قوله تعالى :
nindex.php?page=treesubj&link=18896_19246_34290_34406_19248_18897_28988nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ، الآية \ 29 : هو مجاز عن البخل والجود ومراعاة الاقتصاد فيهما جميعا، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك : فلا تعطي من مالك شيئا.
ولما كان العطاء في الأكثر باليد غير غل اليد عن الإمساك، فالذي لا يعطي شيئا جعله بمنزلة من يده مغلولة إلى عنقه، والعرب تصف البخيل بضيق اليد، فيقولون : فلان ضيق الكفين إذا كان بخيلا، وقصير الباع، وفي ضده رحب الذراع طويل الباع طويل اليدين.
nindex.php?page=hadith&LINKID=661498وقال النبي عليه الصلاة والسلام لنسائه : "أسرعكن بي لحاقا أطولكن يدا".
وإنما أراد به كثرة الصدقة، فكانت
nindex.php?page=showalam&ids=15953زينب بنت جحش، لأنها كانت أكثرهن صدقة.
وقال الشاعر :
وما كان أكثرهم سواما . . . ولكن كان أرحبهم ذراعا
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29ولا تبسطها كل البسط ، فلا تخرج جميع ما في يدك مع حاجتك وحاجة عيالك.
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29فتقعد ملوما محسورا ، يعني ذا حسرة على ما خرج من يدك.
[ ص: 257 ] وهذا الخطاب لغير النبي عليه الصلاة والسلام، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يدخر شيئا لغد، وكان يجوع حتى يشد الحجر على بطنه.
وقد كان كثير من فضلاء أصحابه ينفقون في سبيل الله جميع أملاكهم، فلم يعنفهم النبي عليه الصلاة والسلام، ولم ينكر عليهم لصحة يقينهم وشدة بصائرهم.
وإنما نهى الله تعالى عن الإفراط في الإنفاق، وإخراج جميع ما احتوت عليه يده من المال، من خيف عليه الحسرة على ما خرج من يده، فأما من وثق بموعود الله تعالى وجزيل ثوابه فيما أنفقه فغير مراد بالآية.
وقد روي
nindex.php?page=hadith&LINKID=673348أن رجلا أتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فسلم إليه مثل بيضة من ذهب، فقال : يا رسول الله، أصبت هذه من معدن والله ما أملك غيرها، فأعرض عنه، فعاد ثانيا فأعرض عنه، فعاد ثالثا فأخذها النبي عليه الصلاة والسلام ورماه بها لو أصابته لعقرته، وقال : "يأتيني أحدكم بجميع ما يملكه ثم يقعد ويتكفف وجوه الناس".
وكان
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق رضي الله عنه ذا مال كثير، فأنفق جميع ماله على النبي عليه الصلاة والسلام، وفي سبيل الله، حتى بقي في عباءة، فلم يعنفه النبي عليه الصلاة والسلام ولم ينكر عليه.
فكل ذلك يدل على أن ذلك ليس بمخاطبة للنبي عليه الصلاة والسلام، وإنما خوطب به غيره مثل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=65لئن أشركت ليحبطن عملك .
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=94فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك .
[ ص: 258 ] فاقتضت هذه الآيات من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ، الأمر بالتوحيد والإحسان إلى الوالدين، وإلى ذي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل، والنهي عن تبذير المال وإنفاقه في معصية الله تعالى، والأمر بالاقتصاد في الإنفاق والنهي عن الإفراط.
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=treesubj&link=18896_19246_34290_34406_19248_18897_28988nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ ، الْآيَةَ \ 29 : هُوَ مَجَازٌ عَنِ الْبُخْلِ وَالْجُودِ وَمُرَاعَاةِ الِاقْتِصَادِ فِيهِمَا جَمِيعًا، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ : فَلَا تُعْطِي مِنْ مَالِكٍ شَيْئًا.
وَلَمَّا كَانَ الْعَطَاءُ فِي الْأَكْثَرِ بِالْيَدِ غَيْرَ غَلِّ الْيَدِ عَنِ الْإِمْسَاكِ، فَالَّذِي لَا يُعْطِي شَيْئًا جَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَدُهُ مَغْلُولَةٌ إِلَى عُنُقِهِ، وَالْعَرَبُ تَصِفُ الْبَخِيلَ بِضِيقِ الْيَدِ، فَيَقُولُونَ : فُلَانٌ ضَيِّقُ الْكَفَّيْنِ إِذَا كَانَ بَخِيلًا، وَقَصِيرُ الْبَاعِ، وَفِي ضِدِّهِ رَحْبُ الذِّرَاعِ طَوِيلُ الْبَاعِ طَوِيلُ الْيَدَيْنِ.
nindex.php?page=hadith&LINKID=661498وَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِنِسَائِهِ : "أَسْرَعُكُنَّ بِي لِحَاقًا أَطْوَلُكُنَّ يَدًا".
وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ كَثْرَةَ الصَّدَقَةِ، فَكَانَتْ
nindex.php?page=showalam&ids=15953زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، لِأَنَّهَا كَانَتْ أَكْثَرَهُنَّ صَدَقَةً.
وَقَالَ الشَّاعِرُ :
وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ سِوَامًا . . . وَلَكِنْ كَانَ أَرْحَبَهُمْ ذِرَاعًا
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ، فَلَا تُخْرِجْ جَمِيعَ مَا فِي يَدِكَ مَعَ حَاجَتِكَ وَحَاجَةِ عِيَالِكَ.
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ، يَعْنِي ذَا حَسْرَةٍ عَلَى مَا خَرَجَ مِنْ يَدِكَ.
[ ص: 257 ] وَهَذَا الْخِطَابُ لِغَيْرِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَدَّخِرُ شَيْئًا لِغَدٍ، وَكَانَ يَجُوعُ حَتَّى يَشُدَّ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِهِ.
وَقَدْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ فُضَلَاءِ أَصْحَابِهِ يُنْفِقُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ جَمِيعَ أَمْلَاكِهِمْ، فَلَمْ يُعَنِّفْهُمُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ لِصِحَّةِ يَقِينِهِمْ وَشِدَّةِ بَصَائِرِهِمْ.
وَإِنَّمَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْإِفْرَاطِ فِي الْإِنْفَاقِ، وَإِخْرَاجِ جَمِيعِ مَا احْتَوَتْ عَلَيْهِ يَدُهُ مِنَ الْمَالِ، مَنْ خِيفَ عَلَيْهِ الْحَسْرَةُ عَلَى مَا خَرَجَ مِنْ يَدِهِ، فَأَمَّا مَنْ وَثِقَ بِمَوْعُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَجَزِيلِ ثَوَابِهِ فِيمَا أَنْفَقَهُ فَغَيْرُ مُرَادٍ بِالْآيَةِ.
وَقَدْ رُوِيَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=673348أَنَّ رَجُلًا أَتَى إِلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَسَلَّمَ إِلَيْهِ مِثْلَ بَيْضَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَصَبْتُ هَذِهِ مِنْ مَعْدِنٍ وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهَا، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَعَادَ ثَانِيًا فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَعَادَ ثَالِثًا فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَرَمَاهُ بِهَا لَوْ أَصَابَتْهُ لَعَقَرَتْهُ، وَقَالَ : "يَأْتِينِي أَحَدُكُمْ بِجَمِيعِ مَا يَمْلِكُهُ ثُمَّ يَقْعُدُ وَيَتَكَفَّفُ وُجُوهَ النَّاسِ".
وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ، فَأَنْفَقَ جَمِيعَ مَالِهِ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، حَتَّى بَقِيَ فِي عَبَاءَةٍ، فَلَمْ يُعَنِّفْهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ.
فَكُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُخَاطَبَةٍ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَإِنَّمَا خُوطِبَ بِهِ غَيْرُهُ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=65لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=94فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ .
[ ص: 258 ] فَاقْتَضَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ، الْأَمْرَ بِالتَّوْحِيدِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ، وَإِلَى ذِي الْقُرْبَى، وَالْيَتَامَى، وَالْمَسَاكِينِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، وَالنَّهْيَ عَنْ تَبْذِيرِ الْمَالِ وَإِنْفَاقِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْأَمْرِ بِالِاقْتِصَادِ فِي الْإِنْفَاقِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْإِفْرَاطِ.