nindex.php?page=treesubj&link=29615ولفرق الضلال في الوحي طريقتان : طريقة التبديل ، وطريقة التجهيل . أما أهل التبديل فهم نوعان : أهل الوهم والتخييل ، وأهل التحريف والتأويل .
فأهل الوهم والتخييل ، هم الذين يقولون : إن الأنبياء أخبروا عن
[ ص: 802 ] الله واليوم الآخر والجنة والنار بأمور غير مطابقة للأمر في نفسه ! لكنهم خاطبوهم بما يتخيلون به ويتوهمون به أن الله شيء عظيم كبير ، وأن الأبدان تعاد ، وأن لهم نعيما محسوسا ، وعقابا محسوسا ، وإن كان الأمر ليس كذلك ، لأن مصلحة الجمهور في ذلك ، وإن كان كذبا فهو كذب لمصلحة الجمهور ! ! وقد وضع ابن سينا وأمثاله قانونهم على هذا الأصل .
وأما أهل التحريف والتأويل ، فهم الذين يقولون : إن الأنبياء لم يقصدوا بهذه الأقوال ما هو الحق في نفس الأمر ، وإن الحق في نفس الأمر هو ما علمناه بعقولنا ! ثم يجتهدون في تأويل هذه الأقوال إلى ما يوافق رأيهم بأنواع التأويلات ! ! ولهذا كان أكثرهم لا يجزمون بالتأويل ، بل يقولون : يجوز أن يراد كذا . وغاية ما معهم إمكان احتمال اللفظ .
وأما أهل التجهيل والتضليل ، الذين حقيقة قولهم : إن الأنبياء وأتباع الأنبياء جاهلون ضالون ، لا يعرفون ما أراد الله بما وصف به نفسه من الآيات وأقوال الأنبياء ! ويقولون : يجوز أن يكون للنص تأويل لا يعلمه إلا الله ، لا يعلمه
جبرائيل ولا
محمد ولا غيره من الأنبياء ، فضلا عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، وأن
محمدا صلى الله عليه وسلم كان يقرأ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرحمن على العرش استوى [ طه : 5 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=10إليه يصعد الكلم الطيب [ فاطر : 10 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي [ ص : 75 ]
[ ص: 803 ] وهو لا يعرف معاني هذه الآيات ! بل معناها الذي دلت عليه لا يعرفه إلا الله تعالى ! ! ويظنون أن هذه طريقة السلف ! !
ثم منهم من يقول : إن المراد بها خلاف مدلولها الظاهر المفهوم ، ولا يعرفه أحد ، كما لا يعلم وقت الساعة ! ومنهم من يقول : بل تجرى على ظاهرها وتحمل على ظاهرها ! ! ومع هذا ، فلا يعلم تأويلها إلا الله ، فيتناقضون حيث أثبتوا لها تأويلا يخالف ظاهرها ، وقالوا مع هذا : إنها تحمل على ظاهرها ، وهؤلاء مشتركون في القول بأن الرسول لم يبين المراد بالنصوص التي يجعلونها مشكلة أو متشابهة ، ولهذا يجعل كل فريق المشكل من نصوصه غير ما يجعله الفريق الآخر مشكلا .
ثم منهم من يقول : لم يعلم معانيها أيضا ! ومنهم من يقول : علمها ولم يبينها ، بل أحال في بيانها على الأدلة العقلية ، وعلى من يجتهد في العلم بتأويل تلك النصوص ! ! فهم مشتركون في أن الرسول لم يعلم أو لم يعلم ، بل نحن عرفنا الحق بعقولنا ثم اجتهدنا في حمل كلام الرسول على ما يوافق عقولنا ، وأن الأنبياء وأتباعهم لا يعرفون العقليات ! ! ولا يفهمون السمعيات ! ! وكل ذلك ضلال وتضليل عن سواء السبيل .
نسأل الله السلامة والعافية ، من هذه الأقوال الواهية ، المفضية بقائلها إلى الهاوية .
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=180سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
nindex.php?page=treesubj&link=29615وَلِفِرَقِ الضَّلَالِ فِي الْوَحْيِ طَرِيقَتَانِ : طَرِيقَةُ التَّبْدِيلِ ، وَطَرِيقَةُ التَّجْهِيلِ . أَمَّا أَهْلُ التَّبْدِيلِ فَهُمْ نَوْعَانِ : أَهْلُ الْوَهْمِ وَالتَّخْيِيلِ ، وَأَهْلُ التَّحْرِيفِ وَالتَّأْوِيلِ .
فَأَهْلُ الْوَهْمِ وَالتَّخْيِيلِ ، هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ : إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَخْبَرُوا عَنِ
[ ص: 802 ] اللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ بِأُمُورٍ غَيْرِ مُطَابِقَةٍ لِلْأَمْرِ فِي نَفْسِهِ ! لَكِنَّهُمْ خَاطَبُوهُمْ بِمَا يَتَخَيَّلُونَ بِهِ وَيَتَوَهَّمُونَ بِهِ أَنَّ اللَّهَ شَيْءٌ عَظِيمٌ كَبِيرٌ ، وَأَنَّ الْأَبَدَانَ تُعَادُ ، وَأَنَّ لَهُمْ نَعِيمًا مَحْسُوسًا ، وَعِقَابًا مَحْسُوسًا ، وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ لَيْسَ كَذَلِكَ ، لِأَنَّ مَصْلَحَةَ الْجُمْهُورِ فِي ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ كَذِبًا فَهُوَ كَذِبٌ لِمَصْلَحَةِ الْجُمْهُورِ ! ! وَقَدْ وَضَعَ ابْنُ سِينَا وَأَمْثَالُهُ قَانُونَهُمْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ .
وَأَمَّا أَهْلُ التَّحْرِيفِ وَالتَّأْوِيلِ ، فَهُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ : إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يَقْصِدُوا بِهَذِهِ الْأَقْوَالِ مَا هُوَ الْحَقُّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ، وَإِنَّ الْحَقَّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ هُوَ مَا عَلِمْنَاهُ بِعُقُولِنَا ! ثُمَّ يَجْتَهِدُونَ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ إِلَى مَا يُوَافِقُ رَأْيَهُمْ بِأَنْوَاعِ التَّأْوِيلَاتِ ! ! وَلِهَذَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ لَا يَجْزِمُونَ بِالتَّأْوِيلِ ، بَلْ يَقُولُونَ : يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ كَذَا . وَغَايَةُ مَا مَعَهُمْ إِمْكَانُ احْتِمَالِ اللَّفْظِ .
وَأَمَّا أَهْلُ التَّجْهِيلِ وَالتَّضْلِيلِ ، الَّذِينَ حَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ : إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَأَتْبَاعَ الْأَنْبِيَاءِ جَاهِلُونَ ضَالُّونَ ، لَا يَعْرِفُونَ مَا أَرَادَ اللَّهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنَ الْآيَاتِ وَأَقْوَالِ الْأَنْبِيَاءِ ! وَيَقُولُونَ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلنَّصِّ تَأْوِيلٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ ، لَا يَعْلَمُهُ
جَبْرَائِيلُ وَلَا
مُحَمَّدٌ وَلَا غَيْرُهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ، فَضْلًا عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ ، وَأَنَّ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [ طه : 5 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=10إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [ فَاطِرٍ : 10 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ ص : 75 ]
[ ص: 803 ] وَهُوَ لَا يَعْرِفُ مَعَانِيَ هَذِهِ الْآيَاتِ ! بَلْ مَعْنَاهَا الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى ! ! وَيَظُنُّونَ أَنَّ هَذِهِ طَرِيقَةُ السَّلَفِ ! !
ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : إِنَّ الْمُرَادَ بِهَا خِلَافُ مَدْلُولِهَا الظَّاهِرِ الْمَفْهُومِ ، وَلَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ ، كَمَا لَا يُعْلَمُ وَقْتُ السَّاعَةِ ! وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : بَلْ تُجْرَى عَلَى ظَاهِرِهَا وَتُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهَا ! ! وَمَعَ هَذَا ، فَلَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهَا إِلَّا اللَّهُ ، فَيَتَنَاقَضُونَ حَيْثُ أَثْبَتُوا لَهَا تَأْوِيلًا يُخَالِفُ ظَاهِرَهَا ، وَقَالُوا مَعَ هَذَا : إِنَّهَا تُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهَا ، وَهَؤُلَاءِ مُشْتَرِكُونَ فِي الْقَوْلِ بِأَنَّ الرَّسُولَ لَمْ يُبَيِّنِ الْمُرَادَ بِالنُّصُوصِ الَّتِي يَجْعَلُونَهَا مُشْكِلَةً أَوْ مُتَشَابِهَةً ، وَلِهَذَا يَجْعَلُ كُلُّ فَرِيقٍ الْمُشْكِلَ مِنْ نُصُوصِهِ غَيْرَ مَا يَجْعَلُهُ الْفَرِيقُ الْآخَرُ مُشْكِلًا .
ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : لَمْ يَعْلَمْ مَعَانِيَهَا أَيْضًا ! وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : عَلِمَهَا وَلَمْ يُبَيِّنْهَا ، بَلْ أَحَالَ فِي بَيَانِهَا عَلَى الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ ، وَعَلَى مَنْ يَجْتَهِدُ فِي الْعِلْمِ بِتَأْوِيلِ تِلْكَ النُّصُوصِ ! ! فَهُمْ مُشْتَرِكُونَ فِي أَنَّ الرَّسُولَ لَمْ يَعْلَمْ أَوْ لَمْ يُعَلَّمْ ، بَلْ نَحْنُ عَرَفْنَا الْحَقَّ بِعُقُولِنَا ثُمَّ اجْتَهَدْنَا فِي حَمْلِ كَلَامِ الرَّسُولِ عَلَى مَا يُوَافِقُ عُقُولَنَا ، وَأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَأَتْبَاعَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ الْعَقْلِيَّاتِ ! ! وَلَا يَفْهَمُونَ السَّمْعِيَّاتِ ! ! وَكُلُّ ذَلِكَ ضَلَالٌ وَتَضْلِيلٌ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ .
نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ ، مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْوَاهِيَةِ ، الْمُفْضِيَةِ بِقَائِلِهَا إِلَى الْهَاوِيَةِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=180سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .