إذا عرض عليهم القرآن ، وخوطبوا بخطاب العقل ، ووعوا ما يخاطبون به ، وسلموا من العصبية والنوازع الأخرى ، فإنهم يستجيبون حالا كما حدث
لعمر وغيره - رضي الله عنهم - إلا من أعلمه الله بحاله مثل :
الوليد بن المغيرة :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=11ذرني ومن خلقت وحيدا nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=12وجعلت له مالا ممدودا nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=13وبنين شهودا nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=14ومهدت له تمهيدا إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=16إنه كان لآياتنا عنيدا nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=17سأرهقه صعودا إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=26سأصليه سقر [ 74 \ 11 - 26 ] فعلم - صلى الله عليه وسلم - حاله ومآله ، ولذا فقد دعا عليه يوم بدر .
ومثله
أبو لهب لما تبين حاله بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=3سيصلى نارا ذات لهب nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=4وامرأته حمالة الحطب [ 111 \ 3 - 4 ] فلكون العرب أهل فطرة ، ولكون الإسلام دين الفطرة أيضا كانت الاستجابة إليه أقرب .
انظر مدة مكثه - صلى الله عليه وسلم - من البعثة إلى انتقاله إلى الرفيق الأعلى ثلاثا وعشرين سنة ، كم عدد من أسلم فيها بينما
نوح - عليه السلام - يمكث ألف سنة إلا خمسين عاما ، فلم يؤمن معه إلا القليل .
[ ص: 315 ] ولذا كان قول
نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام - :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=27ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ، كان بدليل الاستقراء من قومه ، والعلم عند الله تعالى .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=26وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا لم يبين هنا هل استجيب له أم لا ؟ وبينه في مواضع أخر ، منها قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=76ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له [ 21 \ 76 ] .
وفي هذه السورة نفسها وقبل هذه الآية مباشرة قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=25مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا [ 71 \ 25 ] ، فجمع الله لهم أقصى العقوبتين : الإغراق ، والإحراق ، مقابل أعظم الذنبين : الضلال ، والإضلال .
وكذلك بين تعالى كيفية إهلاك قومه ونجاته هو وأهله ومن معه في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=10فدعا ربه أني مغلوب فانتصر nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=11ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=12وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=13وحملناه على ذات ألواح ودسر nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=14تجري بأعيننا الآية [ 54 \ 10 - 14 ] .
قال
ابن كثير : لقد أغرق الله كل من على وجه الأرض من الكفار ، حتى ولد
نوح من صلبه . وهنا تنبيه على قضية ولد
نوح في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=42يابني اركب معنا إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=43فكان من المغرقين [ 11 \ 42 - 43 ] لما أخذت
نوحا العاطفة على ولده ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=45رب إن ابني من أهلي ، إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46إنه ليس من أهلك [ 11 \ 45 - 46 ] أثار بعض الناس تساؤلا حول ذلك في قراءة :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46إنه عمل غير صالح [ 11 \ 46 ] إنه عمل ماض يعمل ، أي : بكفره .
وتساءلوا حول صحة نسبه ، والحق أن الله تعالى قد عصم نساء الأنبياء ; إكراما لهم ، وأنه ابنه حقا ; لأنه لما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=45إن ابني من أهلي تضمن هذا القول أمرين : نسبته إليه في بنوته ، ثانيا : نسبته إليه في أهله ، فكان الجواب عليه من الله بنفي النسبة الثانية لا الأولى ، " إنه ليس من أهلك " . ولم يقل : إنه ليس ابنك ، والأهل أعم من الابن ، ومعلوم أن نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم ، والعكس بالعكس ، فلما نفى نسبته إلى أهله علمنا أن نسبته إليه بالبنوة باقية ، ولو لم يكن ابنه لصلبه لكان النفي ينصب عليها .
ويقال : إنه ليس ابنك ، وإذا نفى عنه البنوة انتفت عنه نسبته إلى أهله ، وكذلك قوله
[ ص: 316 ] تعالى بعدها :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=37ولا تخاطبني في الذين ظلموا [ 11 \ 37 ] أي ; لأن الظالمين ليسوا من الأهل بالنسبة للدين ; لأن الدين يربط البعيدين ، والظلم الذي هو بمعنى الكفر يفرق القريبين . والعلم عند الله تعالى .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=26nindex.php?page=treesubj&link=29042_31831وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=27إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا [ ص: 313 ] فِي هَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ
نُوحًا طَلَبَ مِنَ اللَّهِ إِهْلَاكَ مَنْ عَلَى الْأَرْضِ جَمِيعًا ، مَعَ أَنَّ عَادَةَ الرُّسُلِ الصَّبْرُ عَلَى أُمَمِهِمْ ، وَفِيهِ إِخْبَارُ نَبِيِّ اللَّهِ
نُوحٍ عَمَّنْ سَيُولَدُ مِنْ بَعْدُ ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ، فَكَيْفَ دَعَا عَلَى قَوْمِهِ هَذَا الدُّعَاءَ ، وَكَيْفَ حَكَمَ عَلَى الْمَوَالِيدِ فِيمَا بَعْدُ ؟
وَالْقُرْآنُ الْكَرِيمُ بَيَّنَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ :
أَمَّا الْأَوَّلُ : فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ عَلَيْهِمْ هَذَا الدُّعَاءَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ تَحَدَّوْهُ وَيَئِسَ مِنْهُمْ ، أَمَّا تَحَدِّيهِمْ فَفِي قَوْلِهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=32يَانُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا [ 11 \ 32 ] .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=9كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=10فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ [ 54 \ 9 - 10 ] .
وَأَمَّا يَأْسُهُ مِنْهُمْ ; فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=36وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ [ 11 \ 36 ] .
وَأَمَّا إِخْبَارُهُ عَمَّنْ سَيُولَدُ : بِأَنَّهُ لَنْ يُولَدَ لَهُمْ إِلَّا فَاجِرٌ كَفَّارٌ ، فَهُوَ مِنْ مَفْهُومِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا ; لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُؤْمِنْ مِنْ قَوْمِهِ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ ، فَسَوَاءٌ فِي الْحَاضِرِ أَوِ الْمُسْتَقْبَلِ .
وَكَذَلِكَ بِدَلِيلِ الِاسْتِقْرَاءِ ، وَهُوَ دَلِيلٌ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا وَعَقْلًا ، وَهُوَ أَنَّهُ مَكَثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ، كَانُوا هُمْ وَمَنْ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ حِمْلَ سَفِينَةٍ فَقَطْ ، فَكَانَ دَلِيلًا عَلَى قَوْمِهِ أَنَّهُمْ فُتِنُوا بِالْمَالِ وَلَمْ يُؤْمِنُوا لَهُ ، وَهُوَ دَلِيلُ نَبِيِّ اللَّهِ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَيْضًا عَلَى قَوْمِهِ .
كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=88رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ [ 10 \ 88 ] .
فَأَخْبَرَ نَبِيُّ اللَّهِ
مُوسَى عَنْ قَوْمِهِ : أَنَّهُمْ لَنْ يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ، وَذَلِكَ مِنَ اسْتِقْرَاءِ حَالِهِمْ فِي
مِصْرَ لَمَّا أَرَاهُمُ الْآيَةَ الْكُبْرَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=21فَكَذَّبَ وَعَصَى nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=22ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=23فَحَشَرَ فَنَادَى nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=24فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [ 79 \ 21 - 24 ] .
وَبَعْدَ أَنِ ابْتَلَاهُمُ اللَّهُ بِمَا قَصَّ عَلَيْنَا فِي قَوْلِهِ :
[ ص: 314 ] nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=133فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ [ 7 \ 133 ] .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدَهَا : وَلَمَّا
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=134وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَامُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=135فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ [ 7 \ 134 - 135 ] .
فَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالَتُهُ
وَمُوسَى يُعَايِنُ ذَلِكَ مِنْهُمْ ، لَا شَكَّ أَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ لَنْ يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ .
وَكَذَلِكَ كَانَ دَلِيلُ الِاسْتِقْرَاءِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْمِهِ ، اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى عَكْسِ الْأَقْوَامِ الْآخَرِينَ ، حِينَمَا رَجَعَ مِنَ
الطَّائِفِ ، وَفَعَلَتْ مَعَهُ
ثَقِيفٌ مَا فَعَلَتْ فَأَدْمَوْا قَدَمَيْهِ ، وَجَاءَهُ
جِبْرِيلُ وَمَعَهُ مَلَكُ الْجِبَالِ ، وَاسْتَأْذَنَهُ فِي أَنْ يُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ ، فَقَالَ : " لَا ، اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ، إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَقُولُ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " وَذَلِكَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ بِاسْتِقْرَاءِ حَالِهِمْ ; أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ فَهُمْ يَمْتَنِعُونَ عَنِ الْإِيمَانِ لِقِلَّةِ تَعَلُّمِهِمْ ، وَأَنَّهُمْ فِي حَاجَةٍ إِلَى التَّعْلِيمِ .
فَإِذَا عُلِّمُوا تَعَلَّمُوا ، وَأَنَّ طَبِيعَتَهُمْ قَابِلَةٌ لِلتَّعْلِيمِ لَا أَنَّهُمْ كَغَيْرِهِمْ فِي إِصْرَارِهِمْ ; لِأَنَّهُ شَاهَدَ مِنْ كِبَارِهِمْ إِذَا عُرِضَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ ، وَخُوطِبُوا بِخِطَابِ الْعَقْلِ ، وَوَعَوْا مَا يُخَاطَبُونَ بِهِ ، وَسَلِمُوا مِنَ الْعَصَبِيَّةِ وَالنَّوَازِعِ الْأُخْرَى ، فَإِنَّهُمْ يَسْتَجِيبُونَ حَالًا كَمَا حَدَثَ
لِعُمَرَ وَغَيْرِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إِلَّا مَنْ أَعْلَمَهُ اللَّهُ بِحَالِهِ مِثْلَ :
الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=11ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=12وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=13وَبَنِينَ شُهُودًا nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=14وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=16إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=17سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=26سَأُصْلِيهِ سَقَرَ [ 74 \ 11 - 26 ] فَعَلِمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَالَهُ وَمَآلَهُ ، وَلِذَا فَقَدْ دَعَا عَلَيْهِ يَوْمَ بَدْرٍ .
وَمِثْلُهُ
أَبُو لَهَبٍ لَمَّا تَبَيَّنَ حَالُهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=3سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=4وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ [ 111 \ 3 - 4 ] فَلِكَوْنِ الْعَرَبِ أَهْلَ فِطْرَةٍ ، وَلِكَوْنِ الْإِسْلَامِ دِينَ الْفِطْرَةِ أَيْضًا كَانَتِ الِاسْتِجَابَةُ إِلَيْهِ أَقْرَبَ .
انْظُرْ مُدَّةَ مُكْثِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْبَعْثَةِ إِلَى انْتِقَالِهِ إِلَى الرَّفِيقِ الْأَعْلَى ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً ، كَمْ عَدَدُ مَنْ أَسْلَمَ فِيهَا بَيْنَمَا
نُوحٌ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَمْكُثُ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا ، فَلَمْ يُؤْمِنْ مَعَهُ إِلَّا الْقَلِيلُ .
[ ص: 315 ] وَلِذَا كَانَ قَوْلُ
نُوحٍ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=27وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ، كَانَ بِدَلِيلِ الِاسْتِقْرَاءِ مِنْ قَوْمِهِ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=26وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا هَلِ اسْتُجِيبَ لَهُ أَمْ لَا ؟ وَبَيَّنَهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ ، مِنْهَا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=76وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ [ 21 \ 76 ] .
وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ نَفْسِهَا وَقَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ مُبَاشَرَةً قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=25مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا [ 71 \ 25 ] ، فَجَمَعَ اللَّهُ لَهُمْ أَقْصَى الْعُقُوبَتَيْنِ : الْإِغْرَاقَ ، وَالْإِحْرَاقَ ، مُقَابِلَ أَعْظَمِ الذَّنْبَيْنِ : الضَّلَالِ ، وَالْإِضْلَالِ .
وَكَذَلِكَ بَيَّنَ تَعَالَى كَيْفِيَّةَ إِهْلَاكِ قَوْمِهِ وَنَجَاتِهِ هُوَ وَأَهْلُهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=10فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=11فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=12وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=13وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=14تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا الْآيَةَ [ 54 \ 10 - 14 ] .
قَالَ
ابْنُ كَثِيرٍ : لَقَدْ أَغْرَقَ اللَّهُ كُلَّ مَنْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنَ الْكُفَّارِ ، حَتَّى وَلَدَ
نُوحٍ مِنْ صُلْبِهِ . وَهُنَا تَنْبِيهٌ عَلَى قَضِيَّةِ وَلَدِ
نُوحٍ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=42يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=43فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ [ 11 \ 42 - 43 ] لَمَّا أَخَذَتْ
نُوحًا الْعَاطِفَةُ عَلَى وَلَدِهِ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=45رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ، إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ [ 11 \ 45 - 46 ] أَثَارَ بَعْضُ النَّاسِ تَسَاؤُلًا حَوْلَ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ [ 11 \ 46 ] إِنَّهُ عَمَلٌ مَاضٍ يَعْمَلُ ، أَيْ : بِكُفْرِهِ .
وَتَسَاءَلُوا حَوْلَ صِحَّةِ نَسَبِهِ ، وَالْحَقُّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ عَصَمَ نِسَاءَ الْأَنْبِيَاءِ ; إِكْرَامًا لَهُمْ ، وَأَنَّهُ ابْنُهُ حَقًّا ; لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=45إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي تَضَمَّنَ هَذَا الْقَوْلُ أَمْرَيْنِ : نِسْبَتَهُ إِلَيْهِ فِي بُنُوَّتِهِ ، ثَانِيًا : نِسْبَتَهُ إِلَيْهِ فِي أَهْلِهِ ، فَكَانَ الْجَوَابُ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ بِنَفْيِ النِّسْبَةِ الثَّانِيَةِ لَا الْأُولَى ، " إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ " . وَلَمْ يَقُلْ : إِنَّهُ لَيْسَ ابْنَكَ ، وَالْأَهْلُ أَعَمُّ مِنَ الِابْنِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ نَفْيَ الْأَخَصِّ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْأَعَمِّ ، وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ ، فَلَمَّا نَفَى نِسْبَتَهُ إِلَى أَهْلِهِ عَلِمْنَا أَنَّ نِسْبَتَهُ إِلَيْهِ بِالْبُنُوَّةِ بَاقِيَةٌ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنِ ابْنَهُ لِصُلْبِهِ لَكَانَ النَّفْيُ يَنْصَبُّ عَلَيْهَا .
وَيُقَالُ : إِنَّهُ لَيْسَ ابْنَكَ ، وَإِذَا نَفَى عَنْهُ الْبُنُوَّةَ انْتَفَتْ عَنْهُ نِسْبَتُهُ إِلَى أَهْلِهِ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ
[ ص: 316 ] تَعَالَى بَعْدَهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=37وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا [ 11 \ 37 ] أَيْ ; لِأَنَّ الظَّالِمِينَ لَيْسُوا مِنَ الْأَهْلِ بِالنِّسْبَةِ لِلدِّينِ ; لِأَنَّ الدِّينَ يَرْبِطُ الْبَعِيدِينَ ، وَالظُّلْمَ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْكُفْرِ يُفَرِّقُ الْقَرِيبِينَ . وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .