الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [ 43، 44] لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد .

                                                                                                                                                                                                                                      لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة أي: الذي تدعوني إلى عبادته، ليس له دعوة في الدنيا لدفع الشدائد، والأمراض ونحوها، [ ص: 5170 ] ولا في الآخرة لدفع أهوالها، على ما قاله المهايمي . أو لا دعوة له في الدارين لعدمه بنفسه، واستحالة وجوده فيهما، على ما قاله القاشاني . وقال الشهاب : عدم الدعوة عبارة عن جماديتها، وأنها غير مستحقة لذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      وسياق: { لا جرم } عند البصريين أن يكون (لا) ردا لما دعاه إليه قومه و: ( جرم ) بمعنى كسب; أي: وكسب دعاؤهم إليه بطلان دعوته; أي: ما حصل من ذلك إلا ظهور بطلان دعوته، ويجوز أن يكون: { لا جرم } نظير (لابد) من الجرم وهو القطع. فكما أنك تقول: (لابد لك أن تفعل). والبد من التبديد الذي هو التفريق، ومعناه: لا مفارقة لك من فعل كذا، فكذلك: { لا جرم } معناه لا انقطاع لبطلان دعوة الأصنام. بل هي باطلة أبدا. هذا ما يستفاد من (الكشاف).

                                                                                                                                                                                                                                      وفي "الصحاح": قال الفراء : { لا جرم } كلمة كانت في الأصل بمنزلة لا محالة ولا بد فجرت على ذلك، وكثرت حتى تحولت إلى معنى القسم، وصارت بمنزلة (حقا)، فلذلك يجاب عنها باللام. ألا تراهم يقولون: (لا جرم لآتيناك). وقد حقق الكلام فيها ابن هشام في (المغني) في بحث، والجلال في (همع الهوامع) أثناء بحث إن والقسم، فانظرهما وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين أي: في الضلالة، والطغيان، وسفك الدماء: هم أصحاب النار فستذكرون ما أقول لكم أي: في النصح عند معاينة الأهوال، وما يحيق بكم: وأفوض أمري إلى الله أي: وأسلم أمري إليه، وأجعله له، وأتوكل عليه، فإنه الكافي من توكل عليه: إن الله بصير بالعباد أي: فيعلم المطيع منهم، والعاصي، ومن يستحق المثوبة والعقوبة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية