قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=8nindex.php?page=treesubj&link=29047_30415_30572ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا
اختلف في مرجع الضمير في
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=8على حبه ، هل هو راجع على الطعام أم على الله تعالى ؟ أي : ويطعمون الطعام على حب الطعام لقلته عندهم وحاجتهم إليه ، أم على حب الله رجاء ثواب الله ؟
وقد رجح
ابن كثير المعنى الأول ، وهو اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ، وساق الشواهد على ذلك كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177وآتى المال على حبه [ 2 \ 177 ] ، وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=92لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون [ 3 \ 92 ] .
والواقع أن الاستدلال الأول فيه ما في هذه الآية ، ولكن أقرب دليلا وأصرح قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=9ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة [ 59 \ 9 ] .
وفي الآية التي بعدها في هذه السورة قرينة تشهد لرجوعه للطعام على ما تقدم ، وهي قوله تعالى بعدها :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=9إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا [ 76 \ 9 ] ; لأنها في معنى حب الله ، مما يجعل الأولى للطعام وهذه لله . والتأسيس أولى من التأكيد ، فيكون السياق : ويطعمون الطعام على حاجتهم إياه ، ولوجه الله تعالى . - والله تعالى أعلم - .
مسألة .
في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=8مسكينا ويتيما وأسيرا ، جمع أصناف ثلاثة :
الأول والثاني من المسلمين غالبا ، أما الثالث وهو الأسير فلم يكن لدى المسلمين أسرى إلا من الكفار ، وإن
[ ص: 395 ] كانت السورة مكية إلا أن العبرة بعموم اللفظ كما هو معلوم .
وقد نقل
ابن كثير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أنها في الفرس من المشركين ، وساق قصة أسارى بدر .
واختار
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير أن الأسرى هم الخدم ، والذي يظهر - والله تعالى أعلم - أن الأسارى هنا على معناها الحقيقي ; لأن الخدم لا يخرجون عن القسمين المتقدمين : اليتيم ، والمسكين ، وهؤلاء الأسارى بعد وقوعهم في الأسر ، لم يبق لهم حول ولا طول . فلم يبق إلا الإحسان إليهم .
وهذا من محاسن الإسلام وسمو تعاليمه ، وإن العالم كله اليوم لفي حاجة إلى معرفة هذه التعاليم السماوية السامية حتى مع أعدائه ، وقد تقدم شيء من ذلك عند الكلام على قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=8لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم [ 60 \ 8 ] ، وهؤلاء بعد الأسر ليسوا مقاتلين .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=8nindex.php?page=treesubj&link=29047_30415_30572وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا
اخْتُلِفَ فِي مَرْجِعِ الضَّمِيرِ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=8عَلَى حُبِّهِ ، هَلْ هُوَ رَاجِعٌ عَلَى الطَّعَامِ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ؟ أَيْ : وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّ الطَّعَامِ لِقِلَّتِهِ عِنْدَهُمْ وَحَاجَتِهِمْ إِلَيْهِ ، أَمْ عَلَى حُبِّ اللَّهِ رَجَاءَ ثَوَابِ اللَّهِ ؟
وَقَدْ رَجَّحَ
ابْنُ كَثِيرٍ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنِ جَرِيرٍ ، وَسَاقَ الشَّوَاهِدَ عَلَى ذَلِكَ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ [ 2 \ 177 ] ، وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=92لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [ 3 \ 92 ] .
وَالْوَاقِعُ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ الْأَوَّلَ فِيهِ مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، وَلَكِنْ أَقْرَبُ دَلِيلًا وَأَصْرَحُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=9وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [ 59 \ 9 ] .
وَفِي الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ قَرِينَةٌ تَشْهَدُ لِرُجُوعِهِ لِلطَّعَامِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدَهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=9إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا [ 76 \ 9 ] ; لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى حُبِّ اللَّهِ ، مِمَّا يَجْعَلُ الْأُولَى لِلطَّعَامِ وَهَذِهِ لِلَّهِ . وَالتَّأْسِيسُ أَوْلَى مِنَ التَّأْكِيدِ ، فَيَكُونُ السِّيَاقُ : وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حَاجَتِهِمْ إِيَّاهُ ، وَلِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى . - وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - .
مَسْأَلَةٌ .
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=8مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ، جَمْعُ أَصْنَافٍ ثَلَاثَةٍ :
الْأَوَّلُ وَالثَّانِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ غَالِبًا ، أَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ الْأَسِيرُ فَلَمْ يَكُنْ لَدَى الْمُسْلِمِينَ أَسْرَى إِلَّا مِنَ الْكُفَّارِ ، وَإِنْ
[ ص: 395 ] كَانَتِ السُّورَةُ مَكِّيَّةً إِلَّا أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ .
وَقَدْ نَقَلَ
ابْنُ كَثِيرٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّهَا فِي الْفُرْسِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، وَسَاقَ قِصَّةَ أَسَارَى بَدْرٍ .
وَاخْتَارَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ الْأَسْرَى هُمُ الْخَدَمُ ، وَالَّذِي يَظْهَرُ - وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - أَنَّ الْأَسَارَى هُنَا عَلَى مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيِّ ; لِأَنَّ الْخَدَمَ لَا يَخْرُجُونَ عَنِ الْقِسْمَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ : الْيَتِيمِ ، وَالْمِسْكِينِ ، وَهَؤُلَاءِ الْأَسَارَى بَعْدَ وُقُوعِهِمْ فِي الْأَسْرِ ، لَمْ يَبْقَ لَهُمْ حَوْلٌ وَلَا طَوْلٌ . فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْإِحْسَانُ إِلَيْهِمْ .
وَهَذَا مِنْ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ وَسُمُوِّ تَعَالِيمِهِ ، وَإِنَّ الْعَالَمَ كُلَّهُ الْيَوْمَ لَفِي حَاجَةٍ إِلَى مَعْرِفَةِ هَذِهِ التَّعَالِيمِ السَّمَاوِيَّةِ السَّامِيَةِ حَتَّى مَعَ أَعْدَائِهِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=8لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ [ 60 \ 8 ] ، وَهَؤُلَاءِ بَعْدَ الْأَسْرِ لَيْسُوا مُقَاتِلِينَ .