الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وطلبوا معجزة؛ فقالوا: فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين قال ربي أعلم بما تعملون ؛ " الكسف " ؛ جمع " كسفة " ؛ أي: قطعا من السماء؛ فلم يطلبوا رسالة مع ملك؛ أو نحو ذلك؛ بل كانوا قساة من طبعهم ماديين؛ طلبوا أن ينزل عليهم قطعا من السماء؛ وقد أشبههم في هذه - من بعدهم - كفار قريش؛ فقالوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ؛ وإن ذلك أشد الحمق وأفحشه؛ فكانوا مثلهم.

                                                          أجابهم الله (تعالى) بعذاب شديد من جنس ما طلبوا؛ وهو سحابة كانت من ورائها صيحة شديدة؛ فكانوا في ديارهم جاثمين؛ ولقد قال لهم نبي الله - مفوضا الأمر إلى ربه -: قال ربي أعلم بما تعملون ؛ وهذه الجملة السامية فيها تفويض وتهديد؛ أما التفويض فهو أنه قال: ربي أعلم بما تعملون ؛ فهو يفوض الأمر لله - سبحانه -؛ وأما التهديد فهو أيضا في هذه الجملة السامية من حيث إنه يعلم وحده بكافة ما تعملون؛ من تطفيف في الكيل والميزان؛ وبخس للناس أشياءهم؛ وعثو في [ ص: 5406 ] الأرض فسادا بالاعتداء على حقوق العباد وأموالهم؛ في زرع يزرعونه؛ وغرس يغرسونه؛ وماء يسقون به زرعهم؛ ما يعثون فيه بفسادهم وظلمهم وضلالهم؛ وقد جعل الله (تعالى) عقابهم من جنس ما طلبوا؛ إذ طلبوا كسفا من السماء؛ والفاء في قوله (تعالى): فأسقط علينا كسفا ؛ للإفصاح؛ أي: إذا كنت مرسلا؛ وأنت بشر مثلنا؛ فأسقط ؛ وهو طلب دال على الاستهانة بالرسالة.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية