الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين [ ص: 54 ] هذا تكرير ثالث لفعل ( قل ) من قوله قل هو الذي أنشأكم الآية .

وجاء هذا الأمر بقول يقوله لهم بمناسبة قوله ( أو رحمنا ) فإنه بعد أن سوى بين فرض إهلاك المسلمين وإحيائهم في أن أي الحالين فرض لا يجيرهم معه أحد من العذاب ، أعقبه بأن المسلمين آمنوا بالرحمان ، فهم مظنة أن تتعلق بهم هذه الصفة فيرحمهم الله في الدنيا والآخرة ، فيعلم المشركون علم اليقين أي الفريقين في ضلال حين يرون أثر الرحمة على المسلمين وانتفاءه عن المشركين في الدنيا وخاصة في الآخرة .

وضمير ( هو ) عائد إلى الله تعالى الواقع في الجملة قبله ، أي الله هو الذي وصفه ( الرحمان ) فهو يرحمنا ، وأنكم أنكرتم هذا الاسم فأنتم أحرياء بأن تحرموا آثار رحمته . ونحن توكلنا عليه دون غيره ، وأنتم غركم عزكم وجعلتم الأصنام معتمدكم ووكلاءكم .

وبهذه التوطئة يقع الإيماء إلى الجانب المهتدي والجانب الضال من قوله فستعلمون من هو في ضلال مبين لأنه يظهر بادئ تأمل أن الذين في ضلال مبين هم الذين جحدوا وصف الرحمن وتوكلوا على الأوثان .

و ( من ) موصولة ، وماصدق ( من ) فريق مبهم متردد بين فريقين تضمنها قوله إن أهلكني الله ومن معي وقوله فمن يجير الكافرين ، فأحد الفريقين فريق النبيء - صلى الله عليه وسلم - ومن معه ، والآخر فريق الكافرين ، أي فستعلمون اتضاح الفريق الذي هو في ضلال مبين .

وتقديم معمول ( توكلنا ) عليه لإفادة الاختصاص ، أي توكلنا عليه دون غيره تعريضا بمخالفة حال المشركين إذ توكلوا على أصنامهم وأشركوا في التوكل مع الله ، أو نسوا التوكل على الله باشتغال فكرتهم بالتوجه إلى الأصنام .

وإنما لم يقدم معمول ( آمنا ) عليه فلم يقل : به آمنا ، لمجرد الاهتمام إلى الإخبار عن إيمانهم بالله لوقوعه عقب وصف الآخرين بالكفر في قوله فمن يجير الكافرين من عذاب أليم فإن هذا جواب آخر على تمنيهم له الهلاك وسلك به طريق التبكيت ، أي هو الرحمن يجيرنا من سوء ترومونه لنا لأننا آمنا به ولم نكفر به [ ص: 55 ] كما كفرتم ، فلم يكن المقصود في إيراده نفي الإشراك وإثبات التوحيد ؛ إذ الكلام في الإهلاك والإنجاء المعبر عنه ب ( رحمنا ) ، فجيء بجملة ( آمنا ) على أصل مجرد معناها دون قصد الاختصاص ، بخلاف قوله وعليه توكلنا ؛ لأن التوكل يقتضي منجيا وناصرا ، والمشركون متوكلون على أصنامهم وقوتهم وأموالهم ، فقيل : نحن لا نتكل على ما أنتم متوكلون عليه ، بل على الرحمن وحده توكلنا .

وفعل ( فستعلمون ) معلق عن العمل لمجيء الاستفهام بعده .

وقرأ الجمهور ( فستعلمون ) بتاء الخطاب على أنه مما أمر بقوله الرسول - صلى الله عليه وسلم - . وقرأه الكسائي بياء الغائب على أن يكون إخبارا من الله لرسوله بأنه سيعاقبهم عقاب الضالين .

التالي السابق


الخدمات العلمية