الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فمما استدلت به الجبرية ، قوله تعالى : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى [ الأنفال : 17 ] . فنفى الله عن نبيه الرمي ، وأثبته لنفسه سبحانه ، فدل على أنه لا صنع للعبد . قالوا : والجزاء غير مرتب على الأعمال ، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم : لن يدخل أحد الجنة بعمله ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل .

ومما استدل به القدرية ، قوله تعالى : فتبارك الله أحسن الخالقين [ ص: 642 ] [ المؤمنون : 14 ] . قالوا : والجزاء مرتب على الأعمال ترتيب العوض ، كما قال تعالى : جزاء بما كانوا يعملون [ فصلت : 17 ] و [ الأحقاف : 14 ] و [ الواقعة : 24 ] . وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون [ الزخرف : 72 ] . ونحو ذلك .

فأما ما استدلت به الجبرية من قوله تعالى : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى [ الأنفال : 17 ] - فهو دليل عليهم ، لأنه تعالى أثبت لرسوله [ صلى الله عليه وسلم ] رميا ، بقوله : إذ رميت فعلم أن المثبت غير المنفي ، وذلك أن الرمي له ابتداء وانتهاء : فابتداؤه الحذف ، وانتهاؤه الإصابة ، وكل منهما يسمى رميا ، فالمعنى حينئذ - والله تعالى أعلم : وما أصبت إذ حذفت ولكن الله أصاب . وإلا فطرد قولهم : وما صليت إذ صليت ولكن الله صلى ! وما صمت إذ صمت ! وما زنيت إذ زنيت ! وما سرقت إذ سرقت ! ! وفساد هذا ظاهر .

وأما ترتب الجزاء على الأعمال ، فقد ضلت فيه الجبرية والقدرية ، [ ص: 643 ] وهدى الله أهل السنة ، وله الحمد والمنة . فإن الباء التي في النفي غير الباء التي في الإثبات ، فالمنفي في قوله صلى الله عليه وسلم : " لن يدخل الجنة أحد بعمله " باء العوض ، وهو أن يكون العمل كالثمن لدخول الرجل إلى الجنة ، كما زعمت المعتزلة أن العامل مستحق دخول الجنة على ربه بعمله ! بل ذلك برحمة الله وفضله . والباء التي في قوله تعالى : جزاء بما كانوا يعملون [ فصلت : 17 ] ونحوها ، باء السبب ، أي بسبب عملكم ، والله تعالى هو خالق الأسباب والمسببات ، فرجع الكل إلى محض فضل الله ورحمته .

التالي السابق


الخدمات العلمية