قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=29انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب إنها ترمي بشرر كالقصر كأنه جمالة صفر ويل يومئذ للمكذبين nindex.php?page=treesubj&link=29048قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=29انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون أي يقال للكفار سيروا إلى ما كنتم به تكذبون من العذاب يعني النار ، فقد شاهدتموها عيانا .
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=30انطلقوا إلى ظل أي دخان ذي ثلاث شعب يعني الدخان الذي يرتفع ثم يتشعب إلى ثلاث شعب . وكذلك شأن الدخان العظيم إذا ارتفع تشعب .
ثم وصف الظل فقال : لا ظليل أي ليس كالظل الذي يقي حر الشمس ولا يغني من اللهب أي لا يدفع من لهب جهنم شيئا . واللهب ما يعلو على النار إذ اضطرمت ، من أحمر وأصفر وأخضر .
وقيل : إن الشعب الثلاث هي الضريع والزقوم والغسلين ; قاله
الضحاك . وقيل : اللهب ثم الشرر ثم الدخان ; لأنها ثلاثة أحوال ، هي غاية أوصاف النار إذا اضطرمت واشتدت . وقيل : عنق يخرج من النار فيتشعب ثلاث شعب . فأما النور فيقف على رؤوس المؤمنين ، وأما الدخان فيقف على رؤوس المنافقين ، وأما اللهب
[ ص: 142 ] الصافي فيقف على رؤوس الكافرين . وقيل : هو السرادق ، وهو لسان من نار يحيط بهم ، ثم يتشعب منه ثلاث شعب ، فتظللهم حتى يفرغ من حسابهم إلى النار . وقيل : هو الظل من يحموم ; كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=42في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم على ما تقدم . وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866590 " إن nindex.php?page=treesubj&link=30297الشمس تدنو من رؤوس الخلائق وليس عليهم يومئذ لباس ولا لهم أكفان فتلحقهم الشمس وتأخذ بأنفاسهم ومد ذلك اليوم ، ثم ينجي الله برحمته من يشاء إلى ظل من ظله فهنالك يقولون : nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=27فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم " ويقال للمكذبين :
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=29انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون من عذاب الله وعقابه
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=30انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب فيكون أولياء الله - جل ثناؤه - في ظل عرشه أو حيث شاء من الظل ، إلى أن يفرغ من الحساب ثم يؤمر بكل فريق إلى مستقره من الجنة والنار .
ثم وصف النار فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=32إنها ترمي بشرر كالقصر الشرر : واحدته شررة . والشرار : واحدته شرارة ، وهو ما تطاير من النار في كل جهة ، وأصله من شررت الثوب إذا بسطته للشمس ليجف . والقصر البناء العالي . وقراءة العامة كالقصر بإسكان الصاد : أي الحصون والمدائن في العظم وهو واحد القصور . قاله
ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود . وهو في معنى الجمع على طريق الجنس . وقيل : القصر جمع قصرة ساكنة الصاد ، مثل جمرة وجمر وتمرة وتمر . والقصرة : الواحدة من جزل الحطب الغليظ .
وفي
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
ابن عباس أيضا :
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=32ترمي بشرر كالقصر قال كنا نرفع الخشب بقصر ثلاثة أذرع أو أقل ، فترفعه للشتاء ، فنسميه القصر ، وقال
سعيد بن جبير والضحاك : هي أصول الشجر والنخل العظام إذا وقع وقطع . وقيل : أعناقه . وقرأ
ابن عباس ومجاهد وحميد والسلمي ( كالقصر ) بفتح الصاد ، أراد أعناق النخل . والقصرة العنق ، جمعها قصر وقصرات . وقال
قتادة : أعناق الإبل . قرأ
سعيد بن جبير بكسر القاف وفتح الصاد ، وهي أيضا جمع قصرة مثل بدرة وبدر وقصعة وقصع وحلقة وحلق ، لحلق الحديد . وقال
أبو حاتم : ولعله لغة ، كما قالوا : حاجة وحوج .
وقيل : القصر : الجبل ، فشبه الشرر بالقصر في مقاديره ، ثم شبهه في لونه بالجمالات الصفر ، وهي الإبل السود ; والعرب تسمي السود من الإبل صفرا ; قال الشاعر [
الأعشى ] :
تلك خيلي منه وتلك ركابي هن صفر أولادها كالزبيب
أي هن سود . وإنما سميت السود من الإبل صفرا لأنه يشوب سوادها شيء من صفرة ; كما قيل لبيض الظباء : الأدم ; لأن بياضها تعلوه كدرة : والشرر إذا تطاير وسقط وفيه بقية من لون
[ ص: 143 ] النار ، أشبه شيء بالإبل السود ، لما يشوبها من صفرة . وفي شعر
nindex.php?page=showalam&ids=16689عمران بن حطان الخارجي :
دعتهم بأعلى صوتها ورمتهم بمثل الجمال الصفر نزاعة الشوى
وضعف
الترمذي هذا القول فقال : وهذا القول محال في اللغة ، أن يكون شيء يشوبه شيء قليل ، فنسب كله إلى ذلك الشائب ، فالعجب لمن قد قال هذا ، وقد قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=33جمالة صفر فلا نعلم شيئا من هذا في اللغة . ووجهه عندنا أن النار خلقت من النور فهي نار مضيئة ، فلما خلق الله جهنم وهي موضع النار ، حشا ذلك الموضع بتلك النار ، وبعث إليها سلطانه وغضبه ، فاسودت من سلطانه وازدادت حدة ، وصارت أشد سوادا من النار ومن كل شيء سوادا ، فإذا كان يوم القيامة وجيء بجهنم في الموقف رمت بشررها على أهل الموقف ، غضبا لغضب الله ، والشرر هو أسود ; لأنه من نار سوداء ، فإذا رمت النار بشررها فإنها ترمي الأعداء به ، فهن سود من سواد النار ، لا يصل ذلك إلى الموحدين ; لأنهم في سرادق الرحمة قد أحاط بهم في الموقف ، وهو الغمام الذي يأتي فيه الرب تبارك وتعالى ، ولكن يعاينون ذلك الرمي ، فإذا عاينوه نزع الله ذلك السلطان والغضب عنه في رأي العين منهم حتى يروها صفراء ; ليعلم الموحدون أنهم في رحمة الله لا في سلطانه وغضبه . وكان
ابن عباس يقول : الجمالات الصفر : حبال السفن يجمع بعضها إلى بعض حتى تكون كأوساط الرجال . ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري . وكان يقرؤها ( جمالات ) بضم الجيم ، وكذلك قرأ
مجاهد وحميد ( جمالات ) بضم الجيم ، وهي الحبال الغلاظ ، وهي قلوس السفينة أي حبالها . وواحد القلوس : قلس . وعن
ابن عباس أيضا على أنها قطع النحاس . والمعروف في الحبل الغليظ جمل بتشديد الميم كما تقدم في ( الأعراف ) . و ( جمالات ) بضم الجيم : جمع جمالة بكسر الجيم موحدا ، كأنه جمع جمل ، نحو حجر وحجارة ، وذكر وذكارة ، وقرأ
يعقوب وابن أبي إسحاق وعيسى والجحدري ( جمالة ) بضم الجيم موحدا وهي الشيء العظيم المجموع بعضه إلى بعض . وقرأ
حفص وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ( جمالة ) وبقية السبعة ( جمالات ) قال
الفراء : يجوز أن تكون الجمالات جمع جمال كما يقال : رجل ورجال ورجالات . وقيل : شبهها بالجمالات لسرعة سيرها . وقيل : لمتابعة بعضها بعضا .
