الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ولا يجوز الجلوس على القبر ، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه حتى تخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر } ولا يدوسه من غير حاجة لأن الدوس كالجلوس ، فإذا لم يجز الجلوس لم يجز الدوس ، فإن لم يكن طريق إلى قبر من يزوره إلا بالدوس جاز له ، لأنه موضع عذر ، ويكره المبيت في المقبرة لما فيها من الوحشة ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث أبي هريرة رواه مسلم ، واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على النهي عن الجلوس على القبر للحديث المذكور ، لكن عبارة الشافعي في الأم وجمهور الأصحاب في الطرق كلها أنه يكره الجلوس وأرادوا به كراهة تنزيه كما هو المشهور في استعمال الفقهاء صرح به كثيرون منهم ، وقال المصنف والمحاملي في المقنع : لا يجوز ، فيحتمل أنهما أرادا التحريم ، كما هو الظاهر من استعمال الفقهاء قولهم : لا يجوز ويحتمل أنهما أرادا كراهة التنزيه لأن المكروه غير جائز عند الأصوليين ، وقد سبق في المهذب مواضع مثل هذا ، كقوله في الاستطابة لا يجوز الاستنجاء باليمين ، وقد بيناها في مواضعها . قال المصنف والأصحاب رحمهم الله : ووطؤه كالجلوس عليه ، قال أصحابنا : وهكذا يكره الاتكاء عليه ، قال الماوردي والجرجاني وغيرهما : ويكره أيضا الاستناد إليه ، وأما المبيت في المقبرة فمكروه من غير ضرورة ، نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب لما ذكره المصنف ، والله أعلم .

                                      ( فرع ) : في مذاهب العلماء في كراهة الجلوس على القبر ، والاتكاء عليه ، والاستناد إليه قد ذكرنا أن ذلك مكروه عندنا ، وبه قال جمهور [ ص: 288 ] العلماء ، منهم النخعي والليث وأبو حنيفة وأحمد وداود ، وقال مالك : لا يكره .



                                      ( فرع ) : المشهور في مذهبنا أنه لا يكره المشي في المقابر بالنعلين والخفين ونحوهما ممن صرح بذلك من أصحابنا الخطابي والعبدري وآخرون ، ونقله العبدري عن مذهبنا ومذهب أكثر العلماء ، قال أحمد بن حنبل رحمه الله : يكره ، وقال صاحب الحاوي : يخلع نعليه لحديث بشير بن معبد الصحابي المعروف بابن الخصاصية قال { بينما أنا أماشي رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر فإذا رجل يمشي في القبور عليه نعلان فقال : يا صاحب السبتتين ويحك ، ألق سبتتيك ، فنظر الرجل فلما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم خلعهما } رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن ، واحتج أصحابنا بحديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { العبد إذا وضع في قبره وتولى وذهب أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فأقعداه إلى آخر الحديث } رواه البخاري ومسلم ( وأجابوا ) عن الحديث الأول بجوابين : ( أحدهما ) وبه أجاب الخطابي أنه يشبه أنه كرههما لمعنى فيهما ; لأن النعال السبتية - بكسر السين - هي المدبوغة بالقرظ ، وهي لباس أهل الترفه والتنعم ، فنهى عنهما لما فيهما من الخيلاء ، فأحب صلى الله عليه وسلم أن يكون دخوله المقابر على زي التواضع ، ولباس أهل الخشوع ، ( والثاني ) لعله كان فيهما نجاسة ، قالوا : وحملنا على تأويله الجمع بين الحديثين .




                                      الخدمات العلمية