الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
باب nindex.php?page=treesubj&link=23390حجة من لم يكفر تارك الصلاة ولم يقطع عليه بخلود في النار ورجا له ما يرجى لأهل الكبائر
404 - ( عن ابن محيريز أن رجلا من بني كنانة يدعى المخدجي سمع رجلا بالشام يدعى أبا محمد يقول : إن الوتر واجب ، قال المخدجي فرحت إلى nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت فأخبرته ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة : كذب أبو محمد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { nindex.php?page=hadith&LINKID=18570خمس صلوات كتبهن الله على العباد ، من أتى بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد ، إن شاء عذبه ، وإن شاء غفر له } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، وقال فيه : " ومن جاء بهن قد انتقص منهن شيئا استخفافا بحقهن " ) .
الحديث أخرجه أيضا nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في الموطأ nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان nindex.php?page=showalam&ids=12757وابن السكن . قال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : هو صحيح ثابت لم يختلف عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك فيه ، ثم قال : والمخدجي مجهول لا يعرف إلا بهذا الحديث . قال الشيخ تقي الدين القشيري : انظر إلى تصحيحه لحديثه مع حكمه بأنه مجهول ، قد ذكره nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في الثقات ، ولحديثه شاهد من حديث nindex.php?page=showalam&ids=60أبي قتادة عند nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن [ ص: 365 ] ماجه ، ومن حديث nindex.php?page=showalam&ids=167كعب بن عجرة عند nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد . ورواه أبو داود أيضا عن nindex.php?page=showalam&ids=5152الصنابحي قال : ( زعم أبو محمد أن الوتر واجب ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت ) وساق الحديث . والمخدجي المذكور في هذا الإسناد هو بضم الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الدال المهملة ثم جيم بعدها ياء النسب ، قيل : اسمه رفيع . وأبو محمد المذكور هو مسعود بن أوس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة بن عثمان بن مالك بن النجار . وقيل : مسعود بن زيد بن سبيع يعد في الشاميين ، وقد عده nindex.php?page=showalam&ids=15472الواقدي وطائفة من البدريين ، ولم يذكره nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق فيهم ، وذكره جماعة في الصحابة .
وقول nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة : ( كذب أبو محمد ) أي أخطأ ، ولا يجوز أن يراد به حقيقة الكذب ; لأنه في الفتوى ، ولا يقال لمن أخطأ في فتواه كذب . وأيضا قد ورد في الحديث ما يشهد لما قاله كحديث : { nindex.php?page=hadith&LINKID=15783الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا } عند أبي داود من حديث بريدة وغيره من الأحاديث ، وسيأتي بسط الكلام على ذلك في باب أن الوتر سنة مؤكدة إن شاء الله تعالى .
والحديث ساقه nindex.php?page=showalam&ids=13028المصنف للاستدلال به على عدم كفر من ترك الصلاة وعدم استحقاقه للخلود في النار لقوله : ( إن شاء عذبه ، وإن شاء غفر له ) وقد عرفناك في الباب الأول أن الكفر أنواع : منها ما لا ينافي المغفرة ككفر أهل القبلة ببعض الذنوب التي سماها الشارع كفرا ، وهو يدل على عدم استحقاق كل تارك للصلاة للتخليد في النار قوله : ( استخفافا بحقهن ) هو قيد للمنفي لا للنفي قوله : ( كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ) فيه متمسك للمرجئة القائلين بأن الذنوب لا تضر من حافظ على الصلوات المكتوبة ، وهو مقيد بعدم المانع كأحاديث من قال لا إله إلا الله ونحوها لورود النصوص الصريحة كتابا وسنة بذكر ذنوب موجبة للعذاب كدم المسلم وماله وعرضه وغيره ذلك مما يكثر تعداده .
405 - ( وعن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { nindex.php?page=hadith&LINKID=10943إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة المكتوبة ، فإن أتمها وإلا قيل : انظروا هل له من تطوع ؟ فإن كان له تطوع أكملت الفريضة من تطوعه ، ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك } رواه الخمسة ) . الحديث أخرجه أبو داود من ثلاث طرق : طريقتين متصلتين nindex.php?page=showalam&ids=3بأبي هريرة والطريق الثالثة nindex.php?page=showalam&ids=155بتميم الداري ، وكلها لا مطعن فيها ، ولم يتكلم عليه هو ولا nindex.php?page=showalam&ids=16383المنذري بما يوجب ضعفه . وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من طريق إسنادها جيد ، ورجالها رجال الصحيح كما قال العراقي وصححها [ ص: 366 ] ابن القطان . وأخرج الحديث nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في المستدرك وقال : هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
وفي الباب عن nindex.php?page=showalam&ids=155تميم الداري عند أبي داود nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه بنحو حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال العراقي وإسناده صحيح ، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في المستدرك وقال : إسناده صحيح على شرط nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وعن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس عند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الأوسط . وعن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد قال العراقي : رويناه في الطبوريات في انتخاب السلفي منها ، وفي إسناده حصين بن مخارق ، نسبه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني إلى الوضع وعن صحابي لم يسم عند nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في المسند . والحديث يدل على أن nindex.php?page=treesubj&link=1089_24589ما لحق الفرائض من النقص كملته النوافل . وأورده nindex.php?page=showalam&ids=13028المصنف في حجج من قال بعدم الكفر ; لأن نقصان الفرائض أعم من أن يكون نقصا في الذات وهو ترك بعضها ، أو في الصفة وهو عدم استيفاء أذكارها أو أركانها وجبرانها بالنوافل ، مشعر بأنها مقبولة مثاب عليها والكفر ينافي ذلك . وقد عرفت الكلام على ذلك فيما سلف ، ثم أورد من الأدلة ما يعتضد به قول من لم يكفر تارك الصلاة وعقبه بتأويل لفظ الكفر الواقع في الأحاديث فقال :
406 - ( ويعضد هذا المذهب عمومات . منها ما روي عن nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=36630من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن عيسى عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، والجنة والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل } متفق عليه ) .
407 - ( وعن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك { nindex.php?page=hadith&LINKID=3833أن النبي صلى الله عليه وسلم قال nindex.php?page=showalam&ids=32ومعاذ رديفه على الرحل : يا nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ ، قال : لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثا ، ثم قال : ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، إلا حرمه الله على النار ، قال : يا رسول الله أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا ؟ قال : إذن يتكلوا ; فأخبر بها nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ عند موته تأثما : أي خوفا من الإثم بترك الخبر به } متفق عليه ) .
408 - ( وعن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=32933لكل نبي دعوة مستجابة ، فتعجل كل نبي دعوته ، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة ، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا } رواه مسلم ) . [ ص: 367 ]
409 - ( وعنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=969أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وقد حملوا أحاديث التكفير على كفر النعمة أو على معنى قد قارب الكفر ، وقد جاءت أحاديث في غير الصلاة أريد بها ذلك ) .
410 - ( فروى nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=20135سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر } متفق عليه ) . .
411 - ( وعن nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { nindex.php?page=hadith&LINKID=33978ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ، ومن ادعى ما ليس له فليس منا ، وليتبوأ مقعده من النار } متفق عليه ) .
412 - ( وعن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=13133اثنتان في الناس هما بهم كفر : الطعن في النسب ، والنياحة على الميت } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم ) .
413 - ( وعن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=36247كان nindex.php?page=showalam&ids=2عمر يحلف وأبي ، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : من حلف بشيء دون الله فقد أشرك } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ) .
414 - ( وعن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=34990مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ) انتهى كلام nindex.php?page=showalam&ids=13028المصنف . وأقول : قد أطبق أئمة المسلمين من السلف والخلف والأشعرية والمعتزلة وغيرهم أن الأحاديث الواردة بأن nindex.php?page=treesubj&link=19715من قال ( لا إله إلا الله دخل الجنة ) مقيدة بعدم الإخلال بما أوجب الله من سائر الفرائض وعدم فعل كبيرة من الكبائر التي لم يتب فاعلها عنها ، وأن مجرد الشهادة لا يكون موجبا لدخول الجنة فلا يكون حجة على المطلوب ، ولكنهم اختلفوا في خلود من أخل بشيء من الواجبات أو قارف شيئا من المحرمات في النار مع تكلمه بكلمة الشهادة وعدم التوبة عن ذلك ، فالمعتزلة جزموا بالخلود ، والأشعرية قالوا : يعذب في النار ثم ينقل إلى الجنة .
وكذلك اختلفوا في دخوله تحت المشيئة ، فالأشعرية وغيرهم [ ص: 368 ] قالوا بدخوله تحتها ، والمعتزلة منعت من ذلك وقالوا : لا يجوز على الله المغفرة لفاعل الكبيرة مع عدم التوبة عنها . وهذه المسائل محلها علم الكلام ، وإنما ذكرنا هذا للتعريف بإجماع المسلمين على أن هذه الأحاديث مقيدة بعدم المانع ، ولهذا أولها السلف فحكي عن جماعة منهم nindex.php?page=showalam&ids=15990ابن المسيب أن هذا كان قبل نزول الفرائض والأمر والنهي ، ورد بأن راوي بعض هذه الأحاديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة وهو متأخر الإسلام أسلم عام خيبر سنة سبع بالاتفاق وكانت إذ ذاك أحكام الشريعة مستقرة من الصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها .
وحكى النووي عن بعضهم أنه قال : هي مجملة تحتاج إلى شرح ومعناه : من قال الكلمة وأدى حقها وفريضتها ، قال : وهذا قول nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري . وقال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : إن ذلك لمن قالها عند الندم والتوبة ومات على ذلك ، ذكره في كتاب اللباس . وذكر nindex.php?page=showalam&ids=12795الشيخ أبو عمرو بن الصلاح أنه يجوز أن يكون ذلك : أعني الاختصار على كلمة الشهادة في سببية دخول الجنة اقتصار من بعض الرواة لا من رسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل مجيئه تاما في رواية غيره ، ويجوز أن يكون اختصارا من الرسول صلى الله عليه وسلم فيما خاطب به الكفار عبدة الأوثان الذين كان توحيدهم بالله تعالى مصحوبا بسائر ما يتوقف عليه الإسلام ومستلزما له ، والكافر إذا كان لا يقر بالوحدانية كالوثني والثنوي وقال لا إله إلا الله وحاله الحال التي حكيناها حكم بإسلامه . قال النووي : ويمكن الجمع بين الأدلة بأن يقال المراد باستحقاقه الجنة أنه لا بد من دخولها لكل موحد إما معجلا معافى وإما مؤخرا بعد عقابه ، والمراد بتحريم النار تحريم الخلود . وحكي ذلك عن القاضي عياض وقال : إنه في نهاية الحسن ، ولا بد من المصير إلى التأويل لما ورد في نصوص الكتاب والسنة بذكر كثير من الواجبات الشرعية ، والتصريح بأن تركها موجب للنار . وكذلك ورود النصوص بذكر كثير من المحرمات وتوعد فاعلها بالنار . وأما الأحاديث التي أوردها nindex.php?page=showalam&ids=13028المصنف في تأييد ما ذكره من التأويل فالنزاع كالنزاع في إطلاق الكفر على تارك الصلاة ، وقد عرفناك أن سبب الوقوع في مضيق التأويل توهم الملازمة بين الكفر وعدم المغفرة ، وليس بكلية كما عرفت ، وانتفاء كليتها يريحك من تأويل ما ورد في كثير من الأحاديث
منها ما ذكره المصنف ، ومنها ما ثبت في الصحيح بلفظ : { nindex.php?page=hadith&LINKID=30173لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض } وحديث : { nindex.php?page=hadith&LINKID=9048أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم } وحديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=1072أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ، فأما من قال : مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب ، وأما من قال : مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب } وحديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=36967من قال لأخيه : يا كافر فقد باء بها } وكل هذه الأحاديث في الصحيح .
وقد ورد من هذا الجنس أشياء كثيرة ، ونقول : من سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم كافرا سميناه كافرا [ ص: 369 ] ولا نزيد على هذا المقدار ولا نتأول بشيء منها لعدم الملجئ إلى ذلك .