والقصر : واحد القصور . وقصر الظلام : اختلاطه ويقال : أتيته قصرا أي عشيا ، فهو مشترك ; قال [
nindex.php?page=showalam&ids=16840كثير عزة ] :
كأنهم قصرا مصابيح راهب بموزن روى بالسليط ذبالها
مسألة : في هذه الآية دليل على جواز ادخار الحطب والفحم وإن لم يكن من القوت ، فإنه من مصالح المرء ومغاني مفاقره ، وذلك مما يقتضي النظر أن يكتسبه في غير وقت حاجته ;
[ ص: 144 ] ليكون أرخص وحالة وجوده أمكن ، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدخر القوت في وقت عموم وجوده من كسبه وماله ، وكل شيء محمول عليه . وقد بين
ابن عباس هذا بقوله : كنا نعمد إلى الخشبة فنقطعها ثلاثة أذرع وفوق ذلك ودونه وندخره للشتاء وكنا نسميه القصر . وهذا أصح ما قيل في ذلك ، والله أعلم .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=29انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ nindex.php?page=treesubj&link=29048قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=29انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ أَيْ يُقَالُ لِلْكُفَّارِ سِيرُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ مِنَ الْعَذَابِ يَعْنِي النَّارَ ، فَقَدْ شَاهَدْتُمُوهَا عِيَانًا .
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=30انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ أَيْ دُخَانٍ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ يَعْنِي الدُّخَانَ الَّذِي يَرْتَفِعُ ثُمَّ يَتَشَعَّبُ إِلَى ثَلَاثِ شُعَبٍ . وَكَذَلِكَ شَأْنُ الدُّخَانِ الْعَظِيمِ إِذَا ارْتَفَعَ تَشَعَّبَ .
ثُمَّ وَصَفَ الظِّلَّ فَقَالَ : لَا ظَلِيلَ أَيْ لَيْسَ كَالظِّلِّ الَّذِي يَقِي حَرَّ الشَّمْسِ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ أَيْ لَا يَدْفَعُ مِنْ لَهَبِ جَهَنَّمَ شَيْئًا . وَاللَّهَبُ مَا يَعْلُو عَلَى النَّارِ إِذِ اضْطَرَمَتْ ، مِنْ أَحْمَرَ وَأَصْفَرَ وَأَخْضَرَ .
وَقِيلَ : إِنَّ الشُّعَبَ الثَّلَاثَ هِيَ الضَّرِيعُ وَالزَّقُّومُ وَالْغِسْلِينُ ; قَالَهُ
الضَّحَّاكُ . وَقِيلَ : اللَّهَبُ ثُمَّ الشَّرَرُ ثُمَّ الدُّخَانُ ; لِأَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ ، هِيَ غَايَةُ أَوْصَافِ النَّارِ إِذَا اضْطَرَمَتْ وَاشْتَدَّتْ . وَقِيلَ : عُنُقٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ فَيَتَشَعَّبُ ثَلَاثَ شُعَبٍ . فَأَمَّا النُّورُ فَيَقِفُ عَلَى رُؤُوسِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَأَمَّا الدُّخَانُ فَيَقِفُ عَلَى رُؤُوسِ الْمُنَافِقِينَ ، وَأَمَّا اللَّهَبُ
[ ص: 142 ] الصَّافِي فَيَقِفُ عَلَى رُؤُوسِ الْكَافِرِينَ . وَقِيلَ : هُوَ السُّرَادِقُ ، وَهُوَ لِسَانٌ مِنْ نَارٍ يُحِيطُ بِهِمْ ، ثُمَّ يَتَشَعَّبُ مِنْهُ ثَلَاثُ شُعَبٍ ، فَتُظَلِّلُهُمْ حَتَّى يُفْرَغَ مِنْ حِسَابِهِمْ إِلَى النَّارِ . وَقِيلَ : هُوَ الظِّلُّ مِنْ يَحْمُومٍ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=42فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ . وَفِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866590 " إِنَّ nindex.php?page=treesubj&link=30297الشَّمْسَ تَدْنُو مِنْ رُؤُوسِ الْخَلَائِقِ وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ يَوْمَئِذٍ لِبَاسٌ وَلَا لَهُمْ أَكْفَانٌ فَتَلْحَقُهُمُ الشَّمْسُ وَتَأْخُذُ بِأَنْفَاسِهِمْ وَمُدَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ ، ثُمَّ يُنَجِّي اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ إِلَى ظِلٍّ مِنْ ظِلِّهِ فَهُنَالِكَ يَقُولُونَ : nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=27فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ " وَيُقَالُ لِلْمُكَذِّبِينَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=29انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَعِقَابِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=30انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ فَيَكُونُ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - فِي ظِلِّ عَرْشِهِ أَوْ حَيْثُ شَاءَ مِنَ الظِّلِّ ، إِلَى أَنْ يُفْرَغَ مِنَ الْحِسَابِ ثُمَّ يُؤْمَرُ بِكُلِّ فَرِيقٍ إِلَى مُسْتَقَرِّهِ مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ .
ثُمَّ وَصَفَ النَّارَ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=32إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ الشَّرَرُ : وَاحِدَتُهُ شَرَرَةٌ . وَالشِّرَارُ : وَاحِدَتُهُ شَرَارَةٌ ، وَهُوَ مَا تَطَايَرَ مِنَ النَّارِ فِي كُلِّ جِهَةٍ ، وَأَصْلُهُ مِنْ شَرَرْتُ الثَّوْبَ إِذَا بَسَطْتُهُ لِلشَّمْسِ لِيَجِفَّ . وَالْقَصْرُ الْبِنَاءُ الْعَالِي . وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ كَالْقَصْرِ بِإِسْكَانِ الصَّادِ : أَيِ الْحُصُونِ وَالْمَدَائِنِ فِي الْعِظَمِ وَهُوَ وَاحِدُ الْقُصُورِ . قَالَهُ
ابْنُ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنُ مَسْعُودٍ . وَهُوَ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ عَلَى طَرِيقِ الْجِنْسِ . وَقِيلَ : الْقَصْرُ جَمْعُ قَصْرَةٍ سَاكِنَةُ الصَّادِ ، مِثْلُ جَمْرَةٍ وَجَمْرٍ وَتَمْرَةٍ وَتَمْرٍ . وَالْقَصْرَةُ : الْوَاحِدَةُ مِنْ جَزْلِ الْحَطَبِ الْغَلِيظِ .
وَفِي
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا :
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=32تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ قَالَ كُنَّا نَرْفَعُ الْخَشَبَ بِقَصْرِ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ أَوْ أَقَلِّ ، فَتَرْفَعُهُ لِلشِّتَاءِ ، فَنُسَمِّيهِ الْقَصْرَ ، وَقَالَ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ : هِيَ أُصُولُ الشَّجَرِ وَالنَّخْلِ الْعِظَامِ إِذَا وَقَعَ وَقَطَعَ . وَقِيلَ : أَعْنَاقُهُ . وَقَرَأَ
ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَحُمَيْدٌ وَالسُّلَمِيُّ ( كَالْقَصْرِ ) بِفَتْحِ الصَّادِ ، أَرَادَ أَعْنَاقَ النَّخْلِ . وَالْقَصَرَةُ الْعُنُقُ ، جَمْعُهَا قَصَرَ وَقَصَرَاتٌ . وَقَالَ
قَتَادَةُ : أَعْنَاقُ الْإِبِلِ . قَرَأَ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الصَّادِ ، وَهِيَ أَيْضًا جَمْعُ قَصْرَةٍ مِثْلَ بَدْرَةٍ وَبِدَرٍ وَقَصْعَةٍ وَقِصَعٍ وَحَلْقَةٍ وَحِلَقٍ ، لِحَلَقِ الْحَدِيدِ . وَقَالَ
أَبُو حَاتِمٍ : وَلَعَلَّهُ لُغَةٌ ، كَمَا قَالُوا : حَاجَةٌ وَحِوَجٌ .
وَقِيلَ : الْقَصْرُ : الْجَبَلُ ، فَشَبَّهَ الشَّرَرَ بِالْقَصْرِ فِي مَقَادِيرِهِ ، ثُمَّ شَبَّهَهُ فِي لَوْنِهِ بِالْجِمَالَاتِ الصُّفْرِ ، وَهِيَ الْإِبِلُ السُّودُ ; وَالْعَرَبُ تُسَمِّي السُّودَ مِنَ الْإِبِلِ صُفْرًا ; قَالَ الشَّاعِرُ [
الْأَعْشَى ] :
تِلْكَ خَيْلِي مِنْهُ وَتِلْكَ رِكَابِي هُنَّ صُفْرٌ أَوْلَادُهَا كَالزَّبِيبِ
أَيْ هُنَّ سُودٌ . وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ السُّودُ مِنَ الْإِبِلِ صُفْرًا لِأَنَّهُ يَشُوبُ سَوَادَهَا شَيْءٌ مِنْ صُفْرَةٍ ; كَمَا قِيلَ لِبِيضِ الظِّبَاءِ : الْأُدْمُ ; لِأَنَّ بَيَاضَهَا تَعْلُوهُ كُدْرَةٌ : وَالشَّرَرُ إِذَا تَطَايَرَ وَسَقَطَ وَفِيهِ بَقِيَّةٌ مِنْ لَوْنِ
[ ص: 143 ] النَّارِ ، أَشْبَهُ شَيْءٍ بِالْإِبِلِ السُّودِ ، لِمَا يَشُوبُهَا مِنْ صُفْرَةٍ . وَفِي شِعْرِ
nindex.php?page=showalam&ids=16689عِمْرَانَ بْنِ حِطَّانَ الْخَارِجِيِّ :
دَعَتْهُمْ بِأَعْلَى صَوْتِهَا وَرَمَتْهُمُ بِمِثْلِ الْجِمَالِ الصُّفْرِ نَزَّاعَةِ الشَّوَى
وَضَعَّفَ
التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْقَوْلَ فَقَالَ : وَهَذَا الْقَوْلُ مُحَالٌ فِي اللُّغَةِ ، أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ يَشُوبُهُ شَيْءٌ قَلِيلٌ ، فَنُسِبَ كُلُّهُ إِلَى ذَلِكَ الشَّائِبِ ، فَالْعَجَبُ لِمَنْ قَدْ قَالَ هَذَا ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=33جِمَالَةٌ صُفْرٌ فَلَا نَعْلَمُ شَيْئًا مِنْ هَذَا فِي اللُّغَةِ . وَوَجْهُهُ عِنْدَنَا أَنَّ النَّارَ خُلِقَتْ مِنَ النُّورِ فَهِيَ نَارٌ مُضِيئَةٌ ، فَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ جَهَنَّمَ وَهِيَ مَوْضِعُ النَّارِ ، حَشَا ذَلِكَ الْمَوْضِعَ بِتِلْكَ النَّارِ ، وَبَعَثَ إِلَيْهَا سُلْطَانَهُ وَغَضَبَهُ ، فَاسْوَدَّتْ مِنْ سُلْطَانِهِ وَازْدَادَتْ حِدَّةً ، وَصَارَتْ أَشَدَّ سَوَادًا مِنَ النَّارِ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَوَادًا ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَجِيءَ بِجَهَنَّمَ فِي الْمَوْقِفِ رَمَتْ بِشَرَرِهَا عَلَى أَهْلِ الْمَوْقِفِ ، غَضَبًا لِغَضَبِ اللَّهِ ، وَالشَّرَرُ هُوَ أَسْوَدُ ; لِأَنَّهُ مِنْ نَارٍ سَوْدَاءَ ، فَإِذَا رَمَتِ النَّارُ بِشَرَرِهَا فَإِنَّهَا تَرْمِي الْأَعْدَاءَ بِهِ ، فَهُنَّ سُودٌ مِنْ سَوَادِ النَّارِ ، لَا يَصِلُ ذَلِكَ إِلَى الْمُوَحِّدِينَ ; لِأَنَّهُمْ فِي سُرَادِقِ الرَّحْمَةِ قَدْ أَحَاطَ بِهِمْ فِي الْمَوْقِفِ ، وَهُوَ الْغَمَامُ الَّذِي يَأْتِي فِيهِ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، وَلَكِنْ يُعَايِنُونَ ذَلِكَ الرَّمْيَ ، فَإِذَا عَايَنُوهُ نَزَعَ اللَّهُ ذَلِكَ السُّلْطَانَ وَالْغَضَبَ عَنْهُ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ مِنْهُمْ حَتَّى يَرَوْهَا صَفْرَاءَ ; لِيَعْلَمَ الْمُوَحِّدُونَ أَنَّهُمْ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ لَا فِي سُلْطَانِهِ وَغَضَبِهِ . وَكَانَ
ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ : الْجِمَالَاتُ الصُّفْرُ : حِبَالُ السُّفُنِ يُجْمَعُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ حَتَّى تَكُونَ كَأَوْسَاطِ الرِّجَالِ . ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ . وَكَانَ يَقْرَؤُهَا ( جُمَالَاتٌ ) بِضَمِّ الْجِيمِ ، وَكَذَلِكَ قَرَأَ
مُجَاهِدٌ وَحُمَيْدٌ ( جُمَالَاتٌ ) بِضَمِّ الْجِيمِ ، وَهِيَ الْحِبَالُ الْغِلَاظُ ، وَهِيَ قُلُوسُ السَّفِينَةِ أَيْ حِبَالُهَا . وَوَاحِدُ الْقُلُوسِ : قَلْسٌ . وَعَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا عَلَى أَنَّهَا قِطَعُ النُّحَاسِ . وَالْمَعْرُوفُ فِي الْحَبْلِ الْغَلِيظِ جُمَّلٌ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي ( الْأَعْرَافِ ) . وَ ( جُمَالَاتٌ ) بِضَمِّ الْجِيمِ : جَمْعُ جِمَالَةٍ بِكَسْرِ الْجِيمِ مُوَحَّدًا ، كَأَنَّهُ جَمْعُ جَمَلٍ ، نَحْوَ حَجَرٍ وَحِجَارَةٍ ، وَذَكَرٍ وَذِكَارَةٍ ، وَقَرَأَ
يَعْقُوبُ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَعِيسَى وَالْجَحْدَرِيُّ ( جُمَالَةٌ ) بِضَمِّ الْجِيمِ مُوَحَّدًا وَهِيَ الشَّيْءُ الْعَظِيمُ الْمَجْمُوعُ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ . وَقَرَأَ
حَفْصٌ وَحَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ ( جِمَالَةٌ ) وَبَقِيَّةُ السَّبْعَةِ ( جِمَالَاتٌ ) قَالَ
الْفَرَّاءُ : يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجِمَالَاتُ جَمْعَ جِمَالٍ كَمَا يُقَالُ : رَجُلُ وَرِجَالٌ وَرِجَالَاتٌ . وَقِيلَ : شَبَّهَهَا بِالْجِمَالَاتِ لِسُرْعَةِ سَيْرِهَا . وَقِيلَ : لِمُتَابَعَةِ بَعْضِهَا بَعْضًا .
وَالْقَصْرُ : وَاحِدُ الْقُصُورِ . وَقَصْرُ الظَّلَامِ : اخْتِلَاطُهُ وَيُقَالُ : أَتَيْتُهُ قَصْرًا أَيْ عَشِيًّا ، فَهُوَ مُشْتَرَكٌ ; قَالَ [
nindex.php?page=showalam&ids=16840كُثَيْرُ عَزَّةَ ] :
كَأَنَّهُمْ قَصْرًا مَصَابِيحُ رَاهِبٍ بِمَوْزَنَ رَوَّى بِالسَّلِيطِ ذُبَالَهَا
مَسْأَلَةٌ : فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ ادِّخَارِ الْحَطَبِ وَالْفَحْمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْقُوتِ ، فَإِنَّهُ مِنْ مَصَالِحِ الْمَرْءِ وَمَغَانِي مَفَاقِرِهِ ، وَذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي النَّظَرَ أَنْ يَكْتَسِبَهُ فِي غَيْرِ وَقْتِ حَاجَتِهِ ;
[ ص: 144 ] لِيَكُونَ أَرْخَصَ وَحَالَةُ وُجُودِهِ أَمْكَنَ ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَّخِرُ الْقُوتَ فِي وَقْتِ عُمُومِ وُجُودِهِ مِنْ كَسْبِهِ وَمَالِهِ ، وَكُلُّ شَيْءٍ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ . وَقَدْ بَيَّنَ
ابْنُ عَبَّاسٍ هَذَا بِقَوْلِهِ : كُنَّا نَعْمِدُ إِلَى الْخَشَبَةِ فَنَقْطَعُهَا ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ وَفَوْقَ ذَلِكَ وَدُونَهُ وَنَدَّخِرُهُ لِلشِّتَاءِ وَكُنَّا نُسَمِّيهِ الْقَصْرَ . وَهَذَا أَصَحُّ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .