[ ص: 99 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الهمزة
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=104&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29075_32534ويل لكل همزة لمزة .
اختلف في معنى كلمة " ويل " .
فقيل : هو واد في جهنم .
وقيل : هي كلمة عذاب وهلاك .
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه ذكر هذين المعنيين في سورة الجاثية عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=7ويل لكل أفاك أثيم [ 45 \ 7 ] ، وبين أنها مصدر لا لفظ له من فعله ، وأن المسوغ للابتداء بها مع أنها نكرة كونها في معرض الدعاء عليهم بالهلاك .
وقد استظهر رحمه الله تعالى هذا المعنى .
ومما يشهد لما استظهره رحمه الله ، ما جاء في حق أصحاب الجنة التي أصبحت كالصريم ، أنهم قالوا عند رؤيتهم إياها :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=14قالوا ياويلنا إنا كنا ظالمين [ 21 \ 14 ] ، فهي كلمة تقال عند نزول المصائب ، وعند التقبيح .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16785الفخر الرازي : أصل الويل لفظة السخط والذم ، وأصلها وي لفلان ، ثم كثرت في كلامهم فوصلت باللام ، ويقال : ويح بالحاء للترحم ا هـ .
ومما يدل لقول
الرازي أيضا قول
قارون :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=82ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر [ 28 \ 82 ] .
ومثله للتعجب في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=72قالت يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا [ 11 \ 72 ] .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=31قال ياويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي [ 5 \ 31 ] .
[ ص: 100 ] فالظاهر : أنها كلمة تقال عند الشدة والهلكة ، أو شدة التعجب مما يشبه المستبعد .
والذي يشهد له القرآن : هو هذا المعنى ، وسبب الخلاف قد يرجع لمجيئها تارة مطلقة كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=15ويل يومئذ للمكذبين [ 77 \ 15 ] ، وهنا
nindex.php?page=tafseer&surano=104&ayano=1ويل لكل همزة لمزة .
ويجيء مع ذكر ما يتوعد به كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=27فويل للذين كفروا من النار [ 38 \ 27 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=65فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم [ 43 \ 65 ] ، فذكر النار والعذاب الأليم .
وكذلك قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=37فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم [ 19 \ 37 ] ، فهي في هذا كله للوعيد الشديد ، مما ذكر معها من النار والعذاب الأليم ومشهد يوم عظيم ، وليست مقصودة بذاتها دون ما ذكر معها ، والعلم عند الله تعالى .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=104&ayano=1همزة لمزة ، قيل : هما بمعنى واحد ، وهو الغيبة .
وأنشد
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير قول
nindex.php?page=showalam&ids=15934زياد الأعجم :
تدلي بودي إذا لاقيتني كذبا وإن أغيب فأنت الهامز الهمزه
وعزا هذا
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس ، وهو الذي يصيب الناس ويطعن فيهم .
وقد جاء في القرآن استعمال كل من الكلمتين مفردة عن الأخرى ، بما يدل على المغايرة .
ففي الهمزة قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=10ولا تطع كل حلاف مهين nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=11هماز مشاء بنميم [ 68 \ 11 ] ، مما يدل على الكذب والنميمة .
وفي الهمزة قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=11ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب [ 49 \ 11 ] .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=58ومنهم من يلمزك في الصدقات [ 9 \ 58 ] ، مما يدل على أنها أقرب للتنقص والعيب في الحضور لا في الغيبة ، فتغاير الهمز في المعنى ، وفي الصفة ، والجمع بينهما جمع بين القبيحين ، فكان مستحقا لهذا الوعيد الشديد بكلمة " ويل " .
وقد قيل :
nindex.php?page=treesubj&link=32534الهمز باليد : وقيل : باللسان في الحضرة ، والهمز في الغيبة .
[ ص: 101 ] وقيل : الهمز باليد ، واللمز باللسان ، والغمز بالعين ، وكلها معان متقاربة تشترك في تنقص الآخرين .
[ ص: 99 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
سُورَةُ الْهُمَزَةِ
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=104&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29075_32534وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ .
اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى كَلِمَةِ " وَيْلٌ " .
فَقِيلَ : هُوَ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ .
وَقِيلَ : هِيَ كَلِمَةُ عَذَابٍ وَهَلَاكٍ .
وَتَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ ذِكْرُ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ فِي سُورَةِ الْجَاثِيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=7وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ [ 45 \ 7 ] ، وَبَيَّنَ أَنَّهَا مَصْدَرٌ لَا لَفْظَ لَهُ مِنْ فِعْلِهِ ، وَأَنَّ الْمُسَوِّغَ لِلِابْتِدَاءِ بِهَا مَعَ أَنَّهَا نَكِرَةٌ كَوْنُهَا فِي مَعْرِضِ الدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ بِالْهَلَاكِ .
وَقَدِ اسْتَظْهَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْمَعْنَى .
وَمِمَّا يَشْهَدُ لِمَا اسْتَظْهَرَهُ رَحِمَهُ اللَّهُ ، مَا جَاءَ فِي حَقِّ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ الَّتِي أَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ، أَنَّهُمْ قَالُوا عِنْدَ رُؤْيَتِهِمْ إِيَّاهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=14قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ [ 21 \ 14 ] ، فَهِيَ كَلِمَةٌ تُقَالُ عِنْدَ نُزُولِ الْمَصَائِبِ ، وَعِنْدَ التَّقْبِيحِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16785الْفَخْرُ الرَّازِيُّ : أَصْلُ الْوَيْلِ لَفْظَةُ السُّخْطِ وَالذَّمِ ، وَأَصْلُهَا وَيٌّ لِفُلَانٍ ، ثُمَّ كَثُرَتْ فِي كَلَامِهِمْ فَوُصِلَتْ بِاللَّامِ ، وَيُقَالُ : وَيْحٌ بِالْحَاءِ لِلتَّرَحُّمِ ا هـ .
وَمِمَّا يَدُلُّ لِقَوْلِ
الرَّازِيِّ أَيْضًا قَوْلُ
قَارُونَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=82وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ [ 28 \ 82 ] .
وَمِثْلُهُ لِلتَّعَجُّبِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=72قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا [ 11 \ 72 ] .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=31قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي [ 5 \ 31 ] .
[ ص: 100 ] فَالظَّاهِرُ : أَنَّهَا كَلِمَةٌ تُقَالُ عِنْدَ الشِّدَّةِ وَالْهَلَكَةِ ، أَوْ شِدَّةِ التَّعَجُّبِ مِمَّا يُشْبِهُ الْمُسْتَبْعَدَ .
وَالَّذِي يَشْهَدُ لَهُ الْقُرْآنُ : هُوَ هَذَا الْمَعْنَى ، وَسَبَبُ الْخِلَافِ قَدْ يَرْجِعُ لِمَجِيئِهَا تَارَةً مُطْلَقَةً كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=15وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [ 77 \ 15 ] ، وَهُنَا
nindex.php?page=tafseer&surano=104&ayano=1وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ .
وَيَجِيءُ مَعَ ذِكْرِ مَا يَتَوَعَّدُ بِهِ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=27فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [ 38 \ 27 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=65فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ [ 43 \ 65 ] ، فَذَكَرَ النَّارَ وَالْعَذَابَ الْأَلِيمَ .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=37فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ [ 19 \ 37 ] ، فَهِيَ فِي هَذَا كُلِّهِ لِلْوَعِيدِ الشَّدِيدِ ، مِمَّا ذُكِرَ مَعَهَا مِنَ النَّارِ وَالْعَذَابِ الْأَلِيمِ وَمَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ ، وَلَيْسَتْ مَقْصُودَةً بِذَاتِهَا دُونَ مَا ذُكِرَ مَعَهَا ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=104&ayano=1هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ، قِيلَ : هُمَا بِمَعْنَى وَاحِدٍ ، وَهُوَ الْغِيبَةُ .
وَأَنْشَدَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ قَوْلَ
nindex.php?page=showalam&ids=15934زِيَادٍ الْأَعْجَمِ :
تُدْلِي بِوُدِّي إِذَا لَاقَيْتَنِي كَذِبًا وَإِنْ أَغِيبُ فَأَنْتَ الْهَامِزُ الْهُمَزَهْ
وَعَزَا هَذَا
nindex.php?page=showalam&ids=11لِابْنِ عَبَّاسٍ ، وَهُوَ الَّذِي يُصِيبُ النَّاسَ وَيَطْعَنُ فِيهِمْ .
وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ اسْتِعْمَالُ كُلٍّ مِنَ الْكَلِمَتَيْنِ مُفْرَدَةً عَنِ الْأُخْرَى ، بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْمُغَايَرَةِ .
فَفِي الْهُمَزَةِ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=10وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=11هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ [ 68 \ 11 ] ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْكَذِبِ وَالنَّمِيمَةِ .
وَفِي الْهُمَزَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=11وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ [ 49 \ 11 ] .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=58وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ [ 9 \ 58 ] ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا أَقْرَبُ لِلتَّنَقُّصِ وَالْعَيْبِ فِي الْحُضُورِ لَا فِي الْغِيبَةِ ، فَتَغَايُرُ الْهَمْزِ فِي الْمَعْنَى ، وَفِي الصِّفَةِ ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا جَمْعٌ بَيْنَ الْقَبِيحَيْنِ ، فَكَانَ مُسْتَحِقًّا لِهَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ بِكَلِمَةِ " وَيْلٌ " .
وَقَدْ قِيلَ :
nindex.php?page=treesubj&link=32534الْهَمْزُ بِالْيَدِ : وَقِيلَ : بِاللِّسَانِ فِي الْحَضْرَةِ ، وَالْهَمْزُ فِي الْغَيْبَةِ .
[ ص: 101 ] وَقِيلَ : الْهَمْزُ بِالْيَدِ ، وَاللَّمْزُ بِاللِّسَانِ ، وَالْغَمْزُ بِالْعَيْنِ ، وَكُلُّهَا مَعَانٍ مُتَقَارِبَةٌ تَشْتَرِكُ فِي تَنَقُّصِ الْآخَرِينَ .