الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
قال المصنف رحمه الله تعالى ( nindex.php?page=treesubj&link=2568_2611والأفضل أن يعتكف بصوم . { nindex.php?page=hadith&LINKID=29510لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في شهر رمضان } فإن اعتكف بغير صوم جاز لحديث nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه " { nindex.php?page=hadith&LINKID=8799إني نذرت أن أعتكف ليلة في الجاهلية فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أوف بنذرك } ولو كان الصوم شرطا ، لم يصح بالليل وحده . وإن نذر أن يعتكف يوما بصوم فاعتكف بغير صوم ففيه وجهان قال nindex.php?page=showalam&ids=12094أبو علي الطبري : يجزئه الاعتكاف عن النذر ، وعليه أن يصوم يوما ; لأنهما عبادتان تنفرد كل واحدة منهما عن الأخرى فلم يلزم الجمع بينهما بالنذر كالصوم والصلاة ، وقال عامة أصحابنا : لا يجزئه ، وهو المنصوص في الأم ; لأن الصوم صفة مقصودة في الاعتكاف فلزم بالنذر كالتتابع ، ويخالف الصوم والصلاة ، لأن أحدهما ليس صفة مقصودة في الآخر ) .
( الشرح ) أما اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان فصحيح ثابت في الصحيحين من رواية nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة nindex.php?page=showalam&ids=44وأبي سعيد الخدري وصفية أم المؤمنين وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم . ( وأما ) حديث nindex.php?page=showalam&ids=2عمر فرواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم كما سبق ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري " أوف بنذرك ، اعتكف ليلة " وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080لمسلم " قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=43470يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوما قال : اذهب فاعتكف يوما } .
( أما الأحكام ) فقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب : الأفضل أن يعتكف صائما ، ويجوز بغير صوم ، وبالليل ، وفي الأيام التي لا تقبل [ ص: 509 ] الصوم ، وهي العيد والتشريق . هذا هو المذهب ، وبه قطع الجماهير في جميع الطرق . وحكى nindex.php?page=showalam&ids=14048الشيخ أبو محمد الجويني وولده إمام الحرمين وآخرون قولا قديما أن الصوم شرط ، فلا يصح nindex.php?page=treesubj&link=2558_2568الاعتكاف في يوم العيد والتشريق ، ولا في الليل المجرد . قال إمام الحرمين : قال الأئمة : إذا قلنا بالقديم ، لم يصح الاعتكاف بالليل لا تبعا ولا منفردا ، ولا يشترط nindex.php?page=treesubj&link=2568الإتيان بصوم من أجل الاعتكاف ، بل يصح الاعتكاف في رمضان ، وإن كان صومه مستحقا شرعا مقصودا ، والمذهب أن الصوم ليس بشرط ، وسنبسط أدلته إن شاء الله تعالى في فرع مذاهب العلماء ، فإذا قلنا بالمذهب فنذر أن يعتكف يوما هو فيه صائم ، أو أياما هو فيها صائم ، لزمه الاعتكاف بصوم بلا خلاف ، وليس له إفراد الصوم عن الاعتكاف ولا عكسه بلا خلاف ، صرح به المتولي والبغوي والرافعي وآخرون . قالوا : ولو اعتكف هذا الناذر في رمضان أجزأه ، لأنه لم يلتزم بهذا النذر صوما ، وإنما نذر الاعتكاف بصفة ، وقد وجدت ، قال المتولي : وكذا لو nindex.php?page=treesubj&link=2568اعتكف في غير رمضان صائما عن قضاء أو عن نذر أو عن كفارة أجزأه ; لوجود الصفة .
( أما ) nindex.php?page=treesubj&link=2611_4192إذا نذر أن يعتكف صائما أو يعتكف بصوم ، فإنه يلزمه الاعتكاف والصوم ، وهل يلزمه الجمع بينهما ؟ فيه الوجهان اللذان ذكرهما المصنف بدليلهما وهما مشهوران .
( أحدهما ) لا يلزمه ، بل له إفرادهما ، قاله nindex.php?page=showalam&ids=12094أبو علي الطبري ( وأصحهما ) يلزمه ، وهو قول جمهور أصحابنا المتقدمين وهو المنصوص في الأم كما ذكره المصنف ، وهو الصحيح عند المصنفين ، فعلى هذا لو شرع في الاعتكاف صائما ثم أفطر لزمه أن يستأنف الصوم والاعتكاف ، وعلى الأول يكفيه استئناف الاعتكاف ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=2611_2584_28059_4192نذر اعتكاف أيام وليال متتابعة صائما فجامع ليلا ، ففيه هذان الوجهان ( أصحهما ) يستأنفهما .
( والثاني ) يستأنف الصوم دون الاعتكاف ، لأن الاعتكاف لم يفسد ، ولو اعتكف في رمضان أجزأه على وجه nindex.php?page=showalam&ids=12094أبي علي الطبري عن الاعتكاف ، وعليه أن يصوم ، ولا يجزئه على الصحيح المنصوص ، [ ص: 510 ] بل يلزمه استئنافهما ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=2611_4192نذر أن يصوم معتكفا فطريقان ( أحدهما ) وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=14048الشيخ أبو محمد الجويني : لا يلزمه الجمع بينهما ، بل له تفريقهما وجها واحدا ، لأن الاعتكاف لا يصلح وصفا للصوم بخلاف عكسه ، فإن الصوم من مندوبات الاعتكاف ( وأصحهما ) وبه قال الأكثرون فيه الوجهان السابقان كعكسه ( أصحهما ) وبه قال الجمهور لزوم الجمع . قال إمام الحرمين : لا أرى لما قاله nindex.php?page=showalam&ids=14048أبو محمد وجها ، بل يجري الوجهان سواء نذر الصوم معتكفا أو الاعتكاف صائما ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=2610_4192نذر أن يصلي معتكفا أو يعتكف مصليا لزمه الاعتكاف والصلاة ، وفي لزوم الجمع بينهما طريقان حكاهما المتولي والبغوي وآخرون .
( أحدهما ) أنه على الوجهين فيمن نذر الاعتكاف صائما ( وأصحهما ) وبه قطع إمام الحرمين وغيره من المحققين لا يجب الجمع بينهما ، بل له التفريق وجها واحدا والفرق أن الصوم والاعتكاف متقاربان في أن كلا منهما بخلاف الصلاة فإنها أفعال مباشرة لا تناسب الاعتكاف ، فلم يشترط جمعهما ، فإن لم يوجب الجمع بين الاعتكاف والصلاة ، فالذي يلزمه من الصلاة هو الذي يلزمه لو أفرد الصلاة بالنذر ، وهي ركعتان في أصح القولين ، وركعة في الآخر . وإن أوجبنا الجمع لزمه ذلك القدر في يوم اعتكافه ، ولا يلزمه استيعاب اليوم بالصلاة ، فإن نذر اعتكاف أيام مصليا ، لزمه ركعتان لكل يوم على الأصح أو ركعة في القول الآخر ، ولا يلزمه أكثر من ذلك ، هكذا جزم به البغوي وغيره . قال الرافعي : ولك أن تقول : إن ظاهر اللفظ يقتضي الاستيعاب ، فإن تركنا الظاهر فلماذا يعتبر تكرير القدر الواجب من الصلاة كل يوم ؟ وهلا اكتفى به واحدة عن جميع الأيام ؟ ولو نذر أن يصوم مصليا لزمه الصوم والصلاة ولا يلزمه الجمع بينهما بالاتفاق ، وقد صرح به المصنف في قياسه ، ووافقه الأصحاب ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=4192نذر القران بين الحج والعمرة فله تفريقهما وهو أفضل ، هذا هو الصواب المعروف وأشار إمام الحرمين هنا في قياسه إلى وجوب جمعهما فإنه قال في توجيه أصح الوجهين فيمن نذر الاعتكاف صائما : إنه يلزمه الجمع كما لو نذر أن يقرن بين الحج والعمرة ، وهذا الذي قاله شاذ مردود بل غلط لا يعد خلافا والمسألة [ ص: 511 ] مشهورة بجواز التفريق ، وسنزيدها إيضاحا في كتاب النذر إن شاء الله تعالى ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=4180_4192نذر أن يصلي صلاة يقرأ فيها سورة معينة لزمه الصلاة ، وقراءة السورة ، وفي لزوم الجمع بينهما وجواز التفريق الوجهان السابقان ، فيمن نذر الاعتكاف صائما قاله nindex.php?page=showalam&ids=15021القفال وتابعه إمام الحرمين وآخرون وهو ظاهر .
( فرع ) لو nindex.php?page=treesubj&link=4192_27114نذر أن يعتكف شهر رمضان ففاته لزمه اعتكاف شهر آخر ، ولا يلزمه الصوم بلا خلاف ، صرح به أصحابنا ، منهم الصيدلاني ، لأنه لم يلزمه الصوم وإنما كان يحصل الصوم لو اعتكف في رمضان اتفاقا .
( فرع ) في nindex.php?page=treesubj&link=2568مذاهب العلماء في الصوم في الاعتكاف . قد ذكرنا أن مذهبنا أنه مستحب وليس شرطا لصحة الاعتكاف على الصحيح عندنا وبهذا قال nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر ، وهو أصح الروايتين عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، قال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : وهو مروي عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس وعائشة nindex.php?page=showalam&ids=16561وعروة nindex.php?page=showalam&ids=15والزبير والزهري nindex.php?page=showalam&ids=0016867ومالك والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وإسحاق في رواية عنهما : لا يصح إلا بصوم . قال القاضي عياض : وهو قول جمهور العلماء . واحتج لهؤلاء { بأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف هو وأصحابه رضي الله عنهم صياما في رمضان } وبحديث nindex.php?page=showalam&ids=16070سويد بن عبد العزيز عن nindex.php?page=showalam&ids=16006سفيان بن حسين عن الزهري عن عروة عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=29844لا اعتكاف إلا بصيام } رواه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني وقال : تفرد به سويد عن nindex.php?page=showalam&ids=16006سفيان بن حسين ( قلت ) بكيرا بن عبد العزيز ضعيف باتفاق المحدثين . وعن عبد الله بن بديل عن عمرو بن دينار عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر { nindex.php?page=hadith&LINKID=23414أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن اعتكاف عليه فأمره أن يعتكف ويصوم } رواه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني ، وقال : تفرد به ابن بديل [ ص: 512 ] وهو ضعيف ، وفي رواية قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=13589اعتكف وصم } قال nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : سمعت أبا بكر النيسابوري يقول : هذا حديث منكر .
واحتج أصحابنا بحديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة { nindex.php?page=hadith&LINKID=3016أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول من شوال } رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بهذا اللفظ ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وقال : " عشرة من شوال " والمراد به الأول كما في رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، وهذا يتناول اعتكاف يوم العيد ، ويلزم من صحته أن الصوم ليس بشرط ، وبحديث nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه { nindex.php?page=hadith&LINKID=8358أنه نذر أن يعتكف ليلة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أوف بنذرك } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري { nindex.php?page=hadith&LINKID=8800أوف بنذرك اعتكف ليلة } وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080لمسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=12867إني نذرت أن أعتكف يوما ، فقال : اذهب فاعتكف يوما } . وهذا لا يخالف رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ولا الرواية المشهورة ; لأنه يحتمل أنه سأله عن اعتكاف ليلة وسأله عن اعتكاف يوم فأمره بالوفاء بما نذر فيحصل منه صحة اعتكاف الليلة وحدها ، ويؤيد هذا رواية nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر { nindex.php?page=hadith&LINKID=6638أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : أوف بنذرك ، فاعتكف nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ليلة } رواه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني وقال : إسناده صحيح ثابت ، وبحديث nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=33857ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه } رواه الحاكم أبو عبد الله في المستدرك قال : هو حديث صحيح على شرط nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني وقال رفعه هذا الشيخ وغيره ولا يرفعه ، يعني أبا بكر محمد بن إسحاق السوسي . وقد ذكرنا مرات أن الحديث الذي يرويه بعض الثقات مرفوعا وبعضه موقوفا يحكم بأنه مرفوع لأنها زيادة ثقة ، هذا هو الصحيح الذي عليه المحققون ، وبه قال الفقهاء وأصحاب الأصول وحذاق المحدثين .
( وأما الجواب ) عما احتج به الأولون من اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في رمضان فمحمول على الاستحباب لا على الاشتراط ، ولهذا ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في شوال كما قدمناه ، فوجب حمل الأول على الاستحباب للجمع بين الأحاديث ، مع أنه لا يلزم من مجرد الاعتكاف في رمضان اشتراط الصوم ، [ ص: 513 ] واستدل nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني أيضا بأنه لو كان الصوم شرطا لم يصح الاعتكاف في رمضان ، لأن صومه مستحق لغير الاعتكاف .
( وأما الجواب ) عن حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة { nindex.php?page=hadith&LINKID=29844لا اعتكاف إلا بصوم } فمن وجهين ( أحدهما ) أنه ضعيف بالاتفاق كما سبق بيانه ( والثاني ) لو ثبت لوجب حمله على الاعتكاف الأكمل جمعا بين الأحاديث . وأما الجواب عن حديث عبد الله بن بديل فمن هذين الوجهين . .
( الشرح ) أما اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان فصحيح ثابت في الصحيحين من رواية nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة nindex.php?page=showalam&ids=44وأبي سعيد الخدري وصفية أم المؤمنين وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم . ( وأما ) حديث nindex.php?page=showalam&ids=2عمر فرواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم كما سبق ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري " أوف بنذرك ، اعتكف ليلة " وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080لمسلم " قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=43470يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوما قال : اذهب فاعتكف يوما } .
( أما الأحكام ) فقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب : الأفضل أن يعتكف صائما ، ويجوز بغير صوم ، وبالليل ، وفي الأيام التي لا تقبل [ ص: 509 ] الصوم ، وهي العيد والتشريق . هذا هو المذهب ، وبه قطع الجماهير في جميع الطرق . وحكى nindex.php?page=showalam&ids=14048الشيخ أبو محمد الجويني وولده إمام الحرمين وآخرون قولا قديما أن الصوم شرط ، فلا يصح nindex.php?page=treesubj&link=2558_2568الاعتكاف في يوم العيد والتشريق ، ولا في الليل المجرد . قال إمام الحرمين : قال الأئمة : إذا قلنا بالقديم ، لم يصح الاعتكاف بالليل لا تبعا ولا منفردا ، ولا يشترط nindex.php?page=treesubj&link=2568الإتيان بصوم من أجل الاعتكاف ، بل يصح الاعتكاف في رمضان ، وإن كان صومه مستحقا شرعا مقصودا ، والمذهب أن الصوم ليس بشرط ، وسنبسط أدلته إن شاء الله تعالى في فرع مذاهب العلماء ، فإذا قلنا بالمذهب فنذر أن يعتكف يوما هو فيه صائم ، أو أياما هو فيها صائم ، لزمه الاعتكاف بصوم بلا خلاف ، وليس له إفراد الصوم عن الاعتكاف ولا عكسه بلا خلاف ، صرح به المتولي والبغوي والرافعي وآخرون . قالوا : ولو اعتكف هذا الناذر في رمضان أجزأه ، لأنه لم يلتزم بهذا النذر صوما ، وإنما نذر الاعتكاف بصفة ، وقد وجدت ، قال المتولي : وكذا لو nindex.php?page=treesubj&link=2568اعتكف في غير رمضان صائما عن قضاء أو عن نذر أو عن كفارة أجزأه ; لوجود الصفة .
( أما ) nindex.php?page=treesubj&link=2611_4192إذا نذر أن يعتكف صائما أو يعتكف بصوم ، فإنه يلزمه الاعتكاف والصوم ، وهل يلزمه الجمع بينهما ؟ فيه الوجهان اللذان ذكرهما المصنف بدليلهما وهما مشهوران .
( أحدهما ) لا يلزمه ، بل له إفرادهما ، قاله nindex.php?page=showalam&ids=12094أبو علي الطبري ( وأصحهما ) يلزمه ، وهو قول جمهور أصحابنا المتقدمين وهو المنصوص في الأم كما ذكره المصنف ، وهو الصحيح عند المصنفين ، فعلى هذا لو شرع في الاعتكاف صائما ثم أفطر لزمه أن يستأنف الصوم والاعتكاف ، وعلى الأول يكفيه استئناف الاعتكاف ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=2611_2584_28059_4192نذر اعتكاف أيام وليال متتابعة صائما فجامع ليلا ، ففيه هذان الوجهان ( أصحهما ) يستأنفهما .
( والثاني ) يستأنف الصوم دون الاعتكاف ، لأن الاعتكاف لم يفسد ، ولو اعتكف في رمضان أجزأه على وجه nindex.php?page=showalam&ids=12094أبي علي الطبري عن الاعتكاف ، وعليه أن يصوم ، ولا يجزئه على الصحيح المنصوص ، [ ص: 510 ] بل يلزمه استئنافهما ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=2611_4192نذر أن يصوم معتكفا فطريقان ( أحدهما ) وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=14048الشيخ أبو محمد الجويني : لا يلزمه الجمع بينهما ، بل له تفريقهما وجها واحدا ، لأن الاعتكاف لا يصلح وصفا للصوم بخلاف عكسه ، فإن الصوم من مندوبات الاعتكاف ( وأصحهما ) وبه قال الأكثرون فيه الوجهان السابقان كعكسه ( أصحهما ) وبه قال الجمهور لزوم الجمع . قال إمام الحرمين : لا أرى لما قاله nindex.php?page=showalam&ids=14048أبو محمد وجها ، بل يجري الوجهان سواء نذر الصوم معتكفا أو الاعتكاف صائما ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=2610_4192نذر أن يصلي معتكفا أو يعتكف مصليا لزمه الاعتكاف والصلاة ، وفي لزوم الجمع بينهما طريقان حكاهما المتولي والبغوي وآخرون .
( أحدهما ) أنه على الوجهين فيمن نذر الاعتكاف صائما ( وأصحهما ) وبه قطع إمام الحرمين وغيره من المحققين لا يجب الجمع بينهما ، بل له التفريق وجها واحدا والفرق أن الصوم والاعتكاف متقاربان في أن كلا منهما بخلاف الصلاة فإنها أفعال مباشرة لا تناسب الاعتكاف ، فلم يشترط جمعهما ، فإن لم يوجب الجمع بين الاعتكاف والصلاة ، فالذي يلزمه من الصلاة هو الذي يلزمه لو أفرد الصلاة بالنذر ، وهي ركعتان في أصح القولين ، وركعة في الآخر . وإن أوجبنا الجمع لزمه ذلك القدر في يوم اعتكافه ، ولا يلزمه استيعاب اليوم بالصلاة ، فإن نذر اعتكاف أيام مصليا ، لزمه ركعتان لكل يوم على الأصح أو ركعة في القول الآخر ، ولا يلزمه أكثر من ذلك ، هكذا جزم به البغوي وغيره . قال الرافعي : ولك أن تقول : إن ظاهر اللفظ يقتضي الاستيعاب ، فإن تركنا الظاهر فلماذا يعتبر تكرير القدر الواجب من الصلاة كل يوم ؟ وهلا اكتفى به واحدة عن جميع الأيام ؟ ولو نذر أن يصوم مصليا لزمه الصوم والصلاة ولا يلزمه الجمع بينهما بالاتفاق ، وقد صرح به المصنف في قياسه ، ووافقه الأصحاب ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=4192نذر القران بين الحج والعمرة فله تفريقهما وهو أفضل ، هذا هو الصواب المعروف وأشار إمام الحرمين هنا في قياسه إلى وجوب جمعهما فإنه قال في توجيه أصح الوجهين فيمن نذر الاعتكاف صائما : إنه يلزمه الجمع كما لو نذر أن يقرن بين الحج والعمرة ، وهذا الذي قاله شاذ مردود بل غلط لا يعد خلافا والمسألة [ ص: 511 ] مشهورة بجواز التفريق ، وسنزيدها إيضاحا في كتاب النذر إن شاء الله تعالى ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=4180_4192نذر أن يصلي صلاة يقرأ فيها سورة معينة لزمه الصلاة ، وقراءة السورة ، وفي لزوم الجمع بينهما وجواز التفريق الوجهان السابقان ، فيمن نذر الاعتكاف صائما قاله nindex.php?page=showalam&ids=15021القفال وتابعه إمام الحرمين وآخرون وهو ظاهر .
( فرع ) لو nindex.php?page=treesubj&link=4192_27114نذر أن يعتكف شهر رمضان ففاته لزمه اعتكاف شهر آخر ، ولا يلزمه الصوم بلا خلاف ، صرح به أصحابنا ، منهم الصيدلاني ، لأنه لم يلزمه الصوم وإنما كان يحصل الصوم لو اعتكف في رمضان اتفاقا .
( فرع ) في nindex.php?page=treesubj&link=2568مذاهب العلماء في الصوم في الاعتكاف . قد ذكرنا أن مذهبنا أنه مستحب وليس شرطا لصحة الاعتكاف على الصحيح عندنا وبهذا قال nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر ، وهو أصح الروايتين عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، قال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : وهو مروي عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس وعائشة nindex.php?page=showalam&ids=16561وعروة nindex.php?page=showalam&ids=15والزبير والزهري nindex.php?page=showalam&ids=0016867ومالك والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وإسحاق في رواية عنهما : لا يصح إلا بصوم . قال القاضي عياض : وهو قول جمهور العلماء . واحتج لهؤلاء { بأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف هو وأصحابه رضي الله عنهم صياما في رمضان } وبحديث nindex.php?page=showalam&ids=16070سويد بن عبد العزيز عن nindex.php?page=showalam&ids=16006سفيان بن حسين عن الزهري عن عروة عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=29844لا اعتكاف إلا بصيام } رواه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني وقال : تفرد به سويد عن nindex.php?page=showalam&ids=16006سفيان بن حسين ( قلت ) بكيرا بن عبد العزيز ضعيف باتفاق المحدثين . وعن عبد الله بن بديل عن عمرو بن دينار عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر { nindex.php?page=hadith&LINKID=23414أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن اعتكاف عليه فأمره أن يعتكف ويصوم } رواه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني ، وقال : تفرد به ابن بديل [ ص: 512 ] وهو ضعيف ، وفي رواية قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=13589اعتكف وصم } قال nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : سمعت أبا بكر النيسابوري يقول : هذا حديث منكر .
واحتج أصحابنا بحديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة { nindex.php?page=hadith&LINKID=3016أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول من شوال } رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بهذا اللفظ ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وقال : " عشرة من شوال " والمراد به الأول كما في رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، وهذا يتناول اعتكاف يوم العيد ، ويلزم من صحته أن الصوم ليس بشرط ، وبحديث nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه { nindex.php?page=hadith&LINKID=8358أنه نذر أن يعتكف ليلة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أوف بنذرك } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري { nindex.php?page=hadith&LINKID=8800أوف بنذرك اعتكف ليلة } وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080لمسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=12867إني نذرت أن أعتكف يوما ، فقال : اذهب فاعتكف يوما } . وهذا لا يخالف رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ولا الرواية المشهورة ; لأنه يحتمل أنه سأله عن اعتكاف ليلة وسأله عن اعتكاف يوم فأمره بالوفاء بما نذر فيحصل منه صحة اعتكاف الليلة وحدها ، ويؤيد هذا رواية nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر { nindex.php?page=hadith&LINKID=6638أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : أوف بنذرك ، فاعتكف nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ليلة } رواه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني وقال : إسناده صحيح ثابت ، وبحديث nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=33857ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه } رواه الحاكم أبو عبد الله في المستدرك قال : هو حديث صحيح على شرط nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني وقال رفعه هذا الشيخ وغيره ولا يرفعه ، يعني أبا بكر محمد بن إسحاق السوسي . وقد ذكرنا مرات أن الحديث الذي يرويه بعض الثقات مرفوعا وبعضه موقوفا يحكم بأنه مرفوع لأنها زيادة ثقة ، هذا هو الصحيح الذي عليه المحققون ، وبه قال الفقهاء وأصحاب الأصول وحذاق المحدثين .
( وأما الجواب ) عما احتج به الأولون من اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في رمضان فمحمول على الاستحباب لا على الاشتراط ، ولهذا ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في شوال كما قدمناه ، فوجب حمل الأول على الاستحباب للجمع بين الأحاديث ، مع أنه لا يلزم من مجرد الاعتكاف في رمضان اشتراط الصوم ، [ ص: 513 ] واستدل nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني أيضا بأنه لو كان الصوم شرطا لم يصح الاعتكاف في رمضان ، لأن صومه مستحق لغير الاعتكاف .
( وأما الجواب ) عن حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة { nindex.php?page=hadith&LINKID=29844لا اعتكاف إلا بصوم } فمن وجهين ( أحدهما ) أنه ضعيف بالاتفاق كما سبق بيانه ( والثاني ) لو ثبت لوجب حمله على الاعتكاف الأكمل جمعا بين الأحاديث . وأما الجواب عن حديث عبد الله بن بديل فمن هذين الوجهين . .