الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قوله ( والاجتهاد شرط الأولوية ) وهو لغة بذل الطاقة في تحصيل ذي كلفة ، واصطلاحا ذلك من الفقه في تحصيل حكم شرعي ظني كما في التحرير واختلفوا في المجتهد فقيل أن يعلم الكتاب بمعانيه والسنة بطرقها ، والمراد بعلمهما علم ما يتعلق به الأحكام منهما من العام والخاص والمشترك والمؤول والنص والظاهر والناسخ والمنسوخ ومعرفة الإجماع والقياس ولا يشترط حفظه لجميع القرآن ولا لبعضه عن ظهر القلب بل يكفي أن يعرف مظان أحكامها في أبوابها فيراجعها وقت الحاجة ولا يشترط التبحر في هذه العلوم ولا بد له من معرفة لسان العرب لغة وإعرابا ، وأما الاعتقاد فيكفيه اعتقاد جازم ولا يشترط معرفتها على طريق المتكلمين وأدلتهم ; لأنها صناعة لهم ويدخل في السنة أقوال الصحابة فلا بد من معرفتها ; لأنه قد يقيس مع وجود قول الصحابي ولا بد له من معرفة عرف الناس ، وهو معنى قولهم ولا بد أن يكون صاحب قريحة وفي القاموس والقريحة أول ماء يستنبط من القرح كالبئر ، وأول كل شيء ومنك طبعك ، والاقتراح ارتجال الكلام واستنباط الشيء من غير سماع والاجتباء والاختيار وابتداع الشيء والتحكم ا هـ .

                                                                                        وفي مناقب الإمام محمد الكردري كان محمد يذهب إلى الصباغين ، ويسأل عن معاملاتهم وما يديرونها فيما بينهم ، وكان الكسائي يختلف إلى محمد فقال له يوما أكثر ما تقولون وعلى هذا معاني كلم الناس ما أنتم وهذا القول لا يعرفه إلا الحذاق من أهل هذه الصناعة فمن أتقن هذه الجملة فهو أهل للاجتهاد فيجب عليه أن يعمل باجتهاده ، ولا يقلد أحدا وقوله شرط الأولوية يفيد أن تولية الجاهل صحيحة عندنا ; لأن المقصود من القضاء وهو إيصال الحق إلى مستحقه يحصل بالعمل بفتوى غيره وفي البزازية من كتاب الإيمان قبيل الثالث والعشرين المفتي يفتي بالديانة والقاضي يقضي بالظاهر إلى أن قال دل أن الجاهل لا يمكنه القضاء بالفتوى أيضا فلا بد من كون القاضي الحاكم في الدماء والفروج عالما دينا كالكبريت الأحمر وأين الكبريت الأحمر وأين الدين والعلم ا هـ .

                                                                                        وذكر يعقوب باشا ويعلم من الدليل أن المراد من الجاهل من لا يقدر على أخذ المسائل من كتب الفقه وضبط أقوال الفقهاء كما لا يخفى مع أن المراد منه المقلد بقرينة جعل الاجتهاد شرط الأولوية . ا هـ .

                                                                                        وهكذا في إيضاح الإصلاح ، وجوز في العناية أن يراد بالجاهل المقلد لكونه ذكر في مقابلة المجتهد ، وأن يراد من لا يحفظ شيئا من أقوال الفقهاء وهو المناسب لسياق الكلام لقوله في دليل الشافعي ولا قدرة بدون العلم ، ولم يقل بدون الاجتهاد . ا هـ .

                                                                                        وأما معناه لغة واصطلاحا فقدمناهما ، وأما حكمه فهو غلبة الظن بالحكم مع احتمال الخطأ ورأيت في حجج الدلائل أن الظن الغالب غير غلبة الظن لتغير الثاني دون الأول ، وقد يقال المقلد أيضا يعمل بفتوى غيره ولو أخذها من الكتب ، وحاصل شرائط المجتهد على ما في التلويح والتحرير الإسلام والبلوغ والعقل وكونه فقيه النفس بمعنى شديد الفهم بالطبع وعلمه باللغة العربية أي الصرف والنحو والمعاني والبيان والأصول ، وكونه حاويا لعلم كتاب الله [ ص: 289 ] تعالى مما يتعلق بالأحكام ، وكونه عالما بالحديث متنا وسندا وناسخا ومنسوخا ولا يشترط فيه بعد صحة العقيدة علم الكلام ولا تفاريع الفقه ولا الذكورة والحرية ولا العدالة فللفاسق الاجتهاد ليعمل بنفسه ، وأما غيره فلا يعمل به ، ويشترط كونه عالما بوجوه القياس وفي الحقيقة اشتراط علمه بالأصول يغني عنه ، ولا بد من معرفة الإجماع ومواقعه ومن معرفة عادات الناس ، فالحاصل أن الشرائط أربعة عشر شرطا ، وأما ركنه فالمجتهد وهو ما قدمناه والمجتهد فيه وهو حكم شرعي ظني عليه دليل

                                                                                        [ ص: 287 - 288 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 287 - 288 ] ( قوله وذكر يعقوب باشا ) أي في حاشيته على صدر الشريعة وعبارته وعند الشافعي لا يصح تقليد الفاسق والجاهل ، ودليله على عدم صحة تقليد الجاهل أن الأمر بالقضاء يستدعي القدرة عليه ولا قدرة بدون العلم ، ودليلنا على صحته أنه يمكنه أن يقضي بفتوى غيره ، ومقصود القاضي يحصل به وهو إيصال الحق إلى مستحقه كذا في الهداية ، ويعلم من هذا إلخ وفي الفواكه البدرية لابن الغرس ما ملخصه ليس مرادهم بالجاهل العامي المحض بل لا بد من تأهل العلم والفهم ، وأقله أن يحسن بعض الحوادث والمسائل الدقيقة ، وأن يعرف طريق تحصيل الأحكام الشرعية من كتب المذهب وصدور المشايخ ، وكيفية الإيراد والإصدار في الوقائع مع الدعاوى والحجج ، ويدل على ذلك قولهم العالم [ ص: 289 ] إذا تعين للقضاء وجب عليه قبوله وإذا تركه أثم وما لم يتعين فالترك أفضل ، وإذا كان الجاهل أهلا للقضاء فمتى يتعين قال في النهر وأقول : وجود الجاهل لا يمنع من تعينه ، وذلك أنه إذا لم يوجد غيره ، ولم يقبل أثم وإن وجد جاهل تصح توليته




                                                                                        الخدمات العلمية