nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34nindex.php?page=treesubj&link=29012_20036ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم .
عطف هذه الجملة له موقع عجيب ، فإنه يجوز أن يكون عطفا على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله إلخ تكملة لها فإن المعطوف عليها تضمنت
[ ص: 290 ] الثناء على المؤمنين إثر وعيد المشركين وذمهم ، وهذه الجملة فيها بيان التفاوت بين مرتبة المؤمنين وحال المشركين ، فإن الحسنة اسم منقول من الصفة فتلمح الصفة مقارن له ، فالحسنة حالة المؤمنين والسيئة حالة المشركين ، فيكون المعنى كمعنى آيات كثيرة من هذا القبيل مثل قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=58وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء ، فعطف هذه الجملة على التي قبلها على هذا الاعتبار يكون من عطف الجمل التي يجمعها غرض واحد وليس من عطف غرض على غرض .
ويجوز أن تكون عطفا على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=26وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون الواقعة بعد جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=5وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=5فاعمل إننا عاملون فإن ذلك مثير في نفس النبيء - صلى الله عليه وسلم - الضجر من إصرار الكافرين على كفرهم وعدم التأثر بدعوة النبيء - صلى الله عليه وسلم - إلى الحق فهو بحال من تضيق طاقة صبره على سفاهة أولئك الكافرين ، فأردف الله ما تقدم بما يدفع هذا الضيق عن نفسه بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ولا تستوي الحسنة ولا السيئة الآية .
فالحسنة تعم جميع أفراد جنسها وأولاها تبادرا إلى الأذهان حسنة الدعوة إلى الإسلام لما فيها من جم المنافع في الآخرة والدنيا ، وتشمل صفة الصفح عن الجفاء الذي يلقى به المشركون دعوة الإسلام لأن الصفح من الإحسان ، وفيه ترك ما يثير حميتهم لدينهم ويقرب لين نفوس ذوي النفوس اللينة .
فالعطف على هذا من عطف غرض على غرض ، وهو الذي يعبر عنه بعطف القصة على القصة ، وهي تمهيد وتوطئة لقوله عقبها
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ادفع بالتي هي أحسن الآية .
وقد علمت غير مرة أن نفي الاستواء ونحوه بين شيئين يراد به غالبا تفضيل أحدهما على مقابله بحسب دلالة السياق كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=18أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ، وقول
الأعشى :
ما يجعل الجد الضنون الذي جنب صوب اللجب الماطر مثل الفراتي إذا ما طما
يقذف بالبوصي والماهر
[ ص: 291 ] فكان مقتضى الظاهر أن يقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ، دون إعادة لا النافية بعد الواو الثانية كما قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=19وما يستوي الأعمى والبصير ، فإعادة لا النافية تأكيد لأختها السابقة . وأحسن من اعتبار التأكيد أن يكون في الكلام إيجاز حذف مؤذن باحتباك في الكلام ، تقديره : وما تستوي الحسنة والسيئة ولا السيئة والحسنة . فالمراد بالأول نفي أن تلتحق فضائل الحسنة مساوي السيئة ، والمراد الثاني نفي أن تلتحق السيئة بشرف الحسنة . وذلك هو الاستواء في الخصائص ، وفي ذلك تأكيد وتقوية لنفي المساواة ليدل على أنه نفي تام بين الجنسين : جنس الحسنة وجنس السيئة لا مبالغة فيه ولا مجاز ، وقد تقدم الكلام على نظيره في سورة فاطر .
وفي التعبير بالحسنة والسيئة دون المحسن والمسيء إشارة إلى أن كل فريق من هذين قد بلغ الغاية في جنس وصفه من إحسان وإساءة على طريقة الوصف بالمصدر ، وليتأتى الانتقال إلى موعظة تهذيب الأخلاق في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ادفع بالتي هي أحسن ، فيشبه أن يكون إيثار نفي المساواة بين الحسنة والسيئة توطئة للانتقال إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ادفع بالتي هي أحسن .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ادفع بالتي هي أحسن يجري موقعه على الوجهين المتقدمين في عطف جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ولا تستوي الحسنة ولا السيئة .
فالجملة على الوجه الأول من وجهي موقع جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ولا تستوي الحسنة ولا السيئة تخلص من غرض تفضيل الحسنة على السيئة إلى الأمر بخلق الدفع بالتي هي أحسن لمناسبة أن ذلك الدفع من آثار تفضيل الحسنة على السيئة إرشادا من الله لرسوله وأمته بالتخلق بخلق الدفع بالحسنى .
وهي على الوجه الثاني من وجهي موقع جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ولا تستوي الحسنة ولا السيئة واقعة موقع النتيجة من الدليل والمقصد من المقدمة ، فمضمونها ناشئ عن مضمون التي قبلها .
وكلا الاعتبارين في الجملة الأولى مقتض أن تكون جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ادفع بالتي هي أحسن مفصولة غير معطوفة .
[ ص: 292 ] وإنما أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بذلك لأن منتهى الكمال البشري خلقه كما قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002317إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق وقالت
عائشة لما سئلت عن خلقه "
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002318كان خلقه القرآن " لأنه أفضل الحكماء .
والإحسان كمال ذاتي ولكنه قد يكون تركه محمودا في الحدود ونحوها فذلك معنى خاص . والكمال مطلوب لذاته فلا يعدل عنه ما استطاع ما لم يخش فوات كمال أعظم ، ولذلك قالت
عائشة nindex.php?page=hadith&LINKID=2002319ما انتقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمات الله فيغضب لله ، وتخلق الأمة بهذا الخلق مرغوب فيه قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله .
وروى
عياض في الشفاء وهو مما رواه
ابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير في تفسيره
لما نزل قوله تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=199خذ العفو سأل النبيء - صلى الله عليه وسلم - جبريل عن تأويلها فقال له : حتى أسأل العالم ، فأتاه فقال : يا محمد إن الله يأمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك .
ومفعول ادفع محذوف دل عليه انحصار المعنى بين السيئة والحسنة ، فلما أمر بأن تكون الحسنة مدفوعا بها تعين أن المدفوع هو السيئة ، فالتقدير : ادفع السيئة بالتي هي أحسن كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=22ويدرءون بالحسنة السيئة في سورة الرعد وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=96ادفع بالتي هي أحسن السيئة في سورة المؤمنين .
و
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=53التي هي أحسن هي الحسنة ، وإنما صيغت بصيغة التفضيل ترغيبا في دفع السيئة بها لأن ذلك يشق على النفس فإن الغضب من سوء المعاملة من طباع النفس وهو يبعث على حب الانتقام من المسيء فلما أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأن يجازي السيئة بالحسنة أشير إلى فضل ذلك . وقد ورد في صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ، وقد قيل : إن ذلك وصفه في التوراة .
وفرع على هذا الأمر قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم لبيان ما في ذلك الأمر من الصلاح ترويضا على التخلق بذلك الخلق الكريم ، وهو أن تكون النفس مصدرا للإحسان . ولما كانت الآثار الصالحة تدل على صلاح مثارها . وأمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالدفع بالتي هي أحسن أردفه بذكر بعض محاسنه
[ ص: 293 ] وهو أن يصير العدو كالصديق ، وحسن ذلك ظاهر مقبول فلا جرم أن يدل حسنه على حسن سببه .
ولذكر المثل والنتائج عقب الإرشاد شأن ظاهر في تقرير الحقائق وخاصة التي قد لا تقبلها النفوس لأنها شاقة عليها ، والعداوة مكروهة والصداقة والولاية مرغوبة ، فلما كان الإحسان لمن أساء يدنيه من الصداقة أو يكسبه إياها كان ذلك من شواهد مصلحة الأمر بالدفع بالتي هي أحسن .
وإذا للمفاجأة ، وهي كناية عن سرعة ظهور أثر الدفع بالتي هي أحسن في انقلاب العدو صديقا .
وعدل عن ذكر العدو معرفا بلام الجنس إلى ذكره باسم الموصول ليتأتى تنكير عداوة للنوعية وهو أصل التنكير فيصدق بالعداوة القوية ودونها ، كما أن ظرف
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34بينك وبينه يصدق بالبين القريب والبين البعيد ، أعني ملازمة العداوة أو طروها .
وهذا تركيب من أعلى طرف البلاغة لأنه يجمع أحوال العداوات فيعلم أن الإحسان ناجع في اقتلاع عداوة المحسن إليه للمحسن على تفاوت مراتب العداوة قوة وضعفا ، وتمكنا وبعدا ، ويعلم أنه ينبغي أن يكون الإحسان للعدو قويا بقدر تمكن عداوته ليكون أنجع في اقتلاعها . ومن الأقوال المشهورة : النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها .
والتشبيه في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34كأنه ولي حميم ، تشبيه في زوال العداوة ومخالطة شوائب المحبة ، فوجه الشبه هو المصافاة والمقاربة وهو معنى متفاوت الأحوال ، أي مقول على جنسه بالتشكيك على اختلاف تأثر النفس بالإحسان وتفاوت قوة العداوة قبل الإحسان ، ولا يبلغ مبلغ المشبه به إذ من النادر أن يصير العدو وليا حميما ، فإن صاره فهو لعوارض غير داخلة تحت معنى الإسراع الذي آذنت به إذا الفجائية .
والعداوة التي بين المشركين وبين النبيء - صلى الله عليه وسلم - عداوة في الدين ، فالمعنى : فإذا
[ ص: 294 ] الذي بينك وبينه عداوة لكفره ، فلذلك لا تشمل الآية من آمنوا بعد الكفر فزالت عدواتهم للنبيء - صلى الله عليه وسلم - لأجل إيمانهم كما زالت عداوة
عمر - رضي الله عنه - بعد إسلامه حتى قال يوما للنبيء - صلى الله عليه وسلم - :
لأنت أحب إلي من نفسي التي بين جنبي ، وكما زالت عداوة
هند بنت عتبة زوج أبي سفيان إذ قالت للنبيء - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002322ما كان أهل خباء أحب إلي من أن يذلوا من أهل خبائك واليوم ما أهل خباء أحب إلي من أن يعزوا من أهل خبائك فقال لها النبيء - صلى الله عليه وسلم - وأيضا ، أي وستزيدين حبا .
وعن
مقاتل : أنه قال : هذه الآية نزلت في
أبي سفيان كان عدوا للنبيء - صلى الله عليه وسلم - في الجاهلية فصار بعد إسلامه وليا مصافيا . وهو وإن كان كما قالوا فلا أحسب أن الآية نزلت في ذلك ؛ لأنها نزلت في اكتساب المودة بالإحسان .
والولي : اسم مشتق من الولاية بفتح الواو ، والولاء ، وهو : الحليف والناصر ، وهو ضد العدو ، وتقدم في غير آية من القرآن .
والحميم : القريب والصديق . ووجه الجمع بين
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ولي حميم أنه جمع خصلتين ، كلتاهما لا تجتمع مع العداوة وهما خصلتا الولاية والقرابة .
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34nindex.php?page=treesubj&link=29012_20036وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ .
عَطْفُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ لَهُ مَوْقِعٌ عَجِيبٌ ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ إِلَخْ تَكْمِلَةً لَهَا فَإِنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهَا تَضَمَّنَتِ
[ ص: 290 ] الثَّنَاءَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِثْرَ وَعِيدِ الْمُشْرِكِينَ وَذَمِّهِمْ ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ فِيهَا بَيَانُ التَّفَاوُتِ بَيْنَ مَرْتَبَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَحَالِ الْمُشْرِكِينَ ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ اسْمٌ مَنْقُولٌ مِنَ الصِّفَةِ فَتَلَمُّحُ الصِّفَةِ مُقَارِنٌ لَهُ ، فَالْحَسَنَةُ حَالَةُ الْمُؤْمِنِينَ وَالسَّيِّئَةُ حَالَةُ الْمُشْرِكِينَ ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى كَمَعْنَى آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=58وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ ، فَعَطْفُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ يَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ الَّتِي يَجْمَعُهَا غَرَضٌ وَاحِدٌ وَلَيْسَ مِنْ عَطْفِ غَرَضٍ عَلَى غَرَضٍ .
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=26وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ الْوَاقِعَةِ بَعْدَ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=5وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=5فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ فَإِنَّ ذَلِكَ مُثِيرٌ فِي نَفْسِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الضَّجَرَ مِنْ إِصْرَارِ الْكَافِرِينَ عَلَى كَفْرِهِمْ وَعَدَمِ التَّأَثُّرِ بِدَعْوَةِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْحَقِّ فَهُوَ بِحَالٍ مِنْ تَضَيُّقِ طَاقَةِ صَبْرِهِ عَلَى سَفَاهَةِ أُولَئِكَ الْكَافِرِينَ ، فَأَرْدَفَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ بِمَا يَدْفَعُ هَذَا الضِّيقَ عَنْ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ الْآيَةَ .
فَالْحَسَنَةُ تَعُمُّ جَمِيعَ أَفْرَادِ جِنْسِهَا وَأُولَاهَا تَبَادُرًا إِلَى الْأَذْهَانِ حَسَنَةُ الدَّعْوَةِ إِلَى الْإِسْلَامِ لِمَا فِيهَا مِنْ جَمِّ الْمَنَافِعِ فِي الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا ، وَتَشْمَلُ صِفَةُ الصَّفْحِ عَنِ الْجَفَاءِ الَّذِي يَلْقَى بِهِ الْمُشْرِكُونَ دَعْوَةَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الصَّفْحَ مِنَ الْإِحْسَانِ ، وَفِيهِ تَرْكُ مَا يُثِيرُ حَمِيَّتَهُمْ لِدِينِهِمْ وَيُقَرِّبُ لِينَ نُفُوسِ ذَوِي النُّفُوسِ اللَّيِّنَةِ .
فَالْعَطْفُ عَلَى هَذَا مِنْ عَطْفِ غَرَضٍ عَلَى غَرَضٍ ، وَهُوَ الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ بِعَطْفِ الْقِصَّةِ عَلَى الْقِصَّةِ ، وَهِيَ تَمْهِيدٌ وَتَوْطِئَةٌ لِقَوْلِهِ عَقِبَهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ الْآيَةَ .
وَقَدْ عَلِمْتَ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ نَفْيَ الِاسْتِوَاءِ وَنَحْوَهُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ يُرَادُ بِهِ غَالِبًا تَفْضِيلُ أَحَدِهِمَا عَلَى مُقَابِلِهِ بِحَسَبَ دَلَالَةِ السِّيَاقِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=18أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ ، وَقَوْلِ
الْأَعْشَى :
مَا يُجْعَلُ الْجُدُّ الضَّنُونُ الَّذِي جُنِّبَ صَوْبَ اللَّجِبِ الْمَاطِرِ مِثْلَ الْفُرَاتِيِّ إِذَا مَا طَمَا
يَقْذِفُ بِالْبُوصِيِّ وَالْمَاهِرِ
[ ص: 291 ] فَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ، دُونَ إِعَادَةِ لَا النَّافِيَةِ بَعْدَ الْوَاوِ الثَّانِيَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=19وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ ، فَإِعَادَةُ لَا النَّافِيَةِ تَأْكِيدٌ لِأُخْتِهَا السَّابِقَةِ . وَأَحْسَنُ مِنِ اعْتِبَارِ التَّأْكِيدِ أَنْ يَكُونَ فِي الْكَلَامِ إِيجَازُ حَذْفٍ مُؤْذِنٌ بِاحْتِبَاكٍ فِي الْكَلَامِ ، تَقْدِيرُهُ : وَمَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَالسَّيِّئَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ وَالْحَسَنَةُ . فَالْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ نَفْيُ أَنْ تَلْتَحِقَ فَضَائِلُ الْحَسَنَةِ مَسَاوِيَ السَّيِّئَةِ ، وَالْمُرَادُ الثَّانِي نَفْيُ أَنْ تَلْتَحِقَ السَّيِّئَةُ بِشَرَفِ الْحَسَنَةِ . وَذَلِكَ هُوَ الِاسْتِوَاءُ فِي الْخَصَائِصِ ، وَفِي ذَلِكَ تَأْكِيدٌ وَتَقْوِيَةٌ لِنَفْيِ الْمُسَاوَاةِ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ نَفْيٌ تَامٌّ بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ : جِنْسِ الْحَسَنَةِ وَجِنْسِ السَّيِّئَةِ لَا مُبَالَغَةَ فِيهِ وَلَا مَجَازَ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى نَظِيرِهِ فِي سُورَةِ فَاطِرٍ .
وَفِي التَّعْبِيرِ بِالْحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ دُونَ الْمُحْسِنِ وَالْمُسِيءِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ مِنْ هَذَيْنِ قَدْ بَلَغَ الْغَايَةَ فِي جِنْسِ وَصْفِهِ مِنْ إِحْسَانٍ وَإِسَاءَةٍ عَلَى طَرِيقَةِ الْوَصْفِ بِالْمَصْدَرِ ، وَلِيَتَأَتَّى الِانْتِقَالُ إِلَى مَوْعِظَةِ تَهْذِيبِ الْأَخْلَاقِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إِيثَارُ نَفْيِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ تَوْطِئَةً لِلِانْتِقَالِ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ يَجْرِي مَوْقِعُهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي عَطْفِ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ .
فَالْجُمْلَةُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهَيْ مَوْقِعِ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ تَخَلُّصٌ مِنْ غَرَضِ تَفْضِيلِ الْحَسَنَةِ عَلَى السَّيِّئَةِ إِلَى الْأَمْرِ بِخُلُقِ الدَّفْعِ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ لِمُنَاسَبَةِ أَنَّ ذَلِكَ الدَّفْعَ مِنْ آثَارِ تَفْضِيلِ الْحَسَنَةِ عَلَى السَّيِّئَةِ إِرْشَادًا مِنَ اللَّهِ لِرَسُولِهِ وَأُمَّتِهِ بِالتَّخَلُّقِ بِخُلُقِ الدَّفْعِ بِالْحُسْنَى .
وَهِيَ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي مِنْ وَجْهَيْ مَوْقِعِ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ النَّتِيجَةِ مِنَ الدَّلِيلِ وَالْمَقْصِدِ مِنَ الْمُقَدِّمَةِ ، فَمَضْمُونُهَا نَاشِئٌ عَنْ مَضْمُونِ الَّتِي قَبْلَهَا .
وَكِلَا الِاعْتِبَارَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى مُقْتَضٍ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ مَفْصُولَةً غَيْرَ مَعْطُوفَةٍ .
[ ص: 292 ] وَإِنَّمَا أُمِرَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ لِأَنَّ مُنْتَهَى الْكَمَالِ الْبَشَرِيِّ خُلُقُهُ كَمَا قَالَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002317إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ وَقَالَتْ
عَائِشَةُ لَمَّا سُئِلَتْ عَنْ خُلُقِهِ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002318كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ " لِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْحُكَمَاءِ .
وَالْإِحْسَانُ كَمَالٌ ذَاتِيٌّ وَلَكِنَّهُ قَدْ يَكُونُ تَرْكُهُ مَحْمُودًا فِي الْحُدُودِ وَنَحْوِهَا فَذَلِكَ مَعْنًى خَاصٌّ . وَالْكَمَالُ مَطْلُوبٌ لِذَاتِهِ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ مَا اسْتَطَاعَ مَا لَمْ يُخْشَ فَوَاتُ كَمَالٍ أَعْظَمَ ، وَلِذَلِكَ قَالَتْ
عَائِشَةُ nindex.php?page=hadith&LINKID=2002319مَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنَفْسِهِ قَطُّ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللَّهِ فَيَغْضَبَ لِلَّهِ ، وَتَخَلُّقُ الْأُمَّةِ بِهَذَا الْخُلُقِ مَرْغُوبٌ فِيهِ قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ .
وَرَوَى
عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ وَهُوَ مِمَّا رَوَاهُ
ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وَابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ
لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=199خُذِ الْعَفْوَ سَأَلَ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِبْرِيلَ عَنْ تَأْوِيلِهَا فَقَالَ لَهُ : حَتَّى أَسْأَلَ الْعَالِمَ ، فَأَتَاهُ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ وَتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ .
وَمَفْعُولُ ادْفَعْ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ انْحِصَارُ الْمَعْنَى بَيْنَ السَّيِّئَةِ وَالْحَسَنَةِ ، فَلَمَّا أُمِرَ بِأَنْ تَكُونَ الْحَسَنَةُ مَدْفُوعًا بِهَا تَعَيَّنَ أَنَّ الْمَدْفُوعَ هُوَ السَّيِّئَةُ ، فَالتَّقْدِيرُ : ادْفَعِ السَّيِّئَةَ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=22وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ فِي سُورَةِ الرَّعْدِ وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=96ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ .
وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=53الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ هِيَ الْحَسَنَةُ ، وَإِنَّمَا صِيغَتْ بِصِيغَةِ التَّفْضِيلِ تَرْغِيبًا فِي دَفْعِ السَّيِّئَةِ بِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ يَشُقُّ عَلَى النَّفْسِ فَإِنَّ الْغَضَبَ مِنْ سُوءِ الْمُعَامَلَةِ مِنْ طِبَاعِ النَّفْسِ وَهُوَ يَبْعَثُ عَلَى حُبِّ الِانْتِقَامِ مِنَ الْمُسِيءِ فَلَمَّا أُمِرَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يُجَازِيَ السَّيِّئَةَ بِالْحَسَنَةِ أُشِيرَ إِلَى فَضْلِ ذَلِكَ . وَقَدْ وَرَدَ فِي صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ ، وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ وَصْفُهُ فِي التَّوْرَاةِ .
وَفُرِّعَ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ لِبَيَانِ مَا فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ مِنَ الصَّلَاحِ تَرْوِيضًا عَلَى التَّخَلُّقِ بِذَلِكَ الْخُلُقِ الْكَرِيمِ ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ النَّفْسُ مَصْدَرًا لِلْإِحْسَانِ . وَلَمَّا كَانَتِ الْآثَارُ الصَّالِحَةُ تَدُلُّ عَلَى صَلَاحِ مَثَارِهَا . وَأَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالدَّفْعِ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أَرْدَفَهُ بِذِكْرِ بَعْضِ مَحَاسِنِهِ
[ ص: 293 ] وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ الْعَدُوُّ كَالصَّدِيقِ ، وَحُسْنُ ذَلِكَ ظَاهِرٌ مَقْبُولٌ فَلَا جَرَمَ أَنْ يَدُلَّ حُسْنُهُ عَلَى حُسْنِ سَبَبِهِ .
وَلِذِكْرِ الْمَثَلِ وَالنَّتَائِجِ عَقِبَ الْإِرْشَادِ شَأْنٌ ظَاهِرٌ فِي تَقْرِيرِ الْحَقَائِقِ وَخَاصَّةً الَّتِي قَدْ لَا تَقْبَلُهَا النُّفُوسُ لِأَنَّهَا شَاقَّةٌ عَلَيْهَا ، وَالْعَدَاوَةُ مَكْرُوهَةٌ وَالصَّدَاقَةُ وَالْوِلَايَةُ مَرْغُوبَةٌ ، فَلَمَّا كَانَ الْإِحْسَانُ لِمَنْ أَسَاءَ يُدْنِيهِ مِنَ الصَّدَاقَةِ أَوْ يُكْسِبُهُ إِيَّاهَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ شَوَاهِدِ مَصْلَحَةِ الْأَمْرِ بِالدَّفْعِ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ .
وَإِذَا لِلْمُفَاجَأَةِ ، وَهِيَ كِنَايَةٌ عَنْ سُرْعَةِ ظُهُورِ أَثَرِ الدَّفْعِ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فِي انْقِلَابِ الْعَدُوِّ صَدِيقًا .
وَعَدَلَ عَنْ ذِكْرَ الْعَدُوِّ مُعَرَّفًا بِلَامِ الْجِنْسِ إِلَى ذِكْرِهِ بِاسْمِ الْمَوْصُولِ لِيَتَأَتَّى تَنْكِيرُ عَدَاوَةٍ لِلنَّوْعِيَّةِ وَهُوَ أَصْلُ التَّنْكِيرِ فَيَصْدُقُ بِالْعَدَاوَةِ الْقَوِيَّةِ وَدُونِهَا ، كَمَا أَنَّ ظَرْفَ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ يَصْدُقُ بِالْبَيْنِ الْقَرِيبِ وَالْبَيْنِ الْبَعِيدِ ، أَعْنِي مُلَازِمَةَ الْعَدَاوَةِ أَوْ طَرُوَّهَا .
وَهَذَا تَرْكِيبٌ مِنْ أَعْلَى طَرَفِ الْبَلَاغَةِ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ أَحْوَالَ الْعَدَاوَاتِ فَيُعْلَمُ أَنَّ الْإِحْسَانَ نَاجِعٌ فِي اقْتِلَاعِ عَدَاوَةِ الْمُحْسَنِ إِلَيْهِ لِلْمُحْسِنِ عَلَى تَفَاوُتِ مَرَاتِبِ الْعَدَاوَةِ قُوَّةً وَضَعْفًا ، وَتَمَكُّنًا وَبُعْدًا ، وَيُعْلَمُ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْإِحْسَانُ لِلْعَدُوِّ قَوِيًّا بِقَدْرِ تَمَكُّنِ عَدَاوَتِهِ لِيَكُونَ أَنْجَعَ فِي اقْتِلَاعِهَا . وَمِنَ الْأَقْوَالِ الْمَشْهُورَةِ : النُّفُوسُ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهَا .
وَالتَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ، تَشْبِيهٌ فِي زَوَالِ الْعَدَاوَةِ وَمُخَالَطَةِ شَوَائِبِ الْمَحَبَّةِ ، فَوَجْهُ الشَّبَهِ هُوَ الْمُصَافَاةُ وَالْمُقَارَبَةُ وَهُوَ مَعْنًى مُتَفَاوِتُ الْأَحْوَالِ ، أَيْ مَقُولٌ عَلَى جِنْسِهِ بِالتَّشْكِيكِ عَلَى اخْتِلَافِ تَأَثُّرِ النَّفْسِ بِالْإِحْسَانِ وَتَفَاوُتِ قُوَّةِ الْعَدَاوَةِ قَبْلَ الْإِحْسَانِ ، وَلَا يَبْلُغُ مَبْلَغَ الْمُشَبَّهِ بِهِ إِذْ مِنَ النَّادِرِ أَنْ يَصِيرَ الْعَدُوُّ وَلِيًّا حَمِيمًا ، فَإِنْ صَارَهُ فَهُوَ لِعَوَارِضَ غَيْرِ دَاخِلَةٍ تَحْتَ مَعْنَى الْإِسْرَاعِ الَّذِي آذَنَتْ بِهِ إِذَا الْفُجَائِيَّةُ .
وَالْعَدَاوَةُ الَّتِي بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَبَيْنَ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَدَاوَةٌ فِي الدِّينِ ، فَالْمَعْنَى : فَإِذَا
[ ص: 294 ] الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ لِكُفْرِهِ ، فَلِذَلِكَ لَا تَشْمَلُ الْآيَةُ مَنْ آمَنُوا بَعْدَ الْكُفْرِ فَزَالَتْ عُدَوَاتُهُمْ لِلنَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَجْلِ إِيمَانِهِمْ كَمَا زَالَتْ عَدَاوَةُ
عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْدَ إِسْلَامِهِ حَتَّى قَالَ يَوْمًا لِلنَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيَّ ، وَكَمَا زَالَتْ عَدَاوَةُ
هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ زَوْجِ أَبِي سُفْيَانَ إِذْ قَالَتْ لِلنَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002322مَا كَانَ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَذِلُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ وَالْيَوْمَ مَا أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَعِزُّوا مَنْ أَهْلِ خِبَائِكَ فَقَالَ لَهَا النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَيْضًا ، أَيْ وَسَتَزِيدِينَ حُبًّا .
وَعَنْ
مُقَاتِلٍ : أَنَّهُ قَالَ : هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي
أَبِي سُفْيَانَ كَانَ عَدُوًّا لِلنَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَصَارَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ وَلِيًّا مُصَافِيًا . وَهُوَ وَإِنْ كَانَ كَمَا قَالُوا فَلَا أَحْسَبُ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي اكْتِسَابِ الْمَوَدَّةِ بِالْإِحْسَانِ .
وَالْوَلِيُّ : اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الْوَلَايَةِ بِفَتْحِ الْوَاوِ ، وَالْوَلَاءِ ، وَهُوَ : الْحَلِيفُ وَالنَّاصِرُ ، وَهُوَ ضِدُّ الْعَدُوِّ ، وَتَقَدَّمَ فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ .
وَالْحَمِيمُ : الْقَرِيبُ وَالصَّدِيقُ . وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34وَلِيٌّ حَمِيمٌ أَنَّهُ جَمْعُ خَصْلَتَيْنِ ، كِلْتَاهُمَا لَا تَجْتَمِعُ مَعَ الْعَدَاوَةِ وَهُمَا خَصْلَتَا الْوَلَايَةِ وَالْقَرَابَةِ .