الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما بين كون الإنذار عندهم كعدمه عقب ببيان من يتأثر منه فقال سبحانه إنما تنذر أي إنذارا مستتبعا للأثر.

                                                                                                                                                                                                                                      من اتبع الذكر أي القرآن ما روي عن قتادة بالتأمل فيه والعمل به، وقيل: الوعظ، واتبع بمعنى يتبع، والتعبير بالماضي لتحقق الوقوع أو المعنى إنما ينفع إنذارك المؤمنين الذين اتبعوا، ويكون المراد بمن اتبع المؤمنين وبالإنذار الإنذار عما يفرط منهم بعد الاتباع فلا يلزم تحصيل الحاصل، وقيل: المراد من اتبع في علم الله تعالى وهم الأقلون الذين لم يحق القول عليهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وخشي الرحمن أي عقابه ولم يغتر برحمته عز وجل فإنه سبحانه مع عظم رحمته أليم العذاب كما نطق به قوله تعالى: نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم [الحجر: 49] وأن عذابي هو العذاب الأليم، ومما قرر يعلم سر ذكر الرحمن مع الخشية دون القهار ونحوه.

                                                                                                                                                                                                                                      بالغيب حال من المضاف المقدر في نظم الكلام كما أشرنا إليه، أي خشي عقاب الرحمن حال كون العقاب ملتبسا بالغيب أي غائبا عنه، وحاصله خشي العقاب قبل حلوله ومعاينة أهواله، ويجوز أن يكون حالا من فاعل ( خشي ) أي خشي عقاب الرحمن غائبا عن [ ص: 218 ] العقاب غير مشاهد له، أو خشي غائبا عن أعين الناس غير مظهر الخشية لهم، لأنها علانية قلما تسلم عن الرياء، وبعضهم فسر الغيب بالقلب وجعل الجار متعلقا بخشي أي خشي في قلبه ولم يكن مظهرا للخشية وليس بخاش، قيل: ويجوز جعله حالا من ( الرحمن ) ولا يخفى حاله، والكلام في خشي على طرز الكلام في اتبع .

                                                                                                                                                                                                                                      فبشره بمغفرة عظيمة لما سلف، وقيل: لما يفرط منه وأجر كريم حسن لا يقادر قدره لما أسلف، والفاء لترتيب البشارة أو الأمر بها على ما قبلها من اتباع الذكر والخشية. وفي البحر لما أجدت فيه النذارة فبشره الخ، فلا تغفل.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن قتادة تفسير الأجر الكريم بالجنة والمراد نعيمها الشامل لما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأجل جميع ذلك رؤية الله عز وجل.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية