(
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33ياأيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور )
[ ص: 143 ] لما ذكر الدلائل من أول السورة إلى آخرها
nindex.php?page=treesubj&link=19864وعظ بالتقوى ؛ لأنه تعالى لما كان واحدا أوجب التقوى البالغة ، فإن من يعلم أن الأمر بيد اثنين لا يخاف أحدهما مثل ما يخاف لو كان الأمر بيد أحدهما لا غير ، ثم أكد الخوف بذكر اليوم الذي يحكم الله فيه بين العباد ; وذلك لأن الملك إذا كان واحدا ويعهد منه أنه لا يعلم شيئا ولا يستعرض عباده ، لا يخاف منه مثل ما يخاف إذا علم أن له يوم استعراض واستكشاف ، ثم أكده بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33لا يجزي والد عن ولده ) وذلك لأن المجرم إذا علم أن له عند الملك من يتكلم في حقه ويقضي ما يخرج عليه برفد من كسبه لا يخاف مثل ما يخاف إذا علم أنه ليس له من يقضي عنه ما يخرج عليه ، ثم ذكر شخصين في غاية الشفقة والمحبة ، وهما الوالد والولد ليستدل بالأدنى على الأعلى ، وذكر الولد والوالد جميعا فيه لطيفة ، وهي أن
nindex.php?page=treesubj&link=30530_18000من الأمور ما يبادر الأب إلى التحمل عن الولد كدفع المال وتحمل الآلام ، والولد لا يبادر إلى تحمله عن الوالد مثل ما يبادر الوالد إلى تحمله عن الولد ، ومنها
nindex.php?page=treesubj&link=30530_32469ما يبادر الولد إلى تحمله عن الوالد ولا يبادر الوالد إلى تحمله عن الولد كالإهانة ، فإن من يريد إحضار والد أحد عند وال أو قاض يهون على الابن أن يدفع الإهانة عن والده ، ويحضر هو بدله ، فإذا انتهى الأمر إلى الإيلام يهون على الأب أن يدفع الإيلام عن ابنه ويتحمله هو بنفسه ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33لا يجزي والد عن ولده ) في دفع الآلام (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ) في دفع الإهانة ، وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33لا يجزي ) .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33ولا مولود هو جاز ) لطيفة أخرى ، وهي أنا ذكرنا أن الفعل يتأتى وإن كان ممن لا ينبغي ولا يكون من شأنه ; لأن الملك إذا كان يخيط شيئا ، يقال إنه يخيط ولا يقال هو خياط ، وكذلك من يحيك شيئا ، ولا يكون ذلك صنعته ، يقال هو يحيك ولا يقال هو حائك ، إذا علمت هذا فنقول : الابن من شأنه أن يكون جازيا عن والده ؛ لما له عليه من الحقوق ، والوالد يجزي لما فيه من الشفقة ، وليس بواجب عليه ذلك ، فقال في الوالد لا يجزي ، وقال في الولد (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33ولا مولود هو جاز ) .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33إن وعد الله حق ) وهو يحتمل وجهين .
أحدهما : أن يكون تحقيقا لليوم ، يعني اخشوا يوما هذا شأنه ، وهو كائن لوعد الله به ، ووعده حق .
والثاني : أن يكون تحقيقا لعدم الجزاء ، يعني : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33لا يجزي والد عن ولده ) لأن الله وعد بـ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=164ولا تزر وازرة وزر أخرى ) [ الأنعام : 164 ] ووعد الله حق ، فلا يجزي . والأول أحسن وأظهر .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33فلا تغرنكم الحياة الدنيا ) يعني إذا كان الأمر كذلك فلا تغتروا بالدنيا ، فإنها زائلة لوقوع ذلك اليوم المذكور بالوعد الحق .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33ولا يغرنكم بالله الغرور ) يعني
nindex.php?page=treesubj&link=29497_1970_30180الدنيا لا ينبغي أن تغركم بنفسها ، ولا ينبغي أن تغتروا بها ، وإن حملكم على محبتها غار من نفس أمارة أو شيطان ، فكان الناس على أقسام : منهم من تدعوه الدنيا إلى نفسها فيميل إليها ، ومنهم من يوسوس في صدره الشيطان ويزين في عينه الدنيا ، ويؤمله ويقول : إنك تحصل بها الآخرة أو تلتذ بها ، ثم تتوب فتجتمع لك الدنيا والآخرة ، فنهاهم عن الأمرين ، وقال : كونوا قسما ثالثا : وهم الذين لا يلتفتون إلى الدنيا ولا إلى من يحسن الدنيا في الأعين .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ )
[ ص: 143 ] لَمَّا ذَكَرَ الدَّلَائِلَ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إِلَى آخِرِهَا
nindex.php?page=treesubj&link=19864وَعَظَ بِالتَّقْوَى ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا كَانَ وَاحِدًا أَوْجَبَ التَّقْوَى الْبَالِغَةَ ، فَإِنَّ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ الْأَمْرَ بِيَدِ اثْنَيْنِ لَا يَخَافُ أَحَدُهُمَا مِثْلَ مَا يَخَافُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ بِيَدِ أَحَدِهِمَا لَا غَيْرُ ، ثُمَّ أَكَّدَ الْخَوْفَ بِذِكْرِ الْيَوْمِ الَّذِي يَحْكُمُ اللَّهُ فِيهِ بَيْنَ الْعِبَادِ ; وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَلِكَ إِذَا كَانَ وَاحِدًا وَيَعْهَدُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ شَيْئًا وَلَا يَسْتَعْرِضُ عِبَادَهُ ، لَا يَخَافُ مِنْهُ مِثْلَ مَا يَخَافُ إِذَا عَلِمَ أَنَّ لَهُ يَوْمَ اسْتِعْرَاضٍ وَاسْتِكْشَافٍ ، ثُمَّ أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُجْرِمَ إِذَا عَلِمَ أَنَّ لَهُ عِنْدَ الْمَلِكِ مَنْ يَتَكَلَّمُ فِي حَقِّهِ وَيَقْضِي مَا يَخْرُجُ عَلَيْهِ بِرِفْدٍ مِنْ كَسْبِهِ لَا يَخَافُ مِثْلَ مَا يَخَافُ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْ يَقْضِي عَنْهُ مَا يَخْرُجُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ شَخْصَيْنِ فِي غَايَةِ الشَّفَقَةِ وَالْمَحَبَّةِ ، وَهُمَا الْوَالِدُ وَالْوَلَدُ لِيَسْتَدِلَّ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى ، وَذِكْرُ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ جَمِيعًا فِيهِ لَطِيفَةٌ ، وَهِيَ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=30530_18000مِنَ الْأُمُورِ مَا يُبَادِرُ الْأَبُ إِلَى التَّحَمُّلِ عَنِ الْوَلَدِ كَدَفْعِ الْمَالِ وَتَحَمُّلِ الْآلَامِ ، وَالْوَلَدُ لَا يُبَادِرُ إِلَى تَحَمُّلِهِ عَنِ الْوَالِدِ مِثْلَ مَا يُبَادِرُ الْوَالِدُ إِلَى تَحَمُّلِهِ عَنِ الْوَلَدِ ، وَمِنْهَا
nindex.php?page=treesubj&link=30530_32469مَا يُبَادِرُ الْوَلَدُ إِلَى تَحَمُّلِهِ عَنِ الْوَالِدِ وَلَا يُبَادِرُ الْوَالِدُ إِلَى تَحَمُّلِهِ عَنِ الْوَلَدِ كَالْإِهَانَةِ ، فَإِنَّ مَنْ يُرِيدُ إِحْضَارَ وَالِدِ أَحَدٍ عِنْدَ وَالٍ أَوْ قَاضٍ يَهُونُ عَلَى الِابْنِ أَنْ يَدْفَعَ الْإِهَانَةَ عَنْ وَالِدِهِ ، وَيَحْضُرَ هُوَ بَدَلَهُ ، فَإِذَا انْتَهَى الْأَمْرُ إِلَى الْإِيلَامِ يَهُونُ عَلَى الْأَبِ أَنْ يَدْفَعَ الْإِيلَامَ عَنِ ابْنِهِ وَيَتَحَمَّلَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ ) فِي دَفْعِ الْآلَامِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا ) فِي دَفْعِ الْإِهَانَةِ ، وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33لَا يَجْزِي ) .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ ) لَطِيفَةٌ أُخْرَى ، وَهِيَ أَنَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الْفِعْلَ يَتَأَتَّى وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَنْبَغِي وَلَا يَكُونُ مِنْ شَأْنِهِ ; لِأَنَّ الْمَلِكَ إِذَا كَانَ يَخِيطُ شَيْئًا ، يُقَالُ إِنَّهُ يَخِيطُ وَلَا يُقَالُ هُوَ خَيَّاطٌ ، وَكَذَلِكَ مَنْ يَحِيكُ شَيْئًا ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ صَنْعَتَهُ ، يُقَالُ هُوَ يَحِيكُ وَلَا يُقَالُ هُوَ حَائِكٌ ، إِذَا عَلِمْتَ هَذَا فَنَقُولُ : الِابْنُ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ جَازِيًا عَنْ وَالِدِهِ ؛ لِمَا لَهُ عَلَيْهِ مِنَ الْحُقُوقِ ، وَالْوَالِدُ يَجْزِي لِمَا فِيهِ مِنَ الشَّفَقَةِ ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ ذَلِكَ ، فَقَالَ فِي الْوَالِدِ لَا يَجْزِي ، وَقَالَ فِي الْوَلَدِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ ) .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ) وَهُوَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ .
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ تَحْقِيقًا لِلْيَوْمِ ، يَعْنِي اخْشَوْا يَوْمًا هَذَا شَأْنُهُ ، وَهُوَ كَائِنٌ لِوَعْدِ اللَّهِ بِهِ ، وَوَعْدُهُ حَقٌّ .
وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ تَحْقِيقًا لِعَدَمِ الْجَزَاءِ ، يَعْنِي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ ) لِأَنَّ اللَّهَ وَعَدَ بِـ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=164وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) [ الْأَنْعَامِ : 164 ] وَوَعْدُ اللَّهِ حَقٌّ ، فَلَا يَجْزِي . وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَأَظْهَرُ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ) يَعْنِي إِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا تَغْتَرُّوا بِالدُّنْيَا ، فَإِنَّهَا زَائِلَةٌ لِوُقُوعِ ذَلِكَ الْيَوْمِ الْمَذْكُورِ بِالْوَعْدِ الْحَقِّ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ) يَعْنِي
nindex.php?page=treesubj&link=29497_1970_30180الدُّنْيَا لَا يَنْبَغِي أَنْ تَغُرَّكُمْ بِنَفْسِهَا ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَغْتَرُّوا بِهَا ، وَإِنْ حَمَلَكُمْ عَلَى مَحَبَّتِهَا غَارٌّ مِنْ نَفْسٍ أَمَّارَةٍ أَوْ شَيْطَانٍ ، فَكَانَ النَّاسُ عَلَى أَقْسَامٍ : مِنْهُمْ مَنْ تَدْعُوهُ الدُّنْيَا إِلَى نَفْسِهَا فَيَمِيلُ إِلَيْهَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُوَسْوِسُ فِي صَدْرِهِ الشَّيْطَانُ وَيُزَيِّنُ فِي عَيْنِهِ الدُّنْيَا ، وَيُؤَمِّلُهُ وَيَقُولُ : إِنَّكَ تُحَصِّلُ بِهَا الْآخِرَةَ أَوْ تَلْتَذُّ بِهَا ، ثُمَّ تَتُوبُ فَتَجْتَمِعُ لَكَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ ، فَنَهَاهُمْ عَنِ الْأَمْرَيْنِ ، وَقَالَ : كُونُوا قِسْمًا ثَالِثًا : وَهُمُ الَّذِينَ لَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى الدُّنْيَا وَلَا إِلَى مَنْ يُحَسِّنُ الدُّنْيَا فِي الْأَعْيُنِ .