الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : لما أقام الدلالة على وجود الإله بدليل كونه فاطر السماوات والأرض وصفه بكمال الرحمة والكرم والجود وبين ذلك من وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : قوله : ( يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ) قال صاحب " الكشاف " : لو قال قائل : ما معنى التبعيض في قوله ( من ذنوبكم ) ؟ ثم أجاب فقال : ما جاء هكذا إلا في خطاب الكافرين ، كقوله : ( أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم ) [ نوح : 3 ] . ( ياقومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ) [ الأحقاف : 31 ] وقال في خطاب المؤمنين : ( هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ) [ الصف : 10 ] إلى أن قال : ( يغفر لكم ذنوبكم ) [ الصف : 12 ] والاستقراء يدل على صحة ما ذكرناه ، ثم قال : وكأن ذلك للتفرقة بين الخطابين ، ولئلا يسوى بين الفريقين في المعاد ، وقيل : إنه أراد أنه يغفر لهم ما بينهم وبين الله تعالى بخلاف ما بينهم وبين العباد من المظالم . هذا كلام هذا الرجل .

                                                                                                                                                                                                                                            وقال الواحدي في " البسيط " : قال أبو عبيدة [ من ] زائدة ، وأنكر سيبويه زيادتها في الواجب ، وإذا قلنا : إنها ليست زائدة فههنا وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : أنه ذكر البعض ههنا وأريد به الجميع توسعا .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أن " من " ههنا للبدل والمعنى لتكون المغفرة بدلا من الذنوب فدخلت " من " لتضمن المغفرة معنى البدل من السيئة ، وقال القاضي : ذكر الأصم أن كلمة " من " ههنا تفيد التبعيض ، والمعنى أنكم إذا تبتم فإنه يغفر لكم الذنوب التي هي من الكبائر ، فأما التي تكون من باب الصغائر فلا حاجة إلى غفرانها لأنها في أنفسها مغفورة ، قال القاضي : وقد أبعد في هذا التأويل ؛ لأن الكفار صغائرهم ككبائرهم في أنها لا تغفر إلا بالتوبة وإنما تكون الصغيرة مغفورة من المؤمنين الموحدين من حيث يزيد ثوابهم على عقابها ، فأما من لا ثواب له أصلا فلا يكون شيء من ذنوبه صغيرا ولا يكون شيء منها مغفورا . ثم قال : وفيه وجه آخر وهو أن الكافر قد ينسى بعض ذنوبه في حال توبته وإنابته فلا يكون المغفور منها إلا ما ذكره وتاب منه ، فهذا جملة أقوال الناس في هذه الكلمة .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية