الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                هل أتاك حديث موسى إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى اذهب إلى فرعون إنه طغى فقل هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى فأراه الآية الكبرى فكذب وعصى ثم أدبر يسعى فحشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى إن في ذلك لعبرة لمن يخشى

                                                                                                                                                                                                اذهب على إرادة القول. وفي قراءة عبد الله : أن اذهب؛ لأن في النداء معنى [ ص: 307 ] القول. هل لك في كذا، وهل لك إلى كذا; كما تقول: هل ترغب فيه؟ وهل ترغب إليه؟ إلى أن تزكى إلى أن تتطهر من الشرك، وقرأ أهل المدينة تزكى بالإدغام. وأهديك إلى ربك وأرشدك إلى معرفة الله أنبهك عليه فتعرفه.

                                                                                                                                                                                                فتخشى لأن الخشية لا تكون إلا بالمعرفة. قال الله تعالى: إنما يخشى الله من عباده العلماء [فاطر: 28]. أي: العلماء به; وذكر الخشية لأنها ملاك الأمر، من خشى الله أتى منه كل خير. ومن أمن اجترأ على كل شر. ومنه قوله عليه السلام: " من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل " بدأ مخاطبته بالاستفهام الذي معناه العرض، كما يقول الرجل لضيفه: هل لك أن تنزل بنا، وأردفه الكلام الرقيق ليستدعيه بالتلطف في القول، ويستنزله بالمداراة من عتوه، كما أمر بذلك في قوله: فقولا له قولا لينا [طه: 44].

                                                                                                                                                                                                الآية الكبرى قلب العصا حية؛ لأنها كانت المقدمة والأصل، والأخرى كالتبع لها; لأنه كان يتقيها بيده، فقيل له: أدخل يدك في جيبك، أو أرادهما جميعا، إلا أنه جعلهما واحدة; لأن الثانية كأنها من جملة الأولى لكونها تابعة لها. فكذب بموسى والآية الكبرى، وسماهما ساحرا وسحرا وعصى الله تعالى بعد ما علم صحة الأمر، وأن الطاعة قد وجبت عليه ثم أدبر يسعى أي: لما رأى الثعبان أدبر مرعوبا، يسعى: يسرع في مشيته. قال الحسن : كان رجلا طياشا [ ص: 308 ] خفيفا. أو تولى عن موسى يسعى ويجتهد في مكايدته، وأريد: ثم أقبل يسعى، كما تقول: أقبل فلان يفعل كذا، بمعنى: أنشأ يفعل، فوضع أدبر موضع: أقبل; لئلا يوصف بالإقبال.

                                                                                                                                                                                                فحشر فجمع السحرة، كقوله: فأرسل فرعون في المدائن حاشرين [الشعراء: 53]. فنادى في المقام الذي اجتمعوا فيه معه. أو أمر مناديا في الناس بذلك. وقيل: قام فيهم خطيبا فقال تلك العظيمة. وعن ابن عباس : كلمته الأولى: ما علمت لكم من إله غيري [القصص: 38]. والآخرة: أنا ربكم الأعلى [النازعات: 24].

                                                                                                                                                                                                نكال هو مصدر مؤكد، ك "وعد الله"، وصبغة الله; كأنه قيل: نكل الله به نكال الآخرة والأولى. والنكال بمعنى التنكيل، كالسلام بمعنى التسليم. يعني الإغراق في الدنيا والإحراق في الآخرة. وعن ابن عباس : نكال كلمتيه الآخرة، وهي قوله: أنا ربكم الأعلى والأولى وهي قوله: ما علمت لكم من إله غيري [القصص: 38]. وقيل: كان بين الكلمتين أربعون سنة. وقيل عشرون.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية