nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=50nindex.php?page=treesubj&link=28981قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=51أثم إذا ما وقع آمنتم به آلآن وقد كنتم به تستعجلون nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=52ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=53ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=54ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=55ألا إن لله ما في السماوات والأرض ألا إن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=56هو يحيي ويميت وإليه ترجعون nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=57يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=58قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=50قل أرأيتم إن أتاكم عذابه هذا منه سبحانه تزييف لرأي الكفار في استعجال العذاب بعد التزييف الأول : أي أخبروني إن أتاكم عذاب الله بياتا أي وقت بيات ، والمراد به الوقت الذي يبيتون فيه وينامون ويغفلون عن التحرز ، والبيات بمعنى التبييت اسم مصدر كالسلام بمعنى التسليم ، وهو منتصب على الظرفية ، وكذلك ( نهارا ) أي : وقت الاشتغال بطلب المعاش والكسب ، والضمير في ( منه ) راجع إلى العذاب ، وقيل : راجع إلى الله ، والاستفهام في
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=50ماذا يستعجل منه المجرمون للإنكار المتضمن للنهي كما في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1أتى أمر الله فلا تستعجلوه [ النحل : 1 ] ووجه الإنكار عليهم في استعجالهم أن العذاب مكروه تنفر منه القلوب وتأباه الطبائع فما المقتضى لاستعجالهم له ؟ والجملة المصدرة بالاستفهام جواب الشرط بحذف الفاء ، وقيل : إن الجواب محذوف ، والمعنى : تندموا على الاستعجال ، أو تعرفوا الخطأ منكم فيه ، وقيل : إن الجواب قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=51أثم إذا ما وقع وتكون جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=50ماذا يستعجل منه المجرمون اعتراضا ، والمعنى : إن أتاكم عذابه آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإيمان ، والأول أولى .
وإنما قال ( يستعجل منه المجرمون ) ، ولم يقل يستعجلون منه; للدلالة على ما يوجب ترك الاستعجال ، وهو الإجرام ، لأن من حق المجرم أن يخاف من العذاب بسبب إجرامه ، فكيف يستعجله ؟ كما يقال لمن يستوخم أمرا إذا طلبه : ماذا تجني على نفسك .
وحكى
النحاس عن
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج أن الضمير في منه إن عاد إلى العذاب كان لك في ماذا تقديران : أحدهما : أن تكون ما في موضع رفع بالابتداء ، وذا بمعنى الذي ، وهو خبر ما ، والعائد محذوف .
والتقدير الآخر : أن يكون ماذا اسما واحدا في موضع رفع بالابتداء ، والخبر ما بعده ، وإن جعل الضمير في منه عائدا إلى الله تعالى كان ماذا شيئا واحدا في موضع نصب بـ ( يستعجل ) ، والمعنى : أي شيء يستعجل منه المجرمون : أي من الله عز وجل .
ودخول الهمزة الاستفهامية في
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=51أثم إذا ما وقع آمنتم به على " ثم " كدخولها على الواو والفاء ، وهي لإنكار إيمانهم حيث لا ينفع الإيمان ، وذلك بعد نزول العذاب ، وهو يتضمن معنى التهويل عليهم وتفظيع ما فعلوه في غير وقته مع تركهم له في وقته الذي يحصل به النفع والدفع ، وهذه الجملة داخلة تحت القول المأمور به وجيء بكلمة " ثم " التي للتراخي دلالة على الاستبعاد ، وجيء بإذا مع زيادة " ما " للتأكيد دلالة على تحقق وقوع الإيمان منهم في غير وقته ليكون في ذلك زيادة استجهال لهم .
والمعنى : أبعد ما وقع عذاب الله عليكم ، وحل بكم سخطه وانتقامه آمنتم حين لا ينفعكم هذا الإيمان شيئا ، ولا يدفع عنكم ضرا ، وقيل : إن هذه الجملة ليست داخلة تحت القول المأمور به ، وأنها من قول الملائكة استهزاء بهم ، وإزراء عليهم ، والأول أولى .
وقيل : إن ( ثم ) هاهنا هي بفتح الثاء فتكون ظرفية بمعنى هناك ، والأول أولى .
قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=51آلآن وقد كنتم به تستعجلون قيل : هو استئناف بتقدير القول غير داخل تحت القول الذي أمر الله رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يقوله لهم : أي قيل : لهم عند إيمانهم بعد وقوع العذاب : آلآن آمنتم به وقد كنتم به تستعجلون ؟ أي : بالعذاب تكذيبا منكم واستهزاء ، لأن استعجالهم كان على جهة التكذيب والاستهزاء ، ويكون المقصود بأمره - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يقول لهم هذا القول : التوبيخ لهم والاستهزاء بهم والإزراء عليهم ، وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=51وقد كنتم به تستعجلون في محل نصب على الحال ، وقرئ " آلان " بحذف الهمزة التي بعد اللام وإلقاء حركتها على اللام .
قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=52ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد معطوف على الفعل المقدر ، قيل : آلآن ، والمراد منه : التقريع والتوبيخ لهم أي قيل : للذين ظلموا أنفسهم بالكفر وعدم الإيمان : إن هذا
[ ص: 629 ] الذي تطلبونه ضرر محض ، عار عن النفع من كل وجه ، والعاقل لا يطلب ذلك .
ويقال لهم على سبيل الإهانة لهم : ذوقوا عذاب الخلد أي : العذاب الدائم الذي لا ينقطع ، والقائل لهم هذه المقالة والتي قبلها قيل : هم الملائكة الذين هم خزنة جهنم ، ولا يبعد أن يكون القائل لذلك هم الأنبياء على الخصوص ، أو المؤمنون على العموم
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=52هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون في الحياة من الكفر والمعاصي ، والاستفهام للتقرير ، وكأنه يقال لهم هذا القول عن استغاثتهم من العذاب وحلول النقمة .
ثم حكى الله سبحانه عنهم بعد هذه البيانات البالغة ، والجوابات عن أقوالهم الباطلة : أنهم استفهموا تارة أخرى عن تحقق العذاب ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=53ويستنبئونك أحق هو أي يستخبرونك عن جهة الاستهزاء منهم والإنكار ، أحق ما تعدنا به من العذاب في العاجل والآجل ، وهذا السؤال منهم جهل محض ، وظلمات بعضها فوق بعض ، فقد تقدم ذكره عنهم مع الجواب عليه ، فصنيعهم في هذا التكرير صنيع من لا يعقل ما يقول ولا ما يقال له ، وقيل : المراد بهذا الاستخبار منهم هو عن حقية القرآن ، وارتفاع ( حق ) على أنه خبر مقدم ، والمبتدأ هو الضمير الذي بعده ، وتقديم الخبر للاهتمام ، أو هو مبتدأ ، والضمير مرتفع به ساد مسد الخبر ، والجملة في موضع نصب بـ ( يستنبئونك ) ، وقرئ " آلحق هو " على أن اللام للجنس ، فكأنه قيل : أهو الحق لا الباطل .
قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=53قل إي وربي إنه لحق أمر الله سبحانه رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يقول لهم هذه المقالة جوابا عن استفهامهم الخارج مخرج الاستهزاء : أي قل لهم يا
محمد غير ملتفت إلى ما هو مقصودهم من الاستهزاء :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=53إي وربي إنه لحق : أي نعم وربي إن ما أعدكم به من العذاب لحق ثابت كائن لا محالة .
وفي هذا الجواب تأكيد من وجوه : الأول : القسم مع دخول الحرف الخاص بالقسم الواقع موقع نعم ، الثاني : دخول إن المؤكدة ، الثالث : اللام في ( لحق ) ، الرابع : اسمية الجملة ، وذلك يدل على أنهم قد بلغوا في الإنكار والتمرد إلى الغاية التي ليس وراءها غاية ، ثم توعدهم بأشد توعد ، ورهبهم بأعظم ترهيب ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=53وما أنتم بمعجزين أي فائتين العذاب بالهرب والتحيل الذي لا ينفع والمكابرة التي لا تدفع من قضاء الله شيئا ، وهذه الجملة إما معطوفة على جملة جواب القسم ، أو مستأنفة لبيان عدم خلوصهم من عذاب الله بوجه من الوجوه .
ثم زاد في التأكيد ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=54ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به أي ولو أن لكل نفس من الأنفس المتصفة بأنها ظلمت نفسها بالكفر بالله وعدم الإيمان به ، ما في الأرض من كل شيء من الأشياء التي تشتمل عليها من الأموال النفيسة ، والذخائر الفائقة ، لافتدت به : أي جعلته فدية لها من العذاب ، ومثله قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=91إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به [ آل عمران : 91 ] وقد تقدم قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=33وأسروا الندامة لما رأوا العذاب [ سبأ : 33 ] الضمير راجع إلى الأنفس المدلول عليها بكل نفس .
ومعنى أسروا : أخفوا أي : لم يظهروا الندامة بل أخفوها لما قد شاهدوه في ذلك الموطن مما سلب عقولهم ، وذهب بتجلدهم ، ويمكن أنه بقي فيهم وهم على تلك الحالة عرق ينزعهم إلى العصبية التي كانوا عليها في الدنيا ، فأسروا الندامة لئلا يشمت بهم المؤمنون ، وقيل : أسرها الرؤساء فيما بينهم دون أتباعهم خوفا من توبيخهم لهم لكونهم هم الذين أضلوهم وحالوا بينهم وبين الإسلام ، ووقوع هذا منهم كان عند رؤية العذاب ، وأما بعد الدخول فيه فهم الذين
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=106قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا [ المؤمنون : 106 ] وقيل : معنى أسروا : أظهروا ، وقيل : وجدوا ألم الحسرة في قلوبهم ، لأن الندامة لا يمكن إظهارها ، ومنه قول كثير :
فأسررت الندامة يوم نادى برد جمال غاضرة المنادي
وذكر المبرد في ذلك وجهين : الأول : أنها بدت في وجوههم أسرة الندامة ، وهي الانكسار ، واحدها سرار ، وجمعها أسارير ، والثاني : ما تقدم ، وقيل : معنى أسروا الندامة أخلصوها ، لأن إخفاءها إخلاصها ، و لما في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=54لما رأوا العذاب ظرف بمعنى حين منصوب بـ ( أسروا ) ، أو حرف شرط جوابه محذوف لدلالة ما قبله عليه
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=54وقضي بينهم بالقسط أي قضى الله بين المؤمنين وبين الكافرين ، أو بين الرؤساء والأتباع ، أو بين الظالمين من الكفار والمظلومين ، وقيل : معنى القضاء بينهم : إنزال العقوبة عليهم ، والقسط : العدل ، وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=54وهم لا يظلمون في محل نصب على الحال أي : لا يظلمهم الله فيما فعل بهم من العذاب الذي حل بهم فإنه بسبب ما كسبوا .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=55ألا إن لله ما في السماوات والأرض مسوقة لتقرير كمال قدرته ، لأن من ملك ما في السماوات والأرض تصرف به كيف يشاء ، وغلب غير العقلاء لكونهم أكثر المخلوقات .
قيل : لما ذكر سبحانه افتداء الكفار بما في الأرض لو كان لهم ذلك ، بين أن الأشياء كلها لله ، وليس لهم شيء يتمكنون من الافتداء به ، وقيل : لما أقسم على حقية ما جاء به النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أراد أن يصحب ذلك بدليل البرهان البين بأن ما في العالم على اختلاف أنواعه ملكه يتصرف به كيف يشاء ، وفي تصدير الجملة بحرف التنبيه تنبيه للغافلين ، وإيقاظ للذاهلين ، ثم أكد ما سبق بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=55ألا إن وعد الله حق أي كائن لا محالة ، وهو عام يندرج فيه ما استعجلوه من العذاب اندراجا أوليا ، وتصدير الجملة بحرف التنبيه كما قلنا في التي قبلها مع الدلالة على تحقق مضمون الجملتين
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=243ولكن أكثر الناس أي الكفار لا يعلمون ما فيه صلاحهم فيعملون به ، وما فيه فسادهم فيجتنبونه .
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=56هو يحيي ويميت يهب الحياة ويسلبها
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=56وإليه ترجعون في الدار الآخرة فيجازي كلا بما يستحقه ، ويتفضل على من يشاء من عباده .
قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=57ياأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم يعني القرآن فيه ما يتعظ به من قرأه وعرف معناه ، والوعظ في الأصل : هو التذكير بالعواقب سواء كان
[ ص: 630 ] بالترغيب أو الترهيب ، والواعظ هو كالطبيب ينهى المريض عما يضره ، و ( من ) في من ربكم متعلقة بالفعل ، وهو ( جاءتكم ) ، فتكون ابتدائية ، أو متعلقة بمحذوف ، فتكون تبعيضية
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=57وشفاء لما في الصدور من الشكوك التي تعتري بعض المرتابين لوجود ما يستفاد منه فيه من العقائد الحقة ، واشتماله على تزييف العقائد الباطلة ، والهدى : الإرشاد لمن اتبع القرآن وتفكر فيه ، وتدبر معانيه إلى الطريق الموصلة إلى الجنة ، والرحمة : هي ما يوجد في الكتاب العزيز من الأمور التي يرحم الله بها عباده ، فيطلبها من أراد ذلك حتى ينالها ، فالقرآن العظيم مشتمل على هذه الأمور .
ثم أمر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وجعل الخطاب معه بعد خطابه للناس على العموم ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=58قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا المراد بالفضل من الله سبحانه : هو تفضله على عباده في الآجل والعاجل بما لا يحيط به الحصر ، والرحمة : رحمته لهم .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، أنه قال فضل الله : القرآن ، ورحمته : الإسلام .
وروي عن
الحسن ،
والضحاك ،
ومجاهد وقتادة ، أن فضل الله : الإيمان ، ورحمته : القرآن .
والأولى حمل الفضل والرحمة على العموم ، ويدخل في ذلك ما في القرآن منهما دخولا أوليا ، وأصل الكلام : قل بفضل الله وبرحمته فليفرحوا ، ثم حذف هذا الفعل لدلالة الثاني في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=58فبذلك فليفرحوا عليه ، قيل : والفاء في هذا الفعل المحذوف داخلة في جواب شرط مقدر كأنه قيل : إن فرحوا بشيء فليخصوا فضل الله ورحمته بالفرح .
وتكرير الباء في ( برحمته ) للدلالة على أن كل واحد من الفضل والرحمة سبب مستقل في الفرح ، والفرح : هو اللذة في القلب بسبب إدراك المطلوب ، وقد ذم الله سبحانه الفرح في مواطن كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=76لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين [ القصص : 76 ] وجوزه في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=170فرحين بما آتاهم الله من فضله [ آل عمران : 170 ] وكما في هذه الآية ، ويجوز أن تتعلق الباء في
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=58بفضل الله وبرحمته بقوله : جاءتكم ، والتقدير : جاءتكم موعظة بفضل الله وبرحمته فبذلك أي : فبمجيئها فليفرحوا ، وقرأ يزيد بن القعقاع ويعقوب " فلتفرحوا " بالفوقية ، وقرأ الجمهور بالتحتية ، والضمير في هو خير راجع إلى المذكور من الفضل والرحمة ، أو إلى المجيء على الوجه الثاني ، أو إلى اسم الإشارة في قوله : فبذلك والمعنى : أن هذا خير لهم مما يجمعونه من حطام الدنيا .
وقد قرئ بالتاء الفوقية في " يجمعون " مطابقة للقراءة بها في " فلتفرحوا " .
وقد تقرر في العربية أن لام الأمر تحذف مع الخطاب إلا في لغة قليلة ، جاءت هذه القراءة عليها ، وقرأ الجمهور بالمثناة التحتية في يجمعون كما قرءوا في " فليفرحوا " .
وروي عن
ابن عامر أنه قرأ بالفوقية في " يجمعون " ، والتحتية في " فليفرحوا " .
وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني ،
وأبو الشيخ ، عن
أبي الأحوص قال : جاء رجل إلى
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود فقال : إن أخي يشتكي بطنه ، فوصف له الخمر ، فقال : سبحان الله ! ما جعل الله في رجس شفاء ، إنما الشفاء في شيء من القرآن والعسل ، فهما شفاء لما في الصدور وشفاء للناس .
وأخرج
أبو الشيخ ، عن
الحسن قال : " إن الله جعل القرآن شفاء لما في الصدور ، ولم يجعله شفاء لأمراضكم " .
وأخرج
ابن المنذر ،
وابن مردويه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال :
جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال : إني أشتكي صدري ، فقال : اقرأ القرآن ، يقول الله : شفاء لما في الصدور .
وأخرج
البيهقي في شعب الإيمان عن
nindex.php?page=showalam&ids=105واثلة بن الأسقع أن رجلا شكا إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وجع حلقه قال : عليك بقراءة القرآن والعسل ، فالقرآن شفاء لما في الصدور ، والعسل شفاء من كل داء .
وأخرج
أبو داود ،
والحاكم وصححه ،
وابن مردويه ، عن
أبي قال : أقرأني رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بالتاء يعني الفوقية ، وقد روي نحو هذا من غير هذه الطريق .
وأخرج
أبو الشيخ ،
وابن مردويه ، عن
أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=58قل بفضل الله وبرحمته قال :
بفضل الله القرآن ، وبرحمته أن جعلكم من أهله .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الأوسط عن
البراء مثله من قوله .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور ،
nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ،
وأبو الشيخ ،
والبيهقي في الشعب عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري مثله .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور ،
وابن المنذر ،
والبيهقي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، في الآية قال : بكتاب الله وبالإسلام .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ،
والبيهقي عنه قال : فضله الإسلام ، ورحمته القرآن .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ،
والبيهقي عنه أيضا قال : بفضل الله القرآن ، وبرحمته حين جعلهم من أهله .
وقد روي عن جماعة من التابعين نحو هذه الروايات المتقدمة .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ،
وابن المنذر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، هو خير مما يجمعون من الأموال والحرث والأنعام .
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=50nindex.php?page=treesubj&link=28981قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=51أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=52ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=53وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=54وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=55أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=56هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=57يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=58قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=50قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ هَذَا مِنْهُ سُبْحَانَهُ تَزْيِيفٌ لِرَأْيِ الْكُفَّارِ فِي اسْتِعْجَالِ الْعَذَابِ بَعْدَ التَّزْيِيفِ الْأَوَّلِ : أَيْ أَخْبِرُونِي إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَيَاتًا أَيْ وَقْتَ بَيَاتٍ ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْوَقْتُ الَّذِي يَبِيتُونَ فِيهِ وَيَنَامُونَ وَيَغْفُلُونَ عَنِ التَّحَرُّزِ ، وَالْبَيَاتُ بِمَعْنَى التَّبْيِيتِ اسْمُ مَصْدَرٍ كَالسَّلَامِ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ ، وَهُوَ مُنْتَصِبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ ، وَكَذَلِكَ ( نَهَارًا ) أَيْ : وَقْتَ الِاشْتِغَالِ بِطَلَبِ الْمَعَاشِ وَالْكَسْبِ ، وَالضَّمِيرُ فِي ( مِنْهُ ) رَاجِعٌ إِلَى الْعَذَابِ ، وَقِيلَ : رَاجِعٌ إِلَى اللَّهِ ، وَالِاسْتِفْهَامُ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=50مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ لِلْإِنْكَارِ الْمُتَضَمِّنِ لِلنَّهْيِ كَمَا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ [ النَّحْلِ : 1 ] وَوَجْهُ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ فِي اسْتِعْجَالِهِمْ أَنَّ الْعَذَابَ مَكْرُوهٌ تَنْفِرُ مِنْهُ الْقُلُوبُ وَتَأْبَاهُ الطَّبَائِعُ فَمَا الْمُقْتَضَى لِاسْتِعْجَالِهِمْ لَهُ ؟ وَالْجُمْلَةُ الْمُصَدَّرَةُ بِالِاسْتِفْهَامِ جَوَابُ الشَّرْطِ بِحَذْفِ الْفَاءِ ، وَقِيلَ : إِنَّ الْجَوَابَ مَحْذُوفٌ ، وَالْمَعْنَى : تَنْدَمُوا عَلَى الِاسْتِعْجَالِ ، أَوْ تَعْرِفُوا الْخَطَأَ مِنْكُمْ فِيهِ ، وَقِيلَ : إِنَّ الْجَوَابَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=51أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ وَتَكُونُ جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=50مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ اعْتِرَاضًا ، وَالْمَعْنَى : إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ آمَنْتُمْ بِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ حِينَ لَا يَنْفَعُكُمُ الْإِيمَانُ ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى .
وَإِنَّمَا قَالَ ( يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ ) ، وَلَمْ يَقُلْ يَسْتَعْجِلُونَ مِنْهُ; لِلدَّلَالَةِ عَلَى مَا يُوجِبُ تَرْكَ الِاسْتِعْجَالِ ، وَهُوَ الْإِجْرَامُ ، لِأَنَّ مِنْ حَقِّ الْمُجْرِمِ أَنْ يَخَافَ مِنَ الْعَذَابِ بِسَبَبِ إِجْرَامِهِ ، فَكَيْفَ يَسْتَعْجِلُهُ ؟ كَمَا يُقَالُ لِمَنْ يَسْتَوْخِمُ أَمْرًا إِذَا طَلَبَهُ : مَاذَا تَجْنِي عَلَى نَفْسِكَ .
وَحَكَى
النَّحَّاسُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي مِنْهُ إِنْ عَادَ إِلَى الْعَذَابِ كَانَ لَكَ فِي مَاذَا تَقْدِيرَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ تَكُونَ مَا فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ ، وَذَا بِمَعْنَى الَّذِي ، وَهُوَ خَبَرُ مَا ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ .
وَالتَّقْدِيرُ الْآخَرُ : أَنْ يَكُونَ مَاذَا اسْمًا وَاحِدًا فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ ، وَالْخَبَرُ مَا بَعْدَهُ ، وَإِنْ جَعَلَ الضَّمِيرَ فِي مِنْهُ عَائِدًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى كَانَ مَاذَا شَيْئًا وَاحِدًا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِـ ( يَسْتَعْجِلُ ) ، وَالْمَعْنَى : أَيُّ شَيْءٍ يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ : أَيْ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
وَدُخُولُ الْهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِيَّةِ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=51أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ عَلَى " ثُمَّ " كَدُخُولِهَا عَلَى الْوَاوِ وَالْفَاءِ ، وَهِيَ لِإِنْكَارِ إِيمَانِهِمْ حَيْثُ لَا يَنْفَعُ الْإِيمَانُ ، وَذَلِكَ بَعْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ ، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى التَّهْوِيلِ عَلَيْهِمْ وَتَفْظِيعِ مَا فَعَلُوهُ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ مَعَ تَرْكِهِمْ لَهُ فِي وَقْتِهِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ النَّفْعُ وَالدَّفْعُ ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْقَوْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَجِيءَ بِكَلِمَةِ " ثُمَّ " الَّتِي لِلتَّرَاخِي دَلَالَةً عَلَى الِاسْتِبْعَادِ ، وَجِيءَ بِإِذَا مَعَ زِيَادَةِ " مَا " لِلتَّأْكِيدِ دَلَالَةً عَلَى تَحَقُّقِ وُقُوعِ الْإِيمَانِ مِنْهُمْ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ لِيَكُونَ فِي ذَلِكَ زِيَادَةَ اسْتِجْهَالٍ لَهُمْ .
