الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء

19 - خطيئته التوحيد عن غير نافع ولا يعبدون الغيب شايع دخللا



قرأ القراء السبعة إلا نافعا وأحاطت به خطيئته بالتوحيد، أي الإفراد، فتكون قراءة نافع بالجمع، أي بزيادة ألف بعد الهمزة، وقرأ حمزة والكسائي وابن كثير وما يعبدون إلا الله بياء الغيب، فتكون قراءة الباقين بتاء الخطاب، و(الدخلل) هو الذي يداخلك في أمورك.


20 - وقل حسنا شكرا وحسنا بضمه     وساكنه الباقون واحسن مقولا



قرأ حمزة والكسائي وقولوا للناس حسنا بفتح الحاء والسين كما لفظ به، وقرأ الباقون بضم الحاء وسكون السين، وصرح بقراءتهم، وعلمت قراءة حمزة والكسائي من اللفظ، ومن ضد ترجمة الباقين، لأن ضد الضم في الحاء فتحها، وضد السكون في السين التحريك بالفتح. وقوله: (وأحسن مقولا) أي ناقلا أي أحسن في نقلك بأن تنقل عن الأئمة بصدق وأمانة، وهو منصوب على الحال من فاعل (وأحسن).


21 - وتظاهرون الظاء خفف ثابت     وعنهم لدى التحريم أيضا تحللا



قرأ المرموز لهم بالثاء وهم: الكوفيون: عاصم وحمزة والكسائي تظاهرون عليهم هنا، و وإن تظاهرا عليه في التحريم بتخفيف الظاء، فتكون قراءة غيرهم بالتشديد، وما أحسن قوله: (تحللا) بعد ذكر التحريم.

[ ص: 206 ]

22 - وحمزة أسرى في أسارى وضمهم     تفادوهم والمد إذ راق نفلا



قرأ حمزة وإن يأتوكم أسارى بفتح الهمزة وسكون السين في مكان أسارى، بضم الهمزة وفتح السين، وألف بعدها، وهي قراءة الباقين، فلفظ بالقراءتين، وقرأ نافع والكسائي وعاصم (تفادوهم) بضم التاء وفتح الفاء وألف بعدها، وهو مراده بـ(المد)، وأخذ فتح الفاء من إثبات ألف بعدها إذ لا تثبت الألف إلا حيث يكون ما قبلها مفتوحا، فاكتفى بذكر المد عن ذكر الفتح، وقرأ الباقون بفتح التاء وسكون الفاء، وأخذ فتح التاء من الضد، وأخذ سكون الفاء من ضد الفتح الذي دل عليه المد، يقال: راقني الشيء: أعجبني، و(نفل) أعطي النفل بفتح الفاء وهو الغنيمة.


23 - وحيث أتاك القدس إسكان داله     دواء وللباقين بالضم أرسلا



قرأ ابن كثير لفظ القدس حيث وقع في القرآن العظيم بإسكان الدال، وقرأ غيره بضمها، ونص على قراءة الباقين لأنها لا تعلم من الضد، لأن ضد الإسكان التحريك بالفتح.


24 - وينزل خففه وتنزل مثله     وننزل حق وهو في الحجر ثقلا
25 - وخفف للبصري بسبحان والذي     في الانعام للمكي على أن ينزلا
26 - ومنزلها التخفيف حق شفاؤه     وخفف عنهم ينزل الغيث مسجلا



قرأ المكي والبصري كل فعل مضارع من لفظ ينزل، مضموم الأول بتخفيف الزاي، ويلزمه سكون النون، سواء كان مبدوءا بياء الغيب، مثل : أن ينزل الله من فضله ، أم بتاء الخطاب نحو: يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم أم بنون العظمة نحو: إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية ، وسواء كان مبنيا للمعلوم كهذه الأمثلة، أو مبنيا للمجهول نحو: أن ينزل عليكم من خير من ربكم ، ونحو: من قبل أن تنزل التوراة. وقولنا: (مضموم الأول) خرج به، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ، فلا خلاف بين القراء في تخفيف زائه. وقرأ الباقون بتشديد الزاي، ويلزم منه فتح النون، وقوله: (وهو في الحجر ثقلا) معناه: أن كل ما في الحجر ثقل لجميع القراء كما يفيده الإطلاق. [ ص: 207 ] وفي الحجر موضعان: أولهما ما ننزل الملائكة إلا بالحق ، والثاني: وما ننزله إلا بقدر معلوم ، ولا خلاف بين القراء السبعة في تشديدهما، وخفف أبو عمرو ما في سبحان الذي أسرى وإطلاقه يتناول موضعيها، وهما وننزل من القرآن ما هو شفاء ، حتى تنزل علينا كتابا . وشددهما ابن كثير مع باقي القراء، فخالف فيهما مذهبه، وخفف ابن كثير موضع الأنعام على أن ينزل آية وشدده البصري مع الباقين فخالف فيه مذهبه، وخفف ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي الزاي في هذه المواضع: إني منزلها عليكم في المائدة، وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا في الشورى، وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام في لقمان.

وشدد الباقون في هذه المواضع.


27 - وجبريل فتح الجيم والرا وبعدها     وعى همزة مكسورة صحبة ولا
28 - بحيث أتى والياء يحذف شعبة     ومكيهم في الجيم بالفتح وكلا



قرأ حمزة والكسائي وشعبة لفظ جبريل، حيث وقع في القرآن الكريم بفتح الجيم والراء وزيادة همزة مكسورة بعد الراء، ويزيد شعبة على حمزة والكسائي حذف الياء التي بعد الهمزة فيشاركهما في فتح الجيم والراء وزيادة الهمزة المكسورة، ويخالفهما في حذف الياء بعدها لأنهما يثبتان الياء بعد الهمزة، وقرأ المكي بفتح الجيم وقرأ الباقون بكسرها.


29 - ودع ياء ميكائيل والهمز قبله     على حجة والياء يحذف أجملا



قرأ حفص وأبو عمرو ميكال، حيث نزل بحذف الياء والهمز الذي قبله ما عدا نافعا، فإنه يثبت الهمز ويحذف الياء. وقول الناظم قبله، نص في أن محل اختلاف القراء هو الياء الثانية، و(أجملا) نعت لمصدر محذوف، أي حذفا أجملا، أي جميلا.


30 - ولكن خفيف والشياطين رفعه     كما شرطوا والعكس نحو سما العلا



قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي ولكن الشياطين كفروا بتخفيف النون في ولكن [ ص: 208 ] مع كسرها في الوصل للتخلص من التقاء الساكنين، وسكونها في الوقف، ورفع نون الشياطين.

وقرأ الباقون بعكس هذه القراءة، فتكون قراءتهم بتشديد النون في (ولكن) مع فتحها ونصب النون في الشياطين، الباقون هم عاصم، ونافع، وابن كثير، وأبو عمرو، ولم يقيد نون (ولكن) في قراءة الباقين بالفتح اعتمادا على الشهرة.


31 - وننسخ به ضم وكسر كفى وننـ     سها مثله من غير همز ذكت إلى

قرأ مرموز (كفى) وهو ابن عامر ما ننسخ من آية بضم النون الأولى وكسر السين فتكون قراءة غيره بفتح النون والسين، لأن ضد الضم الفتح، وضد الكسر الفتح، وقرأ مرموز الذال والألف، وهما ابن عامر والكوفيون ونافع أو ننسها بضم النون الأولى وكسر السين، كقراءة ابن عامر في (ننسخ) من غير همزة بعد السين، فتكون قراءة الباقين وهما ابن كثير وأبو عمرو بفتح النون والسين وزيادة همز ساكن بعدها. والناظم رضي الله عنه لم يقيد الهمز بكونه ساكنا أو متحركا، فمن أين علم سكونه؟

قال العلامة أبو شامة: ومطلق الهمز لا يقتضي حركته فيقتصر على أقل ما يصدق عليه اسم الهمز وهو الإتيان بهمزة ساكنة، ويظهر لي والله أعلم أن سكون الهمز علم من قواعد العربية. ذلك أن قوله أو ننسها معطوف على فعل الشرط، فيكون مجزوما مثله، فحينئذ يتعين سكون الهمز. فالناظم لم يقيد الهمز بالسكون اعتمادا على هذه القواعد.


32 - عليم وقالوا الواو الاولى سقوطها     وكن فيكون النصب في الرفع كفلا
33 - وفي آل عمران في الاولى ومريم     وفي الطول عنه وهو باللفظ أعملا
34 - وفي النحل مع يسن بالعطف نصبه     كفى راويا وانقاد معناه يعملا



قرأ ابن عامر إن الله واسع عليم ، وقالوا اتخذ الله ولدا بحذف الواو الأولى من (وقالوا)، والتقييد بالأولى للاحتراز عن الثانية، فلا خلاف بين القراء في إثباتها، وقرأ " كن فيكون " بالنصب في مكان الرفع يعني بنصب النون بدلا من رفعها في هذه السورة، إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ، وقال الذين لا يعلمون وفي آل عمران في الكلمة الأولى فيها، وهي كن فيكون ، و " يعلمه " ، واحترز بالأولى عن الثانية وهي التي بعدها [ ص: 209 ] الحق من ربك ، فقد اتفق القراء على الرفع فيها، وفي مريم في كن فيكون وإن الله ربي ، وفي (الطول) وهي غافر، في كن فيكون ألم تر إلى الذين يجادلون . وقوله: (وهو باللفظ أعملا) توجيه لقراءة ابن عامر بالنصب، فوجهه أنه منصوب بعد فاء السببية في جواب الأمر وهو (كن)، وهذا الفعل وهو (كن)، ليس أمرا حقيقة لأن المعنى أن الله تعالى إذا أراد شيئا ما تحقق، ولا يحول دون تحققه حائل، ولكن لما كان على صورة الأمر ولفظه لفظ الأمر أجري مجرى الأمر الحقيقي، فنصب المضارع في جوابه، وقرأ ابن عامر والكسائي كن فيكون والذين هاجروا في سورة النحل. كن فيكون فسبحان الذي في سورة يس، بنصب النون في (فيكون) أيضا عطفا على الفعل المنصوب قبله، وهو (نقول)، وهذا معنى قوله: (بالعطف نصبه). ومعنى (انقاد معناه يعملا) سهل النصب وظهر وجهه في هذين الموضعين لعطفه على ما قبله حال كونه في سهولته مشبها يعملا، وهو الجمل القوي في السير المطبوع على العمل.


35 - وتسأل ضموا التاء واللام حركوا     برفع خلودا وهو من بعد نفي لا



قرأ السبعة إلا نافعا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم بضم التاء وتحريك اللام بالرفع، وعلى هذه القراءة تكون لا، التي قبل تسأل نافية، فتكون قراءة نافع بفتح التاء لأنه ضد الضم، وبسكون اللام، لأنه ضد التحريك، وعلى هذه القراءة تكون لا ناهية لأن النهي ضد النفي.


36 - وفيها وفي نص النساء ثلاثة     أواخر إبراهام لاح وجملا
37 - ومع آخر الأنعام حرفا براءة     أخيرا وتحت الرعد حرف تنزلا
38 - وفي مريم والنحل خمسة أحرف     وآخر ما في العنكبوت منزلا
39 - وفي النجم والشورى وفي الذاريات والـ     حديد ويروي في امتحانه الاولا
40 - ووجهان فيه لابن ذكوان هاهنا     وواتخذوا بالفتح عم وأوغلا



[ ص: 210 ] ضمير (فيها) يعود على السورة التي يتحدث عن اختلاف القراء في مواضع الاختلاف فيها، وهي سورة البقرة، يعني أن المرموز له باللام وهو هشام قرأ لفظ إبراهيم بفتح الهاء وألف بعدها في جميع المواضع في سورة البقرة كما يدل على ذلك إطلاق كلامه، وكذلك قرأ بفتح الهاء وألف بعدها في المواضع الثلاثة الأخيرة في سورة النساء وهي: واتبع ملة إبراهيم حنيفا ، واتخذ الله إبراهيم خليلا ، وأوحينا إلى إبراهيم ، واحترز بالمواضع الأخيرة عن الموضع الأول منها وهو: فقد آتينا آل إبراهيم فإن هشاما يقرؤه كالجماعة. وقرأ أيضا بفتح الهاء وألف بعدها في الموضع الأخير من سورة الأنعام وهو ملة إبراهيم حنيفا ، والتقييد بالآخر احتراز عن جميع ما فيها من لفظ إبراهيم، فإن هشاما يقرؤه كالجماعة، وأيضا حرفا براءة أخيرا وهما:

وما كان استغفار إبراهيم ، إن إبراهيم لأواه حليم ، واحترز بآخر السورة عن كل ما فيها، وكذا قوله تعالى وإذ قال إبراهيم في سورة إبراهيم، وقوله إن إبراهيم كان أمة ، أن اتبع ملة إبراهيم ، والموضعان في النحل، وقوله تعالى: واذكر في الكتاب إبراهيم ، أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم ، ومن ذرية إبراهيم ، والثلاثة في مريم. وقوله تعالى: ولما جاءت رسلنا إبراهيم في العنكبوت، وهو آخر ما فيها. واحترز بالآخر عن قوله تعالى فيها وإبراهيم إذ قال لقومه ، وقوله تعالى: وإبراهيم الذي وفى في النجم، وقوله: وما وصينا به إبراهيم في الشورى، وقوله سبحانه: هل أتاك حديث ضيف إبراهيم في الذاريات، وقوله تعالى: ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم في الحديد، وقوله تعالى: قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم في سورة الممتحنة، وهي الامتحان، وهو الموضع الأول فيها، واحترز به عن الموضع الثاني وهو: إلا قول إبراهيم لأبيه فهذه ثلاثة وثلاثون موضعا قرأها هشام بفتح الهاء وألف بعدها، وقرأ غيرها بكسر الهاء وياء ساكنة بعدها كالجماعة. وقوله (ووجهان فيه لابن ذكوان هاهنا) معناه أن ابن ذكوان قرأ جميع ما في البقرة من لفظ إبراهيم بوجهين: الأول كهشام، والثاني كالجماعة، ويفهم من هذا أن ابن ذكوان يقرأ غير ما في البقرة من سائر المواضع كالجماعة، وعلمت قراءة هشام بفتح الهاء والألف من تلفظه بها، وأما قراءة الجماعة فتعلم من جهة أن هشاما لما قرأ بالفتح وبالألف، وضد الفتح الكسر، ويلزم من الكسر قبل الألف قبلها ياء، علم أن [ ص: 211 ] قراءة الجماعة بكسر الهاء وياء بعدها، هكذا قرر بعض الشراح. وقال العلامة الجعبري: قد علم من اصطلاحه الذي قررناه سابقا أن اللفظ المختلف فيه إذا كان له نظير متفق عليه ذكر الوجه المخالف كالألف هنا، ثم يحيل الآخر على محل الإجماع وهو الياء انتهى. ثم ذكر أن المشار إليهما بكلمة (عم) وهما نافع والشامي قرآ واتخذوا من مقام بفتح الخاء، فتكون قراءة غيرهما بكسرها.


41 - وأرنا وأرني ساكنا الكسر دم يدا     وفي فصلت يروى صفا دره كلا
42 - وأخفاهما طلق وخف ابن عامر     فأمتعه أوصى بوصى كما اعتلا



قرأ ابن كثير والسوسي: وأرنا مناسكنا ، أرنا الله جهرة ، أرني كيف تحي الموتى ، أرني أنظر إليك بسكون الراء. وقرأ السوسي وشعبة وابن كثير وابن عامر أرنا اللذين في فصلت بسكون الراء. وقرأ الدوري عن أبي عمرو بإخفاء الحركة أي اختلاسها في كل ما ذكر. وقرأ الباقون بإشباع كسر الراء في الجميع، والقراءتان سكون الراء وكسرها مأخوذتان من قول الناظم (ساكنا الكسر)، وقرأ ابن عامر فأمتعه بتخفيف التاء، ويلزم منه سكون الميم، وقرأ غيره بفتح الميم وتشديد التاء، لأنه ضد التخفيف ويلزمه فتح الميم، وقرأ ابن عامر، ونافع ( وأوصى بها )، بزيادة ألف بين الواوين مع سكون الواو الثانية وتخفيف الصاد. وقرأ الباقون بحذف الألف مع فتح الواو الثانية وتشديد الصاد وقد لفظ الناظم بالقراءتين معا.

التالي السابق


الخدمات العلمية