الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قوله ( وبرئ بأداء الأصيل ) أي برئ الكفيل ; لأن براءة الأصيل توجب براءته ; لأنه لا دين عليه في الصحيح وإنما عليه المطالبة فيستحيل بقاؤها بلا دين هكذا ذكر الشارح تبعا للهداية وظاهره أن القائل بأن الكفيل عليه دين لا يبرأ بأداء الأصيل وليس كذلك بل يبرأ إجماعا ; لأن تعدد الدين عند القائل به حكمي فيسقط بأداء واحد . ا هـ .

                                                                                        ( قوله : ولو أبرأ الأصيل أو آخر عنه برئ الكفيل وتأخر عنه ) لما قدمناه أنه يلزم من إبراء الأصيل إبراؤه والتأخير إبراء مؤقت فتعتبر بالإبراء المؤبد وإنما قال أبرأ الأصيل أي أبرأ الطالب ولم يقل لو برئ الأصيل ; لأنه لا يلزم من براءته براءته لما في الخانية ضمن له ألفا على فلان فبرهن فلان أنه كان قضاه إياها قبل الكفالة فإنه يبرأ الأصيل دون الكفيل ولو برهن أنه قضاه بعدها يبرآن . ا هـ .

                                                                                        فقد برئ الأصيل في الوجه الأول فقط ولكن يخرج عنه حينئذ ، مسألة في الخانية هي لو مات الطالب والأصيل وارثه برئ الكفيل أيضا لكون المطلوب ملكا في ذمته فبرأ وبراءته توجب براءته فعلى هذا لو عبر ببرئ لشملها .

                                                                                        ويجاب عما ذكرناه من فرع الخانية السابق بأنه ليس من باب البراءة وإنما تبين أن لا دين على الأصيل [ ص: 246 ] والكفيل عومل بإقراره كما لا يخفى وخرج عن مسألة الكتاب ما إذا تكفل بشرط براءة الأصيل فإن الأصيل يبرأ دون الكفيل لكونها صارت مجازا عن الحوالة وفي جامع الفصولين باع المديون بيع وفاء برئ كفيله فلو تفاسخا لا تعود الكفالة ا هـ .

                                                                                        وهو يدل على أن الدين إذا عاد إلى الأصيل بما هو فسخ لا يعود على الكفيل ، وسيأتي عن التتارخانية بيانه وفي السراج الوهاج ويشترط قبول الأصيل البراءة فإن ردها ارتدت وهل يعود الدين على الكفيل ؟ فيه قولان وموت الأصيل كقبوله وإنما قال أو أخر عنه للاحتراز عما إذا تأخرت المطالبة عن الأصيل لا بتأخير الطالب كالعبد المحجور إذا لزمه شيء بعد عتقه فكفل به إنسان فإن الأصيل تتأخر المطالبة عنه إلى إعتاقه ويطالب كفيله للحال ومنه المكاتب إذا صالح عن دم عمد وكفل به رجل ثم عجز تأخرت المطالبة عن الأصيل دون الكفيل والمسألتان ، في الخانية معللا بأن الأصيل إنما تأخرت عنه لإعساره ومفهومه أن الأصيل لو كان معسرا ليس للطالب مطالبته ويطالب الكفيل لو موسرا ، وفي التتارخانية لو أجل الطالب الأصيل فلم يقبل صار حالا عليهما ولو أجله شهرا ثم سنة دخل الشهر في السنة والآجال إذا اجتمعت انقضت بمرة . ا هـ .

                                                                                        وفي النهاية أن إبراء الأصيل وتأجيله يرتدان بالرد وإبراء الكفيل يرتد بالرد ، وأما تأجيله فلا يرتد بالرد . ا هـ .

                                                                                        قوله ( ولا ينعكس ) أي براءة الكفيل لا توجب براءة الأصيل ولا التأخير عنه يوجب التأخير عن الأصيل لأن عليه المطالبة . وبقاء الدين على الأصيل بدونه جائز قيد بالتأخير أي التأجيل بعد الكفالة بالمال حالا ; لأنه لو كفل بالمال الحال مؤجلا إلى شهر فإنه يتأجل عن الأصيل ; لأنه لا حق له إلا الدين حال وجود الكفالة فصار الأجل داخلا فيه ، أما هاهنا بخلافه ، كذا في الهداية أطلقه في براءة الكفيل فشمل ما إذا قبل أو لم يقبل كما في السراج الوهاج وأشار باقتصاره على عدم براءة الأصيل إلى أن الكفيل إذا أبرأه الطالب فلا رجوع له عليه ، بخلاف ما إذا وهبه الدين أو تصدق به عليه فإن له الرجوع على الأصيل و لا بد من قبول الكفيل في الهبة والصدقة فلو كان الإبراء والهبة بعد موته فقبل الوارث صح فإن رد ورثته ارتد في قول أبي يوسف وبطل الإبراء لأنه إبراء لهم ، وقال محمد لا يرتد بردهم كما لو أبرأه في حياته ثم مات ويستثنى من قوله براءة الكفيل لا توجب براءة الأصيل ما في السراج الوهاج لو أحال الكفيل الطالب على رجل فقبل الطالب والمحال عليه برئ الكفيل والأصيل ; لأن الحوالة حصلت بأصل الدين والدين أصله على المكفول عنه فتضمنت الحوالة براءتهما ولو اشترط الطالب وقت الحوالة براءة الكفيل خاصة برئ الكفيل ولا يبرأ المكفول عنه وللطالب أن يأخذ بدينه أيهما شاء إن شاء الأصيل وإن شاء المحال عليه ولا سبيل له على الكفيل حتى يتوى المال على المحال عليه . ا هـ .

                                                                                        وكذا يستثنى منه ما في الخانية إذا مات الطالب والكفيل وارثه برئ الكفيل عن الكفالة وبقي المال على المكفول عنه على حاله وإن كانت الكفالة بغير [ ص: 247 ] أمره برئ المطلوب أيضا ; لأنه لما مات الطالب صار ذلك المال ميراثا لورثته ، ولو ملك الكفيل المال في حياة الطالب بالقضاء أو الهبة يرجع على المكفول عنه إن كانت الكفالة بأمره وإن كانت بغير أمره لا رجوع . ا هـ .

                                                                                        ففيما إذا مات الطالب والكفيل وارثه وكانت بغير أمره لزم من براءة الكفيل براءة الأصيل ، ثم اعلم أن قول صاحب الهداية فيما قدمناه لو كفل بالمال الحال مؤجلا إلى شهر يتأجل عن الأصيل أيضا محمول على غير القرض لما في التتارخانية ، وإذا كفل بالقرض مؤجلا إلى أجل مسمى فالكفالة جائزة والمال على الكفيل إلى الأجل المسمى وعلى الأصيل حال وعزاه إلى الذخيرة ثم عزا إلى الغياثية لو كفل بالقرض فأخر عن الكفيل جاز ولا يتأخر عن الأصيل ويخالفه ما صرح به في تلخيص الجامع من أنه شامل للقرض ، فإن هذا هو الحيلة في تأجيل القروض وقدمناه في التأجيل وللطرسوسي في أنفع الوسائل كلام فيه فراجعه وفيها ولو كفل بدين مؤجل ثم باعه الكفيل شيئا بالدين قبل حلوله سقط ، ولو أقال البيع أو رد بالتراضي عاد الدين ولم يعد الأجل ولو انفسخت الحوالة بالتوى عاد الأجل .

                                                                                        وكذا لو باع الأصيل الطالب بدينه سقط فلو رد عليه بملك جديد عاد الدين على الأصيل ولم يعد على الكفيل وبالفسخ من كل وجه يعود على الكفيل ولو كان الأجل لأحد الكفيلين أكثر فحل على الآخر وأدى رجع على الأصيل حتى يحل على الآخر أو يرجع الآخر بنصفه ثم يتبعان الأصيل بالنصف . ا هـ .

                                                                                        وإذا لم يكن تأجيل الكفيل تأجيلا للأصيل ، فإذا أدى الكفيل قبل مضي الأجل لا رجوع له على الأصيل حتى يمضي الأجل باتفاق الروايات ، وكذا إذا حل على الكفيل بموته لا يحل على الأصيل وكذا إذا حل على الأصيل بموته لا يحل على الكفيل ، وعن أبي يوسف إذا كان على رجلين ألف مؤجل وكل واحد كفيل عن صاحبه فمات أحدهما أخذ ما عليه بالأصالة ، وأما ما عليه بالكفالة يبقى مؤجلا هو الصحيح ، كذا في التتارخانية .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : وهو يدل على أن الدين إلخ ) قال الرملي تقدم في الكفالة ما هو صريح في ذلك فراجعه . ا هـ .

                                                                                        قلت : وسيأتي قريبا في شرح قوله ولا ينعكس ما يخالفه . ( قوله : وفي السراج الوهاج ويشترط قبول الأصيل إلخ ) قال الرملي وفي التتارخانية نقلا عن المحيط ولو وهب الطالب المال من المطلوب أو أبرأه منه فمات قبل الرد فهو بريء وإن لم يمت ورد الهبة فرده صحيح والمال على المطلوب والكفيل على حاله وإن رد الإبراء هل يبرأ الكفيل لا ذكر لهذه المسألة في شيء من الكتب واختلف المشايخ فيه منهم من قال لا يبرأ فهذا القائل سوى بين الهبة وبين الإبراء ومنهم من قال يبرأ الكفيل ا هـ .

                                                                                        فقوله في الشرح وهل يعود الدين على الكفيل أي بعد رد الأصيل البراءة . ( قوله : وفي التتارخانية لو أجل الطالب الأصيل إلخ ) قال في النهر فيه تأييد لقول من قال في الإبراء المردود أن الدين يعود على الكفيل أيضا .

                                                                                        ( قوله وإبراء الكفيل يرتد بالرد إلخ ) ذكر مثله في الفتح وسيذكر المؤلف في شرح قوله وبطل تعليق البراءة نقل مثله عن الهداية أيضا ثم ذكر بعده عن الخانية لو قال للكفيل أخرجتك عن الكفالة فقال الكفيل لا أخرج لم يصر خارجا قال المؤلف هناك فثبت أن إبراء الكفيل أيضا يرتد بالرد قال في النهر وفيه نظر . ا هـ .

                                                                                        أي لأن قوله أخرجتك ليس إبراء بل هو في معنى الإقالة لعقد الكفالة والإقالة تتم بالمتعاقدين فحيث لم يقبلها الكفيل بطلت فتبقى الكفالة بخلاف الإبراء فإنه محض إسقاط فيتم بالمسقط كذا في شرح المقدسي على نظم الكنز . ( قوله : ويستثنى من قوله براءة الكفيل لا توجب براءة الأصيل إلخ ) قال في النهر لا معنى لهذا الاستثناء بعد أن الكلام في الإبراء بمعنى الإسقاط على أنه في الفرع الأول إنما برئ [ ص: 247 ] الكفيل لبراءة الأصيل وسيأتي في الصلح ما يرشد إليه . ( قوله : وعزاه إلى الذخيرة ) يعني قوله والمال على الكفيل إلى الأجل المسمى وعلى الأصيل حال ، وأما قوله : وإذا كفل بالقرض مؤجلا إلى قوله جائزة فقد رمز للمحيط ، وقوله ولو كفل بدين مؤجل إلى قوله . ا هـ .

                                                                                        هذا ذكره في التتارخانية معزيا إلى الغياثية بعد قوله ولا يتأخر عن الأصيل تنبه قاله الرملي . ( قوله : ويخالفه ما صرح به في تلخيص الجامع إلخ ) نقل بعض الفضلاء عن الفتاوى الهندية تفصيلا فقال : وإذا كان لرجل على رجل ألف درهم حالة من ثمن مبيع فكفل بها رجل إلى سنة فهذا على وجهين إن أضاف الكفيل الأجل إلى نفسه بأن قال أجلني ثبت الأجل في حق الكفيل وحده ، وإذا لم يضف الأجل إلى نفسه بل ذكر مطلقا ورضي به الطالب ثبت الأجل في حق الكفيل والأصيل جميعا . ا هـ . فتأمل لعلك تحظى بالتوفيق .

                                                                                        ( قوله : وللطرسوسي كلام إلخ ) حيث نقل أولا عن شرح مختصر الكرخي للقدوري وعن المحيط وخزانة الأكمل وشرح التكملة وغيرها مثل ما في التتارخانية ثم قال فتحرر لنا من هذا كله أن الكفالة بالقرض إلى أجل تصح وتكون مؤجلة على الكفيل وحده وعلى الأصيل حال كما كان ولا يلتفت إلى ما قاله الحصيري من قوله في التحرير إذا كفل بالقرض إلى أجل يتأجل على الأصيل وهذه الحيلة في تأجيل القرض فإن كل الكتب ترد ذلك ولم يقل هذه العبارة أحد غيره ، وإذا دار الأمر بين أن يفتى بما قاله الحصيري وحده أو بما قاله القدوري وكل الأصحاب فلا يفتى إلا بما قاله القدوري وبقية الأصحاب ولا يفتى بما قاله الحصيري ولا يجوز أن يعمل به وكان بعض القضاة يحكم بما قاله الحصيري من غير أن يعرف أن الحصيري ذكره وإنما يقول سمعنا ذلك من المشايخ أنه هو الحيلة في تأجيل القرض وهو خطأ لا يجوز أن يعمل به .

                                                                                        ( قوله : وبالفسخ من كل وجه يعود على الكفيل إلخ ) قال الرملي قدم في الإقالة عن الصغرى ولو رده بعيب بقضاء كان فسخا من كل وجه فيعود الأجل كما كان ولو كان بالدين كفيل لا تعود الكفالة في الوجهين . ا هـ .

                                                                                        فهو مخالف لما هنا فتأمل وأقول : أعقب هذا في التتارخانية بنقول مخالفة لهذا فنقل عن المحيط أنه يبرأ الكفيل سواء كان الرد بعيب بقضاء أو برضا وما ذكره في هذا الشرح عنه نقله عن الفتاوى العتابية ونقل بعده عن السغناقي عن المبسوط التفصيل بين الرد بالقضاء فيعود على الكفيل وبين الرد بالرضا فلا يعود .

                                                                                        والحاصل أن فيها خلافا بينهم تنبه . ( قوله : وأما ما عليه بالكفالة يبقى مؤجلا هو الصحيح ) قال الغزي هذا التصحيح مشكل فإن المنصوص عليه في الكتب المعتمدة وذكره المصنف أيضا أن المال المكفول به يحل بموت الكفيل ومقتضاه أن يكون ما عليه بالكفالة حالا أيضا وإن لم يحل على الأصيل قال شيخ الإسلام عبد البر في شرح الوهبانية فإن كان المال المكفول مؤجلا في المبسوط أنه يحل بموت الكفيل ويؤخذ [ ص: 248 ] من تركته ولا ترجع الورثة على المكفول حتى يحل الأجل وفي المجمع أن زفر يقول إن ورثة الكفيل يرجعون في الحال ويسقط اعتبار الأجل . ا هـ .

                                                                                        وفي الولوالجية ولو مات الكفيل قبل الأجل حل عليه لأن الأجل يسقط بموت من له الأجل فإن أدى ورثته لم يرجعوا على المطلوب إلا إلى أجله ; لأن الكفيل إنما يستحق الرجوع على الأصيل بالتزامه ، وقد التزم الدين مؤجلا فلا يستحق الرجوع بالدين معجلا ولا تقوم الورثة مقامه في الرجوع فلو مات المطلوب قبل أجله حل عليه ولم يحل على الكفيل أما الأصيل فلأنه مات من له الأجل ، وأما الكفيل فلأنه لو أسقط الأصيل في حياته الأجل يسقط في حقه ولا يسقط في حق الكفيل ; لأنه يريد أن يلزم الكفيل زيادة لم يلتزمها الكفيل فكذا إذا سقط الأجل بموته . ا هـ . كذا في حاشية الرملي .




                                                                                        الخدمات العلمية