الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور )

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور )

                                                                                                                                                                                                                                            لما أمره بأن يكون كاملا في نفسه ، مكملا لغيره ، وكان يخشى بعدهما من أمرين ؛ أحدهما : التكبر على الغير بسبب كونه مكملا له ، والثاني : التبختر في النفس بسبب كونه كاملا في نفسه ؛ فقال : ( ولا تصعر خدك للناس ) تكبرا ( ولا تمش في الأرض مرحا ) تبخترا ؛ ( إن الله لا يحب كل مختال ) يعني من يكون به خيلاء ، وهو الذي يرى الناس عظمة نفسه ، وهو التكبر ؛ ( فخور ) يعني من يكون مفتخرا بنفسه ، وهو الذي يرى عظمة لنفسه في عينه ، وفي الآية لطيفة وهو أن الله تعالى قدم الكمال على التكميل ، حيث قال ( أقم الصلاة ) ثم قال : ( وأمر بالمعروف ) ، وفي النهي قدم ما يورثه التكميل على ما يورثه الكمال ، حيث قال : ( ولا تصعر خدك ) ثم قال : ( ولا تمش في الأرض مرحا ) ؛ لأن في طرف الإثبات من لا يكون كاملا لا يمكن أن يصير مكملا ، فقدم الكمال ، وفي طرف النفي من يكون متكبرا على غيره متبخترا ؛ لأنه لا يتكبر على الغير إلا عند اعتقاده أنه أكبر منه من وجه ، وأما من يكون متبخترا في نفسه لا يتكبر ، ويتوهم أنه يتواضع للناس ، فقدم نفي التكبر ثم نفي التبختر ; لأنه لو قد نفى التبختر للزم منه نفي التكبر ، فلا يحتاج إلى النهي عنه . ومثاله أنه لا يجوز أن يقال : لا تفطر ولا تأكل ; لأن من لا يفطر لا يأكل ، ويجوز أن يقال : لا تأكل ولا تفطر ; لأن من لا يأكل قد يفطر بغير الأكل ، ولقائل أن يقول : إن مثل هذا الكلام يكون للتفسير فيقول : لا تفطر ولا تأكل ، أي لا تفطر بأن تأكل ، ولا يكون نهيين بل واحدا .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية