المسألة الثانية :
nindex.php?page=treesubj&link=34077لفظة "من" في قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=87سبعا من المثاني ) قال
الزجاج فيها وجهان :
أحدهما : أن تكون للتبعيض من القرآن أي : ولقد آتيناك سبع آيات من جملة الآيات التي يثنى بها على الله تعالى ، وآتيناك القرآن العظيم قال : ويجوز أن تكون من صلة ، والمعنى : آتيناك سبعا هي المثاني كما قال (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=30فاجتنبوا الرجس من الأوثان ) [الحج : 30] المعنى : اجتنبوا الأوثان ، لا أن بعضها رجس والله أعلم .
أما قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=88nindex.php?page=treesubj&link=28986لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ) فاعلم أنه تعالى لما عرف رسوله عظم نعمه عليه فيما يتعلق بالدين ، وهو أنه آتاه سبعا من المثاني والقرآن العظيم ، نهاه عن الرغبة في الدنيا فحظر عليه أن يمد عينيه إليها رغبة فيها . وفي مد العين أقوال :
القول الأول : كأنه قيل له : إنك أوتيت القرآن العظيم فلا تشغل سرك وخاطرك بالالتفات إلى الدنيا ومنه
[ ص: 167 ] الحديث "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013034ليس منا من لم يتغن بالقرآن " وقال
أبو بكر : من أوتي القرآن فرأى أن أحدا أوتي من الدنيا أفضل مما أوتي فقد صغر عظيما وعظم صغيرا ، وقيل : وافت من بعض البلاد سبع قوافل
ليهود بني قريظة والنضير ، فيها أنواع البز والطيب والجواهر وسائر الأمتعة ، فقال المسلمون : لو كانت هذه الأموال لنا لتقوينا بها ، ولأنفقناها في سبيل الله تعالى ، فقال الله تعالى : لقد أعطيتكم سبع آيات هي خير من هذه القوافل السبع .
القول الثاني : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس "لا تمدن عينيك" أي : لا تتمن ما فضلنا به أحدا من متاع الدنيا ، وقرر
الواحدي هذا المعنى فقال : إنما يكون مادا عينيه إلى الشيء إذا أدام النظر نحوه ، وإدامة النظر إلى الشيء تدل على استحسانه وتمنيه ، وكان صلى الله عليه وسلم لا ينظر إلى ما يستحسن من متاع الدنيا ، وروي أنه نظر إلى نعم بني المصطلق ، وقد عبست في أبوالها وأبعارها ، فتقنع في ثوبه وقرأ هذه الآية . وقوله عبست في أبوالها وأبعارها هو أن تجف أبوالها وأبعارها على أفخاذها إذا تركت من العمل أيام الربيع ، فتكثر شحومها ولحومها وهي أحسن ما تكون .
والقول الثالث : قال بعضهم "ولا تمدن عينيك" أي : لا تحسدن أحدا على ما أوتي من الدنيا قال القاضي : هذا بعيد ; لأن الحسد من كل أحد قبيح ; لأنه إرادة لزوال نعم الغير عنه ، وذلك يجري مجرى الاعتراض على الله تعالى والاستقباح لحكمه وقضائه ، وذلك من كل أحد قبيح ، فكيف يحسن تخصيص الرسول صلى الله عليه وسلم به ؟
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=88أزواجا منهم ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة : أي أصنافا من الكفار ،
nindex.php?page=treesubj&link=34077والزوج في اللغة الصنف ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=88ولا تحزن عليهم ) إن لم يؤمنوا فيقوى بمكانهم الإسلام وينتعش بهم المؤمنون . والحاصل أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=88لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ) نهي له عن الالتفات إلى أموالهم ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=88ولا تحزن عليهم ) نهي له عن الالتفات إليهم ، وأن يحصل لهم في قلبه قدر ووزن .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=88nindex.php?page=treesubj&link=28986_18072واخفض جناحك للمؤمنين )
nindex.php?page=treesubj&link=34077الخفض : معناه في اللغة نقيض الرفع ، ومنه قوله تعالى في صفة القيامة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=3خافضة رافعة ) [الواقعة : 3] أي : أنها تخفض أهل المعاصي ، وترفع أهل الطاعات ، فالخفض معناه الوضع . وجناح الإنسان يده ، قال
الليث : يدا الإنسان جناحاه ، ومنه قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32واضمم إليك جناحك من الرهب ) [القصص : 32] وخفض الجناح كناية عن اللين والرفق والتواضع ، والمقصود أنه تعالى لما نهاه عن الالتفات إلى أولئك الأغنياء من الكفار أمره بالتواضع لفقراء المسلمين ، ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=54أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ) [المائدة : 54] وقال في صفة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29أشداء على الكفار رحماء بينهم ) [الفتح : 29] .
المسألة الثَّانِيَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=34077لَفْظَةُ "مِنْ" فِي قَوْلِهِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=87سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي ) قَالَ
الزَّجَّاجُ فِيهَا وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ تَكُونَ لِلتَّبْعِيضِ مِنَ الْقُرْآنِ أَيْ : وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعَ آيَاتٍ مِنْ جُمْلَةِ الْآيَاتِ الَّتِي يُثْنَى بِهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَآتَيْنَاكَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ قَالَ : وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ صِلَةً ، وَالْمَعْنَى : آتَيْنَاكَ سَبْعًا هِيَ الْمَثَانِي كَمَا قَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=30فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ ) [الْحَجِّ : 30] الْمَعْنَى : اجْتَنِبُوا الْأَوْثَانَ ، لَا أَنَّ بَعْضَهَا رِجْسٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
أما قوله تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=88nindex.php?page=treesubj&link=28986لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ ) فَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا عَرَّفَ رَسُولَهُ عِظَمَ نِعَمِهِ عَلَيْهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ ، وَهُوَ أَنَّهُ آتَاهُ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ، نَهَاهُ عَنِ الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا فَحَظَرَ عَلَيْهِ أَنْ يَمُدَّ عَيْنَيْهِ إِلَيْهَا رَغْبَةً فِيهَا . وَفِي مَدِّ الْعَيْنِ أَقْوَالٌ :
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ : كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ : إِنَّكَ أُوتِيتَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ فَلَا تَشْغَلْ سِرَّكَ وَخَاطِرَكَ بِالِالْتِفَاتِ إِلَى الدُّنْيَا وَمِنْهُ
[ ص: 167 ] الْحَدِيثُ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013034لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ " وَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ : مَنْ أُوتِيَ الْقُرْآنَ فَرَأَى أَنَّ أَحَدًا أُوتِيَ مِنَ الدُّنْيَا أَفْضَلَ مِمَّا أُوتِيَ فَقَدْ صَغَّرَ عَظِيمًا وَعَظَّمَ صَغِيرًا ، وَقِيلَ : وَافَتْ مِنْ بَعْضِ الْبِلَادِ سَبْعُ قَوَافِلَ
لِيَهُودِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ ، فِيهَا أَنْوَاعُ الْبَزِّ وَالطِّيبِ وَالْجَوَاهِرِ وَسَائِرِ الْأَمْتِعَةِ ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَمْوَالُ لَنَا لَتَقَوَّيْنَا بِهَا ، وَلَأَنْفَقْنَاهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : لَقَدْ أَعْطَيْتُكُمْ سَبْعَ آيَاتٍ هِيَ خَيْرٌ مِنْ هَذِهِ الْقَوَافِلِ السَّبْعِ .
الْقَوْلُ الثَّانِي : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ "لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ" أَيْ : لَا تَتَمَنَّ مَا فَضَّلْنَا بِهِ أَحَدًا مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا ، وَقَرَّرَ
الْوَاحِدِيُّ هَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ : إِنَّمَا يَكُونُ مَادًّا عَيْنَيْهِ إِلَى الشَّيْءِ إِذَا أَدَامَ النَّظَرَ نَحْوَهُ ، وَإِدَامَةُ النَّظَرِ إِلَى الشَّيْءِ تَدُلُّ عَلَى اسْتِحْسَانِهِ وَتَمَنِّيهِ ، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْظُرُ إِلَى مَا يُسْتَحْسَنُ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا ، وَرُوِيَ أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى نَعَمِ بَنِي الْمُصْطَلَقِ ، وَقَدْ عَبَسَتْ فِي أَبْوَالِهَا وَأَبْعَارِهَا ، فَتَقَنَّعَ فِي ثَوْبِهِ وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ . وَقَوْلُهُ عَبَسَتْ فِي أَبْوَالِهَا وَأَبْعَارِهَا هُوَ أَنْ تَجِفَّ أَبْوَالُهَا وَأَبْعَارُهَا عَلَى أَفْخَاذِهَا إِذَا تُرِكَتْ مِنَ الْعَمَلِ أَيَّامَ الرَّبِيعِ ، فَتَكْثُرُ شُحُومُهَا وَلُحُومُهَا وَهِيَ أَحْسَنُ مَا تَكُونُ .
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : قَالَ بَعْضُهُمْ "وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ" أَيْ : لَا تَحْسُدَنَّ أَحَدًا عَلَى مَا أُوتِيَ مِنَ الدُّنْيَا قَالَ الْقَاضِي : هَذَا بَعِيدٌ ; لِأَنَّ الْحَسَدَ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ قَبِيحٌ ; لِأَنَّهُ إِرَادَةٌ لِزَوَالِ نِعَمِ الْغَيْرِ عَنْهُ ، وَذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى الِاعْتِرَاضِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالِاسْتِقْبَاحِ لِحُكْمِهِ وَقَضَائِهِ ، وَذَلِكَ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ قَبِيحٌ ، فَكَيْفَ يَحْسُنُ تَخْصِيصُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ ؟
أما قوله تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=88أَزْوَاجًا مِنْهُمْ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابْنُ قُتَيْبَةَ : أَيْ أَصْنَافًا مِنَ الْكُفَّارِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=34077وَالزَّوْجُ فِي اللُّغَةِ الصِّنْفُ ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=88وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ) إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا فَيَقْوَى بِمَكَانِهِمُ الْإِسْلَامُ وَيَنْتَعِشُ بِهِمُ الْمُؤْمِنُونَ . وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=88لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ ) نَهْيٌ لَهُ عَنِ الِالْتِفَاتِ إِلَى أَمْوَالِهِمْ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=88وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ) نَهْيٌ لَهُ عَنِ الِالْتِفَاتِ إِلَيْهِمْ ، وَأَنْ يَحْصُلَ لَهُمْ فِي قَلْبِهِ قَدْرٌ وَوَزْنٌ .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=88nindex.php?page=treesubj&link=28986_18072وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ )
nindex.php?page=treesubj&link=34077الْخَفْضُ : مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ نَقِيضُ الرَّفْعِ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي صِفَةِ الْقِيَامَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=3خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ) [الْوَاقِعَةِ : 3] أَيْ : أَنَّهَا تَخْفِضُ أَهْلَ الْمَعَاصِي ، وَتَرْفَعُ أَهْلَ الطَّاعَاتِ ، فَالْخَفْضُ مَعْنَاهُ الْوَضْعُ . وَجَنَاحُ الْإِنْسَانِ يَدُهُ ، قَالَ
اللَّيْثُ : يَدَا الْإِنْسَانِ جَنَاحَاهُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ) [الْقَصَصِ : 32] وَخَفْضُ الْجَنَاحِ كِنَايَةٌ عَنِ اللِّينِ وَالرِّفْقِ وَالتَّوَاضُعِ ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا نَهَاهُ عَنِ الِالْتِفَاتِ إِلَى أُولَئِكَ الْأَغْنِيَاءِ مِنَ الْكُفَّارِ أَمَرَهُ بِالتَّوَاضُعِ لِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=54أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ) [الْمَائِدَةِ : 54] وَقَالَ فِي صِفَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) [الْفَتْحِ : 29] .