الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 225 ] قرأ البزي بتشديد التاء وصلا في الفعل المضارع في أحد وثلاثين موضعا باتفاق، وموضعين باختلاف، وهي: ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون في البقرة، إن الذين توفاهم الملائكة في النساء، ولا تفرقوا في آل عمران، فتفرق بكم عن سبيله في الأنعام، ولا تعاونوا على الإثم في العقود المائدة، " فإذا هي تلقف " بالأعراف والشعراء، تلقف ما صنعوا بطه، ما ننزل الملائكة بالحجر، على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك كلاهما بالشعراء، تنزل الملائكة في القدر، ما لكم لا تناصرون في الصافات، نارا تلظى في الليل، إذ تلقونه في النور، لا تكلم نفس في هود، وإن تولوا فإني أخاف عليكم ، فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به في هود، فإن تولوا فإنما عليه ما حمل في النور، وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم في الممتحنة، ولا تولوا عنه ، ولا تنازعوا فتفشلوا في الأنفال ، ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ، ولا أن تبدل بهن كلاهما في الأحزاب، قل هل تربصون بنا في التوبة، تكاد تميز بالملك، إن لكم فيه لما تخيرون بالقلم، فأنت عنه تلهى في عبس، وقبائل لتعارفوا في الحجرات، وفيها ولا تنابزوا بالألقاب ، ولا تجسسوا ، وهذان الحرفان واقعان في السورة قبل لتعارفوا وكل منهما وقع بعد كلمة (ولا)، وهذه آخر الكلمات المعدودة الإحدى والثلاثين المشددة للبزي باتفاق الناقلين عنه.

وأما الموضعان المختلف عنه فيهما فهما: ولقد كنتم تمنون الموت بآل عمران، فظلتم تفكهون في الواقعة، ولكن الذي حققه أهل العلم أن تشديد التاء في هذين الموضعين عن البزي ليس من طريق الحرز ولا التيسير، فينبغي الاقتصار له فيهما على التخفيف كالجماعة. وقرأ غير البزي بالتخفيف في جميع ما تقدم، والتخفيف حذف إحدى التاءين، فتصير تاء واحدة خفيفة، ولا خلاف بين القراء أن الابتداء لا يكون إلا بالتخفيف لا فرق في ذلك بين البزي وغيره، أي بتاء واحدة.

تنبيهات:

الأول: أراد الناظم من قوله: (شدد تيمموا) هذا اللفظ بعينه، فخرج فتيمموا صعيدا طيبا فلا تشديد فيه لأحد.

الثاني: خص لفظ (توفى) في النساء في إن الذين توفاهم الملائكة فخرج نحو الذين تتوفاهم الملائكة فلا تشديد فيه.

[ ص: 226 ] الثالث: قيد ولا تفرقوا بآل عمران فخرج ولا تتفرقوا بالشورى، لأن فيه تاءين، وخرج وما تفرقوا إلا من بعد ، وما تفرق الذين أوتوا الكتاب لأن كلا منهما فعل ماض، والتشديد خاص بالمضارع.

الرابع: قيد تعاونوا في العقود بوقوعها بعد لا، فخرج وتعاونوا على البر والتقوى لأنه فعل أمر، ولم يقع بعد لا، فليس فيه تشديد.

الخامس: حصر لفظ (تولوا) في خمسة مواضع: في الأنفال موضع، وفي هود موضعان، وفي النور موضع، وفي الممتحنة موضع، وقد سبق بيان هذه المواضع كلها، فكل ما خرج عن هذه المواضع لا يشدد نحو: وإن تولوا فإنما هم في شقاق في البقرة، وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم بالأنفال، ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون بها أيضا، فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم بالمائدة، فإن تولوا فقل حسبي الله بالتوبة، فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء بالأنبياء، فهذه الأفعال كلها لا تشديد فيها لأنها كلها أفعال ماضية. وأما فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين بآل عمران، فيحتمل أن يكون ماضيا فلا يشدد، وأن يكون مضارعا فيشدد، ولكنه لم يشدد ولم يذكر في هذه التاءات لعدم القطع بكونه مضارعا.

والخلاصة: أن التشديد خاص بالمواضع الخمسة للقطع بكونها أفعالا مضارعة، وأما غيرها فلا تشديد فيه، إما لكونه مقطوعا بأنه ماض، وإما لكونه مشكوكا في كونه مضارعا أو ماضيا.

السادس: حصر الناظم (تنزل) في أربعة مواضع فخرج نحو: وما تنزلت به الشياطين فليس فيه تشديد.

السابع: يتضح من أمثلة التاء أن الحرف الذي قبلها ثلاثة أقسام: متحرك نحو: تكاد تميز ، فتفرق بكم ، ساكن صحيح نحو: إذ تلقونه ، فإن تولوا ، حرف مد نحو: لا تناصرون ، ولا تعاونوا على الإثم ، فإن كان قبلها متحرك أو ساكن صحيح، فالأمر ظاهر، وإن كان قبلها حرف مد فإنه يتعين إثباته ومده مدا مشبعا بمقدار ثلاث ألفات أي: ست حركات، مثل: {دابة}، {الطامة}، ومن حرف المد: فأنت عنه تلهى ، فيجب إثبات صلة الهاء ومدها مدا مشبعا، وهذا معنى قوله (قبله الهاء وصلا).

[ ص: 227 ]

92 - نعما معا في النون فتح كما شفا وإخفاء كسر العين صيغ به حلا



قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بفتح النون في كلمة نعما في الموضعين: إن تبدوا الصدقات فنعما هي في هذه السورة، إن الله نعما يعظكم به في النساء. وهذا معنى قوله: (معا) فتكون قراءة الباقين بكسر النون، وقرأ شعبة، وقالون، وأبو عمرو، بإخفاء كسر العين، والمراد بالإخفاء: الاختلاس، فتكون قراءة غيرهم بإتمام كسر العين.

والحاصل: أن ابن عامر وحمزة والكسائي يقرءون بفتح النون وكسر العين كسرا كاملا، وأن ورشا، وابن كثير وحفصا يقرءون بكسرهما، وأن قالون وأبا عمرو وشعبة يقرءون بكسر النون واختلاس كسرة العين، وقد ورد النص عن قالون، وأبي عمرو، وشعبة بإسكان العين أيضا، وصرح بجواز هذا الوجه لهم صاحب التيسير، فيكون لكل واحد منهم في العين وجهان اختلاس كسرتها وإسكانها، ومع كل من الوجهين في العين كسر النون، وعلى وجه إسكان العين يتعين تشديد الميم وغنها.


93 - ويا ويكفر عن كرام وجزمه     أتى شافيا والغير بالرفع وكلا



قرأ حفص وابن عامر: ويكفر عنكم بالياء، فتكون قراءة غيرهما بالنون. وقرأ نافع وحمزة والكسائي بجزم الراء، فتكون قراءة غيرهم برفعها، وقد صرح بهذا في قوله: (والغير بالرفع وكلا).

والخلاصة: أن نافعا وحمزة والكسائي يقرءون بالنون وجزم الراء، وأن حفصا، وابن عامر يقرءان بالياء ورفع الراء، وأن الباقين وهم: ابن كثير، وأبو عمرو، وشعبة يقرءون بالنون ورفع الراء. ويؤخذ من هذا كله: أن أحدا لم يقرأ بالياء وجزم الراء. وقول الناظم: (والغير بالرفع وكلا) زيادة إيضاح، لأن الاصطلاح: أن الجزم ضده الرفع.


94 - ويحسب كسر السين مستقبلا سما     رضاه ولم يلزم قياسا مؤصلا



قرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، والكسائي (يحسب)، بكسر السين إذا كان مستقبلا مضارعا سواء كان مبدوءا بالياء نحو: يحسب أن ماله أخلده ، أيحسب أن لم يره أحد أم بالتاء نحو: أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون ، وسواء تجرد عن الضمير كهذه [ ص: 228 ] الأمثلة، أم اتصل به نحو: يحسبه الظمآن ماء ، يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ، ويحسبون أنهم على شيء ، وسواء كان مجردا من التوكيد كهذه الأمثلة، أم مصاحبا له نحو: فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله ، لا تحسبن الذين يفرحون ، فإطلاق الناظم تناول هذه الأنواع كلها، فأهل (سما) والكسائي يقرءون بكسر السين في هذه الأنواع وأشباهها حيث وقعت في القرآن المجيد، وقد يقال: إن الفعل المضارع في أصل وضعه صالح للحال والاستقبال، ويعينه لأحد المعنيين: قرينة لفظية أو حالية، وظاهر كلام الناظم يفيد أن محل الاختلاف بين القراء هو الفعل المضارع الدال على الاستقبال، فهل الحكم كذلك، أو محل الاختلاف: هو الفعل المضارع مطلقا، وإذا كان الأمر كذلك، فما معنى قول الناظم (مستقبلا)؟

ويجاب عن هذا بأن محل اختلاف القراء هو الفعل المضارع مطلقا، سواء كان للحال أو للاستقبال. وأما قول الناظم: (مستقبلا) فمعناه: الصالح للاستقبال، سواء استعمل فيه أم في الحال، فالمراد الاحتراز عن الماضي، وقرأ ابن عامر، وعاصم، وحمزة بفتح السين في هذا الفعل حيث ورد وكيف أتى في القرآن العظيم.

وقول الناظم: (مستقبلا) بدل بطريق المفهوم على أن الفعل الماضي لا خلاف فيه بين القراء نحو: أحسب الناس أن يتركوا ، وحسبوا ألا تكون فتنة ، أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ، وقوله (ولم يلزم) إلخ، الضمير فيه يعود على الكسر، وقياسا مفعول به ليلزم. و(مؤصلا) صفة قياسا.

المعنى: أن كسر السين في (يحسب) لم يوافق القياس الذي جعل أصلا يعتمد عليه، بل خرج عنه لأن الفعل الماضي المكسور العين مثل: فهم علم، فقه، شرب. القياس في مضارعه فتح العين نحو: يفهم، يعلم، يفقه، يشرب، وحينئذ تكون قراءة الكسر سماعية، وقراءة الفتح قياسية.


95 - وقل فأذنوا بالمد واكسر فتى صفا     وميسرة بالضم في السين أصلا



قرأ حمزة وشعبة فأذنوا بحرب بالمد أي: بإثبات ألف بعد الهمزة، ويلزم من إثبات ألف بعدها فتحها وبكسر الذال، وقرأ غيرهما بهمزة ساكنة مع فتح الذال كما نطق به. وقرأ نافع، ميسرة بضم السين، وقرأ غيره بفتحها.

[ ص: 229 ]

96 - وتصدقوا خف نما ترجعون قل     بضم وفتح عن سوى ولد العلا



قرأ عاصم تصدقوا خير لكم ، بتخفيف الصاد، فتكون قراءة غيره بتشديدها. وقرأ السبعة إلا أبا عمرو: واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله بضم التاء وفتح الجيم، وقرأ أبو عمرو بفتح التاء وكسر الجيم.


97 - وفي أن تضل الكسر فاز وخففوا     فتذكر حقا وارفع الرا فتعدلا



قرأ حمزة أن تضل بكسر الهمزة وغيره بفتحها، وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو فتذكر بتخفيف الكاف، ويلزمه سكون الذال، وقرأ غيرهما بتشديد الكاف ويلزمه فتح الذال، وقرأ حمزة برفع الراء وغيره بنصبها، فتكون قراءة ابن كثير، وأبي عمرو، بالتخفيف ونصب الراء، وقراءة حمزة بالتشديد ورفع الراء، وقراءة الباقين بالتشديد ونصب الراء.


98 - تجارة انصب رفعه في النسا ثوى     وحاضرة معها هنا عاصم تلا



قرأ الكوفيون إلا أن تكون تجارة عن تراض في النساء بنصب التاء، وقرأ غيرهم برفعها، وقرأ عاصم (حاضرة) مع (تجارة)، في هذه السورة بالنصب في كلا اللفظين، والباقون بالرفع فيهما.


99 - وحق رهان ضم كسر وفتحة     وقصر ويغفر مع يعذب سما العلا
100 - شذا الجزم والتوحيد في وكتابه     شريف وفي التحريم جمع حمى علا



قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، فرهان مقبوضة بضم كسر الراء، وضم فتح الهاء، وبالقصر أي بضم الراء والهاء وحذف الألف. فالمراد بالقصر: حذف الألف، فتكون قراءة الباقين بكسر الراء وفتح الهاء وإثبات ألف بعدها كما لفظ به. وقرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة والكسائي فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء بجزم الراء في الفعل الأول والباء في الثاني، فتكون قراءة الباقين برفع الفعلين، وقرأ حمزة والكسائي (وكتابه ورسله) بكسر الكاف وفتح التاء وألف بعدها على التوحيد، فتكون قراءة الباقين بضم [ ص: 230 ] الكاف والتاء وحذف الألف على الجمع. وقرأ أبو عمرو، وحفص وكتبه وكانت من القانتين آخر سورة التحريم بضم الكاف والتاء من غير ألف على الجمع. وقرأ غيرهما بكسر الكاف وفتح التاء وألف بعدها على التوحيد.


101 - وبيتي وعهدي فاذكروني مضافها     وربي وبي مني وإني معا حلا



في هذه السورة ثمان من ياءات الإضافة المختلف فيها بين القراء فتحا وإسكانا: بيتي للطائفين ، عهدي الظالمين ، فاذكروني أذكركم ، ربي الذي يحيي ويميت ، وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ، فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده ، إني أعلم ما لا تعلمون ، إني أعلم غيب السماوات والأرض .

التالي السابق


الخدمات العلمية