الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك .

استئناف بياني جواب لسؤال يثيره قوله إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا ، وقوله إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وما تخلل ذلك من الأوصاف فيقول سائل : فما بال هؤلاء طعنوا فيه ؟ فأجيب بأن هذه سنة الأنبياء [ ص: 310 ] مع أممهم لا يعدمون معاندين جاحدين يكفرون بما جاءوا به . وإذا بنيت على ما جوزته سابقا أن يكون جملة ( ما يقال ) خبر " إن " كانت خبرا وليست استئنافا .

وهذا تسلية للنبيء - صلى الله عليه وسلم - بطريق الكناية وأمر له بالصبر على ذلك كما صبر من قبله من الرسل بطريق التعريض .

ولهذا الكلام تفسيران :

أحدهما : أن ما يقوله المشركون في القرآن والنبيء - صلى الله عليه وسلم - هو دأب أمثالهم المعاندين من قبلهم فماصدق ما قد قيل للرسل هو مقالات الذين كذبوهم ، أي تشابهت قلوب المكذبين فكانت مقالاتهم متماثلة قال تعالى أتواصوا به .

التفسير الثاني : ما قلنا لك إلا ما قلناه للرسل من قبلك ، فأنت لم تكن بدعا من الرسل فيكون لقومك بعض العذر في التكذيب ولكنهم كذبوا كما كذب الذين من قبلهم ، فماصدق ما قد قيل للرسل هو الدين والوحي فيكون من طريقة قوله تعالى إن هذا لفي الصحف الأولى ، وكلا المعنيين وارد في القرآن فيحمل الكلام على كليهما .

وفي التعبير بـما الموصولة وفي حذف فاعل القولين في قوله ما يقال وقوله ما قد قيل نظم متين حمل الكلام هذين المعنيين العظيمين ، وفي قوله إلا ما قد قيل للرسل تشبيه بليغ . والمعنى : إلا مثل ما قد قيل للرسل .

واجتلاب المضارع في ما يقال لإفادة تجدد هذا القول منهم وعدم ارعوائهم عنه مع ظهور ما شأنه أن يصدهم عن ذلك .

واقتران الفعل بقد لتحقيق أنه قد قيل للرسل مثل ما قالت المشركون للرسول - صلى الله عليه وسلم - فهو تأكيد للازم الخبر وهو لزوم الصبر على قولهم . وهو منظور فيه إلى حال المردود عليهم إذ حسبوا أنهم جابهوا الرسول بما لم يخطر ببال غيرهم ، وهذا على حد قوله تعالى كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون .

التالي السابق


الخدمات العلمية