[ ص: 225 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=112nindex.php?page=treesubj&link=28976إذ قال الحواريون ياعيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين ( 112 )
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=113قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين ( 113 ) )
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=114قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين ( 114 )
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=115قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ( 115 ) )
هذه قصة المائدة ، وإليها تنسب السورة فيقال : " سورة المائدة " . وهي مما امتن الله به على عبده ورسوله
عيسى ، - عليه السلام - ، لما أجاب دعاءه بنزولها ، فأنزلها الله آية ودلالة معجزة باهرة وحجة قاطعة .
وقد ذكر بعض الأئمة أن قصة المائدة ليست مذكورة في الإنجيل ، ولا يعرفها النصارى إلا من المسلمين ، فالله أعلم .
فقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=112إذ قال الحواريون ) وهم أتباع
عيسى - عليه السلام - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=112يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك ) هذه قراءة كثيرين ، وقرأ آخرون : " هل تستطيع ربك " أي : هل تستطيع أن تسأل ربك (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=112أن ينزل علينا مائدة من السماء ) .
والمائدة هي : الخوان عليه طعام . وذكر بعضهم أنهم إنما سألوا ذلك لحاجتهم وفقرهم فسألوا أن ينزل عليهم مائدة كل يوم يقتاتون منها ، ويتقوون بها على العبادة .
قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=112اتقوا الله إن كنتم مؤمنين ) أي : فأجابهم
المسيح ، - عليه السلام - ، قائلا لهم : اتقوا الله ، ولا تسألوا هذا ، فعساه أن يكون فتنة لكم ، وتوكلوا على الله في طلب الرزق إن كنتم مؤمنين .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=113قالوا نريد أن نأكل منها ) أي : نحن محتاجون إلى الأكل منها (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=113وتطمئن قلوبنا ) إذا شاهدنا نزولها رزقا لنا من السماء (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=113ونعلم أن قد صدقتنا ) أي : ونزداد إيمانا بك وعلما برسالتك (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=113ونكون عليها من الشاهدين ) أي : ونشهد أنها آية من عند الله ، ودلالة وحجة على نبوتك وصدق ما جئت به .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=114قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : أي نتخذ ذلك اليوم الذي نزلت فيه عيدا نعظمه نحن ومن بعدنا ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري : يعني يوما نصلي فيه ، وقال
قتادة : أرادوا أن يكون لعقبهم من بعدهم ، وعن
سلمان الفارسي : عظة لنا ولمن بعدنا . وقيل : كافية لأولنا وآخرنا .
( وآية منك ) أي : دليلا تنصبه على قدرتك على الأشياء ، وعلى إجابتك دعوتي ، فيصدقوني فيما أبلغه عنك ) وارزقنا ) أي : من عندك رزقا هنيئا بلا كلفة ولا تعب (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=114وأنت خير الرازقين . قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم ) أي : فمن كذب بها من أمتك يا
عيسى وعاندها (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=115فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ) أي : من عالمي زمانكم ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) [ غافر : 46 ] ، وكقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=145إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) [ النساء : 145 ] .
[ ص: 226 ]
وقد روى
ابن جرير ، من طريق
عوف الأعرابي ، عن
أبي المغيرة القواس ، عن
عبد الله بن عمرو قال : إن
nindex.php?page=treesubj&link=30438_30437أشد الناس عذابا يوم القيامة ثلاثة : المنافقون ، ومن كفر من أصحاب المائدة ، وآل فرعون .
ذكر أخبار رويت عن السلف في
nindex.php?page=treesubj&link=33951نزول المائدة على الحواريين :
قال
أبو جعفر بن جرير ، حدثنا
القاسم ، حدثنا
الحسين ، حدثني
حجاج ، عن
ليث ، عن
عقيل عن
ابن عباس : أنه كان يحدث عن
عيسى ابن مريم أنه قال
لبني إسرائيل : هل لكم أن تصوموا لله ثلاثين يوما ، ثم تسألوه فيعطيكم ما سألتم؟ فإن أجر العامل على من عمل له . ففعلوا ، ثم قالوا : يا معلم الخير ، قلت لنا : إن أجر العامل على من عمل له وأمرتنا أن نصوم ثلاثين يوما ، ففعلنا ، ولم نكن نعمل لأحد ثلاثين يوما إلا أطعمنا حين نفرغ طعاما ، فهل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء؟ قال
عيسى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=112اتقوا الله إن كنتم مؤمنين . قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين . قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين . قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ) قال : فأقبلت الملائكة تطير بمائدة من السماء ، عليها سبعة أحوات وسبعة أرغفة ، حتى وضعتها بين أيديهم ، فأكل منها آخر الناس كما أكل منها أولهم .
كذا رواه
ابن جرير ورواه
ابن أبي حاتم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى ، عن
ابن وهب ، عن
الليث ، عن
عقيل ، عن
ابن شهاب ، قال : كان
ابن عباس يحدث ، فذكر نحوه .
وقال
ابن أبي حاتم أيضا : حدثنا
سعد بن عبد الله بن عبد الحكم ، حدثنا
أبو زرعة وهب الله بن راشد ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16581عقيل بن خالد ، أن
ابن شهاب أخبره عن
ابن عباس ; أن
عيسى ابن مريم قالوا له : ادع الله أن ينزل علينا مائدة من السماء ، قال : فنزلت الملائكة بمائدة يحملونها ، عليها سبعة أحوات ، وسبعة أرغفة ، فأكل منها آخر الناس كما أكل منها أولهم .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
الحسن بن قزعة الباهلي ، حدثنا
سفيان بن حبيب ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12514سعيد بن أبي عروبة ، عن
قتادة ، عن
خلاس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=56عمار بن ياسر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " نزلت المائدة من السماء ، عليها خبز ولحم ، وأمروا أن لا يخونوا ولا يرفعوا لغد ، فخانوا وادخروا ورفعوا ، فمسخوا قردة وخنازير "
وكذا رواه
ابن جرير ، عن
الحسن بن قزعة ثم رواه
ابن جرير ، عن
ابن بشار ، عن
ابن أبي [ ص: 227 ] عدي ، عن
سعيد ، عن
قتادة ، عن
خلاس ، عن
عمار ، قال : نزلت المائدة وعليها ثمر من ثمار الجنة ، فأمروا ألا يخونوا ولا يخبئوا ولا يدخروا . قال : فخان القوم وخبئوا وادخروا ، فمسخهم الله قردة وخنازير .
وقال
ابن جرير : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، حدثنا
عبد الأعلى ، حدثنا
داود ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16052سماك بن حرب ، عن رجل من
بني عجل ، قال : صليت إلى جنب
nindex.php?page=showalam&ids=56عمار بن ياسر ، فلما فرغ قال : هل تدري كيف كان شأن مائدة
بني إسرائيل؟ قال : قلت : لا قال : إنهم سألوا عيسى ابن مريم مائدة يكون عليها طعام يأكلون منه لا ينفد ، قال : فقيل لهم : فإنها مقيمة لكم ما لم تخبؤوا ، أو تخونوا ، أو ترفعوا ، فإن فعلتم فإني معذبكم عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ، قال : فما مضى يومهم حتى خبؤوا ورفعوا وخانوا ، فعذبوا عذابا لم يعذبه أحد من العالمين . وإنكم - معشر العرب - كنتم تتبعون أذناب الإبل والشاء ، فبعث الله فيكم رسولا من أنفسكم ، تعرفون حسبه ونسبه ، وأخبركم أنكم ستظهرون على العجم ، ونهاكم أن تكتنزوا الذهب والفضة . وأيم الله ، لا يذهب الليل والنهار حتى تكنزوهما ويعذبكم الله عذابا أليما .
وقال : حدثنا
القاسم ، حدثنا
حسين ، حدثني
حجاج ، عن
أبي معشر ، عن
إسحاق بن عبد الله ، أن المائدة نزلت على
عيسى ابن مريم ، عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات ، يأكلون منها ما شاؤوا . قال : فسرق بعضهم منها وقال : " لعلها لا تنزل غدا " . فرفعت .
وقال
العوفي ، عن
ابن عباس : نزلت على
عيسى ابن مريم والحواريين ، خوان عليه خبز وسمك ، يأكلون منه أينما نزلوا إذا شاؤوا . وقال
خصيف ، عن
عكرمة ومقسم ، عن
ابن عباس : كانت المائدة سمكة وأرغفة . وقال
مجاهد : هو طعام كان ينزل عليهم حيث نزلوا . وقال
أبو عبد الرحمن السلمي : نزلت المائدة خبزا وسمكا . وقال
عطية العوفي : المائدة سمك فيه طعم كل شيء .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه : أنزلها من السماء على بني إسرائيل ، فكان ينزل عليهم في كل يوم في تلك المائدة من ثمار الجنة ، فأكلوا ما شاؤوا من ضروب شتى ، فكان يقعد عليها أربعة آلاف ، فإذا أكلوا أبدل الله مكان ذلك لمثلهم . فلبثوا على ذلك ما شاء الله عز وجل .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه : نزل عليهم قرصة من شعير وأحوات ، وحشا الله بين أضعافهن البركة ، فكان قوم يأكلون ثم يخرجون ، ثم يجيء آخرون فيأكلون ثم يخرجون ، حتى أكل جميعهم وأفضلوا .
وقال
الأعمش ، عن
مسلم ، عن
سعيد بن جبير : أنزل عليها كل شيء إلا اللحم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، عن
عطاء بن السائب ، عن
زاذان وميسرة وجرير ، عن
عطاء ، عن
ميسرة [ ص: 228 ] قال : كانت المائدة إذا وضعت لبني إسرائيل اختلفت عليهم الأيدي بكل طعام إلا اللحم .
وعن
عكرمة : كان خبز المائدة من الأرز . رواه
ابن أبي حاتم .
وقال
ابن أبي حاتم : أخبرنا
جعفر بن علي فيما كتب إلي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12427إسماعيل بن أبي أويس ، حدثني
أبو عبد الله عبد القدوس بن إبراهيم بن عبيد الله بن مرداس العبدري - مولى بني عبد الدار - عن
إبراهيم بن عمر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12081أبي عثمان النهدي ، عن
سلمان الخير ; أنه قال : لما سأل
الحواريون عيسى ابن مريم المائدة ، كره ذلك جدا وقال : اقنعوا بما رزقكم الله في الأرض ، ولا تسألوا المائدة من السماء ، فإنها إن نزلت عليكم كانت آية من ربكم ، وإنما هلكت ثمود حين سألوا نبيهم آية ، فابتلوا بها حتى كان بوارهم فيها . فأبوا إلا أن يأتيهم بها ، فلذلك قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=113نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ) الآية .
فلما رأى
عيسى أن قد أبوا إلا أن يدعو لهم بها ، قام فألقى عنه الصوف ، ولبس الشعر الأسود ، وجبة من شعر ، وعباءة من شعر ، ثم توضأ واغتسل ، ودخل مصلاه فصلى ما شاء الله ، فلما قضى صلاته قام قائما مستقبل القبلة وصف قدميه حتى استويا ، فألصق الكعب بالكعب وحاذى الأصابع ، ووضع يده اليمنى على اليسرى فوق صدره ، وغض بصره ، وطأطأ رأسه خشوعا ، ثم أرسل عينيه بالبكاء ، فما زالت دموعه تسيل على خديه وتقطر من أطراف لحيته حتى ابتلت الأرض حيال وجهه من خشوعه ، فلما رأى ذلك دعا الله فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=114اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء ) فأنزل الله عليهم سفرة حمراء بين غمامتين : غمامة فوقها وغمامة تحتها ، وهم ينظرون إليها في الهواء منقضة من فلك السماء تهوي إليهم
وعيسى يبكي خوفا للشروط التي اتخذها الله عليهم - فيها : أنه يعذب من يكفر بها منهم بعد نزولها عذابا لم يعذبه أحدا من العالمين - وهو يدعو الله من مكانه ويقول : اللهم اجعلها رحمة ، إلهي لا تجعلها عذابا ، إلهي كم من عجيبة سألتك فأعطيتني ، إلهي اجعلنا لك شكارين ، إلهي أعوذ بك أن تكون أنزلتها غضبا وجزاء ، إلهي اجعلها سلامة وعافية ، ولا تجعلها فتنة ومثلة .
فما زال يدعو حتى استقرت السفرة بين يدي
عيسى والحواريين وأصحابه حوله ، يجدون رائحة طيبة لم يجدوا فيما مضى رائحة مثلها قط ، وخر
عيسى والحواريون لله سجدا شكرا بما رزقهم من حيث لم يحتسبوا وأراهم فيه آية عظيمة ذات عجب وعبرة ، وأقبلت اليهود ينظرون فرأوا أمرا عجيبا أورثهم كمدا وغما ، ثم انصرفوا بغيظ شديد وأقبل
عيسى . والحواريون وأصحابه حتى جلسوا حول السفرة ، فإذا عليها منديل مغطي . قال
عيسى : من أجرؤنا على كشف المنديل عن هذه السفرة ، وأوثقنا بنفسه ، وأحسننا بلاء عند ربه؟ فليكشف عن هذه الآية حتى نراها ، ونحمد ربنا ، ونذكر باسمه ، ونأكل من رزقه الذي رزقنا . فقال الحواريون : يا روح الله وكلمته ، أنت أولانا بذلك ، وأحقنا
[ ص: 229 ] بالكشف عنها . فقام
عيسى ، - عليه السلام - ، واستأنف وضوءا جديدا ، ثم دخل مصلاه فصلى كذلك ركعات ، ثم بكى بكاء طويلا ودعا الله أن يأذن له في الكشف عنها ، ويجعل له ولقومه فيها بركة ورزقا . ثم انصرف فجلس إلى السفرة وتناول المنديل ، وقال : " باسم الله خير الرازقين " ، وكشف عن السفرة ، فإذا هو عليها سمكة ضخمة مشوية ، ليس عليها بواسير ، وليس في جوفها شوك ، يسيل السمن منها سيلا قد نضد حولها بقول من كل صنف غير الكراث ، وعند رأسها خل ، وعند ذنبها ملح ، وحول البقول خمسة أرغفة ، على واحد منها زيتون ، وعلى الآخر ثمرات ، وعلى الآخر خمس رمانات .
فقال
شمعون رأس
الحواريين لعيسى : يا روح الله وكلمته ، أمن طعام الدنيا هذا أم من طعام الجنة؟ فقال : أما آن لكم أن تعتبروا بما ترون من الآيات ، وتنتهوا عن تنقير المسائل؟ ما أخوفني عليكم أن تعاقبوا في سبب نزول هذه الآية! فقال
شمعون : وإله إسرائيل ما أردت بها سؤالا يا ابن الصديقة . فقال
عيسى ، - عليه السلام - : ليس شيء مما ترون من طعام الجنة ولا من طعام الدنيا ، إنما هو شيء ابتدعه الله في الهواء بالقدرة العالية القاهرة ، فقال له : كن . فكان أسرع من طرفة عين ، فكلوا مما سألتم باسم الله واحمدوا عليه ربكم يمدكم منه ويزدكم ، فإنه بديع قادر شاكر .
فقالوا : يا روح الله وكلمته ، إنا نحب أن ترينا آية في هذه الآية . فقال
عيسى : سبحان الله! أما اكتفيتم بما رأيتم في هذه الآية حتى تسألوا فيها آية أخرى؟ ثم أقبل
عيسى ، - عليه السلام - ، على السمكة ، فقال : يا سمكة ، عودي بإذن الله حية كما كنت . فأحياها الله بقدرته ، فاضطربت وعادت بإذن الله حية طرية ، تلمظ كما يتلمظ الأسد ، تدور عيناها لها بصيص ، وعادت عليها بواسيرها . ففزع القوم منها وانحازوا . فلما رأى
عيسى ذلك منهم قال : ما لكم تسألون الآية ، فإذا أراكموها ربكم كرهتموها؟ ما أخوفني عليكم أن تعاقبوا بما تصنعون! يا سمكة ، عودي بإذن الله كما كنت . فعادت بإذن الله مشوية كما كانت في خلقها الأول .
فقالوا
لعيسى : كن أنت يا روح الله الذي تبدأ بالأكل منها ، ثم نحن بعد فقال
عيسى : معاذ الله من ذلك! يبدأ بالأكل من طلبها . فلما رأى
الحواريون وأصحابهم امتناع نبيهم منها ، خافوا أن يكون نزولها سخطة وفي أكلها مثلة ، فتحاموها . فلما رأى ذلك
عيسى دعا لها الفقراء والزمنى ، وقال : كلوا من رزق ربكم ، ودعوة نبيكم ، واحمدوا الله الذي أنزلها لكم ، فيكون مهنؤها لكم ، وعقوبتها على غيركم ، وافتتحوا أكلكم باسم الله ، واختموه بحمد الله ، ففعلوا ، فأكل منها ألف وثلاثمائة إنسان بين رجل وامرأة ، يصدرون عنها كل واحد منهم شبعان يتجشأ ، ونظر
عيسى والحواريون فإذا ما عليها كهيئته إذ أنزلت من السماء ، لم ينتقص منها شيء ، ثم إنها رفعت إلى السماء وهم ينظرون
[ ص: 230 ] فاستغنى كل فقير أكل منها ، وبرئ كل زمن أكل منها ، فلم يزالوا أغنياء صحاحا حتى خرجوا من الدنيا .
وندم
الحواريون وأصحابهم الذين أبوا أن يأكلوا منها ندامة ، سالت منها أشفارهم ، وبقيت حسرتها في قلوبهم إلى يوم الممات ، قال : فكانت المائدة إذا نزلت بعد ذلك أقبلت بنو إسرائيل إليها من كل مكان يسعون يزاحم بعضهم بعضا : الأغنياء والفقراء ، والصغار والكبار ، والأصحاء والمرضى ، يركب بعضهم بعضا . فلما رأى ذلك جعلها نوائب ، تنزل يوما ولا تنزل يوما . فلبثوا في ذلك أربعين يوما ، تنزل عليهم غبا عند ارتفاع الضحى فلا تزال موضوعة يؤكل منها ، حتى إذا قاموا ارتفعت عنهم . بإذن الله إلى جو السماء ، وهم ينظرون إلى ظلها في الأرض حتى توارى عنهم .
قال : فأوحى الله إلى نبيه
عيسى ، - عليه السلام - ، أن اجعل رزقي المائدة ، لليتامى والفقراء والزمنى دون الأغنياء من الناس ، فلما فعل ذلك ارتاب بها الأغنياء من الناس ، وغمطوا ذلك ، حتى شكوا فيها في أنفسهم وشككوا فيها الناس ، وأذاعوا في أمرها القبيح والمنكر ، وأدرك الشيطان منهم حاجته ، وقذف وسواسه في قلوب المرتابين حتى قالوا لعيسى : أخبرنا عن المائدة ، ونزولها من السماء أحق ، فإنه قد ارتاب بها بشر منا كثير؟ فقال
عيسى ، - عليه السلام - : هلكتم وإله المسيح! طلبتم المائدة إلى نبيكم أن يطلبها لكم إلى ربكم ، فلما أن فعل وأنزلها عليكم رحمة ورزقا ، وأراكم فيها الآيات والعبر كذبتم بها ، وشككتم فيها ، فأبشروا بالعذاب ، فإنه نازل بكم إلا أن يرحمكم الله .
وأوحى الله إلى
عيسى : إني آخذ المكذبين بشرطي ، فإني معذب منهم من كفر بالمائدة بعد نزولها عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين . قال فلما أمسى المرتابون بها وأخذوا مضاجعهم في أحسن صورة مع نسائهم آمنين ، فلما كان في آخر الليل مسخهم الله خنازير ، فأصبحوا يتبعون الأقذار في الكناسات .
هذا أثر غريب جدا . قطعه
ابن أبي حاتم في مواضع من هذه القصة ، وقد جمعته أنا له ليكون سياقه أتم وأكمل ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
وكل هذه الآثار دالة على أن المائدة نزلت على بني إسرائيل ، أيام
عيسى ابن مريم ، إجابة من الله لدعوته ، وكما دل على ذلك ظاهر هذا السياق من القرآن العظيم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=115قال الله إني منزلها عليكم ) الآية .
[ ص: 231 ]
وقد قال قائلون : إنها لم تنزل . فروى
ليث بن أبي سليم ، عن
مجاهد في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=114أنزل علينا مائدة من السماء ) قال : هو مثل ضرب ، ولم ينزل شيء .
رواه
ابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير . ثم قال
ابن جرير : حدثني
الحارث ، حدثنا
القاسم - هو ابن سلام - حدثنا
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد قال : مائدة عليها طعام ، أبوها حين عرض عليهم العذاب إن كفروا ، فأبوا أن تنزل عليهم .
وقال أيضا : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، حدثنا
محمد بن جعفر ، حدثنا
شعبة ، عن
منصور بن زاذان ، عن
الحسن ; أنه قال في المائدة : لم تنزل .
وحدثنا
بشر ، حدثنا
يزيد ، حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قال : كان
الحسن يقول : لما قيل لهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=115فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ) قالوا : لا حاجة لنا فيها ، فلم تنزل .
وهذه أسانيد صحيحة إلى
مجاهد والحسن ، وقد يتقوى ذلك بأن خبر المائدة لا تعرفه النصارى وليس هو في كتابهم ، ولو كانت قد نزلت لكان ذلك مما يتوفر الدواعي على نقله ، وكان يكون موجودا في كتابهم متواترا ، ولا أقل من الآحاد ، والله أعلم . ولكن الذي عليه الجمهور أنها نزلت ، وهو الذي اختاره
ابن جرير ، قال : لأنه تعالى أخبر بنزولها بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=115إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ) قال : ووعد الله ووعيده حق وصدق .
وهذا القول هو - والله أعلم - الصواب ، كما دلت عليه الأخبار والآثار عن السلف وغيرهم . وقد ذكر أهل التاريخ أن
موسى بن نصير نائب
بني أمية في فتوح
بلاد المغرب ، وجد المائدة هنالك مرصعة باللآلئ وأنواع الجواهر ، فبعث بها إلى
أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك ، باني جامع
دمشق ، فمات وهي في الطريق ، فحملت إلى أخيه
سليمان بن عبد الملك الخليفة بعده ، فرآها الناس وتعجبوا منها كثيرا لما فيها من اليواقيت النفيسة والجواهر اليتيمة . ويقال إن هذه المائدة كانت
لسليمان بن داود ، عليهما السلام ، فالله أعلم .
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
عبد الرحمن ، حدثنا
سفيان ، عن
سلمة بن كهيل ، عن
عمران بن الحكم ، عن
ابن عباس قال : قالت
قريش للنبي - صلى الله عليه وسلم - : ادع لنا ربك أن يجعل لنا الصفا ذهبا ونؤمن بك قال : " وتفعلون؟ " قالوا : نعم . قال : فدعا ، فأتاه
جبريل فقال : إن ربك يقرأ عليك السلام ، ويقول لك : إن شئت أصبح لهم الصفا ذهبا ، فمن كفر منهم بعد ذلك عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ، وإن شئت فتحت لهم باب التوبة والرحمة . قال : " بل باب التوبة والرحمة " .
[ ص: 232 ]
ثم رواه
أحمد وابن مردويه nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم في مستدركه ، من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، به .
[ ص: 225 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=112nindex.php?page=treesubj&link=28976إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ( 112 )
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=113قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ ( 113 ) )
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=114قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ( 114 )
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=115قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ( 115 ) )
هَذِهِ قِصَّةُ الْمَائِدَةِ ، وَإِلَيْهَا تُنْسَبُ السُّورَةُ فَيُقَالُ : " سُورَةُ الْمَائِدَةِ " . وَهِيَ مِمَّا امْتَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ
عِيسَى ، - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، لَمَّا أَجَابَ دُعَاءَهُ بِنُزُولِهَا ، فَأَنْزَلَهَا اللَّهُ آيَةً وَدَلَالَةً مُعْجِزَةً بَاهِرَةً وَحُجَّةً قَاطِعَةً .
وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ قِصَّةَ الْمَائِدَةِ لَيْسَتْ مَذْكُورَةً فِي الْإِنْجِيلِ ، وَلَا يَعْرِفُهَا النَّصَارَى إِلَّا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ .
فَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=112إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ ) وَهُمْ أَتْبَاعُ
عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=112يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ ) هَذِهِ قِرَاءَةُ كَثِيرِينَ ، وَقَرَأَ آخَرُونَ : " هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ " أَيْ : هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَسْأَلَ رَبَّكَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=112أَنْ يُنْزِلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ ) .
وَالْمَائِدَةُ هِيَ : الْخِوَانُ عَلَيْهِ طَعَامٌ . وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُمْ إِنَّمَا سَأَلُوا ذَلِكَ لِحَاجَتِهِمْ وَفَقْرِهِمْ فَسَأَلُوا أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِمْ مَائِدَةٌ كُلَّ يَوْمٍ يَقْتَاتُونَ مِنْهَا ، وَيَتَقَوَّوْنَ بِهَا عَلَى الْعِبَادَةِ .
قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=112اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) أَيْ : فَأَجَابَهُمُ
الْمَسِيحُ ، - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، قَائِلًا لَهُمُ : اتَّقُوا اللَّهَ ، وَلَا تَسْأَلُوا هَذَا ، فَعَسَاهُ أَنْ يَكُونَ فِتْنَةً لَكُمْ ، وَتَوَكَّلُوا عَلَى اللَّهِ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=113قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا ) أَيْ : نَحْنُ مُحْتَاجُونَ إِلَى الْأَكْلِ مِنْهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=113وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا ) إِذَا شَاهَدْنَا نُزُولَهَا رِزْقًا لَنَا مِنَ السَّمَاءِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=113وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا ) أَيْ : وَنَزْدَادَ إِيمَانًا بِكَ وَعِلْمًا بِرِسَالَتِكَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=113وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ ) أَيْ : وَنَشْهَدُ أَنَّهَا آيَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، وَدَلَالَةٌ وَحُجَّةٌ عَلَى نُبُوَّتِكَ وَصِدْقِ مَا جِئْتَ بِهِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=114قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : أَيْ نَتَّخِذُ ذَلِكَ الْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عِيدًا نُعَظِّمُهُ نَحْنُ وَمَنْ بَعْدَنَا ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16004سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : يَعْنِي يَوْمًا نُصَلِّي فِيهِ ، وَقَالَ
قَتَادَةُ : أَرَادُوا أَنْ يَكُونَ لِعَقِبِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ ، وَعَنْ
سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ : عِظَةً لَنَا وَلِمَنْ بَعْدَنَا . وَقِيلَ : كَافِيَةً لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا .
( وَآيَةً مِنْكَ ) أَيْ : دَلِيلًا تَنْصِبُهُ عَلَى قُدْرَتِكَ عَلَى الْأَشْيَاءِ ، وَعَلَى إِجَابَتِكَ دَعْوَتِي ، فَيُصَدِّقُونِي فِيمَا أُبَلِّغُهُ عَنْكَ ) وَارْزُقْنَا ) أَيْ : مِنْ عِنْدِكَ رِزْقًا هَنِيئًا بِلَا كُلْفَةٍ وَلَا تَعَبٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=114وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ . قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ ) أَيْ : فَمَنْ كَذَّبَ بِهَا مِنْ أُمَّتِكَ يَا
عِيسَى وَعَانَدَهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=115فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ) أَيْ : مِنْ عَالَمَيْ زَمَانِكُمْ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ) [ غَافِرٍ : 46 ] ، وَكَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=145إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ) [ النِّسَاءِ : 145 ] .
[ ص: 226 ]
وَقَدْ رَوَى
ابْنُ جَرِيرٍ ، مِنْ طَرِيقِ
عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ ، عَنْ
أَبِي الْمُغِيرَةِ الْقَوَّاسِ ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30438_30437أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَةٌ : الْمُنَافِقُونَ ، وَمَنْ كَفَرَ مِنْ أَصْحَابِ الْمَائِدَةِ ، وَآلُ فِرْعَوْنَ .
ذِكْرُ أَخْبَارٍ رُوِيَتْ عَنِ السَّلَفِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=33951نُزُولِ الْمَائِدَةِ عَلَى الْحَوَارِيِّينَ :
قَالَ
أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ ، حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ ، حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ ، حَدَّثَنِي
حَجَّاجٌ ، عَنْ
لَيْثٍ ، عَنْ
عُقَيْلٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ عَنْ
عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ أَنَّهُ قَالَ
لِبَنِي إِسْرَائِيلَ : هَلْ لَكُمْ أَنْ تَصُومُوا لِلَّهِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ، ثُمَّ تَسْأَلُوهُ فَيُعْطِيكُمْ مَا سَأَلْتُمْ؟ فَإِنَّ أَجْرَ الْعَامِلِ عَلَى مَنْ عَمِلَ لَهُ . فَفَعَلُوا ، ثُمَّ قَالُوا : يَا مُعَلِّمَ الْخَيْرِ ، قُلْتَ لَنَا : إِنَّ أَجْرَ الْعَامِلِ عَلَى مَنْ عَمِلَ لَهُ وَأَمَرْتَنَا أَنْ نَصُومَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ، فَفَعَلْنَا ، وَلَمْ نَكُنْ نَعْمَلُ لِأَحَدٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا إِلَّا أَطْعَمَنَا حِينَ نَفْرُغُ طَعَامًا ، فَهَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ؟ قَالَ
عِيسَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=112اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ . قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ . قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ) قَالَ : فَأَقْبَلَتِ الْمَلَائِكَةُ تَطِيرُ بِمَائِدَةٍ مِنَ السَّمَاءِ ، عَلَيْهَا سَبْعَةُ أَحْوَاتٍ وَسَبْعَةُ أَرْغِفَةٍ ، حَتَّى وَضَعَتْهَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ، فَأَكَلَ مِنْهَا آخِرُ النَّاسِ كَمَا أَكَلَ مِنْهَا أَوَّلُهُمْ .
كَذَا رَوَاهُ
ابْنُ جَرِيرٍ وَرَوَاهُ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17418يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى ، عَنِ
ابْنِ وَهْبٍ ، عَنِ
اللَّيْثِ ، عَنْ
عُقَيْلٍ ، عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ ، قَالَ : كَانَ
ابْنُ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ .
وَقَالَ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا : حَدَّثَنَا
سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ، حَدَّثَنَا
أَبُو زُرْعَةَ وَهْبُ اللَّهِ بْنُ رَاشِدٍ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16581عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ ، أَنَّ
ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ; أَنَّ
عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَالُوا لَهُ : ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ ، قَالَ : فَنَزَلَتِ الْمَلَائِكَةُ بِمَائِدَةٍ يَحْمِلُونَهَا ، عَلَيْهَا سَبْعَةُ أَحْوَاتٍ ، وَسَبْعَةُ أَرْغِفَةٍ ، فَأَكَلَ مِنْهَا آخِرُ النَّاسِ كَمَا أَكَلَ مِنْهَا أَوَّلُهُمْ .
وَقَالَ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ قَزَعَةَ الْبَاهِلِيُّ ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ بْنُ حَبِيبٍ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=12514سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ
قَتَادَةَ ، عَنْ
خِلَاسٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=56عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : " نَزَلَتِ الْمَائِدَةُ مِنَ السَّمَاءِ ، عَلَيْهَا خُبْزٌ وَلَحْمٌ ، وَأَمَرُوا أَنْ لَا يَخُونُوا وَلَا يَرْفَعُوا لِغَدٍ ، فَخَانُوا وَادَّخَرُوا وَرَفَعُوا ، فَمُسِخُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ "
وَكَذَا رَوَاهُ
ابْنُ جَرِيرٍ ، عَنِ
الْحَسَنِ بْنِ قَزَعَةَ ثُمَّ رَوَاهُ
ابْنُ جَرِيرٍ ، عَنِ
ابْنِ بَشَّارٍ ، عَنِ
ابْنِ أَبِي [ ص: 227 ] عَدِيٍّ ، عَنْ
سَعِيدٍ ، عَنْ
قَتَادَةَ ، عَنْ
خِلَاسٍ ، عَنْ
عَمَّارٍ ، قَالَ : نَزَلَتِ الْمَائِدَةُ وَعَلَيْهَا ثَمَرٌ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ ، فَأُمِرُوا أَلَّا يَخُونُوا وَلَا يُخَبِّئُوا وَلَا يَدَّخِرُوا . قَالَ : فَخَانَ الْقَوْمُ وَخَبَّئُوا وَادَّخَرُوا ، فَمَسَخَهُمُ اللَّهُ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ .
وَقَالَ
ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْأَعْلَى ، حَدَّثَنَا
دَاوُدُ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16052سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ
بَنِي عِجْلٍ ، قَالَ : صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ
nindex.php?page=showalam&ids=56عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ : هَلْ تَدْرِي كَيْفَ كَانَ شَأْنُ مَائِدَةِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ : قُلْتُ : لَا قَالَ : إِنَّهُمْ سَأَلُوا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ مَائِدَةً يَكُونُ عَلَيْهَا طَعَامٌ يَأْكُلُونَ مِنْهُ لَا يَنْفَدُ ، قَالَ : فَقِيلَ لَهُمْ : فَإِنَّهَا مُقِيمَةٌ لَكُمْ مَا لَمْ تُخَبِّؤُوا ، أَوْ تَخُونُوا ، أَوْ تَرْفَعُوا ، فَإِنْ فَعَلْتُمْ فَإِنِّي مُعَذِّبُكُمْ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ، قَالَ : فَمَا مَضَى يَوْمُهُمْ حَتَّى خَبَّؤُوا وَرَفَعُوا وَخَانُوا ، فَعُذِّبُوا عَذَابًا لَمْ يُعَذَّبْهُ أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ . وَإِنَّكُمْ - مَعْشَرَ الْعَرَبِ - كُنْتُمْ تَتَّبِعُونَ أَذْنَابَ الْإِبِلِ وَالشَّاءِ ، فَبَعَثَ اللَّهُ فِيكُمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ ، تَعْرِفُونَ حَسَبَهُ وَنَسَبَهُ ، وَأَخْبَرَكُمْ أَنَّكُمْ سَتَظْهَرُونَ عَلَى الْعَجَمِ ، وَنَهَاكُمْ أَنْ تَكْتَنِزُوا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ . وَأَيْمُ اللَّهِ ، لَا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى تَكْنِزُوهُمَا وَيُعَذِّبُكُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا .
وَقَالَ : حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ ، حَدَّثَنَا
حُسَيْنٌ ، حَدَّثَنِي
حَجَّاجٌ ، عَنْ
أَبِي مَعْشَرٍ ، عَنْ
إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، أَنَّ الْمَائِدَةَ نَزَلَتْ عَلَى
عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، عَلَيْهَا سَبْعَةُ أَرْغِفَةٍ وَسَبْعَةُ أَحْوَاتٍ ، يَأْكُلُونَ مِنْهَا مَا شَاؤُوا . قَالَ : فَسَرَقَ بَعْضُهُمْ مِنْهَا وَقَالَ : " لَعَلَّهَا لَا تَنْزِلُ غَدًا " . فَرُفِعَتْ .
وَقَالَ
الْعَوْفِيُّ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : نَزَلَتْ عَلَى
عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَالْحَوَارِيِّينَ ، خِوَانٌ عَلَيْهِ خُبْزٌ وَسَمَكٌ ، يَأْكُلُونَ مِنْهُ أَيْنَمَا نَزَلُوا إِذَا شَاؤُوا . وَقَالَ
خُصَيْفٌ ، عَنْ
عِكْرِمَةَ ومِقْسَمٍ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : كَانَتِ الْمَائِدَةُ سَمَكَةً وَأَرْغِفَةً . وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : هُوَ طَعَامٌ كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ حَيْثُ نَزَلُوا . وَقَالَ
أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ : نَزَلَتِ الْمَائِدَةُ خُبْزًا وَسَمَكًا . وَقَالَ
عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ : الْمَائِدَةُ سَمَكٌ فِيهِ طَعْمُ كُلِّ شَيْءٍ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17285وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ : أَنْزَلَهَا مِنَ السَّمَاءِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَكَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ فِي تِلْكَ الْمَائِدَةِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ ، فَأَكَلُوا مَا شَاؤُوا مِنْ ضُرُوبٍ شَتَّى ، فَكَانَ يَقْعُدُ عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ آلَافٍ ، فَإِذَا أَكَلُوا أَبْدَلَ اللَّهُ مَكَانَ ذَلِكَ لِمِثْلِهِمْ . فَلَبِثُوا عَلَى ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17285وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ : نَزَّلَ عَلَيْهِمْ قُرْصَةً مِنْ شَعِيرٍ وَأَحْوَاتٍ ، وَحَشَا اللَّهُ بَيْنَ أَضْعَافِهِنَّ الْبَرَكَةَ ، فَكَانَ قَوْمٌ يَأْكُلُونَ ثُمَّ يَخْرُجُونَ ، ثُمَّ يَجِيءُ آخَرُونَ فَيَأْكُلُونَ ثُمَّ يَخْرُجُونَ ، حَتَّى أَكَلَ جَمِيعُهُمْ وَأَفْضَلُوا .
وَقَالَ
الْأَعْمَشُ ، عَنْ
مُسْلِمٍ ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : أُنْزِلَ عَلَيْهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا اللَّحْمُ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16004سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ
عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ
زَاذَانَ وَمَيْسَرَةَ وَجَرِيرٍ ، عَنْ
عَطَاءٍ ، عَنْ
مَيْسَرَةَ [ ص: 228 ] قَالَ : كَانَتِ الْمَائِدَةُ إِذَا وُضِعَتْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اخْتَلَفَتْ عَلَيْهِمُ الْأَيْدِي بِكُلِّ طَعَامٍ إِلَّا اللَّحْمَ .
وَعَنْ
عِكْرِمَةَ : كَانَ خُبْزُ الْمَائِدَةِ مِنَ الْأُرْزِ . رَوَاهُ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ .
وَقَالَ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : أَخْبَرَنَا
جَعْفَرُ بْنُ عَلِيٍّ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=12427إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ ، حَدَّثَنِي
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِرْدَاسٍ الْعَبْدَرِيُّ - مَوْلَى بَنِي عَبْدِ الدَّارِ - عَنْ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17285وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12081أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ ، عَنْ
سَلْمَانَ الْخَيْرِ ; أَنَّهُ قَالَ : لَمَّا سَأَلَ
الْحَوَارِيُّونَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْمَائِدَةَ ، كَرِهَ ذَلِكَ جِدًّا وَقَالَ : اقْنَعُوا بِمَا رَزَقَكُمُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ ، وَلَا تَسْأَلُوا الْمَائِدَةَ مِنَ السَّمَاءِ ، فَإِنَّهَا إِنْ نَزَلَتْ عَلَيْكُمْ كَانَتْ آيَةً مِنْ رَبِّكُمْ ، وَإِنَّمَا هَلَكَتْ ثَمُودُ حِينَ سَأَلُوا نَبِيَّهُمْ آيَةً ، فَابْتُلُوا بِهَا حَتَّى كَانَ بَوَارُهُمْ فِيهَا . فَأَبَوْا إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِهَا ، فَلِذَلِكَ قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=113نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا ) الْآيَةَ .
فِلْمًا رَأَى
عِيسَى أَنْ قَدْ أَبَوْا إِلَّا أَنْ يَدْعُوَ لَهُمْ بِهَا ، قَامَ فَأَلْقَى عَنْهُ الصُّوفَ ، وَلَبِسَ الشَّعْرَ الْأَسْوَدَ ، وَجُبَّةً مِنْ شَعْرٍ ، وَعَبَاءَةً مِنْ شَعْرٍ ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَاغْتَسَلَ ، وَدَخَلَ مُصَلَّاهُ فَصَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَامَ قَائِمًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ وَصَفَّ قَدَمَيْهِ حَتَّى اسْتَوَيَا ، فَأَلْصَقَ الْكَعْبَ بِالْكَعْبِ وَحَاذَى الْأَصَابِعَ ، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فَوْقَ صَدْرِهِ ، وَغَضَّ بَصَرَهُ ، وَطَأْطَأَ رَأْسَهُ خُشُوعًا ، ثُمَّ أَرْسَلَ عَيْنَيْهِ بِالْبُكَاءِ ، فَمَا زَالَتْ دُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى خَدَّيْهِ وَتَقْطُرُ مِنْ أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ حَتَّى ابْتَلَّتِ الْأَرْضُ حِيَالَ وَجْهِهِ مِنْ خُشُوعِهِ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ دَعَا اللَّهَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=114اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ ) فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ سُفْرَةً حَمْرَاءَ بَيْنَ غَمَامَتَيْنِ : غَمَامَةٌ فَوْقَهَا وَغَمَامَةٌ تَحْتَهَا ، وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا فِي الْهَوَاءِ مُنْقَضَّةً مِنْ فَلَكِ السَّمَاءِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ
وَعِيسَى يَبْكِي خَوْفًا لِلشُّرُوطِ الَّتِي اتَّخَذَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ - فِيهَا : أَنَّهُ يُعَذِّبُ مَنْ يَكْفُرُ بِهَا مِنْهُمْ بَعْدَ نُزُولِهَا عَذَابًا لَمْ يُعَذِّبْهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالِمَيْنِ - وَهُوَ يَدْعُو اللَّهَ مِنْ مَكَانِهِ وَيَقُولُ : اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رَحْمَةً ، إِلَهِي لَا تَجْعَلْهَا عَذَابًا ، إِلَهِي كَمْ مِنْ عَجِيبَةٍ سَأَلْتُكَ فَأَعْطَيْتَنِي ، إِلَهِي اجْعَلْنَا لَكَ شَكَّارِينَ ، إِلَهِي أَعُوذُ بِكَ أَنْ تَكُونَ أَنْزَلْتَهَا غَضَبًا وَجَزَاءً ، إِلَهِي اجْعَلْهَا سَلَامَةً وَعَافِيَةً ، وَلَا تَجْعَلْهَا فِتْنَةً وَمُثْلَةً .
فَمَا زَالَ يَدْعُو حَتَّى اسْتَقَرَّتِ السُّفْرَةُ بَيْنَ يَدَيْ
عِيسَى وَالْحَوَارِيِّينَ وَأَصْحَابُهُ حَوْلَهُ ، يَجِدُونَ رَائِحَةً طَيِّبَةً لَمْ يَجِدُوا فِيمَا مَضَى رَائِحَةً مِثْلَهَا قَطُّ ، وَخَرَّ
عِيسَى وَالْحَوَارِيُّونَ لِلَّهِ سُجَّدًا شُكْرًا بِمَا رَزَقَهُمْ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَأَرَاهُمْ فِيهِ آيَةً عَظِيمَةً ذَاتَ عَجَبٍ وَعِبْرَةٍ ، وَأَقْبَلَتِ الْيَهُودُ يَنْظُرُونَ فَرَأَوْا أَمْرًا عَجِيبًا أَوْرَثَهُمْ كَمَدًا وَغَمًّا ، ثُمَّ انْصَرَفُوا بِغَيْظٍ شَدِيدٍ وَأَقْبَلَ
عِيسَى . وَالْحَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى جَلَسُوا حَوْلَ السُّفْرَةِ ، فَإِذَا عَلَيْهَا مِنْدِيلٌ مُغَطَّي . قَالَ
عِيسَى : مَنْ أَجْرَؤُنَا عَلَى كَشْفِ الْمِنْدِيلِ عَنْ هَذِهِ السُّفْرَةِ ، وَأَوْثَقُنَا بِنَفْسِهِ ، وَأَحْسَنُنَا بَلَاءً عِنْدَ رَبِّهِ؟ فَلْيَكْشِفْ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ حَتَّى نَرَاهَا ، وَنَحْمَدَ رَبَّنَا ، وَنُذَكِّرَ بِاسْمِهِ ، وَنَأْكُلَ مِنْ رِزْقِهِ الَّذِي رَزَقَنَا . فَقَالَ الْحَوَارِيُّونَ : يَا رُوحَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ ، أَنْتَ أَوْلَانَا بِذَلِكَ ، وَأَحَقُّنَا
[ ص: 229 ] بِالْكَشْفِ عَنْهَا . فَقَامَ
عِيسَى ، - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، وَاسْتَأْنَفَ وُضُوءًا جَدِيدًا ، ثُمَّ دَخَلَ مُصَلَّاهُ فَصَلَّى كَذَلِكَ رَكَعَاتٍ ، ثُمَّ بَكَى بُكَاءً طَوِيلًا وَدَعَا اللَّهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الْكَشْفِ عَنْهَا ، وَيَجْعَلَ لَهُ وَلِقَوْمِهِ فِيهَا بَرَكَةً وَرِزْقًا . ثُمَّ انْصَرَفَ فَجَلَسَ إِلَى السُّفْرَةِ وَتَنَاوَلَ الْمِنْدِيلَ ، وَقَالَ : " بِاسْمِ اللَّهِ خَيْرِ الرَّازِقِينَ " ، وَكَشَفَ عَنِ السُّفْرَةِ ، فَإِذَا هُوَ عَلَيْهَا سَمَكَةٌ ضَخْمَةٌ مَشْوِيَّةٌ ، لَيْسَ عَلَيْهَا بَوَاسِيرُ ، وَلَيْسَ فِي جَوْفِهَا شَوْكٌ ، يَسِيلُ السَّمْنُ مِنْهَا سَيْلًا قَدْ نُضِّدَ حَوْلَهَا بُقُولٌ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ غَيْرَ الْكُرَّاثِ ، وَعِنْدَ رَأْسِهَا خَلٌّ ، وَعِنْدَ ذَنَبِهَا مِلْحٌ ، وَحَوْلَ الْبُقُولِ خَمْسَةُ أَرْغِفَةٍ ، عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا زَيْتُونٌ ، وَعَلَى الْآخَرِ ثَمَرَاتٌ ، وَعَلَى الْآخَرِ خَمْسُ رُمَّانَاتٍ .
فَقَالَ
شَمْعُونُ رَأْسُ
الْحَوَارِيِّينَ لِعِيسَى : يَا رُوحَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ ، أَمِنْ طَعَامِ الدُّنْيَا هَذَا أَمْ مِنْ طَعَامِ الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ : أَمَا آنَ لَكُمْ أَنْ تَعْتَبِرُوا بِمَا تَرَوْنَ مِنَ الْآيَاتِ ، وَتَنْتَهُوا عَنْ تَنْقِيرِ الْمَسَائِلِ؟ مَا أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ أَنْ تُعَاقَبُوا فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ! فَقَالَ
شَمْعُونُ : وَإِلَهِ إِسْرَائِيلَ مَا أَرَدْتُ بِهَا سُؤَالًا يَا ابْنَ الصِّدِّيقَةِ . فَقَالَ
عِيسَى ، - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : لَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا تَرَوْنَ مِنْ طَعَامِ الْجَنَّةِ وَلَا مِنْ طَعَامِ الدُّنْيَا ، إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ ابْتَدَعَهُ اللَّهُ فِي الْهَوَاءِ بِالْقُدْرَةِ الْعَالِيَةِ الْقَاهِرَةِ ، فَقَالَ لَهُ : كُنْ . فَكَانَ أَسْرَعَ مِنْ طَرْفَةِ عَيْنٍ ، فَكُلُوا مِمَّا سَأَلْتُمْ بِاسْمِ اللَّهِ وَاحْمَدُوا عَلَيْهِ رَبَّكُمْ يُمِدُّكُمْ مِنْهُ وَيَزِدْكُمْ ، فَإِنَّهُ بَدِيعٌ قَادِرٌ شَاكِرٌ .
فَقَالُوا : يَا رُوحَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ ، إِنَّا نُحِبُّ أَنْ تُرِيَنَا آيَةً فِي هَذِهِ الْآيَةِ . فَقَالَ
عِيسَى : سُبْحَانَ اللَّهِ! أَمَا اكْتَفَيْتُمْ بِمَا رَأَيْتُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ حَتَّى تَسْأَلُوا فِيهَا آيَةً أُخْرَى؟ ثُمَّ أَقْبَلَ
عِيسَى ، - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، عَلَى السَّمَكَةِ ، فَقَالَ : يَا سَمَكَةُ ، عُودِي بِإِذْنِ اللَّهِ حَيَّةً كَمَا كُنْتِ . فَأَحْيَاهَا اللَّهُ بِقُدْرَتِهِ ، فَاضْطَرَبَتْ وَعَادَتْ بِإِذْنِ اللَّهِ حَيَّةً طَرِيَّةً ، تَلَمَّظُ كَمَا يَتَلَمَّظُ الْأَسَدُ ، تَدُورُ عَيْنَاهَا لَهَا بَصِيصٌ ، وَعَادَتْ عَلَيْهَا بَوَاسِيرُهَا . فَفَزِعَ الْقَوْمُ مِنْهَا وَانْحَازُوا . فَلَمَّا رَأَى
عِيسَى ذَلِكَ مِنْهُمْ قَالَ : مَا لَكُمْ تَسْأَلُونَ الْآيَةَ ، فَإِذَا أَرَاكُمُوهَا رَبُّكُمْ كَرِهْتُمُوهَا؟ مَا أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ أَنْ تُعَاقَبُوا بِمَا تَصْنَعُونَ! يَا سَمَكَةُ ، عُودِي بِإِذْنِ اللَّهِ كَمَا كُنْتِ . فَعَادَتْ بِإِذْنِ اللَّهِ مَشْوِيَّةً كَمَا كَانَتْ فِي خَلْقِهَا الْأَوَّلِ .
فَقَالُوا
لِعِيسَى : كُنْ أَنْتَ يَا رُوحَ اللَّهِ الَّذِي تَبْدَأُ بِالْأَكْلِ مِنْهَا ، ثُمَّ نَحْنُ بَعْدُ فَقَالَ
عِيسَى : مَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ! يَبْدَأُ بِالْأَكْلِ مِنْ طَلَبِهَا . فَلَمَّا رَأَى
الْحَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابُهُمُ امْتِنَاعَ نَبِيِّهِمْ مِنْهَا ، خَافُوا أَنْ يَكُونَ نُزُولُهَا سَخْطَةً وَفِي أَكْلِهَا مُثْلَةً ، فَتَحَامَوْهَا . فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ
عِيسَى دَعَا لَهَا الْفُقَرَاءَ وَالزَّمْنَى ، وَقَالَ : كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ ، وَدَعْوَةِ نَبِيِّكُمْ ، وَاحْمَدُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْزَلَهَا لَكُمْ ، فَيَكُونُ مَهْنَؤُهَا لَكُمْ ، وَعُقُوبَتُهَا عَلَى غَيْرِكُمْ ، وَافْتَتِحُوا أَكْلَكُمْ بِاسْمِ اللَّهِ ، وَاخْتِمُوهُ بِحَمْدِ اللَّهِ ، فَفَعَلُوا ، فَأَكَلَ مِنْهَا أَلْفٌ وَثَلَاثُمِائَةِ إِنْسَانٍ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ ، يُصْدِرُونَ عَنْهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَبْعَانُ يَتَجَشَّأُ ، وَنَظَرَ
عِيسَى وَالْحَوَارِيُّونَ فَإِذَا مَا عَلَيْهَا كَهَيْئَتِهِ إِذْ أُنْزِلَتْ مِنَ السَّمَاءِ ، لَمْ يَنْتَقِصْ مِنْهَا شَيْءٌ ، ثُمَّ إِنَّهَا رُفِعَتْ إِلَى السَّمَاءِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ
[ ص: 230 ] فَاسْتَغْنَى كُلُّ فَقِيرٍ أَكَلَ مِنْهَا ، وَبَرِئَ كُلُّ زَمِنٍ أَكَلَ مِنْهَا ، فَلَمْ يَزَالُوا أَغْنِيَاءَ صِحَاحًا حَتَّى خَرَجُوا مِنَ الدُّنْيَا .
وَنَدِمَ
الْحَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابُهُمُ الَّذِينَ أَبَوْا أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا نَدَامَةً ، سَالَتْ مِنْهَا أَشْفَارُهُمْ ، وَبَقِيَتْ حَسْرَتُهَا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْمَمَاتِ ، قَالَ : فَكَانَتِ الْمَائِدَةُ إِذَا نَزَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَقْبَلَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَيْهَا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ يَسْعَوْنَ يُزَاحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا : الْأَغْنِيَاءُ وَالْفُقَرَاءُ ، وَالصِّغَارُ وَالْكِبَارُ ، وَالْأَصِحَّاءُ وَالْمَرْضَى ، يَرْكَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا . فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ جَعَلَهَا نَوَائِبَ ، تَنْزِلُ يَوْمًا وَلَا تَنْزِلُ يَوْمًا . فَلَبِثُوا فِي ذَلِكَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ غِبًّا عِنْدَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى فَلَا تَزَالُ مَوْضُوعَةً يُؤْكَلُ مِنْهَا ، حَتَّى إِذَا قَامُوا ارْتَفَعَتْ عَنْهُمْ . بِإِذْنِ اللَّهِ إِلَى جَوِّ السَّمَاءِ ، وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى ظِلِّهَا فِي الْأَرْضِ حَتَّى تُوَارَى عَنْهُمْ .
قَالَ : فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى نَبِيِّهِ
عِيسَى ، - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، أَنِ اجْعَلْ رِزْقِيَ الْمَائِدَةَ ، لِلْيَتَامَى وَالْفُقَرَاءِ وَالزَّمْنَى دُونَ الْأَغْنِيَاءِ مِنَ النَّاسِ ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ ارْتَابَ بِهَا الْأَغْنِيَاءُ مِنَ النَّاسِ ، وغَمَطُوا ذَلِكَ ، حَتَّى شَكُّوا فِيهَا فِي أَنْفُسِهِمْ وَشَكَّكُوا فِيهَا النَّاسَ ، وَأَذَاعُوا فِي أَمْرِهَا الْقَبِيحَ وَالْمُنْكَرَ ، وَأَدْرَكَ الشَّيْطَانُ مِنْهُمْ حَاجَتَهُ ، وَقَذَفَ وَسْوَاسَهُ فِي قُلُوبِ الْمُرْتَابِينَ حَتَّى قَالُوا لِعِيسَى : أَخْبِرْنَا عَنِ الْمَائِدَةِ ، وَنُزُولِهَا مِنَ السَّمَاءِ أَحَقٌّ ، فَإِنَّهُ قَدِ ارْتَابَ بِهَا بَشَرٌ مِنَّا كَثِيرٌ؟ فَقَالَ
عِيسَى ، - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : هَلَكْتُمْ وَإِلَهِ الْمَسِيحِ! طَلَبْتُمُ الْمَائِدَةَ إِلَى نَبِيِّكُمْ أَنْ يَطْلُبَهَا لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ ، فَلَمَّا أَنْ فَعَلَ وَأَنْزَلَهَا عَلَيْكُمْ رَحْمَةً وَرِزْقًا ، وَأَرَاكُمْ فِيهَا الْآيَاتِ وَالْعِبَرَ كَذَّبْتُمْ بِهَا ، وَشَكَّكْتُمْ فِيهَا ، فَأَبْشِرُوا بِالْعَذَابِ ، فَإِنَّهُ نَازِلٌ بِكُمْ إِلَّا أَنْ يَرْحَمَكُمُ اللَّهُ .
وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى
عِيسَى : إِنِّي آخُذُ الْمُكَذِّبِينَ بِشَرْطِي ، فَإِنِّي مُعَذِّبٌ مِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ بِالْمَائِدَةِ بَعْدَ نُزُولِهَا عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ . قَالَ فَلَمَّا أَمْسَى الْمُرْتَابُونَ بِهَا وَأَخَذُوا مَضَاجِعَهُمْ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ مَعَ نِسَائِهِمْ آمِنِينَ ، فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ مَسَخَهُمُ اللَّهُ خَنَازِيرَ ، فَأَصْبَحُوا يَتَّبِعُونَ الْأَقْذَارَ فِي الْكَنَّاسَاتِ .
هَذَا أَثَرٌ غَرِيبٌ جِدًّا . قَطَّعَهُ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ ، وَقَدْ جَمَعْتُهُ أَنَا لَهُ لِيَكُونَ سِيَاقُهُ أَتَمَّ وَأَكْمَلَ ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
وَكُلُّ هَذِهِ الْآثَارِ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمَائِدَةَ نَزَلَتْ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ، أَيَّامَ
عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، إِجَابَةً مِنَ اللَّهِ لِدَعْوَتِهِ ، وَكَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ ظَاهِرُ هَذَا السِّيَاقِ مِنَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=115قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ ) الْآيَةَ .
[ ص: 231 ]
وَقَدْ قَالَ قَائِلُونَ : إِنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ . فَرَوَى
لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=114أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ ) قَالَ : هُوَ مَثَلٌ ضُرِبَ ، وَلَمْ يَنْزِلْ شَيْءٌ .
رَوَاهُ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ nindex.php?page=showalam&ids=16935وَابْنُ جَرِيرٍ . ثُمَّ قَالَ
ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنِي
الْحَارِثُ ، حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ - هُوَ ابْنُ سَلَّامٍ - حَدَّثَنَا
حَجَّاجٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ قَالَ : مَائِدَةٌ عَلَيْهَا طَعَامٌ ، أَبَوْهَا حِينَ عُرِضَ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ إِنْ كَفَرُوا ، فَأَبَوْا أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ .
وَقَالَ أَيْضًا : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ ، عَنْ
مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ ، عَنِ
الْحَسَنِ ; أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَائِدَةِ : لَمْ تَنْزِلْ .
وَحَدَّثَنَا
بِشْرٌ ، حَدَّثَنَا
يَزِيدُ ، حَدَّثَنَا
سَعِيدٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ قَالَ : كَانَ
الْحَسَنُ يَقُولُ : لَمَّا قِيلَ لَهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=115فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ) قَالُوا : لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهَا ، فَلَمْ تَنْزِلْ .
وَهَذِهِ أَسَانِيدٌ صَحِيحَةٌ إِلَى
مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ ، وَقَدْ يَتَقَوَّى ذَلِكَ بِأَنَّ خَبَرَ الْمَائِدَةِ لَا تَعْرِفُهُ النَّصَارَى وَلَيْسَ هُوَ فِي كِتَابِهِمْ ، وَلَوْ كَانَتْ قَدْ نَزَلَتْ لَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ ، وَكَانَ يَكُونُ مَوْجُودًا فِي كِتَابِهِمْ مُتَوَاتِرًا ، وَلَا أَقَلَّ مِنَ الْآحَادِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَلَكِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهَا نَزَلَتْ ، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ
ابْنُ جَرِيرٍ ، قَالَ : لِأَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ بِنُزُولِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=115إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ) قَالَ : وَوَعْدُ اللَّهُ وَوَعِيدُهُ حَقٌّ وَصِدْقٌ .
وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - الصَّوَابُ ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ وَالْآثَارُ عَنِ السَّلَفِ وَغَيْرِهِمْ . وَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ التَّارِيخِ أَنَّ
مُوسَى بْنَ نُصَيْرٍ نَائِبَ
بَنِي أُمَيَّةَ فِي فُتُوحِ
بِلَادِ الْمَغْرِبِ ، وَجَدَ الْمَائِدَةَ هُنَالِكَ مُرَصَّعَةً بِاللَّآلِئِ وَأَنْوَاعِ الْجَوَاهِرِ ، فَبَعَثَ بِهَا إِلَى
أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ، بَانِي جَامِعِ
دِمَشْقَ ، فَمَاتَ وَهِيَ فِي الطَّرِيقِ ، فَحُمِلَتْ إِلَى أَخِيهِ
سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْخَلِيفَةِ بَعْدَهُ ، فَرَآهَا النَّاسُ وَتَعَجَّبُوا مِنْهَا كَثِيرًا لِمَا فِيهَا مِنَ الْيَوَاقِيتِ النَّفِيسَةِ وَالْجَوَاهِرِ الْيَتِيمَةِ . وَيُقَالُ إِنَّ هَذِهِ الْمَائِدَةَ كَانَتْ
لِسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ ، عَنْ
سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ ، عَنْ
عِمْرَانَ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَتْ
قُرَيْشٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ادْعُ لَنَا رَبَّكَ أَنْ يَجْعَلَ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا وَنُؤْمِنُ بِكَ قَالَ : " وَتَفْعَلُونَ؟ " قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ : فَدَعَا ، فَأَتَاهُ
جِبْرِيلُ فَقَالَ : إِنَّ رَبَّكَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ ، وَيَقُولُ لَكَ : إِنْ شِئْتَ أَصْبَحَ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا ، فَمَنْ كَفَرَ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ عَذَّبْتُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ، وَإِنْ شِئْتَ فَتَحْتُ لَهُمْ بَابَ التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ . قَالَ : " بَلْ بَابُ التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ " .
[ ص: 232 ]
ثُمَّ رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ nindex.php?page=showalam&ids=14070وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ ، مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=16004سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، بِهِ .