الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2063 - وعن عبد الله بن بسر عن أخته الصماء أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ، فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه " . رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارمي .

التالي السابق


2063 - ( وعن عبد الله بن بسر ) بضم الموحدة وسكون السين ( عن أخته الصماء ) بتشديد الميم ، اسمها بهية ، وتعرف بالصماء ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تصوموا يوم السبت " ) أي وحده ( إلا فيما افترض ) بصيغة المجهول " عليكم " أي ولو بالنذر ، قال الطيبي : قالوا النهي عن الإفراد كما في الجمعة ، والمقصود مخالفة اليهود فيهما ، والنهي فيهما للتنزيه عند الجمهور ، وما افترض يتناول المكتوب والمنذور وقضاء الفوائت وصوم الكفارة وفي معناه ما وافق سنة مؤكدة كعرفة وعاشوراء ، أو وافق وردا ، وزاد ابن الملك : وعشر ذي الحجة أو في خير الصيام صيام داود ، فإن المنهي عنه شدة الاهتمام والعناية به ، حتى كأنه يراه واجبا كما تفعله اليهود ، قلت : فعلى هذا يكرر النهي للتحريم ، وأما على غير هذا الوجه فهو للتنزيه ، بمجرد المشابهة ، قال الطيبي : واتفق الجمهور على أن هذا النهي والنهي عن إفراد الجمعة نهي تنزيه لا تحريم ( فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة ) بكسر اللام أي قشر حبة واحدة من العنب استعارة من قشر العود ، وقيل : المراد بالعنبة شجرة العنب وهي الحيلة ، قال التوربشتي : اللحاء ممدود وهو قشر الشجر ، والعنبة هي الحبة من العنب ، وأما قول ابن حجر : المراد شجرة العنب لا حبتها فخطأ فاحش لعدم صحة نفي إرادة الحبة مع أنها أظهر في المبالغة لا سيما دعوى المراد فيما يحتمل من الكتاب والسنة باطلة والقول بها مجازفة ، بل لو بولغ في هذه المقام بأن المراد بالعنبة هي الحبة من العنب لا قشر الشجرة لصح فالعنبة هي الحقيقة اللغوية ، ففي القاموس : العنب معلوم واحدته عنبة ولم يذكر أصلا إطلاق العنب ، لا بالجنس ولا بالوحدة على الحبة ، ومما يؤيده بناء على أن الأصل في العطف التغاير خصوصا بأو قوله " أو عود شجرة " عطفا على لحاء " فليمضغه " بفتح الضاد ويضم ، في القاموس : مضغه كمنعه ونصره : لاكه بأسنانه ، وهذا تأكيد بالإفطار لنفي الصوم وإلا فشرط الصوم النية ، فإذا لم توجد لم يوجد ، ولو لم يأكل ، ونظيره المبادرة إلى أكل شيء ما في عيد الفطر تأكيدا لانتفاء الصوم المنهي عنه ( رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارمي ) وحسنه الترمذي ، وصححه الحاكم على شرط البخاري ، قال النووي : صححه الأئمة ، قال ابن حجر : وقول أبي داود إنه منسوخ غير مقبول كقول مالك : إنه كذب اهـ . وهذا غير مجازفة منه لأنهما إمامان جليلان في الحديث ، ولا يقولان ذلك إلا عن ثبت وسند فلا يرد قولهما بالهوينا ، وإذ لا يلزم من عدم ذكرهما سند المنع وقوعه ولا من قلة إطلاعنا عدم علمهما به ، فالتقليد أولى لمن ليس له أهلية التحقيق ، وإذا لم تر الهلال فسلم لأناس رأوه بالأبصار ، فإن مثل هذا الرد من الشافعي بالنسبة إلى مالك غير مقبول ، فكيف لغيره أن يرد عليه ، فرحم الله من عرف قدره ، ولم يتعد طوره .

[ ص: 1425 ]



الخدمات العلمية