الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون

                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي شروع في النهي عن التجاوز في كيفية القول عند النبي عليه الصلاة والسلام بعد النهي عن التجاوز في نفس القول، والفعل وإعادة النداء مع قرب العهد به للمبالغة في الإيقاظ والتنبيه والإشعار باستقلال كل من الكلامين باستدعاء الاعتناء بشأنه أي: لا تبلغوا بأصواتكم وراء حد يبلغه عليه الصلاة والسلام بصوته، وقرئ "لا ترفعوا بأصواتكم" على أن الباء زائدة. ولا تجهروا له بالقول إذا كلمتموه. كجهر بعضكم لبعض أي: جهرا كائنا كالجهر الجاري فيما بينكم بل اجعلوا صوتكم أخفض من صوته عليه الصلاة والسلام وتعهدوا في مخاطبته اللين القريب من الهمس كما هو الدأب عند مخاطبة المهيب المعظم وحافظوا على مراعاة أبهة النبوة وجلالة مقدارها. وقيل: معنى: ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض لا تقولوا له يا محمد يا أحمد وخاطبوه بالنبوة. قال ابن عباس رضي الله عنهما لما نزلت هذه الآية قال أبو بكر: يا رسول الله ، والله لا أكلمك إلا السرار أو أخا السرار حتى ألقى الله تعالى. وعن عمر رضي الله عنه أنه كان يكلمه عليه الصلاة والسلام كأخي السرار لا يسمعه حتى يستفهمه وكان أبو بكر رضي الله عنه إذا قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوفود أرسل إليهم من يعلمهم كيف يسلمون ويأمرهم بالسكينة والوقار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقوله تعالى: أن تحبط أعمالكم إما علة للنهي أي: لا تجهروا خشية أن تحبط أو كراهة أن تحبط كما في قوله تعالى: يبين الله لكم أن تضلوا أو للنهي أي: لا تجهروا لأجل الحبوط فإن الجهر حيث كان بصدد الأداء إلى الحبوط فكأنه فعل لأجله على طريقة التمثيل كقوله تعالى: ليكون لهم عدوا وحزنا وليس المراد بما نهي عنه من الرفع والجهر ما يقارنه الاستخفاف والاستهانة فإن ذلك كفر بل ما يتوهم أن يؤدي إليه مما يجري بينهم في أثناء المحاورة من الرفع والجهر حسبما يعرب عنه قوله تعالى: كجهر بعضكم [ ص: 117 ] لبعض خلا أن رفع الصوت فوق صوته عليه الصلاة والسلام لما كان منكرا محضا لم يقيد بشيء ولا ما يقع منهما في حرب أو مجادلة معاند أو إرهاب عدو أو نحو ذلك. وعن ابن عباس رضي الله عنهما نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وكان في أذنه وقر وكان جهوري الصوت وربما كان يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتأذى بصوته. وعن أنس رضي الله عنه أنه لما نزلت الآية فقد ثابت وتفقده عليه الصلاة والسلام فأخبر بشأنه فدعاه فسأله فقال: يا رسول الله لقد أنزلت إليك هذه الآية وإني رجل جهير الصوت فأخاف أن يكون عملي قد حبط فقال له عليه الصلاة والسلام: لست هناك إنك تعيش بخير وتموت بخير وإنك من أهل الجنة. وأما ما يروى عن الحسن من أنها نزلت في بعض المنافقين الذين كانوا يرفعون أصواتهم فوق صوته عليه الصلاة والسلام فقد قيل: محمله أن نهيهم مندرج تحت نهي المؤمنين بدلالة النص. وأنتم لا تشعرون حال من فاعل "تحبط" أي: والحال أنكم لا تشعرون بحبوطها وفيه مزيد تحذير مما نهوا عنه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية