ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=68nindex.php?page=treesubj&link=30293_29010ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ) وفيه أبحاث :
الأول : لفظ القرآن دل على أن هذه النفخة متأخرة عن النفخة الأولى ; لأن لفظ "ثم" يفيد التراخي ، قال
الحسن رحمه الله : القرآن دل على أن هذه النفخة الأولى ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم : "
أن بينهما أربعين " ولا أدري أربعون يوما أو شهرا أو أربعون سنة أو أربعون ألف سنة .
الثاني : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=68أخرى ) تقدير الكلام ونفخ في الصور نفخة واحدة ثم نفخ فيه نفخة أخرى ، وإنما حسن الحذف لدلالة (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=68أخرى ) عليها ولكونها معلومة .
الثالث : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=68فإذا هم قيام ) يعني قيامهم من القبور يحصل عقيب هذه النفخة الأخيرة في الحال من غير تراخ ; لأن الفاء في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=68فإذا هم ) تدل على التعقيب .
الرابع : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=68ينظرون ) وفيه وجهان ; الأول : ينظرون : يقلبون أبصارهم في الجهات ، نظر المبهوت إذا فاجأه خطب عظيم . والثاني : ينظرون ماذا يفعل بهم ، ويجوز أن يكون القيام بمعنى الوقوف والخمود في مكان لأجل استيلاء الحيرة والدهشة عليهم .
ولما بين الله تعالى هاتين النفختين قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=69nindex.php?page=treesubj&link=29010_33691وأشرقت الأرض بنور ربها ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : هذه الأرض المذكورة ليست هي هذه الأرض التي يقعد عليها الآن ، بدليل قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=48يوم تبدل الأرض غير الأرض ) [إبراهيم : 48] وبدليل قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=14وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة ) [الحاقة : 14] بل هي أرض أخرى يخلقها الله تعالى لمحفل يوم القيامة .
المسألة الثانية : قالت المجسمة : إن الله تعالى نور محض ، فإذا حضر الله في تلك الأرض لأجل القضاء بين عباده أشرقت تلك الأرض بنور الله ، وأكدوا هذا بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=35الله نور السماوات والأرض ) [النور : 35] .
واعلم أن الجواب عن هذه الشبهة من وجوه :
الأول : أنا بينا في تفسير قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=35الله نور السماوات والأرض )
[ ص: 18 ] أنه
nindex.php?page=treesubj&link=33691لا يجوز أن يكون الله سبحانه وتعالى نورا ، بمعنى كونه من جنس هذه الأنوار المشاهدة ، وبينا أنه لما تعذر حمل الكلام على الحقيقة وجب حمل لفظ النور هاهنا على العدل ، فنحتاج هاهنا إلى بيان أن لفظ النور قد يستعمل في هذا المعنى ، ثم إلى بيان أن المراد من لفظ النور هاهنا ليس إلا هذا المعنى ، أما بيان الاستعمال فهو أن الناس يقولون للملك العادل : أشرقت الآفاق بعدلك ، وأضاءت الدنيا بقسطك ، كما يقولون : أظلمت البلاد بجورك ، وقال صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013652الظلم ظلمات يوم القيامة " وأما بيان أن المراد من النور هاهنا العدل فقط أنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=69وجيء بالنبيين والشهداء ) ومعلوم أن المجيء بالشهداء ليس إلا لإظهار العدل ، وأيضا قال في آخر الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=69وهم لا يظلمون ) فدل هذا على أن المراد من ذلك النور إزالة ذلك الظلم ، فكأنه تعالى فتح هذه الآية بإثبات العدل وختمها بنفي الظلم .
والوجه الثاني : في الجواب عن الشبهة المذكورة أن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=69وأشرقت الأرض بنور ربها ) يدل على أنه يحصل هناك نور مضاف إلى الله تعالى ، ولا يلزم كون ذلك صفة ذات الله تعالى ; لأنه يكفي في صدق الإضافة أدنى سبب ، فلما كان ذلك النور من خلق الله وشرفه بأن أضافه إلى نفسه ، كان ذلك النور نور الله ، كقوله : بيت الله ، وناقة الله وهذا الجواب أقوى من الأول ; لأن في هذا الجواب لا يحتاج إلى ترك الحقيقة والذهاب إلى المجاز .
والوجه الثالث : أنه قد قال : فلان رب هذه الأرض ورب هذه الدار ورب هذه الجارية ، ولا يبعد أن يكون رب هذه الأرض ملكا من الملوك ، وعلى هذا التقدير فلا يمتنع كونه نورا .
المسألة الثالثة : أنه تعالى ذكر في هذه الآية من أحوال ذلك اليوم أشياء :
أولها : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=69وأشرقت الأرض بنور ربها ) وقد سبق الكلام فيه .
وثانيها : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=69ووضع الكتاب ) وفي المراد بالكتاب وجوه ; الأول : أنه اللوح المحفوظ الذي يحصل فيه شرح أحوال عالم الدنيا إلى وقت قيام القيامة . الثاني : المراد كتب الأعمال كما قال تعالى في سورة سبحان : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=13وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ) [الإسراء : 13] وقال أيضا في آية أخرى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=49مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ) [الكهف : 49] .
وثالثها : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=69وجيء بالنبيين ) والمراد أن يكونوا شهداء على الناس ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=41فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) [النساء : 41] وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=109يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم ) [المائدة : 109]
ورابعها : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=69والشهداء ) والمراد ما قاله في (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ) [البقرة : 143] أو أراد بالشهداء المؤمنين ، وقال
مقاتل : يعني الحفظة ، ويدل عليه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=21وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ) [ق : 21] وقيل : أراد بالشهداء المستشهدين في سبيل الله .
ولما بين الله تعالى أنه يحضر في محفل القيامة جميع ما يحتاج إليه في فصل الحكومات وقطع الخصومات ، بين تعالى أنه يوصل إلى كل أحد حقه ، وعبر تعالى عن هذا المعنى بأربع عبارات ؛ أولها : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=69nindex.php?page=treesubj&link=30364وقضي بينهم بالحق ) وثانيها : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=69وهم لا يظلمون ) . وثالثها : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=70nindex.php?page=treesubj&link=28766_30531ووفيت كل نفس ما عملت ) أي وفيت كل نفس جزاء ما عملت . ورابعها : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=70nindex.php?page=treesubj&link=28781وهو أعلم بما يفعلون ) يعني أنه تعالى إذا لم يكن عالما بكيفيات أحوالهم فلعله لا يقضي بالحق ؛ لأجل عدم العلم ، أما إذا كان عالما بمقادير أفعالهم وبكيفياتها امتنع دخول الخطأ في ذلك الحكم ، فثبت أنه تعالى عبر عن هذا المقصود بهذه العبارات المختلفة ، والمقصود المبالغة في تقرير أن كل مكلف فإنه يصل إلى حقه .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=68nindex.php?page=treesubj&link=30293_29010ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ) وَفِيهِ أَبْحَاثٌ :
الْأَوَّلُ : لَفْظُ الْقُرْآنِ دَلَّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ النَّفْخَةَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنِ النَّفْخَةِ الْأُولَى ; لِأَنَّ لَفْظَ "ثُمَّ" يُفِيدُ التَّرَاخِيَ ، قَالَ
الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ : الْقُرْآنُ دَلَّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ النَّفْخَةَ الْأُولَى ، وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
أَنَّ بَيْنَهُمَا أَرْبَعِينَ " وَلَا أَدْرِي أَرْبَعُونَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ أَرْبَعُونَ سَنَةً أَوْ أَرْبَعُونَ أَلْفَ سَنَةٍ .
الثَّانِي : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=68أُخْرَى ) تَقْدِيرُ الْكَلَامِ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةً وَاحِدَةً ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ نَفْخَةٌ أُخْرَى ، وَإِنَّمَا حَسُنَ الْحَذْفُ لِدِلَالَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=68أُخْرَى ) عَلَيْهَا وَلِكَوْنِهَا مَعْلُومَةً .
الثَّالِثُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=68فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ ) يَعْنِي قِيَامَهُمْ مِنَ الْقُبُورِ يَحْصُلُ عَقِيبَ هَذِهِ النَّفْخَةِ الْأَخِيرَةِ فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ ; لِأَنَّ الْفَاءَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=68فَإِذَا هُمْ ) تَدُلُّ عَلَى التَّعْقِيبِ .
الرَّابِعُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=68يَنْظُرُونَ ) وَفِيهِ وَجْهَانِ ; الْأَوَّلُ : يَنْظُرُونَ : يُقَلِّبُونَ أَبْصَارَهُمْ فِي الْجِهَاتِ ، نَظَرَ الْمَبْهُوتِ إِذَا فَاجَأَهُ خَطْبٌ عَظِيمٌ . وَالثَّانِي : يَنْظُرُونَ مَاذَا يُفْعَلُ بِهِمْ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقِيَامُ بِمَعْنَى الْوُقُوفِ وَالْخُمُودِ فِي مَكَانٍ لِأَجْلِ اسْتِيلَاءِ الْحَيْرَةِ وَالدَّهْشَةِ عَلَيْهِمْ .
وَلَمَّا بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى هَاتَيْنِ النَّفْخَتَيْنِ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=69nindex.php?page=treesubj&link=29010_33691وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : هَذِهِ الْأَرْضُ الْمَذْكُورَةُ لَيْسَتْ هِيَ هَذِهِ الْأَرْضَ الَّتِي يُقْعَدُ عَلَيْهَا الْآنَ ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=48يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ ) [إِبْرَاهِيمَ : 48] وَبِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=14وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً ) [الْحَاقَّةِ : 14] بَلْ هِيَ أَرْضٌ أُخْرَى يَخْلُقُهَا اللَّهُ تَعَالَى لِمَحْفَلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَالَتِ الْمُجَسِّمَةُ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى نُورٌ مَحْضٌ ، فَإِذَا حَضَرَ اللَّهُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ لِأَجْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ أَشْرَقَتْ تِلْكَ الْأَرْضُ بِنُورِ اللَّهِ ، وَأَكَّدُوا هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=35اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) [النُّورِ : 35] .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْجَوَابَ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ مِنْ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّا بَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=35اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ )
[ ص: 18 ] أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=33691لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نُورًا ، بِمَعْنَى كَوْنِهِ مِنْ جِنْسِ هَذِهِ الْأَنْوَارِ الْمُشَاهَدَةِ ، وَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَجَبَ حَمْلُ لَفْظِ النُّورِ هَاهُنَا عَلَى الْعَدْلِ ، فَنَحْتَاجُ هَاهُنَا إِلَى بَيَانِ أَنَّ لَفْظَ النُّورِ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي هَذَا الْمَعْنَى ، ثُمَّ إِلَى بَيَانِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ لَفْظِ النُّورِ هَاهُنَا لَيْسَ إِلَّا هَذَا الْمَعْنَى ، أَمَّا بَيَانُ الِاسْتِعْمَالِ فَهُوَ أَنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ لِلْمَلِكِ الْعَادِلِ : أَشْرَقَتِ الْآفَاقُ بِعَدْلِكَ ، وَأَضَاءَتِ الدُّنْيَا بِقِسْطِكَ ، كَمَا يَقُولُونَ : أَظْلَمَتِ الْبِلَادُ بِجُورِكَ ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013652الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " وَأَمَّا بَيَانُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ النُّورِ هَاهُنَا الْعَدْلُ فَقَطْ أَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=69وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَجِيءَ بِالشُّهَدَاءِ لَيْسَ إِلَّا لِإِظْهَارِ الْعَدْلِ ، وَأَيْضًا قَالَ فِي آخِرِ الْآيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=69وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ إِزَالَةُ ذَلِكَ الظُّلْمِ ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى فَتَحَ هَذِهِ الْآيَةَ بِإِثْبَاتِ الْعَدْلِ وَخَتَمَهَا بِنَفْيِ الظُّلْمِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : فِي الْجَوَابِ عَنِ الشُّبْهَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=69وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَحْصُلُ هُنَاكَ نُورٌ مُضَافٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَلَا يَلْزَمُ كَوْنُ ذَلِكَ صِفَةَ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى ; لِأَنَّهُ يَكْفِي فِي صِدْقِ الْإِضَافَةِ أَدْنَى سَبَبٍ ، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ النُّورُ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ وَشَرَّفَهُ بِأَنْ أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ ، كَانَ ذَلِكَ النُّورُ نُورَ اللَّهِ ، كَقَوْلِهِ : بَيْتُ اللَّهِ ، وَنَاقَةُ اللَّهِ وَهَذَا الْجَوَابُ أَقْوَى مِنَ الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ فِي هَذَا الْجَوَابِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَرْكِ الْحَقِيقَةِ وَالذَّهَابِ إِلَى الْمَجَازِ .
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنَّهُ قَدْ قَالَ : فُلَانٌ رَبُّ هَذِهِ الْأَرْضِ وَرَبُّ هَذِهِ الدَّارِ وَرَبُّ هَذِهِ الْجَارِيَةِ ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ رَبُّ هَذِهِ الْأَرْضِ مَلِكًا مِنَ الْمُلُوكِ ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَلَا يَمْتَنِعُ كَوْنُهُ نُورًا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ أَحْوَالِ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَشْيَاءَ :
أَوَّلُهَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=69وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا ) وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِيهِ .
وَثَانِيهَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=69وَوُضِعَ الْكِتَابُ ) وَفِي الْمُرَادِ بِالْكِتَابِ وُجُوهٌ ; الْأَوَّلُ : أَنَّهُ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ الَّذِي يَحْصُلُ فِيهِ شَرْحُ أَحْوَالِ عَالَمِ الدُّنْيَا إِلَى وَقْتِ قِيَامِ الْقِيَامَةِ . الثَّانِي : الْمُرَادُ كُتُبُ الْأَعْمَالَ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ سُبْحَانَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=13وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا ) [الْإِسْرَاءِ : 13] وَقَالَ أَيْضًا فِي آيَةٍ أُخْرَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=49مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ) [الْكَهْفِ : 49] .
وَثَالِثُهَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=69وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ ) وَالْمُرَادُ أَنْ يَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=41فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ) [النِّسَاءِ : 41] وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=109يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ ) [الْمَائِدَةِ : 109]
وَرَابِعُهَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=69وَالشُّهَدَاءِ ) وَالْمُرَادُ مَا قَالَهُ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) [الْبَقَرَةِ : 143] أَوْ أَرَادَ بِالشُّهَدَاءِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَقَالَ
مُقَاتِلٌ : يَعْنِي الْحَفَظَةَ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=21وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ) [ق : 21] وَقِيلَ : أَرَادَ بِالشُّهَدَاءِ الْمُسْتَشْهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ .
وَلَمَّا بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَحْضُرُ فِي مَحْفِلِ الْقِيَامَةِ جَمِيعُ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي فَصْلِ الْحُكُومَاتِ وَقَطْعِ الْخُصُومَاتِ ، بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ يُوصِلُ إِلَى كُلِّ أَحَدٍ حَقَّهُ ، وَعَبَّرَ تَعَالَى عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِأَرْبَعِ عِبَارَاتٍ ؛ أَوَّلُهَا : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=69nindex.php?page=treesubj&link=30364وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ ) وَثَانِيهَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=69وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) . وَثَالِثُهَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=70nindex.php?page=treesubj&link=28766_30531وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ ) أَيْ وُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ جَزَاءَ مَا عَمِلَتْ . وَرَابِعُهَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=70nindex.php?page=treesubj&link=28781وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ ) يَعْنِي أَنَّهُ تَعَالَى إِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِكَيْفِيَّاتِ أَحْوَالِهِمْ فَلَعَلَّهُ لَا يَقْضِي بِالْحَقِّ ؛ لِأَجْلِ عَدَمِ الْعِلْمِ ، أَمَّا إِذَا كَانَ عَالِمًا بِمَقَادِيرَ أَفْعَالِهِمْ وَبِكَيْفِيَّاتِهَا امْتَنَعَ دُخُولُ الْخَطَأِ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ ، فَثَبَتَ أَنَّهُ تَعَالَى عَبَّرَ عَنْ هَذَا الْمَقْصُودِ بِهَذِهِ الْعِبَارَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ ، وَالْمَقْصُودُ الْمُبَالَغَةُ فِي تَقْرِيرِ أَنَّ كُلَّ مُكَلَّفٍ فَإِنَّهُ يَصِلُ إِلَى حَقِّهِ .