وَالْمَعْنَى : أَبَعْدَ مَا وَقَعَ عَذَابُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ، وَحَلَّ بِكُمْ سَخَطُهُ وَانْتِقَامُهُ آمَنْتُمْ حِينَ لَا يَنْفَعُكُمْ هَذَا الْإِيمَانُ شَيْئًا ، وَلَا يَدْفَعُ عَنْكُمْ ضَرًّا ، وَقِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ لَيْسَتْ دَاخِلَةً تَحْتَ الْقَوْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ ، وَأَنَّهَا مِنْ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ اسْتِهْزَاءً بِهِمْ ، وَإِزْرَاءً عَلَيْهِمْ ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى .
وَقِيلَ : إِنَّ ( ثَمَّ ) هَاهُنَا هِيَ بِفَتْحِ الثَّاءِ فَتَكُونُ ظَرْفِيَّةً بِمَعْنَى هُنَاكَ ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى .
قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=51آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ قِيلَ : هُوَ اسْتِئْنَافٌ بِتَقْدِيرِ الْقَوْلِ غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتِ الْقَوْلِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقُولَهُ لَهُمْ : أَيْ قِيلَ : لَهُمْ عِنْدَ إِيمَانِهِمْ بَعْدَ وُقُوعِ الْعَذَابِ : آلْآنَ آمَنْتُمْ بِهِ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ؟ أَيْ : بِالْعَذَابِ تَكْذِيبًا مِنْكُمْ وَاسْتِهْزَاءً ، لِأَنَّ اسْتِعْجَالَهُمْ كَانَ عَلَى جِهَةِ التَّكْذِيبِ وَالِاسْتِهْزَاءِ ، وَيَكُونُ الْمَقْصُودُ بِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقُولَ لَهُمْ هَذَا الْقَوْلَ : التَّوْبِيخُ لَهُمْ وَالِاسْتِهْزَاءُ بِهِمْ وَالْإِزْرَاءُ عَلَيْهِمْ ، وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=51وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ ، وَقُرِئَ " آلَانَ " بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ الَّتِي بَعْدَ اللَّامِ وَإِلْقَاءِ حَرَكَتِهَا عَلَى اللَّامِ .
قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=52ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْفِعْلِ الْمُقَدَّرِ ، قِيلَ : آلْآنَ ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ : التَّقْرِيعُ وَالتَّوْبِيخُ لَهُمْ أَيْ قِيلَ : لِلَّذِينِ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْكُفْرِ وَعَدَمِ الْإِيمَانِ : إِنَّ هَذَا
[ ص: 629 ] الَّذِي تَطْلُبُونَهُ ضَرَرٌ مَحْضٌ ، عَارٍ عَنِ النَّفْعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَالْعَاقِلُ لَا يَطْلُبُ ذَلِكَ .
وَيُقَالُ لَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْإِهَانَةِ لَهُمْ : ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ أَيِ : الْعَذَابَ الدَّائِمَ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ ، وَالْقَائِلُ لَهُمْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَالَّتِي قَبْلَهَا قِيلَ : هُمُ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ هُمْ خَزَنَةُ جَهَنَّمَ ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ لِذَلِكَ هُمُ الْأَنْبِيَاءُ عَلَى الْخُصُوصِ ، أَوِ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى الْعُمُومِ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=52هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ فِي الْحَيَاةِ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي ، وَالِاسْتِفْهَامُ لِلتَّقْرِيرِ ، وَكَأَنَّهُ يُقَالُ لَهُمْ هَذَا الْقَوْلُ عَنِ اسْتِغَاثَتِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ وَحُلُولِ النِّقْمَةِ .
ثُمَّ حَكَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْهُمْ بَعْدَ هَذِهِ الْبَيَانَاتِ الْبَالِغَةِ ، وَالْجَوَابَاتِ عَنْ أَقْوَالِهِمُ الْبَاطِلَةِ : أَنَّهُمُ اسْتَفْهَمُوا تَارَةً أُخْرَى عَنْ تَحَقُّقِ الْعَذَابِ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=53وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ أَيْ يَسْتَخْبِرُونَكَ عَنْ جِهَةِ الِاسْتِهْزَاءِ مِنْهُمْ وَالْإِنْكَارِ ، أَحَقٌّ مَا تَعِدُنَا بِهِ مِنَ الْعَذَابِ فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ ، وَهَذَا السُّؤَالُ مِنْهُمْ جَهْلٌ مَحْضٌ ، وَظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ، فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَنْهُمْ مَعَ الْجَوَابِ عَلَيْهِ ، فَصَنِيعُهُمْ فِي هَذَا التَّكْرِيرِ صَنِيعُ مَنْ لَا يَعْقِلُ مَا يَقُولُ وَلَا مَا يُقَالُ لَهُ ، وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِهَذَا الِاسْتِخْبَارِ مِنْهُمْ هُوَ عَنْ حَقِّيَّةِ الْقُرْآنِ ، وَارْتِفَاعُ ( حَقٌّ ) عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ ، وَالْمُبْتَدَأُ هُوَ الضَّمِيرُ الَّذِي بَعْدَهُ ، وَتَقْدِيمُ الْخَبَرِ لِلِاهْتِمَامِ ، أَوْ هُوَ مُبْتَدَأٌ ، وَالضَّمِيرُ مُرْتَفِعٌ بِهِ سَادٌّ مَسَدَّ الْخَبَرِ ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِـ ( يَسْتَنْبِئُونَكَ ) ، وَقُرِئَ " آلْحَقُّ هُوَ " عَلَى أَنَّ اللَّامَ لِلْجِنْسِ ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ : أَهْوَ الْحَقُّ لَا الْبَاطِلُ .
قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=53قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقُولَ لَهُمْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ جَوَابًا عَنِ اسْتِفْهَامِهِمُ الْخَارِجِ مُخْرَجَ الِاسْتِهْزَاءِ : أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا
مُحَمَّدُ غَيْرَ مُلْتَفِتٍ إِلَى مَا هُوَ مَقْصُودُهُمْ مِنَ الِاسْتِهْزَاءِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=53إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ : أَيْ نَعَمْ وَرَبِّي إِنَّ مَا أَعِدُكُمْ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ لَحَقٌّ ثَابِتٌ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ .
وَفِي هَذَا الْجَوَابِ تَأْكِيدٌ مِنْ وُجُوهٍ : الْأَوَّلُ : الْقَسَمُ مَعَ دُخُولِ الْحِرَفِ الْخَاصِّ بِالْقَسَمِ الْوَاقِعِ مَوْقِعَ نَعَمْ ، الثَّانِي : دُخُولُ إِنَّ الْمُؤَكِّدَةِ ، الثَّالِثُ : اللَّامُ فِي ( لَحَقٌّ ) ، الرَّابِعُ : اسْمِيَّةُ الْجُمْلَةِ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ بَلَغُوا فِي الْإِنْكَارِ وَالتَّمَرُّدِ إِلَى الْغَايَةِ الَّتِي لَيْسَ وَرَاءَهَا غَايَةٌ ، ثُمَّ تَوَعَّدَهُمْ بِأَشَدِّ تَوَعُّدٍ ، وَرَهَّبَهُمْ بِأَعْظَمِ تَرْهِيبٍ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=53وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ أَيْ فَائِتِينَ الْعَذَابَ بِالْهَرَبِ وَالتَّحَيُّلِ الَّذِي لَا يَنْفَعُ وَالْمُكَابَرَةِ الَّتِي لَا تَدْفَعُ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ شَيْئًا ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ إِمَّا مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ جَوَابِ الْقَسَمِ ، أَوْ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ عَدَمِ خُلُوصِهِمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ .
ثُمَّ زَادَ فِي التَّأْكِيدِ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=54وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ أَيْ وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ مِنَ الْأَنْفُسِ الْمُتَّصِفَةِ بِأَنَّهَا ظَلَمَتْ نَفْسَهَا بِالْكُفْرِ بِاللَّهِ وَعَدَمِ الْإِيمَانِ بِهِ ، مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَشْتَمِلُ عَلَيْهَا مِنَ الْأَمْوَالِ النَّفِيسَةِ ، وَالذَّخَائِرِ الْفَائِقَةِ ، لَافْتَدَتْ بِهِ : أَيْ جَعَلَتْهُ فِدْيَةً لَهَا مِنَ الْعَذَابِ ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=91إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ [ آلِ عِمْرَانَ : 91 ] وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=33وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ [ سَبَأٍ : 33 ] الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْأَنْفُسِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهَا بِكُلِّ نَفْسٍ .
وَمَعْنَى أَسَرُّوا : أَخْفَوْا أَيْ : لَمْ يُظْهِرُوا النَّدَامَةَ بَلْ أَخْفَوْهَا لِمَا قَدْ شَاهَدُوهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْطِنِ مِمَّا سَلَبَ عُقُولَهُمْ ، وَذَهَبَ بِتَجَلُّدِهِمْ ، وَيُمْكِنُ أَنَّهُ بَقِيَ فِيهِمْ وَهُمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ عِرْقٌ يَنْزِعُهُمْ إِلَى الْعَصَبِيَّةِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا ، فَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لِئَلَّا يَشْمَتَ بِهِمُ الْمُؤْمِنُونَ ، وَقِيلَ : أَسَرَّهَا الرُّؤَسَاءُ فِيمَا بَيْنَهُمْ دُونَ أَتْبَاعِهِمْ خَوْفًا مِنْ تَوْبِيخِهِمْ لَهُمْ لِكَوْنِهِمْ هُمُ الَّذِينَ أَضَلُّوهُمْ وَحَالُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِسْلَامِ ، وَوُقُوعُ هَذَا مِنْهُمْ كَانَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْعَذَابِ ، وَأَمَّا بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ فَهُمُ الَّذِينَ
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=106قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا [ الْمُؤْمِنُونَ : 106 ] وَقِيلَ : مَعْنَى أَسَرُّوا : أَظْهَرُوا ، وَقِيلَ : وَجَدُوا أَلَمَ الْحَسْرَةِ فِي قُلُوبِهِمْ ، لِأَنَّ النَّدَامَةَ لَا يُمْكِنُ إِظْهَارُهَا ، وَمِنْهُ قَوْلُ كُثَيْرٍ :
فَأَسْرَرْتُ النَّدَامَةَ يَوْمَ نَادَى بِرَدِّ جِمَالِ غَاضِرَةَ الْمُنَادِي
وَذَكَرَ الْمُبَرِّدُ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ : الْأَوَّلُ : أَنَّهَا بَدَتْ فِي وُجُوهِهِمْ أَسِرَّةُ النَّدَامَةِ ، وَهِيَ الِانْكِسَارُ ، وَاحِدُهَا سِرَارٌ ، وَجَمْعُهَا أَسَارِيرُ ، وَالثَّانِي : مَا تَقَدَّمَ ، وَقِيلَ : مَعْنَى أَسَرُّوا النَّدَامَةَ أَخْلَصُوهَا ، لِأَنَّ إِخْفَاءَهَا إِخْلَاصُهَا ، وَ لَمَّا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=54لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ ظَرْفٌ بِمَعْنَى حِينَ مَنْصُوبٌ بِـ ( أَسَرُّوا ) ، أَوْ حَرْفُ شَرْطٍ جَوَابُهُ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=54وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ أَيْ قَضَى اللَّهُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَبَيْنَ الْكَافِرِينَ ، أَوْ بَيْنَ الرُّؤَسَاءِ وَالْأَتْبَاعِ ، أَوْ بَيْنَ الظَّالِمِينَ مِنَ الْكُفَّارِ وَالْمَظْلُومِينَ ، وَقِيلَ : مَعْنَى الْقَضَاءِ بَيْنَهُمْ : إِنْزَالُ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهِمْ ، وَالْقِسْطُ : الْعَدْلُ ، وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=54وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ أَيْ : لَا يَظْلِمُهُمُ اللَّهُ فِيمَا فَعَلَ بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ الَّذِي حَلَّ بِهِمْ فَإِنَّهُ بِسَبَبِ مَا كَسَبُوا .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=55أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَسُوقَةٌ لِتَقْرِيرِ كَمَالِ قُدْرَتِهِ ، لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ تَصَرَّفَ بِهِ كَيْفَ يَشَاءُ ، وَغَلَّبَ غَيْرَ الْعُقَلَاءِ لِكَوْنِهِمْ أَكْثَرَ الْمَخْلُوقَاتِ .
قِيلَ : لَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ افْتِدَاءَ الْكُفَّارِ بِمَا فِي الْأَرْضِ لَوْ كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ ، بَيَّنَ أَنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا لِلَّهِ ، وَلَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ يَتَمَكَّنُونَ مِنَ الِافْتِدَاءِ بِهِ ، وَقِيلَ : لَمَّا أَقْسَمَ عَلَى حَقِّيَةِ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ أَنْ يَصْحَبَ ذَلِكَ بِدَلِيلِ الْبُرْهَانِ الْبَيِّنِ بِأَنَّ مَا فِي الْعَالَمِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ مَلِكُهُ يَتَصَرَّفُ بِهِ كَيْفَ يَشَاءُ ، وَفِي تَصْدِيرِ الْجُمْلَةِ بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ تَنْبِيهٌ لِلْغَافِلِينَ ، وَإِيقَاظٌ لِلذَّاهِلِينَ ، ثُمَّ أَكَّدَ مَا سَبَقَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=55أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ أَيْ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ ، وَهُوَ عَامٌّ يَنْدَرِجُ فِيهِ مَا اسْتَعْجَلُوهُ مِنَ الْعَذَابِ انْدِرَاجًا أَوَّلِيًّا ، وَتَصْدِيرُ الْجُمْلَةِ بِحِرَفِ التَّنْبِيهِ كَمَا قُلْنَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا مَعَ الدَّلَالَةِ عَلَى تَحَقُّقِ مَضْمُونِ الْجُمْلَتَيْنِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=243وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ أَيِ الْكُفَّارَ لَا يَعْلَمُونَ مَا فِيهِ صَلَاحُهُمْ فَيَعْمَلُونَ بِهِ ، وَمَا فِيهِ فَسَادُهُمْ فَيَجْتَنِبُونَهُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=56هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ يَهَبُ الْحَيَاةَ وَيَسْلُبُهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=56وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ فَيُجَازِي كُلًّا بِمَا يَسْتَحِقُّهُ ، وَيَتَفَضَّلُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ .
قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=57يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ يَعْنِي الْقُرْآنَ فِيهِ مَا يَتَّعِظُ بِهِ مَنْ قَرَأَهُ وَعَرَفَ مَعْنَاهُ ، وَالْوَعْظُ فِي الْأَصْلِ : هُوَ التَّذْكِيرُ بِالْعَوَاقِبِ سَوَاءٌ كَانَ
[ ص: 630 ] بِالتَّرْغِيبِ أَوِ التَّرْهِيبِ ، وَالْوَاعِظُ هُوَ كَالطَّبِيبِ يَنْهَى الْمَرِيضَ عَمَّا يَضُرُّهُ ، وَ ( مِنْ ) فِي مِنْ رَبِّكُمْ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْفِعْلِ ، وَهُوَ ( جَاءَتْكُمْ ) ، فَتَكُونُ ابْتِدَائِيَّةً ، أَوْ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ ، فَتَكُونُ تَبْعِيضِيَّةً
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=57وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ مِنَ الشُّكُوكِ الَّتِي تَعْتَرِي بَعْضَ الْمُرْتَابِينَ لِوُجُودِ مَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ فِيهِ مِنَ الْعَقَائِدِ الْحَقَّةِ ، وَاشْتِمَالِهِ عَلَى تَزْيِيفِ الْعَقَائِدِ الْبَاطِلَةِ ، وَالْهُدَى : الْإِرْشَادُ لِمَنِ اتَّبَعَ الْقُرْآنَ وَتَفَكَّرَ فِيهِ ، وَتَدَبَّرَ مَعَانِيَهُ إِلَى الطَّرِيقِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى الْجَنَّةِ ، وَالرَّحْمَةُ : هِيَ مَا يُوجَدُ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يَرْحَمُ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ ، فَيَطْلُبُهَا مَنْ أَرَادَ ذَلِكَ حَتَّى يَنَالَهَا ، فَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ مُشْتَمِلٌ عَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ .
ثُمَّ أَمَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَجَعَلَ الْخِطَابَ مَعَهُ بَعْدَ خِطَابِهِ لِلنَّاسِ عَلَى الْعُمُومِ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=58قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا الْمُرَادُ بِالْفَضْلِ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ : هُوَ تَفَضُّلُهُ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْآجِلِ وَالْعَاجِلِ بِمَا لَا يُحِيطُ بِهِ الْحَصْرُ ، وَالرَّحْمَةُ : رَحْمَتُهُ لَهُمْ .
وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ قَالَ فَضْلُ اللَّهِ : الْقُرْآنُ ، وَرَحْمَتُهُ : الْإِسْلَامُ .
وَرُوِيَ عَنِ
الْحَسَنِ ،
وَالضَّحَّاكِ ،
وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ ، أَنَّ فَضْلَ اللَّهِ : الْإِيمَانُ ، وَرَحْمَتَهُ : الْقُرْآنُ .
وَالْأَوْلَى حَمْلُ الْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ عَلَى الْعُمُومِ ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْهُمَا دُخُولًا أَوَّلِيًّا ، وَأَصْلُ الْكَلَامِ : قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَلْيَفْرَحُوا ، ثُمَّ حُذِفَ هَذَا الْفِعْلُ لِدَلَالَةِ الثَّانِي فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=58فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا عَلَيْهِ ، قِيلَ : وَالْفَاءُ فِي هَذَا الْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ دَاخِلَةٌ فِي جَوَابِ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّهُ قِيلَ : إِنْ فَرِحُوا بِشَيْءٍ فَلْيَخُصُّوا فَضْلَ اللَّهِ وَرَحْمَتَهُ بِالْفَرَحِ .
وَتَكْرِيرُ الْبَاءِ فِي ( بِرَحْمَتِهِ ) لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ سَبَبٌ مُسْتَقِلٌّ فِي الْفَرَحِ ، وَالْفَرَحُ : هُوَ اللَّذَّةُ فِي الْقَلْبِ بِسَبَبِ إِدْرَاكِ الْمَطْلُوبِ ، وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْفَرَحَ فِي مُوَاطِنَ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=76لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ [ الْقَصَصِ : 76 ] وَجَوَّزَهُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=170فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [ آلِ عِمْرَانَ : 170 ] وَكَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، وَيَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ الْبَاءُ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=58بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ بِقَوْلِهِ : جَاءَتْكُمُ ، وَالتَّقْدِيرُ : جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ أَيْ : فَبِمَجِيئِهَا فَلْيَفْرَحُوا ، وَقَرَأَ يَزِيدُ بْنُ الْقَعْقَاعِ وَيَعْقُوبُ " فَلْتَفْرَحُوا " بِالْفَوْقِيَّةِ ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِالتَّحْتِيَّةِ ، وَالضَّمِيرُ فِي هُوَ خَيْرٌ رَاجِعٌ إِلَى الْمَذْكُورِ مِنَ الْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ ، أَوْ إِلَى الْمَجِيءِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي ، أَوْ إِلَى اسْمِ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ : فَبِذَلِكَ وَالْمَعْنَى : أَنَّ هَذَا خَيْرٌ لَهُمْ مِمَّا يَجْمَعُونَهُ مِنْ حُطَامِ الدُّنْيَا .
وَقَدْ قُرِئَ بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ فِي " يَجْمَعُونَ " مُطَابَقَةً لِلْقِرَاءَةِ بِهَا فِي " فَلْتَفْرَحُوا " .
وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ لَامَ الْأَمْرِ تُحْذَفُ مَعَ الْخِطَابِ إِلَّا فِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ ، جَاءَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَلَيْهَا ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ فِي يَجْمَعُونَ كَمَا قَرَءُوا فِي " فَلْيَفْرَحُوا " .
وَرُوِيَ عَنِ
ابْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَرَأَ بِالْفَوْقِيَّةِ فِي " يَجْمَعُونَ " ، وَالتَّحْتِيَّةِ فِي " فَلْيَفْرَحُوا " .
وَقَدْ أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطَّبَرَانِيُّ ،
وَأَبُو الشَّيْخِ ، عَنْ
أَبِي الْأَحْوَصِ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ : إِنَّ أَخِي يَشْتَكِي بَطْنَهُ ، فَوَصَفَ لَهُ الْخَمْرَ ، فَقَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ! مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي رِجْسٍ شِفَاءً ، إِنَّمَا الشِّفَاءُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْعَسَلِ ، فَهُمَا شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَشِفَاءٌ لِلنَّاسِ .
وَأَخْرَجَ
أَبُو الشَّيْخِ ، عَنِ
الْحَسَنِ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْقُرْآنَ شِفَاءً لِمَا فِي الصُّدُورِ ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ شِفَاءً لِأَمْرَاضِكُمْ " .
وَأَخْرَجَ
ابْنُ الْمُنْذِرِ ،
وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ :
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : إِنِّي أَشْتَكِي صَدْرِي ، فَقَالَ : اقْرَأِ الْقُرْآنَ ، يَقُولُ اللَّهُ : شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ .
وَأَخْرَجَ
الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=105وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ رَجُلًا شَكَا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَجَعَ حَلْقِهِ قَالَ : عَلَيْكَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْعَسَلِ ، فَالْقُرْآنُ شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ ، وَالْعَسَلُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ .
وَأَخْرَجَ
أَبُو دَاوُدَ ،
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ ،
وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ ، عَنْ
أُبَيٍّ قَالَ : أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّاءِ يَعْنِي الْفَوْقِيَّةَ ، وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الطَّرِيقِ .
وَأَخْرَجَ
أَبُو الشَّيْخِ ،
وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ ، عَنْ
أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=58قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ قَالَ :
بِفَضْلِ اللَّهِ الْقُرْآنُ ، وَبِرَحْمَتِهِ أَنْ جَعَلَكُمْ مِنْ أَهْلِهِ .
وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنِ
الْبَرَاءِ مِثْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ .
وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16000سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12508وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وَابْنُ جَرِيرٍ ،
وَابْنُ الْمُنْذِرِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ،
وَأَبُو الشَّيْخِ ،
وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مِثْلَهُ .
وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16000سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ،
وَابْنُ الْمُنْذِرِ ،
وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، فِي الْآيَةِ قَالَ : بِكِتَابِ اللَّهِ وَبِالْإِسْلَامِ .
وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ ،
وَابْنُ الْمُنْذِرِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ،
وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ قَالَ : فَضْلُهُ الْإِسْلَامُ ، وَرَحْمَتُهُ الْقُرْآنُ .
وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وَابْنُ جَرِيرٍ ،
وَابْنُ الْمُنْذِرِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ،
وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ : بِفَضْلِ اللَّهِ الْقُرْآنُ ، وَبِرَحْمَتِهِ حِينَ جَعَلَهُمْ مِنْ أَهْلِهِ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ نَحْوُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ .
وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ ،
وَابْنُ الْمُنْذِرِ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ .