الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفة السؤال

                                                                  ثم تفكر يا مسكين بعد هذه الأحوال فيما يتوجه عليك من السؤال شفاها من غير ترجمان ، فتسأل عن القليل والكثير والنقير والقطمير ، فبينا أنت في كرب القيامة وعرقها وشدة [ ص: 327 ] عظائمها إذ نزلت ملائكة من أرجاء السماء إلى موقف العرض على الجبار ، فيقومون صفا صفا محدقين بالخلائق من الجوانب ، وينادون واحدا بعد واحد ، فعند ذلك ترتعد الفرائص وتضطرب الجوارح وتبهت العقول ، ويتمنى أقوام أن يذهب بهم إلى النار ولا تعرض قبائح أعمالهم على الجبار ولا يكشف سترهم على ملأ الخلائق . وقبل الابتداء بالسؤال يظهر نور العرش : ( وأشرقت الأرض بنور ربها ) [ الزمر : 69 ] وأيقن قلب كل عبد بإقبال الجبار لمساءلة العباد ، ويظن كل واحد أنه ما يراه أحد سواه ، وأنه المقصود بالأخذ والسؤال دون من عداه ، فيبدأ سبحانه بالأنبياء : ( يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب ) [ المائدة : 109 ] فيا لشدة يوم تذهل فيه عقول الأنبياء من شدة الهيبة ، ثم يؤخذ واحد واحد فيسأله الله تعالى شفاها عن قليل عمله وكثيره ، عن سره وعلانيته ، وعن جميع جوارحه وأعضائه . فكيف ترى حياءك وخجلتك وهو يعد عليك إنعامه ومعاصيك ، وأياديه ومساويك ، فإن أنكرت شهدت عليك جوارحك وأنت بقلب خافق وطرف خاشع وأعطيت كتابك الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، فكم من فاحشة نسيتها فتذكرها ، وكم من طاعة غفلت عن آفاتها فانكشف لك عن مساويها ، فليت شعري بأي قدم تقف بين يديه . وبأي لسان تجيب ، وبأي قلب تعقل ما تقول ، وفي الخبر : " لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن أربع خصال : عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وماذا عمل فيما علم " . فأعظم يا مسكين بحياتك عند ذلك وبخطرك . ثم لا تغفل عن الفكر في الميزان وتطاير الكتب إلى الشمائل والأيمان : ( فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ما هيه نار حامية ) [ القارعة : 6 : 11 ] .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية