المسألة الثالثة : لما أقام الدلالة على وجود الإله بدليل كونه فاطر السماوات والأرض وصفه بكمال الرحمة والكرم والجود وبين ذلك من وجهين :
الأول : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=10يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ) قال صاحب " الكشاف " : لو قال قائل : ما معنى التبعيض في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=10من ذنوبكم ) ؟ ثم أجاب فقال : ما جاء هكذا إلا في خطاب الكافرين ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=3أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4يغفر لكم من ذنوبكم ) [ نوح : 3 ] . (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=31ياقومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ) [ الأحقاف : 31 ] وقال في خطاب المؤمنين : (
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=10هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ) [ الصف : 10 ] إلى أن قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=12يغفر لكم ذنوبكم ) [ الصف : 12 ] والاستقراء يدل على صحة ما ذكرناه ، ثم قال : وكأن ذلك للتفرقة بين الخطابين ، ولئلا يسوى بين الفريقين في المعاد ، وقيل : إنه أراد أنه يغفر لهم ما بينهم وبين الله تعالى بخلاف ما بينهم وبين العباد من المظالم . هذا كلام هذا الرجل .
وقال
الواحدي في " البسيط " : قال
أبو عبيدة [ من ] زائدة ، وأنكر
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه زيادتها في الواجب ، وإذا قلنا : إنها ليست زائدة فههنا وجهان :
أحدهما : أنه ذكر البعض ههنا وأريد به الجميع توسعا .
والثاني : أن " من " ههنا للبدل والمعنى لتكون المغفرة بدلا من الذنوب فدخلت " من " لتضمن المغفرة معنى البدل من السيئة ، وقال القاضي : ذكر
الأصم أن كلمة " من " ههنا تفيد التبعيض ، والمعنى أنكم إذا تبتم فإنه يغفر لكم الذنوب التي هي من الكبائر ، فأما التي تكون من باب الصغائر فلا حاجة إلى غفرانها لأنها في أنفسها مغفورة ، قال القاضي : وقد أبعد في هذا التأويل ؛ لأن
nindex.php?page=treesubj&link=32482_19729الكفار صغائرهم ككبائرهم في أنها لا تغفر إلا بالتوبة وإنما تكون
nindex.php?page=treesubj&link=19729_30524_19714الصغيرة مغفورة من المؤمنين الموحدين من حيث يزيد ثوابهم على عقابها ، فأما من لا ثواب له أصلا فلا يكون شيء من ذنوبه صغيرا ولا يكون شيء منها مغفورا . ثم قال : وفيه وجه آخر وهو أن الكافر قد ينسى بعض ذنوبه في حال توبته وإنابته فلا يكون المغفور منها إلا ما ذكره وتاب منه ، فهذا جملة أقوال الناس في هذه الكلمة .
المسألة الثَّالِثَةُ : لَمَّا أَقَامَ الدَّلَالَةَ عَلَى وُجُودِ الْإِلَهِ بِدَلِيلِ كَوْنِهِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَصَفَهُ بِكَمَالِ الرَّحْمَةِ وَالْكَرَمِ وَالْجُودِ وَبَيَّنَ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=10يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ) قَالَ صَاحِبُ " الْكَشَّافِ " : لَوْ قَالَ قَائِلٌ : مَا مَعْنَى التَّبْعِيضِ فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=10مِنْ ذُنُوبِكُمْ ) ؟ ثُمَّ أَجَابَ فَقَالَ : مَا جَاءَ هَكَذَا إِلَّا فِي خِطَابِ الْكَافِرِينَ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=3أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ) [ نُوحٍ : 3 ] . (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=31يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ) [ الْأَحْقَافِ : 31 ] وَقَالَ فِي خِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=10هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) [ الصَّفِّ : 10 ] إِلَى أَنْ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=12يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) [ الصَّفِّ : 12 ] وَالِاسْتِقْرَاءُ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَاهُ ، ثم قال : وَكَأَنَّ ذَلِكَ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْخِطَابَيْنِ ، وَلِئَلَّا يُسَوَّى بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي الْمَعَادِ ، وَقِيلَ : إِنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ يَغْفِرُ لَهُمْ مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعِبَادِ مِنَ الْمَظَالِمِ . هَذَا كَلَامُ هَذَا الرَّجُلِ .
وَقَالَ
الْوَاحِدِيُّ فِي " الْبَسِيطِ " : قَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ [ مِنْ ] زَائِدَةٌ ، وَأَنْكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ زِيَادَتَهَا فِي الْوَاجِبِ ، وَإِذَا قُلْنَا : إِنَّهَا لَيْسَتْ زَائِدَةً فَهَهُنَا وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ ذُكِرَ الْبَعْضُ هَهُنَا وَأُرِيدَ بِهِ الْجَمِيعُ تَوَسُّعًا .
وَالثَّانِي : أَنَّ " مِنْ " هَهُنَا لِلْبَدَلِ وَالْمَعْنَى لِتَكُونَ الْمَغْفِرَةُ بَدَلًا مِنَ الذُّنُوبِ فَدَخَلَتْ " مِنْ " لِتَضَمُّنِ الْمَغْفِرَةِ مَعْنَى الْبَدَلِ مِنَ السَّيِّئَةِ ، وَقَالَ الْقَاضِي : ذَكَرَ
الْأَصَمُّ أَنَّ كَلِمَةَ " مِنْ " هَهُنَا تُفِيدُ التَّبْعِيضَ ، وَالْمَعْنَى أَنَّكُمْ إِذَا تُبْتُمْ فَإِنَّهُ يَغْفِرُ لَكُمُ الذُّنُوبَ الَّتِي هِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ ، فَأَمَّا الَّتِي تَكُونُ مِنْ بَابِ الصَّغَائِرِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى غُفْرَانِهَا لِأَنَّهَا فِي أَنْفُسِهَا مَغْفُورَةٌ ، قَالَ الْقَاضِي : وَقَدْ أَبْعَدَ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ ؛ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32482_19729الْكُفَّارَ صَغَائِرُهُمْ كَكَبَائِرِهِمْ فِي أَنَّهَا لَا تُغْفَرُ إِلَّا بِالتَّوْبَةِ وَإِنَّمَا تَكُونُ
nindex.php?page=treesubj&link=19729_30524_19714الصَّغِيرَةُ مَغْفُورَةً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُوَحِّدِينَ مِنْ حَيْثُ يَزِيدُ ثَوَابُهُمْ عَلَى عِقَابِهَا ، فَأَمَّا مَنْ لَا ثَوَابَ لَهُ أَصْلًا فَلَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ ذُنُوبِهِ صَغِيرًا وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهَا مَغْفُورًا . ثم قال : وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْكَافِرَ قَدْ يَنْسَى بَعْضَ ذُنُوبِهِ فِي حَالِ تَوْبَتِهِ وَإِنَابَتِهِ فَلَا يَكُونُ الْمَغْفُورُ مِنْهَا إِلَّا مَا ذَكَرَهُ وَتَابَ مِنْهُ ، فَهَذَا جُمْلَةُ أَقْوَالِ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ .