الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله : ( ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون ) ففيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قال الواحدي : " من " في قوله : ( من أمة ) زائدة مؤكدة كقولك : ما جاءني من أحد ، وقال آخرون : إنها ليست بزائدة لأنها تفيد التبعيض أي هذا الحكم لم يحصل في بعض من أبعاض هذه الحقيقة فيكون ذلك في إفادة عموم النفي آكد .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قال صاحب " النظم " معنى سبق إذا كان واقعا على شخص كان معناه أنه جاز وخلف كقولك : سبق زيد عمرا ، أي جازه وخلفه وراءه ، ومعناه أنه قصر عنه وما بلغه ، وإذا كان واقعا على زمان كان بالعكس في ذلك ، كقولك : سبق فلان عام كذا ، معناه مضى قبل إتيانه ولم يبلغه فقوله : ( ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون ) معناه أنه لا يحصل ذلك الأجل قبل ذلك الوقت ولا بعده ، بل إنما يحصل في ذلك الوقت بعينه ، والسبب فيه أن اختصاص كل حادث بوقته المعين دون الوقت الذي قبله أو بعده ليس على سبيل الاتفاق الواقع ، لا عن مرجح ولا عن مخصص فإن رجحان أحد طرفي الممكن على الآخر لا لمرجح محال ، وإنما اختص حدوثه بذلك الوقت المعين لأن إله العالم خصصه به بعينه ، وإذا كان كذلك فقدرة الإله وإرادته اقتضتا ذلك التخصيص ، وعلمه وحكمته تعلقا بذلك الاختصاص بعينه ، ولما كان تغير صفات الله تعالى أعني القدرة والإرادة والعلم والحكمة ممتنعا كان تغير ذلك الاختصاص ممتنعا .

                                                                                                                                                                                                                                            إذا عرفت هذا فنقول : هذا الدليل بعينه قائم في أفعال العباد أعني أن الصادر من زيد هو الإيمان والطاعة ومن عمرو هو الكفر والمعصية فوجب أن يمتنع دخول التغير فيهما .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قالوا : هذا إنما يلزم لو كان المقتضي لحدوث الكفر والإيمان من زيد وعمرو هو قدرة الله تعالى ومشيئته . أما إذا قلنا : المقتضي لذلك هو قدرة زيد وعمرو ومشيئتهما سقط ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 125 ] قلنا : قدرة زيد وعمرو ومشيئتهما إن كانتا موجبتين لذلك الفعل المعين فخالق تلك القدرة والمشيئة الموجبتين لذلك الفعل هو الذي قدر ذلك الفعل بعينه ، فيعود الإلزام ، وإن لم تكونا موجبتين لذلك الفعل بل كانتا صالحتين له ولضده ، كان رجحان أحد الطرفين على الآخر لم يكن لمرجح ، فقد عاد الأمر إلى أنه حصل ذلك الاختصاص لا لمخصص وهو باطل ، وإن كان لمخصص فذلك المخصص إن كان هو العبد عاد البحث ولزم التسلسل ، وإن كان هو الله تعالى فحينئذ يعود البحث إلى أن فعل العبد إنما تعين وتقدر بتخصيص الله تعالى ، وحينئذ لا يعود الإلزام .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : دلت الآية على أن كل من مات أو قتل فإنما مات بأجله ، وأن من قال : يجوز بأن يموت قبل أجله فمخطئ .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قالوا : هذا الاستدلال إنما يتم إذا حملنا قوله : ( وما أهلكنا ) على الموت . أما إذا حملناه على عذاب الاستئصال فكيف يلزم ؟

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : قوله : ( وما أهلكنا ) إما أن يدخل تحته الموت أو لا يدخل ، فإن دخل فالاستدلال ظاهر لازم وإن لم يدخل فنقول : إن ما لأجله وجب في عذاب الاستئصال أن لا يتقدم ولا يتأخر عن وقته المعين قائم في الموت ، فوجب أن يكون الحكم ههنا كذلك . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية